الفصل الأول "تم التعديل"

2.3K 62 15
                                    

*نيويورك 2018:

"لا يهمني إن كنتُ سأعيش في هذه الحياة أم سأفارقها، ولا يهمني في أي عمرٍ سأموت".

جملةٌ غير اعتياديةٍ يكرّرها شخصٌ شارف على الدخول في العقد الثالث من العمر.. يستلقي على الأرض في الشارع أمام سوقٍ تجاري..

مظهر ذلك الرجل كان يوحي أنه متسول.. وهذا ما كان يعترف به الجميع... حيث أن شخصًا كان يسير في الشارع فألقى على ذلك الأول بعض العملات النقدية ولم يتوقف حتى، بل ألقاها أثناء سيره بغير مبالاة..

أزال ذلك البائس ذراعه عن عينيه في خمولٍ قائلًا: "أشكرك يا هذا لكنني لستُ متسوّلًا".

"توقف عن كبريائك أيها الكاذب!"... لكانت تلك هي الجملة التي ستدور في عقل من يسمعه؛ فمنظره، ملابسه، وحتى جلسته يقولون "مرحبًا أنا متسولٌ بائس".

لم يهتم كثيرًا لما سيظنه الناس عنه، بل أعاد وضع ذراعه على عينيه وعاد إلى النوم، حتى شعر بظل شخصٍ يقف أمامه.
قال بغير مبالاتٍ دون تغيير وضعيته: "قلتها لمن كان قبلك أنا لستُ متسولًا".
- "توقف عن هذا "هاري" عد إلى رشدك".

رنّت تلك الجملة في أذنيه بنبرةٍ رجوليةٍ ليست غريبة عليه..
فأزاح ذراعه عن عينيه ببطئٍ ثم بدأ بالجلوس وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة..

- مرحبًا مرحبًا بطبيب الأعصاب الشهير "زاك كامسون".. كيف الحال؟، ماذا تريد مني؟، ضحية أخرى؟".
- توقف عن هذا أخبرتك ألف مرةٍ لا علاقة لي بما حدث لابنك.
- من له علاقةٌ إذن أيها البريء؟!
- أنا لم أكن أعلم عن نوايا هؤلاء الأشخاص، صدقني.
- هييي توقف عن الحديث الآن لا تفتح جراحًا بالكاد ألتأمت، هيا ابتعد.. سأرحل بدورب؛ يبدو أنه بات علي تغيير مكاني.
- مهلًا لم أُنهِ حديثي...!
- أخبرتك بأنني لا أريد الاستماع ألم تفهم؟
- اسمع ما أريده هذه المرة فقد وأعدك سأتركك وشأنك.

حك الأول لحيته المكونة من بعض الشعيرات الضئيلة التي تزيّن وجهه المتسخ وقال في ملل: "بسرعه قل ما تريد قوله".
- هنا؟!
- أين تريد التحدث إذَن؟!

اتجها إلى مقهى كان على أول الشارع..

كان ذلك أغرب منظرٍ يراه الموجودين في المقهى...

في البداية يدخل رجلٌ طويلٌ وسيمٌ ذو بشرةٍ تكاد تلمع وعينان عسليتان جذّابتان، شعره البني الداكن مصففٌ بعنايةٍ للخلف، يرتدي سترةً سوداء مقلّمة باللون الرمادي، تحتها قميصٌ ناصع البياض زُيّن في المنتصف بربطة عنقٍ مقلّمة بنفس منوال الستره، وفي قدميه يرتدي حذاءً أسود أنيق من طراز "ستيڤانو بيمير"...

أجل لقد تم وصف مظهره بالتفصيل الممل؛ لأن جميع من بالمقهى قاموا بتحليله من خصلات شعره حتى أخمص قدميه.. هكذا الحال مع فاحشي الثراء..

بعدها بثوانٍ تأتي الصدمةُ بأن يدخل خلفه رجلٌ منكوش الشعر يحتل السواد أسفل عينيه البنيتين، يرتدي معطفًا ضخمًا مهترءًا تحته بيجامةٌ منزليةٌ قد تكون مريحةً لمن يرغب بالنوم في سلام.. وفي قدميه كان يرتدي "شبشب أبو إصبع".... أجل "شبشب"....

عميان البصيرة | "جاري التعديل.."Where stories live. Discover now