الفصل الرابع

7.1K 174 0
                                    

اقتصر جواب رولف على إيماءة صغيرة وتساءلت ابيغيل لم اشتد خفقان قلبها . لدق كان الأمر بكل بساطة وبالرغم من كل ما حصل , مجرد صفقة عمل .
" وهل تريدين أن أقول لك شروط العمل مجدداً؟ لن تحصلي على أي راتب . " ثم أضاف بعد أن أومأت ابيغيل موافقة : " إن عقد العمل الغير رمسي هو ساري المفعول منذ هذه اللحظة سوف أخصص لك مبلغاً شهرياً , وسوف أكون سخياً . "
" ولكن ... "
وتابع رولف كما لو أنها لم تتكلم : " سوف افتح لك حساباً في مصروفي . إن اكتشفت في أي وقت بأن حاجتك إلى المال تفوق المبلغ الذي وضع في حسابك , يجب فقط أن تخبريني بذلك وسوف أمنحك المزيد من الخمال . هل توافقين على هذه الشروط ؟ "
" نعم ! "
" إذن , سوف نضع على اتفاقنا هذا الختم أليس كذلك؟ سوف ننهي الاتفاق بهذا . "
قالت : " لن يدخل عامل الخطوبة في صفقتنا . "
" إنها صفقة عمل . " قال رولف مؤيداً كلامها .
" لا وعد بشيء . "
إن رولف يعني ذلك حقاً , قالت ابيغيل في نفسها ولكنها ايضاً كانت تود التقيد بهذا الكلام . أنا أود فقط الحصول على أمل أليس كذلك؟ إنها تريد عملاً يخولها البقاء في سويسرا وقتاً أطول مما تخيلته ممكناً عندما أخلت شقتها في لندن .
" سوف نأكل الآن , هيا؟ تعالي , يا ابيغيل . سوف نبحث عن مطعم . "
قادها إلى الجسر وبعد بضع دقائق من السير , استدار وسلك طريقاً مرصوفة ثم توقفا قليلاً بالقرب من مقهى وكان هناك طاولات وضعت في الخارج وقد غطتها شراشف بلون أرجواني .
سألها رولف : " هل يناسبك ذلك؟ "
" أود أن أطلب طعاماً خفيفاً . " وكان الجوع الذي أحست به ابيغيل قبل ذلك قد اختفى بسبب غرابة الحوداث التي تشهدها عيناها .
أزاح لها رولف الكرسي وجلس في الزاوية قبالتها إلى الطاولة ثم أعطاها لائحة الطعام وأخذ هو واحدة أخرى .
" الحساء ... إنه يبدو مفيداً . " إن أي شيء سيكون مفيداً في هذا الوقت بالذات حتى القطعة اليابسة من الخبز ستتحول بسبب فرحتها إلى طعام مفيد كأنه مزيج من العسل ورحيق الأزهار . ولم تحاول معرفة سبب ذلك فهي تمتعت بكل ثانية وهي تعرف جيداً أن فرحها سينتهي بعد قليل . سوف يختفي هذا الشعور في اللحظة نفسها التي تعودين فيها إلى الحقيقة ...
" نعم " قالت وقد عادت بإفكارها إلى اللحظة الحاضرة : " إن حاسة التذوق لدي تصرخ طالبة الحساء . "
" أنتِ تتكلمين كمواطنة سويسرية حقيقية ولكنك لست كذلك . إن شرب الحساء هو أحد خصائص الطبع السويسري . فالحساء المعلب ... هو اختراع سويسري الآن ها هو نوع الحساء يمكنني أن أقترحه عليك . إن فيه كل شيء الخضار , الباستا , اللحم , الزلابية , الجبن و البطاطا . وهو يشكل وجبة بحد ذاتها في الحقيقة , ان رئيس الطهاة في لي مطعم سويسري يمكنه إضافة العديد من المكونات المغذية على الطعام . في بعض الأحيان يضع في الحساء كل شيء ... أعني كل نوع من الطعام بالطبع! تقع عليه عيناه . "
نادى رولف نادلاً وطلب الطعام .
" ليس لديكِ خاتم يجب أن نصلح الأمر . "
أزاحت ابيغيل يدها . سألته : " ما الذي قد عنيته عندما قلت أن هذا العقد سري تماماً؟ "
" عنيت بذلك أنه لا يجب أن يعلم بهذه الصفقة أي الخطوبة المزيفة والعمل سوى المقربين إلينا فقط من بين أفراد العائلة . "
سألته : " مثلاً مارتينا ورايموند؟ " فأومأ موافقاً .
