الفصل الحادي عشر

5.9K 149 2
                                    

توزع الضيوف على الشرفة ولأراضي المنحدرة المؤدية إلى البحيرة وكان ضيوف آخرون يتوافدون , فعلت أصوات المحادثات أكثر فأكثر , كان رايموند قد ابتدأ بمصافحة الضيوف تماماً كأخيه وكان يتحدث معهم بلغتهم .
" مرحباً . " ورنت نبرات صوت كان يتكلم بلغة فهمتها جيداً ثم اقتربت منها امرأة . " هل تشعرين بالوحدة؟ لقد أرسلني رولف لكي أحادثك وأروح عنك . " ثم لمعت عينا لورا الثاقبتين بها . " إن هذا الرداء يجعلك تبدين رائعة وثرية . كم أن المظهر الخارجي يمكن أن يكون خداعاً . هل هذا الثوب من تصميم مارتينا؟ لقد اعتقدت ذلك . إن تلك الفتاة ترفض تصميم ثوب واحد لي . وأنا أتساءل عن السبب ! " .
وفكرت ابيغيل أن بإمكانها الإجابة على تساؤلات لورا . أنا أستطيع أن أرد لك الجواب وبنفس الطريقة التي ظهرت في كلامك , فكرت ابيغيل .
أجابت ابيغيل وهي تجيل نظرها بين الجموع : " لا أعلم ما هو الجواب على سؤالك . "
" ابيغيل . " سمعت صوت ماكس فلدر يرحب بها فأحست بالفرح : " سوف يكون الحفل جيداً . أليس كذلك؟ هل أخبرناك بأن العازفين سوف يأتون عما قريب؟ "
" لقد قيل لي بأن الألعاب النارية سوف تكون جزءاً من الحفل . "
أجاب ماكس :" سوف يحدث ذلك في نهاية الحفل . لم أكن على علم ... إن لدى عائلة فلدر هذا العدد من الأصدقاء والمعارف . البعض منهم هم أصدقاء ومعارف أبني رولف في العمل , كذلك هناك أصدقاء رايموند و مارتينا . أما أصدقائي , فهم يعدون مثلي من بين مجموعة الطاعنين في السن . "
" لست طاعناً في السن يا سيد فلدر . "
ضحك ماكس وهو يرجع رأسه إلى الوراء , تماماً مثل أبنه :"هل تعلمين أنه في بعض الأحيان , اشعر وكأنني أصغر بعشرين عاماً مما أنا عليه؟ يجب على الآخرين أن يعرفوا هذا جيداً وألا يقطعوا صداقتهم مع كبار السن كما لو لك يكن لدى هؤلاء عقول وتجارب في الحياة , فهم يعاملوننا كما لو كنا طاعنين في السن ولكن ... شكراً على إطرائك ."
نظر ماكس بعدها إلى لورا وهو يقطب حاجبيه إذ رآها قد انتقلت لتقف إلى جانب رولف . قال ماكس : " أتمنى لو كان أبني يتمتع بقدرة أفضل على التمييز , بالأخص في ما يتعلق بأصدقائه . " ثم أدار رأسه نحو ابيغيل : " أتمنى لو لم تكن الصداقة قائمة بين رولف وهذه السيدة ولو كانت بدلاً من ذلك بين رولف و ... " ثم تنهد ماكس دون أن يكمل جملته .
نودي ماكس فنظر حوله ولكنه لم يرغب بترك ابيغيل بمفردها ثم استدار إذ سمع نداء آخر وابتسم عندما رأى أبنته تحاول شق طريقها للوصول إلى ابيغيل .
قالت مارتينا بحماس : " هل تعلمين؟ اوتو هنا , لقد وفى بوعده . أحزري ما الأمر! يقول بأنه من الممكن أن يعزف لنا ! " وكان البيانو قد نقل إلى الشرفة .
