وعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها تقول فاطمة: "لم تمزِّق الحرب بلادنا (ألمانيا) فحسب, وإنما تبعثَّرت عظمة أُمَّتنا، وتبدَّدت كافَّة المُثل التي كانت تبذل الأرواح من أجلها.

لقد أيقنتُ أن الضمير الفردي والمُثل الإنسانية المتعارف عليها في المجتمع لا تكفي وحدها لتكون مشاعل هداية أهتدي بها في حياتي, فلم أكن أحسُّ بالسعادة الحقَّة وأنا أتمتع بالنعيم الميسور لي من غير أن أُوَجِّه الشكر لأحد على كل هذا الخير الذي شملني، فاحتفظتُ بدفتر لتسجيل مذكراتي اليومية، ووجدتني مرَّة أُسَجِّل فيه العبارة التالية: "لقد كان يومًا بهيجًا؛ فشكرًا لك كثيرًا يا رب!

وأحسستُ في مبدأ الأمر بالخجل بيني وبين نفسي، لكني أيقنت بعد ذلك أنه لا يكفيني مجرَّد الإيمان بإله... حتى علمتُ أن من واجبي أن أعمل على التماسه، وأن أبحث عن سبيل إلى شكره وعبادته"(3).

✍بطلان النصرانية
واتجهت فاطمة هيرين بعد فشل مشروع بلادها القومي حضاريًّا وإيمانيًّا إلى النصرانية؛ لعلَّها تعثر على الطريق إلى الله, فتقول فاطمة: "أخذتُ أحضر دروسًا لدى أحد القسيسين، وقرأتُ بعض الكتب النصرانية، كما حضرتُ صلوات في الكنيسة، ولكني لم أستطع أن أزدد من الله قربًا، فأشار قسيس عليَّ أن أعتنق النصرانية، وأن أذهب إلى (العشاء الرباني), وقال: لأنكِ حين تمارسين الديانة النصرانية فسوف تعثرين على سبيل إلى الله بكل تأكيد. فاتبعتُ مشورته، ولكني لم أُوَفَّق في تحقيق السلام الحقيقي العقلي".

وأوضحت فاطمة هيرين أن السبب وراء خيبة أملها في النصرانية؛ فقالت: "هو أنه لا مناص لنا نحن النصارى من الرضا بتنازلاتٍ في عقيدتنا من أجل أن نحيا في مجتمعنا؛ فالكنيسة على استعداد دائم لعمل مساومات في سبيل المحافظة على سلطانها في مجتمعنا، ولنضرب لذلك مثالاً واحدًا: تقول الكنيسة: إن العلاقات الجنسية يجب ألاَّ تبدأ إلاَّ بعد الزواج على اسم الله, إلا أنه يكاد لا يُوجد أحد من الرجال أو النساء في الغرب "يرضى بشراء القطة في حقيبتها"، وهذا مثل دارج معناه: أن يدخل المرء الحياة الزوجية دون أن يجرِّب قبل ذلك مدى انسجام الشريكين جنسيًّا مع بعضهما البعض.

والقسيس على استعداد دائم لتبرئة ساحة كلِّ مَنْ يعترف بهذه الخطيئة حال أداء صلاة أو صلاتين!!"(4).

إنَّ الإسلام -على النقيض مما سبق- يهتف بأتباعه ويُناديهم باسم الإيمان أن يستسلموا بكليتهم لله عز وجل، دونما تردُّد، ودونما تلفُّت؛ استسلامًا لا تبقى بعده بقية ناشزة من تصوُّر أو شعور، ومن نية أو عمل، ومن رغبة أو رهبة لا تخضع لله ولا ترضى بحكمه وقضائه؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[البقرة: 208].

قصص المسلمون الجددحيث تعيش القصص. اكتشف الآن