" هل والدك سيعلم بالأمر؟ "
أعاد وضع شوكة أخذها من قبل في مكانها : " نعم سيعلم والذي بالأمر يجب أن نشرح له بصراحة إن الدافع وراء هذه الخطوبة هو وبكل بساطة العمل . "
قالت ابيغيل بلهجة تحدي : " يمكن أن يعلم والدك العالم أجمع بالأمر أليس كذلك؟ بالنهاية أنت ابنه ووريثه كما يقال. "
عمت لحظات من الصمت , ثم اومأ رولف بطريقة لا مبالية.
قالت : " مما يعني بأن الخاتم ليس ضرورياً أبداً . "
قال وهو يمد يده إلى جيبه ويخرج منها علبة صغيرة : " بالنسبة لهذا الموضوع نحن نختلف تاماً في وجهات النظر . " ثم فتح الغطاء وتابع : " إن الخاتم ليس جديداَ وشكله ليس رائعاً لقد كان ملكاً لأمي . " أخرج رولف الخاتم من العلبة المخملية . " إنها قطعة قديمة صنعت خصيصاً لجدتي بعد أن أوصى عليها زوجها ثم أعطته جدتي إلى أمي ... فهي كانت ابنتها البكر وقد أعطي إلى مارتينا التي لم تقبل الاحتفاظ به . فتصميم الخاتم قد جرح شعورها الفني كما قالت لذلك أعطتني إياه إذ أنني الابن البكر للعائلة . "
" وهذا يعني بأن الخاتم هو قطعة من مجموعة إرث العائلة . " علقت ابيغيل وهي تتأمل باعجاب أحجار اللؤلؤ , الياقوت والماس ... " يجب أن تعطيه إلى ... إلى الفتاة التي تنوي فعلاً الزواج منها . "
عم الصمت لوقت طويل , فنظرت إليه ثم نظر إليها بعينيه الخاليتين من التعابير .
" هل يمكنك أن تقول لي شيئاً ما ؟ لقد أخبرني رايموند عن بياتريس , هل أعطيتها الخاتم؟ "
لم يجبها رولف ولم ينظر حتى إليها ولكن , إن كان رولف فعلاً قد خطب تلك الفتاة فلا بد أنه أعطاها الخاتم .
" وهل قيمته بنظرك بسبب طريقة تصرف بياترس؟ أكرر , إن الخاتم كان ملكاً لأمي . لذلك ليس هناك أي حادث أو شخص يمكن أن يقلل من قيمته . هلا توقفت عن المراوغة؟ "
وضعت الخاتم في إصبعها فبدا ملائماً جداً .
" سوف أحافظ عليه يا رولف وسوف أعيده إليك عندما أعود إلى وطني . "
أجاب رولف بإيماءة صغيرة , تماماً كما يريد إبرام صفقة عمل , فكرت ابيغيل
سألها رولف وهو يعيد العلبة إلى مكانها : " هل تريدين إعلام أهلك بالأمر؟ "
" لقد توفي أبي منذ بضع سنوات . أما بالنسبة لأمي فهي لن تصدق بأن الأمر هو مجرد خطبة مزيفة , حتى ولو أخبرتها بذلك فقد تكبر آمالها وأنا أكره أن أخيبها . "
كان الحساء الذي احتوى على الزلابية , العديد من الخضار , قطع من البيض وبعض الباستا شهياً جداً : " إنه رائع . هل أحببت أنت أيضاً هذا الحساء؟ "
أجاب مؤيداً كلامها : " يجب علي الاعتراف بأن طعمه قد أصبح أطيب . "
" أعلم أنك لا تعني ما تقول إنه مجرد شعور يتلاءم مع الوضع الراهن . "
" ماذا يعني ذلك؟ "
" حسناً خطوبة مزيفة , مدائح مزيفة . "
ضحك رولف بصوت عال , فاستدار الزبائن الآخرون نحوه . ثم ابتسموا ابتسامة تسامح . وختما وجبة الطعام بأكل الجبنة والبسكويت .
" كلي من هذه . " قال رولف ثم أشار على القطع الصغيرة التي وضعت أمامهما . " إنها الغرويار , وهذه هي الأمانتيلر , تلك التي تكثر فيها الثقوب الكبيرة أو العيون كما تسمى وهذه هي السبرينز وهي تنتج في القسم الأوسط من البلاد . إنها الأقسى ولأقدم من بين الأجبان السويسرية . أي نوع سوف تختارين ؟ "
أشارت ابيغيل إلى الأمانتيلر عندها أخذ رولف سكينة الأجبان فقص قطعة صغيرة وناولها إياها .