" لقد قلت له بأن يرسل الفاتورة المتوجبة علي مقابل عزفه ولكنني أعلمته بأنني لن أتمكن من تسديدها قبل عدة أشهر , فغضب وأكد بأنه لن يأخذ مني فلساً واحداً . فهو سيعزف ... "وهنا خفضت مارتينا صوتها بينما ازداد بريق عينيها : " من أجل صديقة . "
نظرت ابيغيل إلى البعيد وقالت : " يمكنني أن أراه من هنا . أنه يراقبك وهو لا يتكلم مع أي شخص آخر . أذهبي يا مارتينا . "
قالت صديقتها : " كلا . يا آبي , إنه في غاية الذكاء وهو شهير وموهوب .فكيف يمكن لي أن أذهب إليه واكلمه؟ سيجري عرض التصاميم والأزياء عن نهاية العشية وقبل أن تضاء الألعاب النارية . أراك لاحقاً . "
بدأت ابيغيل تتقدم نحو الجموع وكانت تتمنى لو أنها تحسن تكلم اللغة المحكية التي تسمعها . ولاحظت ابيغيل نظرة رولف , ورأت رولف ينادي شقيقه ويشير إلى ناحيتها . أومأ رايموند وشق طريقه باتجاهها .
قال رايموند واصفاً حالها : " إن هذه الجموع تتجاذب أطراف الحديث بلغة لا تفهمين منها كلمة واحدة ... كأنك قد جئت من كوكب آخر , أليس كذلك؟ "
أجابت ابيغيل : " نعم! ولكن ما كان عليك الافتراق عن ليليان . "
" لا بأس , كان يجب عليها الذهاب لتساعد العارضة . والآن تعالي معي . فأنا أعلم أين يوجد الطعام الممتاز . "
كانت الشمس قد بدأت بالمغيب ولكن الجو بقي دافئاً وبدا الشرفة أكثر جمالاً بسبب الألوان التي وزعتها الشمس الغاربة حولها .
قاد رايموند ابيغيل إلى الطاولات المغطاة بالشراشف البيضاء الناصعة , وكانت أرجل كل الطاولة تنوء تحت ثقل الأطباق الشهية التي وضعت عليها بعد أن نظرت ابيغيل إلى تلك الأطباق المتنوعة , علمت فعلاً كم هي بحاجة للطعام .
بعد أن تذوق الاثنان الطعام , انتقل رايموند إلى طاولة أخرى وحث ابيغيل على أن تتبعه . " هاك , جربي هذه الفونديه . " قال لرفيقته وهو يناولها شوكة وقطعة من اللحم المطهو وهو يشير إلى إناء يحتوي على الفونديه .
" اغمسي قطعة اللحم هنا , ثم تذوقي طعمها . "
فعلت ابيغيل كما قال لها رايموند , فأخذت تهمهم بسبب مذاق الطبق ورفعت عينيها نحو السقف , فضحك رايموند .
" أكملي طعامك . فهذا الطعام مغذي ولا يمكنك التوقف عن تذوقه . لقد نسيت أن أخبرك ب1لك , ولكن يجب عليك أن تكوني حذرة جداً . فالتقليد يقول بأنك إن أضعت اللقمة في الفونديه سيكون عليك دفع غرامة . "
استغربت ابيغيل الأمر وقطعت على نفسها عهداً بأن تكون حذرة .
شرح رايموند : " هناك توجد فونديه بورغينيون . إنها جبنة مذوبة كتلك التي تذوقتها لتوك , كذلك فهي تحتوي على البصل و مرقة الأعشاب و البندورة هناك أيضاً العديد من الأطايب هنا , بالإضافة إلى التحليات والمرطبات التي يجب عليك تذوقها . هل تحبين الشوكولا؟ هنا , يوجد بعض الشوكولا المذوب ؟ " أخذ رايموند شوكة ابيغيل ثم أمسك بواسطتها قطعة من التفاح : " والآن يمكنك غمسها . " فعلت ابيغيل كما قال رايموند لها , ثم رفعت الشوكة بحذر من الشوكولا المذوب ولكن قطعة التفاح وقعت مجدداً بداخلها , فنظرت ابيغيل إلى رايموند وقد بدا عليها الاندهاش .
" لقد فعلت ذلك . " صرخ رايموند وهو يضرب الهواء : " لقد أفلتت القطعة منها والآن يجب عليك دفع الغرامة ولا يمكنك أن تتهربي من الأمر أبداً . " ولكن قبضة قوية أوقفت ما يجري ووجدت ابيغيل نفسها بمواجهة شخص قوي .
ما لبث رولف عنهما ثم تركهما لرؤية بقية الضيوف .
بقي رايموند إلى جانبها لبعض الوقت ولعب دور المترجم إذ أن العديد من الأشخاص كانوا يتكلمون معها باللغة الألمانية أو الايطالية أحياناً , أو بالفرنسية التي كانت تستطيع فهمها .
وجدت ابيغيل نفسها أمام ماكس الذي قال لها : " يبدو أنك تستمتعين بوقتك هنا . "
" شكراً لك يا سيد فلدر . "
" حسناً , لقد سمعت بأنك تعزفين على البيانو . "
اعترفت ابيغيل : " لست بارعة جداً بذلك . "
" ولكن ذلك يعني بأنك تحبين الموسيقى . هذا جيد . فنحن السويسريون مغرمون بها , والحفلات الموسيقية هي جزء من حياتنا . هناك بعض الموسيقيين الذين سيأتون إلى هذه الأمسية ليعزفوا لنا . آه , لقد رأيت إحدى معارفي هناك . هلا حللت مكاني يا رولف؟ " ثم ابتسم ماكس وقال إذ ترك ابيغيل بعهدة رولف : " أنا متأكد من أنك لا تحتاج إلى كان ليقنعك بذلك . "
نظرت ابيغيل إليه نظرة تحد : " لا بد وأن هناك ضيوف غيري تفضل وجودك معهم يا سيد فلدر .... "
" سيد فلدر! ها أنا مجدداً يا آنسة هايلي . "
" سيد فلدر .... " نادته خادمة بالألمانية . عندها , تركز اهتمامه على نقطة معينة في القاعة .
كانت لورا تحاول لفت انتباهه بعثت إليه برسالة بلغته فهم رولف ما قالته لورا رغم بعد المسافة وأسرع نحوها . فعلمت ابيغيل بأن لورا كانت أهم منها بكثير بالنسبة لرولف .
" اعذريني يا ابيغيل , يجب علي الذهاب الآن . سأراك لاحقاً . "
صرخت له ابيغيل بمرارة : " لا تزعج نفسك . " ولكن كلماتها ضاعت في الجو إذ أن الضجيج كان يصم الآذان . أحضر المزيد من الطعام إلى الشرفة فاغتنمت ابيغيل الفرصة لتنسحب إلى الغرفة المخصصة للاستراحة . بعد عودتها , لاحظت بأن الموسيقى المتصاعدة من الآلات كانت قد توقفت أما اوتوكوفمان فقد جلس قبالة البيانو .
خيم السكون وبدت السعادة على وجوه المستمعين الذين كانوا يستمعون إلى الأنغام الصادرة الخارجة من البيانو , عزف اوتو مقاطع قصيرة وكانت كلها كلاسيكية ولكنها كانت مناسبة جداً للحفل .
كانت مارتينا نصف مختبئة في زاوية . نظرت ابيغيل مليا إلى التي كانت تقف ويداها مشبكتان , بينما لمعت عيناها ببريق السعادة وكانت ابيغيل على يقين بأن صوت التصفيق سوف يصل إلى آذان الناس المتواجدين على متن السفن في البحيرة إذ أنه كان عالياً ليعبر عن مدى إعجاب المستمعين بالعازف . نهض اوتو وانحنى وقد ركز نظراته على مارتينا التي خرجت من الزاوية ورفعت يديها مصفقة ... انحنى اوتو انحناءة خاصة في اتجاهها ثم غادر وتبدلت أجواء الأمسية للمرة الثانية . كانت مجموعة من الموسيقيين تستعد للجلوس حول البيانو .
