الفصل السابع

5.6K 141 3
                                    

" هل تودين المجيء مع رايموند ومعي إلى الجبال؟ "
سألت مارتينا ابيغيل : " لقد بذلت مجهوداً كبيراً في اليومين الأخيرين وقد سجنت نفسك في مكتب أبي لذلك نحن نعتقد بأنك تحتاجين إلى بعض الهواء النقي . "
" على كل , اليوم هو السبت . " قال رايموند وقد وقف وراء شقيقته عند باب ابيغيل : " حتى الرجال العاملين مثلي ... يحتاجون إلى بعض الراحة إن الجبال ليست مكللة بالثلوج . " أكملت مارتينا وهي تجلس في إحدى الكراسي في غرفة ابيغيل : " إنها ليست كذلك في هذا الوقت من العام , على كل . "
" أرشداني على الطريق وسوف أتبعكما . "
" إن رولف مشغول بأعماله الخاصة . هل تعلمين أنه يملك مصنعاُ في زوريخ؟ حسناً فقد أعلمته صديقته ببعض التحذيرات ويبدو أنه أخذها على محمل الجد . إن التحذيرات تتعلق بشركته وليس به شخصياً . "
انضم الثلاثة عند المحطة . كان القطار يسير بهدوء , فكرت ابيغيل كما لو أنه يتحرك طوال النهار على أرض مسطحة . ولكن الحال لن يكون دائماً كذلك كما قال لها رايموند .
في بادئ الأمر , مشى القطار بمحاذاة ضفاف البحيرة ماراً بين الشاليهات والبيوت التي كانت كما قال لها رفيقاها , معظمها مقسمة إلى شقق ودوت صفارة القطار بصوتها القوي قبل أن يدخلوا النفق ثم خرج القطار فرأوا مناظر كثرت فيها الحدائق المحاطة ببعض الهضاب . قطع القطار الوادي وما لبثوا أن وصلوا إلى الجبال التي كانت الهضاب فيها تعج بالأشجار الخضراء .
شرح رايموند : " لقد بدلت الدواليب العادية بعجلات أخرى , أنها تسمى بنظام عجلات الريغنباجس وبواسطتها , يستطيع القطار أن يجتاز الأراضي المائلة . "
وصلوا أخيراً بعد أن تجاوزوا واجهات المحلات والشوارع حيث كثرت الشرفات المزدانة بالورود . كان العلم السويسري يرفرف بفخر , وهو يكاد لا يتحرك بسبب سكون الهواء .
قالت مارتينا : " سوف أراكما بعد قليل . لدي زبونة أريد أن أراها . أنها تعيش في إحدى هذه الشقق هناك , وهي تريد أن تختار إحدى تصاميمي سوف نقوم بخياطة رداء لها . " ثم اختفت مارتينا داخل البناية بعد أن لوحت بيدها .
نظرت ابيغيل حولها فرأت قمم الجبال الشامخة تحيط بالمدينة وكانت مصفوفة الواحدة تلو الأخرى , بينما تبدلت أشكالها بسبب التآكل الذي حصل مع مرور الوقت . كانت تلك الجبال المهيبة تحيط بالمدينة وتغوي العيون إذ تتأمل قممها الشامخة .
شرح رايموند لأبيغيل : " في الشتاء يتحول هذا المكان إلى منتج للتزلج . لذلك يجب ألا يخدعك اخضرارها الآن فتسلق هذه الجبال ليس سهلاً ويجب أن تكوني بارعة في الرياضة قبل أن تحاولي تسلقها . "
لاحظت ابيغيل بأن العديد من المخازن كانت تعرض أدوات التزلج وثياب الرياضة المخصصة لتلك الرياضة .
" إننا على علو آلاف الأمتار عن سطح البحر , أي أننا تقريباً على ارتفاع ثلاثة آلاف و مئتي قدم إنه منتجع صيفي كذلك , وهو أيضاً نقطة انطلاق رحلات استكشاف الجبال . " ثم أشار رايموند إلى بعض الشبان الذين كانوا يلبسون السترات , الجزمات والثياب الدافئة ويحملون بعض الرزم على ظهورهم .
سألت ابيغيل وهي تشك بذلك : " هل يريدون تسلق تلك الجبال؟ "
أجابها رايموند : " في هذا الوقت من العام يمكن لأناس كهؤلاء تسلق الجبال ولكن يجب أن تري القمم في الشتاء."