" إن طعمها اطيب , وهو قريب من طعم البندق . "
" أنا سعيد لأنها أعجبتك . "
بعد ذلك , جال الاثنان في المنطقة ووقفا تحت القناطر حيث توجد لعبة الشطرنج العملاقة التي أشارت إليها مارتينا . سألها رولف : " هل تجيدين اللعب ؟ "
" ليس كثيراً . أتذكر أن أبي علمني اللعب حين كنت طفلة ولكنه كان دائما يسمح لي بالفوز . "
" سوف نلعب دوراً بطريقة ودية . أنا أتحداك . "
" سنلعب دوراً ودياً جداً . "
ربح رولف دورة الشطرنج وانتهت اللعبة باكراً جداً . وأعاد الاثنان القطع إلى نقطة الانطلاق وفي وسط لوح الشطرنج . مشى الاثنان فكرت ابيغيل بأنهما يتصرفان كما لو أن الخطوبة التي رتباها لخدمة مصالحهما كانت حقيقية وكأنها ستؤدي إلى .... أجبرت ابيغيل عقلها على عدم التفكير بتلك الطريقة . إن الخطوبة مزيفة , تذكري ذلك أيضا يا ابيغيل هايلي , فكرت الفتاة وعندما كانا في طريق العودة إلى الفندق , مرا بالقرب من جمهرة الناس الذين استمروا بإطعام الطيور , واخترقا الحشود , هذا الشعور بالسعادة عندما تكون برفقة رولف مجرد وهم ... نعم وهم وكانت مجبرة على الاعتراف بذلك . كان وهماً , ولكن تمنت بقوة لو أنه يتحول إلى حقيقة .
ها هي نهاية الحلم , فكرت ابيغيل أنه الواقع , لقد وصلت إلى هذه المرحلة ولو لم يكن هذا الخاتم في إصبعها لاعتقدت بأن الساعتين أو الثلاث التي قضتها مع رولف كانت وليدة مخيلتها .
" سيد فلدر , سيد فلدر ... " نادت مديرة الاستقبال رولف فتركها وذهب لملاقاة الموظفة الجالسة وراء المكتب . كانت لغة التخاطب بينهما الألمانية , لكنها تبدلت إلى الإنكليزية عندما خرجت سيدة من المكتب .
اشتكت السيدة : " أين كنت يا رولف؟ "
لو لم تكن قد حزرت هوية الآنسة , فكرت ابيغيل , لكانت لهجتها الانكليزية أخبرتها عنها من دون شك , كانت تلك الآنسة بريطانية مثلها أما اسمها فقد كان لورا مارشان . ابتعد رولف عن لورا ورأته ابيغيل إذ خرج من القاعة واقترب منها .
قال رولف بهدوء : " شكراً لك . كانت هذه الأمسية سعيدة جداً سوف أراك مجدداً بعد وقت قصيرة . " وعاد رولف إلى لورا بعد أن ودع ابيغيل بلهجة فيها الكثير من الجدية . أحست ابيغيل بالأسى ولم تستطع التغلب على ذلك الشعور إذ مشت باتجاه السلم .
" مرحباً يا آبي . " قال رايموند وقد مشى بخطوات واسعة حتى استطاع الوصول إليها ثم وضع نفسه قبالتها , فلم تستطع إكمال طريقها .
رفعت ابيغيل يدها فرأى رايموند الشعاع المنبثق من الخاتم.