تعالت ألحان جميلة ومفرحة من الآلات العازفين فصفقت الأيدي . بدأ المغني يؤدي أغنيته , فتعالت أصداؤها في مختلف أرجاء البيت , وفوق المروج حتى بدت كأنها تصل إلى الجبال العالية . وكانت نغمات الأكورديون التي رافقت الأغنية تظهر المواهب الكامنة في حنجرة المغني .
رافق عازف البيانو الآلات الأخرى , ثم عزف عزفاً منفرداً لفترة وجيزة , فتعالت أصوات القطع الموسيقية التي عزفت واحدة تلو الأخرى .
وقفت تستمع إلى المعزوفات . ثم سمعت أحدهم يناديها , فاستدارت ورأت مارتينا تشير إليها وهي تقوم بعدة حركات لتلفت أنظارها . شقت ابيغيل طريقها بين الجموع ووجدت نفسها مدفوعة نحو مدخل جانبي .
" ساعديني , أرجوك ساعديني . " همست مارتينا بصوت مضطرب : " إن عارضة الأزياء التي كانت سترتدي ثوب الزفاف قد تعرضت لحادث سيارة إذ كانت في طريقها إلى هنا . إن حالتها ليست خطرة , ولكنها لن تتمكن من الحضور . "
تابعت مارتينا بينما كانت في عينيها نظرة رجاء : " أعلم أن الثوب يلائم مقاسك هلا فعلت ذلك من أجلي..؟ قولي بأنك توافقين . "
" هل تعنين حقاً ثوب الزفاف؟ " قالت ابيغيل ذلك بدهشة حدقتا عينيها : " مارتينا لا أعلم كيف ... " وفتحت ابيغيل يديها لتعبر عن حالتها وحيرتها ثم أكملت :" هل يجب علي حقاً فعل ذلك من أجلك؟ "
" هل باستطاعتي طلب ذلك من شخص آخر؟ لقد سبق وارتديت الثوب , أرجوك , أرجوك . افعلي ذلك لأجلي , يا آبي , ولأجل مستقبلي المهني . "
" ولكن .... "
" لقد علمت بأنك ستوافقين! شكراً لك ولكن يجب أن تأتي الآن . فهم يجهزون الممرات ويضعون تصاميمي على التعاليق وينظمون الأضواء وكما تعلمين , سيستغرق ارتداء ثوب الزفاف الكثير من الوقت . ستبدأ العارضات الأخريات العرض وسوف تدخل كل منهن بدورها ثم تخرج وبينما تفعلن ذلك , سوف أكلم الحضور واعرفهم على تصاميمي والخدمات التي أقدمها . "
بعد أن أصبحت جاهزة , وقفت ابيغيل وقد أغمضت عينيها وشعرت بارتجاف يتملكها ثم قالت لليليان بأنها تكره أن تخذل مارتينا , وبأنها لم تكن بهذه العصبية في حياتها ثم توسلت إليها أن تخبرها عما يجب عليها أن تفعله بيديها .
قالت مارتينا : " امسكي هذه الباقة , لقد صممت خصيصاً لكي تحملها العارضة التي سوف ترتدي ثوب الزفاف . ولآن ... " نظرت مارتينا إلى ابيغيل ثم صفقت بيديها دون أن تحدث ضجة : " هذا رائع . كل ما عليك فعله يا ابيغيل هو السير ببطء على طول الممر , تتوقفين قليلاً ثم تستديرين من حين لآخر ... ولكن لا يجب أن تستديري دورة كاملة لأن ذلك سيؤدي إلى الإخلال بشكل الذيل ... هكذا سوف يرى الحاضرون كل جوانب الفستان ثم يجب عليك أن تتقدمي إلى نهاية الممر المؤدي إلى المسرح وأن تقفي هناك . "
" مارتينا .. " نادت ابيغيل بصوت يشوبه الخوف , ولكن صديقتها همست :" لا تخافي سوف أكون إلى جانبك . " بدت مارتينا قلقة ومنشغلة البال , وكانت أعصابها مضطربة بشكل رهيب فعلمت ابيغيل كم كان عرض هذا الثوب مهماً بالنسبة إلى صديقتها , فكل شهرتها كمصممة كانت تعتمد على الثوب الذي ترتديه الآن . صممت ابيغيل على أن تفعل كل ما بوسعها من أجل صديقتها ثم توجهت نحو الستارة التي كانت تخبئ مدخل الممر وفتحتها مارتينا على مهل .
همست : " الآن هيا . " فدخلت ابيغيل وكانت الأنوار تحيط بها .
علت تمتمات إعجاب في الصالة , تبعتها جولة تصفيق مطولة . وحاولت ابيغيل جاهدة أن تفعل تماماً كما قالت صديقتها . فكانت تستدير قليلاً كلما خطت بضع خطوات وعلت هتافات الإعجاب مجدداً إذ انتبه الحاضرون إلى وجود التطريز الجميل على الثوب ثم انفجر الجميع تصفيقاً وكان الصوت أقوى منه في المرة الأولى . رأت ابيغيل رايموند يبتسم وذلك من خلال حاجز الطرحة الضبابي ورفع يديه ليشجعها ويعبر بصمت عن إعجابه وكان وجه ماكس يضيء كذلك بنور الإعجاب .
ثم رأت ابيغيل رولف , وذلك عندما كانت تحاول أن تستدير قليلاً . كان يقف مرفوع الرأس . وقد ضاقت عيناه بينما وضع يديه في جيبي سترته . ولكنه لم يكن وحيداً فقد وقفت إلى جانبه لورا مارشان , وكانت تحدق بثوب الزفاف الثمين الذي صممته مارتينا . هل كانت تفكر بأنها سوف تطلب من مصممة الثوب أن تصنع ثوباً مماثلاً لأجلها عندما يطلب رولف منها أن تقبل به زوجاً , ثم رفعت لورا عينيها وحدقت بدهشة بالعارضة التي كانت ترتدي الثوب كما لاحظت ابيغيل .
ارتفع صوت مارتينا مرددة كلمات جذبت انتباه الحضور وكانت تتخلل صوتها نبرات تدل على الاضطراب الخفيف وعدم الثقة بالنفس ثم تكلمت متوجهة إلى الحضور بلغتها بعد ذلك اتسعت عيون جميع الحاضرين وتركزت على وجه ابيغيل .
فكرت ابيغيل وقد بدأت تتعثر قليلاً , ماذا تقول مارتينا حتى يجعلهم يحدقون بي بهذه الطريقة؟ وبحثت عيناها عن عيني رولف وكانت تتوقع أن ترى فيهما علامات التقدير التي قرأتها في ابتسامات ماكس وحركات رايموند , ولكن رولف بدا غاضباً وبارداً .
يجب عليك التوقف عند نهاية الممر . كانت مارتينا قد أوصتها . شعرت ابيغيل بباقة الزهور العطرة ترتجف في يدها . كان رولف ينظر إليها وكأنه سوف يأتي إلى جانبها ويحاول خنقها بكلتي يديه .
سألت ابيغيل نفسها : " لماذا؟ لماذا؟
وعلا التصفيق القوي في الجو.
إن ذلك يتناسب فعلاً مع المناسبة , فكرت ابيغيل وهي تشعر بالتعب ولكن رولف كان يتحرك ويتقدم نحوها , ثم صعد إلى المسرح .
تعالت أصوات الموسيقى والتصفيق واغتنم رولف هذه الفرصة ليقول : " لا تغفي هنا كما لو كنت لا تعلمين ما الذي يحصل . مارتينا تقول للحضور بأننا سوف نتزوج , لقد اتفقت مع شقيقتي على ذلك . لا تنكري الأمر . إنها طريقتك الخاصة لتتأكدي من أن وضعك في عائلة فلدر آمن وبأنك سوف تتمكنين من البقاء هنا . "
لم تستطع ابيغيل تصديق ما سمعته إذناها , ثم حدقت بوجه رولف الذي تحول إلى قناع بارد .
" لا أفهمك يا رولف ليس لكلامك أي معنى وكذلك الأمر بالنسبة لمارتينا , فأنا أعرض هذا الثوب لأودي لها خدمة."
" نعم؟ " ودل صوت رولف على أنه لا يصدقها.
" الست مختلفة عن باقي النساء . فأنتِ تلاحقين المال والمكانة الاجتماعية الرفيعة في الحياة . "
استدار رولف نحو الحضور .
تكلم رولف بالألمانية ثم بالانجليزية وقال بصوت مشحون بالهدوء التي أملتها عليه تلك المناسبة : " اسمحوا لي أن أقدم لكم زوجة المستقبل , ابيغيل هايلي . "
علت هتافات التشجيع وكان ضجيج التصفيق يصم الآذان . وقفت مارتينا تحت خشبة المسرح , إلى جانب أخيها , وكانت ضحكتها واسعة . أما عيناها , فكانتا تلمعان وكانت يداها مشبكتين فوق رأسها كما لو أنها فازت بعد مباراة منهكة .
في تلك اللحظة , أضاءت الأنوار الملونة الفضاء واستدار الحضور للتحديق بها ثم أنارت إشكال متنوعة في الفضاء واختفت مخلفة ألواناً ذهبية , فضية , قرمزية , وليلكية هتف الحاضرون ثم صرخوا وصفقوا بينما كانوا ينظرون إلى العرض الرائع كانت تلك هي الألعاب النارية الموعودة , ولكنها تستعمل الآن للاحتفال بإعلان زواج رولف , ذلك الشاب الموهوب وابن ماكس فلدر البكر المحترم إلى فتاة غير معروفة وأجنبية كذلك , وتلك الفتاة تدعى ابيغيل هايلي.
أغمضت ابيغيل عينيها, لمعت الأضواء ثم اختلطت الألوان وانفجرت الأسهم بعدها أخذت تبتعد في الفضاء التي غدت قاتمة الآن , إذ أن كل شيء قد أصبح واضحاً بالنسبة لأبيغيل , فكل الأمر كان مجرد لعبة قامت بها مارتينا وقد اعتقد رولف بأنها هي , ابيغيل هايلي , كانت قد اتفقت مع شقيقته .
على كل , فقد كانت ابيغيل قد قاست الثوب كما طلبت منها مارتينا أليس كذلك؟ وها هي الآن تقوم بعرضه . ثم رنت في أذني ابيغيل كلمات مارتينا عندما رافقتها لتفحص المنزل قبل أن ينتقل الجميع إليه ... حيث قالت : " لورا سوف أخرجها من حياة رولف وذلك بطريقة ما واعتقد بأني وجدت الطريقة المناسبة . انتبهي يا لورا مارشان أنا مارتينا فلدر مصممة الثياب الشهيرة في عالم الأزياء في سويسرا إن الآنسة مارشان لن تصبح أبداً زوجة رولف فلدر فأنا لن أوافق أبداً على أمر كهذا ."
توسلت ابيغيل إليه : " أرجوك يا رولف يجب أن تصدقني لم أكن على علم بأي شيء . "
أخيراً , رفع رولف رأسه وكانت نيران الغضب تتأجج في نظراته بعدها , أدركت ابيغيل أنها وحدها كانت قادرة على رؤيتها بوضوح . قال بصوت خشن :" هل فرحت الآن؟ سوف تصبحين عما قريب زوجة رجل أعمال ثري ومحترم . هل تحققت كل أمنياتك؟ "
انتهى الاحتفال وغادر الزوار البيت . جلست ابيغيل على كرسي قليل الارتفاع في غرفتها ونظرت إلى يدها تلك التي صافحت العديد من الناس إذ وقفت إلى جانب رولف وهي ما تزال ترتدي ثوب الزفاف ولم تستطع نسيان النظرة القاتلة التي رمتها لورا باتجاهها إذ اقتربت من رولف ومنها كذلك فهي لم تنس الكلمات التي قالتها لورا لرولف .
" كيف استطعت أن تفعل ذلك؟ " كانت لورا قد هتفت وقد اصطنعت بعض الدموع :" لقد جعلتني اعتقد بأنني أنا التي ... " سمعت ابيغيل تنهيدة مخنوقة ثم أكملت لورا :" إن كنت تعتقد بأن نجاحات العمل سوف تستمر بعد ذلك فمن المؤكد أن أمالك ستخيب . " ثم رمت لورا ابيغيل بنظرة أخرى حاسدة وابتعدت .
حركت ابيغيل رأسها كأنها تحاول أن تمحو ذكرى هذا الحادث من ذاكرتها , ثم تذكرت كلمات والده : " أنا فرح جداً لأن ابني قد استعاد رشده وقد شعرت بالسعادة العارمة عندما سمعت رولف يعلن خبر زواجه القريب منك . أهلاً بك, يا عزيزتي ابيغيل في عائلة فلدر فالعائلة ستكون رابحة بسبب وجودك بين أفرادها . "
حاولت ابيغيل أن تخبر ماكس بأن الأمر كان مجرد لعبة , وبأن أبنته قد ابتكرت هذه الحيلة لتبعد لورا عن حياة رولف , ولكن ماكس تركها ولم يتسمع إلى أي شيء سوى إلى ما ورده من أخبار سارة سلبت لبه .
لم تحضر مارتينا إلى غرفة القياس إذ كانت ابيغيل تخلع ثوب الزفاف .
ولم يكلمها رولف كلمة واحدة , مع أنه بقي إلى جانبها حتى غادر الضيوف بعد حفل الألعاب النارية . وخرجت ببطء بعد أن قالت : " أرجو معذرتي إذ يجب أن أبدل ثيابي . " ومشت مرفوعة الرأس إلى المنزل بينما رمقها رولف بنظرة حادة .
كان رايموند قد سألها : " هل تودين تحطيم وجه شقيقي؟ أم هل تودين أن أتولى بنفسي هذه المهمة؟ "
دق الباب بقوة ثم دخل رولف ولم يبد مضطرباً بالرغم أنه دخل دون أن تسمح له بذلك ."
" إذاً سوف تصبحين زوجتي . حسناً , حسناً . "
مشى رولف بخطوات بطيئة وتوقف أخيراً بالقرب من ابيغيل بعد أن دار حول الكرسي القليل الارتفاع : " من المستحسن أن تشكل زوجة المستقبل مصدر سعادة بالنسبة لي , أليس كذلك؟ " غضبت ابيغيل إذ سمعت تلك الكلمات التي تلفظ بها رولف بنبرة باردة .
قال رولف : " فأنت بالاتفاق مع شقيقتي , قد أعلنت للجميع بأنك زوجتي وكنت كل الوقت على علم وكذلك مارتينا , بأن الخطوبة مزيفة هي عبارة عن شيء لن يتم الإعلان عنه وأنت قد خالفت شروط هذا الاتفاق . "
قالت ابيغيل : " ليس لديك ذرة من الحب في نفسك , ماعدا حب الذات . "
كانت وجنتاها تحترقان بسبب الغضب التي تأجج في داخلها , ثم نظرت إليه نظرة تحد وعيناها تلمعان .
" يا رولف , أسأل مارتينا عن تلك الأمسية . أقسم بأنني لم أكن على علم بما تنوي فعله . " قالت ابيغيل ذلك إذ كان رولف يتوجه نحو الخارج .
" ألم تكوني على علم بشيء؟ ألم يكن لديك أية فكرة ولا حتى شكوك بالنسبة لما تنوي فعله؟ "
وعادت كلمات مارتينا ترن في ذاكرة ابيغيل : " سوف أخرج لورا من حياة رولف , وذلك بطريقة ما وقد وجدت الطريقة المناسبة ... ولكن لم يكن قد خطر على بال ابيغيل بأن مارتينا تنوي فعل ذلك برولف , ولم تلمس هذه الفكرة مخيلتها حتى بعدما أقنعتها هذه الأخيرة بقياس فستان الزفاف . كم كانت غبية إذ أنها لم تربط بين الحوادث .
ولكن رولف فسر النور في عينيها وشعاع الحيرة بطريقة خاطئة . فهو قد ظن بأنها كانت على علم مسبق بما قررت مارتينا عمله . فاستدار رولف وتركها وسط أفكارها .

لا وعود في الحبWhere stories live. Discover now