أومأت ابيغيل وهي تحاول تصور منظر الجبال في الشتاء . انضمت مارتينا إليهما ثم ذهبوا للغداء في المطعم المفضل لدى رايموند . تكلم مطولاً مع المضيفة التي كان يناديها باسمها بينما دونت مارتينا بعض الملاحظات . أما ابيغيل فقد تفحصت المطعم وتأملت المناظر في الخارج حيث كثرت واجهات المخازن وعمت الطرقات بالسياح . تنزهوا لبعض الوقت في المنتزه ثم جلسوا واستمعوا إلى فرقة موسيقية وجالت عينا ابيغيل على المنظر وفقها حيث رأت الهضاب الخضراء التي تقع خلف المنتزه وتوزعت الشاليهات ذات الشرفات الرحبة على الطرف الآخر من المنحدرات التي كانت محاطة بالأشجار إذ كونت خطاً رفيعاً على القمة .
" إن مهرجان الحفلات الموسيقية سوف تبدأ بعد ثلاثة أيام."
قالت مارتينا ذلك في طريق عودتهم وعي تضع ملفها بالقرب منها , بينما جلس رايموند على المقعد إلى جانب ابيغيل .
" سوف تأتين معنا يا آبي , أليس كذلك؟ "
أجابت ابيغيل : " لقد ابتاع رولف بطاقة لي . "
قال رايموند : " إن مارتينا لا تستطيع أبداً نسيان موعد الحفلة الموسيقية الأولى . أتعرفين لماذا يا آبي؟ " قال ذلك وهو ينظر إلى شقيقته مبتسماً ابتسامة ساخرة : " إنها معجبة بأحد العازفين . "
ورأت ابيغيل للمرة الأولى الارتباك يعلو وجه مارتينا التي توردت وجنتاها من شدة الخجل .
قال رايموند بإلحاح : " إنها تحاول إنكار ذلك , ولكن اسمه هو اوتوكوفمان . إنه عازف بيانو مشهور . لا بد أنكِ رأيت صورته على الملصقات الإعلانية في المدينة . "
" هل هو داكن الشعر وحالم النظرات؟ "
" نعم إنه هو " حلم " هي العبارة المناسبة فعلاً . إنه حلم مارتينا أليس كذلك؟ " سأل رايموند شقيقته الصامتة .
" وإن كان الأمر كذالك؟ لقد رأيته عن بعد فقط ولكن يجب أن أقول يا آبي بأنني فعلاً أتوق لسماع عزفه . "
ضحك أخوها وقال : " من الصعب أن تعلمي ما يخبئه لك المستقبل . من الممكن أن يوافق أحد منظمي الحفلة الموسيقية على اصطحابك إلى الكواليس وعلى تعريفك به عندما ينتهي الحفل . "
وغرقت مارتينا في بحر أفكارها ثم قالت : " هل تريدين ثوباً مناسباً للحفلة يا آبي . "
" ببساطة لا يمكنني الموافقة على ارتداء إحدى تصاميمك يا مارتينا على الأقل لا يمكنني ذلك إلا إذا دفعت ثمنها ولكنني في الحقيقة عاجزة عن تحمل تكاليف تصاميمك مع أنني أحبها كثيراً . "
أجابت مارتينا موافقة : " حسناً ولكن يجب عليك أن تأخذي بعين الاعتبار بأن الحفلة هي مناسبة مميزة . فهناك فرقة موسيقية ذات شهرة عالمية ... بالإضافة إلى عازف البيانو .. أعتقد بأن الأمر سوف يروق لك يا آبي . "
سأل رايموند بتعجب عن سبب الملاحظة الأخيرة التي أبدتها مارتينا , فأجابته ابيغيل : " لا يتعلق الأمر بتاتاَ بعازف البيانو فأنا قد قلت لمارتينا بأنني أعزف البيانو , أو بأنني أعرف طريقة استعمال هذه الآلة . لقد درست البيانو ولكن المال نفذ عندما توفي والدي . "
جلست ابيغيل إلى طاولة الغداء مع مارتينا وشقيقها . انتقلوا إلى الردهة وتجاذبوا أطراف الحديث حتى تثاءبت مارتينا ثم أوصل رايموند ابيغيل حتى باب غرفتها .
قال رايموند : " أعتقد , بأن طريق حياتك مقطوعة أمامي تماماً مثل ... "
قاطعته ابيغيل : " لا تفعل ذلك يا رايموند . "
لم تعلم كم إذاها هذا الحوار إلا بعدما غادر رايموند . قال رولف : " اعتذر لأنني تسببت لك بصدمة كهذه ولكني متعب جداً وعندما يكون الإنسان بهذه الحالة , فهو يذهب إلى أي مكان أو بالأحرى إلى أي شخص يعتقد بأنه سيفهمه هل أنا مخطئ؟ "
سألت ابيغيل : " كيف دخلت إلى هنا؟ "
تحسس رولف مفتاحه ورفعه ثم قال : " هل قمت بعمل ممنوع إذ أنني سمحت لنفسي بالدخول إلى غرفة من غرف الزائرين دون أخذ الإذن بذلك؟ "
قال وهو يعيد المفتاح إلى جيبه : " هل ستشتكين الأمر إلى الإدارة؟ "
قالت ابيغيل : " أنت تهينني ... " لم تكمل ابيغيل كلامها إذ سألها : " أين كنتِ؟ "
" هل ستصدقني إن قلت لك بأنني قد قضيت الوقت ... مع رايموند و مارتينا . لقد تكلمنا ساعات وهذا هو كل ما في الأمر . "
بدا استياؤه واضحاً , مما يعني بأنها فشلت في إقناعه .