قال رايموند محدقاً به : " ما هذا؟ لماذا هذا الخاتم بالذات؟"
" أي خاتم؟ " سألت مارتينا التي كانت قد خرجت من المصعد وأتت لملاقاتهما : " هذا الخاتم .. يجب أن تتذكر يا رايموند كان هذا الخاتم لأمنا , وقد أعطاني إياه أبي ولكنني لم أرده ... "
سأل أخوها : " ليس لديك أية مسؤولية أليس كذلك؟ ولكنك تفتخرين بموهبتك الفنية ... "
قالت مارتينا مؤنبة شقيقها : " لا تساوي غياب الشعور بغياب ردة الفعل المسئولة . "
ثم سألت : " هل أعطاك رولف هذا الخاتم يا ابيغيل؟ لماذا؟ " وبدت مارتينا حقاً شديدة الدهشة ؟
صرخ رايموند : " تمت خطوبتك إلى أخي يا آبي أليس كذلك؟ لا بد وأنكِ تذكرين ما قلته لكِ عنه ... " نظر حوله وقادها إلى المكتب الذي كان رولف قد أدخلها إليه وتبعتهما مارتينا . قال رايموند محاولاً إنعاش ذاكرتها : " إنه يحقد على النساء فهو لم يشف أبداً من ترك بياترس له لتتزوج رجلاً أغنى منه بكثير . لا يمكن أن تكوني قد نسيتِ ما قلته لكِ . "
لقد نسيت ذلك , فكرت ابيغيل بتعاسة ولا بد أن يكون رولف يعتقد الآن بأنني مثل بياترس وبأن كل ما أريده هو المكانة الاجتماعية الرفيعة والمال . كيف استطاعت ابيغيل الوقوع في فخ كهذا ؟
" لقد فهمتما ذلك بشكل خاطئ . " قالت ابيغيل إذ أنها كانت قد حصلت على إذن رولف بقول الحقيقة لعائلته " إن ... إن الأمر لا يجب أن يعلن رسمياً ولكن ... "
لمعت عينا مارتينا : " إنه سر عائلتي يا ابيغيل , نعم أضيفي صبغة ولمسة من الحيوية على حياتنا الاجتماعية . " هتفت مارتينا ممازحة ابيغيل : " إن السر يدخل عائلة فلدر . قولي لنا ما الأمر يا آبي . "
" إن الخطوبة ليست حقيقية . " ثم تابعت الكلام وشرحت لهما الوضع .
سألها رايموند : " ما هو ذلك العمل الذي تكلمت عنه؟ وما هو المركز الذي منحك إياه رولف ؟ "
شرحت ابيغيل الأمر .
قالت مارتينا : " إذن لن تصبحي زوجة أخي . " ثم أضافت وقد علت وجهها علامات الاشمئزاز : " مما يعني بأن لورا مارشان لا تزال مرشحة للخطوبة من أخي بعدما ينتهي عقدك . "
قالت ابيغيل : " كيف تستطيع لورا أن تنتظر منه القيام بأية خطوة؟ أعني بذلك خطوة تكون مقدمة لعلاقة متينة ... "
أجابتها مارتينا : " إن لدى لورا اثنين من المواصفات المطلوبة . "
ووافقها رايموند قائلاً : " لديها المال والمكانة الاجتماعية الرفيعة . "
علقت ابيغيل بحزن : " لا بد أن ذلك يجعلها بالنسبة إليه شخصاً مرغوباً به . "
أجاب رايموند : " كذلك فهو يعطيها أملاً بالفوز . "
قالت مارتينا لأخيها : " سوف يعود أبي إلى البيت غداً . "
تابعت وهي تبتسم لأبيغيل : " وهو سوف يأتي من فانكور عبر الطائرة سوف تتمكنين من مقابلته . أنه شخص محبوب . "
قال أخوها : " يا لتلك العبارة ولكنني أوافقك الرأي , فهو رجل طيب ولطيف . " ثم بدا الحزن في عينيه . " لم يستطع أبداً تجاوز الصدمة بعد موت والدتنا . "
أومأت مارتينا موافقة : " حسناً سوف أذهب للراحة عمت مساء يا آبي . " ثم بدا الأمل على محياها وأردفت " كنت أتمنى لو أن هذه الخطوبة كانت حقيقية فأنت زوجة أخ مناسبة . "
هتف رايموند : " زوجة أخ؟ "
" أرجوك يا رايموند . "
" حسناً كما قلت أني استطيع الانتظار . "
أمضت ابيغيل صبيحة اليوم التالي وهي تتجول في المدينة وجذب انتباهها الملصقات على لافتات الإعلانات . كانت تحمل صوراً لموسيقيين من مختلف أنحاء العالم وكان عدد كبير منهم في عداد المشاهير , وهم سيأتون إلى المدينة للمشاركة في مهرجان موسيقي .
بعد أن خرجت من شارع ضيق , رأت ابيغيل سوقاً . كان هناك العديد من الأكشاك حيث كثرت الأطعمة الطازجة , كالفاكهة والخضار .
كان المنظر فرحة للعين , فكرت ابيغيل كذلك الأمر بالنسبة لحاسة الشم وتنشقت روائح المنتوجات الطازجة , وسمعت هتافات السرور التي كانت تصدر عن المارة وكان هناك قطع من الخبز قد صنعت لتوها , وصنعت منها جميع الأشكال والأحجام وهي معروضة بفخر في وعاء زجاجي . رأت مجموعة طاولات موجودة في الخارج إلى جانب الفندق . فجلست إلى إحداها وكانت ترغب كثيراً باحتساء القهوة .
وبينما كانت تحتسي القهوة , جالت عيناها على قمم بعيدة وتناهت إلى أذنيها أصوات خافتة آتية من البحيرة التي تبعد عنها بضعة شوارع فقط . وعلمت بأنها كانت تخزن الذكريات لتستعيدها عندما ستعود إلى وطنها ولكنها كانت معجبة بالخاتم الذي أعطاها ... كلا أعارها ... إياه رولف , قلم تستطع منع نفسها من التأمل بأن يؤجل موعد مغادرتها البلاد , أو بأن يلغى الأمر نهائياً . قال رولف : " ابيغيل إن أبي قد وصل . "
وكانت تتساءل عما يجب فعله , إذ أنها كانت تعلم بأن رايموند هو في عمله و مارتينا تزور المتاجر في البلدة . لم تكن ابيغيل تأمل حتى بأن تجد رولف . فهو أيضاً كان لديه عمله , فقد كان يتحمل مسؤوليات عدة كمدير للفندق . الآن ها هو , بالقرب منها وتذكرت المنظر الذي رأته البارحة في الفندق والذي كانت بطلته لورا , كذلك عاد إلى بالها كل كلام رايموند و مارتينا عن مركزها في الحياة . عندها شعرت ابيغيل بنبضات قلبها تخفف من سرعتها .
أضاف رولف : " إن أبي يود رؤيتك . "
" هل ذلك يتعلق بالعمل؟ " أومأ موافقاً ثم تبعته .
في المكتب كان هناك رجل جالساً وراء مكتبه , وكانت عيناه كأنهما تحاولان معرفة طبعها , تماماً كما يفعل رولف , فكرت ابيغيل .
" أبي , أقدم لك ابيغيل هايلي . ابيغيل أقدم لكِ أبي , ماكس فلدر . "
قال الأب مرحباً بها : " آنسة هايلي , أنا سعيد جداً بلقائك."
وكانت تحيته أقرب إلى الترحيب الأبوي منها إلى تحية رسمية . وقف رولف بالقرب من أبيه وقد شبك ذراعيه وكان يحدق بهما مما جعلها تشعر بعدم الارتياح , ولكنها ركزت انتباهها على الوالد .
قال ماكس مشيراً إلى الكرسي : " أرجو أن تجلسي كما قال لك أبني . فأن الاهتمام الأساسي في حياتي , في هذه الآونة التي سلمت فيها أعباء العمل لابني يتمثل بدراسة أنواع الجبنة . وأرى بأنه آن الأوان لأركز اهتمامي على منتوجات بلدي . أنني آمل أن أصدر كتاباً , ولأقوم بذلك أنا بحاجة ماسة إلى مساعدة موظفة طموحة , فقد أكد لي أبني بأنك كذلك . "
قالت ابيغيل مشيرة إلى الكمبيوتر : " أنت تحتاج إلى أحدهم ليطبع أو ... ليكتب ملاحظاتك على الكمبيوتر؟ وذلك باللغة الانجليزية كما قال لي رولف . "
أجابها ماكس فلدر : " بالضبط . هل توافقين على انجاز هذا العمل من اجلي ؟ " وكان في صوته مزيج من الأمل والحماس .
" نعم سأفعل ذلك سيد فلدر . " وكان حماسها يعادل ذلك الذي سمعته في صوت ماكس فلدر وبدا هذا الأخير مسروراً لذلك الحماس ثم نظرت ابيغيل إلى رولف . هل ستتجرأ على البوح بالحقيقة للوالد من دون أن تحصل على الإذن من رولف ؟
" هل قال لك رولف ... " قالت ذلك وهي تمد يدها التي ظهر فيها الخاتم . قاطعها رولف : " لقد فعلت ذلك . هو موافق ويتفهم الوضع . "
علق ماكس : " الخطوبة ليست حقيقة , أليس كذلك؟ " ثم أبتسم وتابع : " للمرة الأولى في حياتي هل يسمح لي بالقول أنني أؤيد اختيار رولف تأييداً تاماً كما لو كانت الخطوبة حقيقية؟ " قال ماكس ذلك متوجهاً إلى ابنه الذي لم تتبدل نظرة التحدي والتصميم التي ظهرت في عينيه منذ أن بدأ الحديث . أكمل والده : " رولف . لقد عقد هذا العهد السخيف على نفسه . " ثم رفع رأسه وظهر على وجهه بعض الاكتئاب : " أن رولف يسمح لخيبة أمل واحدة بأن تسيطر على حياته وهو يعلم أن حياتي مع والدته كانت الأفضل ... " وظهرت غصة في صوته : " على كل حال . ذلك يجعل منك فرداً من العائلة , على الرغم من أن الخطوبة مؤقتة وأنني أوافق على ذلك . "
وعبرت عن امتنانها لكلام ماكس .
خرج من وراء المكتب , ثم قال بحنان : " لا تستطيعين أن تعلمي كم أنا مسرور لأنني سوف أحظى بمساعدتك . سوف أسافر كثيراً في عدة أنحاء من البلاد , وأجمع الأبحاث من أجل كتابي , ولكنني استطيع أن أعطيك عملاً منذ الآن ... "
وتوجه نحو المكتب حيث كان الكمبيوتر . " رزمة من الملاحظات . هل تودين النظر إليها لكي تتأكدي فقط بأنك تستطيعين قراءة خطي . "
وقرأت ما كتب على الورقة بالرغم من أنها فعلت ذلك قبلاً حين كانت مع رولف . وإذ رفعت رأسها ابتسمت وقالت : " أن خطك هو أفضل بكثير من خطي . "
" حسناً هذا ممتاز . الآن يجب أن أعود إلى جناحي وأتصل بأصدقائي وأقربائي في عدة نواح أخرى من البلاد . أنني قررت المكوث عندهم , إن وافقوا على استقبالي وذلك حين سأنتقل بين بلدة إلى بلدة . "
نظرت ابيغيل إلى الملاحظات ثم إلى ساعتها .
" هل هناك أي مانع أن بدأت الآن بالعمل؟ أعني , لقد كنت أبحث عما أفعله و ... " نظرت إلى ماكس الذي لمعت عيناه ثم إلى ابنه الذي أومأ موافقاً .
قال رولف : " لدي موعد من زوريخ . "
" وأنا بحاجة لأقوم بتلك الاتصالات الهاتفية . " قال ماكس ثم أشار إلى الرفوف قائلاً : " سوف تجدين على تلك الرفوف كل الأوراق التي تحتاجين إليها . ومن هنا , يوجد الكمبيوتر وآلة الطباعة كما ترين , يا آنسة هايلي لقد كان كل ذلك في انتظارك . "
" أرجوك , نادني ابيغيل , بالرغم من كل شيء ... "
ثم رفعت اليد التي كانت تحمل الخاتم الذي أعطاها إياه رولف بعد أن نظرت إلى ذلك الرجل بتحد .
" تريدين القول بأنك خطيبة أبني ؟ " ثم انفجر ماكس ضاحكاً وتابع :
" أنني أحب جرأة ابيغيل يا رولف . لقد بدأت أفكر بأنك ربحت أكثر مما تتصور عندما رتبت هذه الخطوبة المزيفة . "
ضاقت عينا رولف : " إن كانت مخيلة ابيغيل تسيطر على عقلها إذن يجب أن تحضر نفسها للآتي وذلك كيفما جاء . "
قال ماكس : " نعم حسناً إن حياتك هي من شأنك أنت فقط . " ثم أضاف إذ وصل إلى الباب : " أعلم بأنك قد صدمت هذه الفتاة . نعم , نعم ... " ورفع يده ليمنع ابيغيل من التفوه بأي احتجاج . أحنى رولف رأسه ثم انضم إلى والده عند الباب .
" لا أعتقد أن هناك أي خطر في حدوث ذلك يا أبي فا ابيغيل تتفهم الوضع تماماً وتعلم بأن العائلة فقط تعرف حقيقة الأمر . أليس كذلك؟ "
قالت ابيغيل : " إن لابنك حياته الخاصة يا سيد فلدر . هل تفهم ما أعنيه يا رولف؟ "
قال رولف : " أنتِ تودين إثارة غضبي , أليس كذلك يا آنسة هايلي؟ أنتِ تحملين خاتمي في إصبعك لذلك , أنا اقترح بألا تحاولي التسبب بنفاذ صبري . " ثم تبع رولف والده إلى خارج المكتب .

لا وعود في الحبWhere stories live. Discover now