" أنا متعب جداً لقد اشتركت في معركة , كلا , ليست معركة قتال ولكنها معركة اقتصادية . إن شخصاً اعرفه قد نبهني إلى وجود خطر . "
فكرت ابيغيل بأنها تعلم من يكون ذلك الشخص .
" لقد حصلت المزايدة بالنسبة لمجموعة فنادق فلدر . بفضل لورا ... علمت بالأمر قبل الوقت , فاستطاعت التحرك لردع الخطر , وبذلك أصبحت الشركة في مأمن . لقد ذهبت إلى جنوبي البلاد , ثم قطعت بالسيارة مسافات بعيدة حتى أرى أبي وأتباحث مع بالأمر وعدت بالطائرة بعد ساعتين من ذلك لقد عانيت الأمرين في هذين اليومين . "
في الصباح التالي , سمعت صوتاً في الردهة ... وكان صوت رولف ... وهو يرد على الجهاز الذي كانت ابيغيل قد لاحظت بأنه غالباً ما يحمله معه فمن المؤكد بأنه قد نودي لأمر طارئ .
اتصلت مارتينا بها هاتفياً وسألتها : " هل اشتريتِ ثياباً أم بعد؟ "
" اتعنين ثياباً للحفلة الموسيقية؟ كلا لم افعل ذلك , ولكن لدي ثوب جلبته معي ... " وقطعت مارتينا الخط بسرعة بعد أربع دقائق , سمع قرع على الباب ودخلت إليها بسرعة حتى أن ابيغيل تراجعت من أمامها .
" لن اسمح لك أبداً بالاعتراض يا آبي هذا الرداء جزء من مجموعتي . لست متأكدة إن كان سيعجب الناس , لذلك أريدك أن تجربيه لي وتخرجي به أرجوك . سوف أتبعك كل الأمسية وأنا أحمل دفتري وقلمي لأدون ملاحظات عن ردات فعل الناس تجاه الرداء . هل تسدين لي هذه الخدمة ؟ " ولم تنتظر أي جواب بل تابعت " هيا جربيه . " : إنه ثوب رائع . "
هتفت مارتينا : " وهو يناسبك تماماً . انظري إلى نفسك كلا أعني انظري إلى الرداء . " قالت مارتينا وهي تفتش في الحقيبة : " سوف تحسن هذه القطع من منظره . "
وأخرجت عقداً يتكون من طبقات من الحبوب الحمراء . الكهرمانية والسوداء ثم سألت مارتينا وهي تميل برأسها إلى جنب واحد : " لن تتراجعي الآن . "
أجابت ابيغيل وهي تتنهد : " حسناً " لن افعل ذلك من أجلك فقط . " ثم نظرت بتمعن إلى شكلها في المرآة . " إن ذلك رائع فهو يناسبني تماماً حتى هذه الحبوب هي جميلة جداً . " قالت ابيغيل ذلك وهي تشير إلى الحبوب الموجودة في العقد .
" لقد اتفقنا إذن وبعد ذلك , سوف نعيد الثياب إلى المجموعة التي صممتها خصيصاً للحفلة التي ستقام في المنزل . فالمنزل سوف يصبح جاهزاً , هل تعلمين ذلك؟ والعائلة سوف تنتقل إليه عما قريب . "
فكرت ابيغيل : إن ذلك يتركني في الصقيع
عبست مارتينا هل عرفت ماذا تفكر ابيغيل؟ : " هل أنتِ تفكرين بحزم أمتعتك والعودة إلى ديارك؟ ولكن سنكون بحاجة إليك في منزل فلدر أليس كذلك؟ فأنتِ تقومين بمساعدة والدي في أعماله . "
" ولكن ... "
لكن مارتينا استهجنت كلام ابيغيل بشدة : " ليس باستطاعتك الذهاب والابتعاد عنا يا آبي فأنتِ الحاجز الوحيد بين تلك المرأة لورا مارشان ورولف خاصة وأن هذه المرأة تود أن تقنعه بتغيير رأيه . "
وجاء دور ابيغيل لتقطب حاجبيها : " لا يمكنني تصور الأمر بهذه الطريقة . "
قالت مارتينا : " أنتِ تلبسين الخاتم , لذلك فإن رولف لا يستطيع أبداً الارتباط علناً بلورا ألا تفهمين ذلك؟ "
قالت ابيغيل : " شكراً لأنك أعرتني الرداء سوف أحاول عدم توسيخه أو تلطيخه . "

لا وعود في الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن