اقتصر جواب رولف على إيماءة صغيرة وتساءلت ابيغيل لم اشتد خفقان قلبها . لدق كان الأمر بكل بساطة وبالرغم من كل ما حصل , مجرد صفقة عمل .
" وهل تريدين أن أقول لك شروط العمل مجدداً؟ لن تحصلي على أي راتب . " ثم أضاف بعد أن أومأت ابيغيل موافقة : " إن عقد العمل الغير رمسي هو ساري المفعول منذ هذه اللحظة سوف أخصص لك مبلغاً شهرياً , وسوف أكون سخياً . "
" ولكن ... "
وتابع رولف كما لو أنها لم تتكلم : " سوف افتح لك حساباً في مصروفي . إن اكتشفت في أي وقت بأن حاجتك إلى المال تفوق المبلغ الذي وضع في حسابك , يجب فقط أن تخبريني بذلك وسوف أمنحك المزيد من الخمال . هل توافقين على هذه الشروط ؟ "
" نعم ! "
" إذن , سوف نضع على اتفاقنا هذا الختم أليس كذلك؟ سوف ننهي الاتفاق بهذا . "
قالت : " لن يدخل عامل الخطوبة في صفقتنا . "
" إنها صفقة عمل . " قال رولف مؤيداً كلامها .
" لا وعد بشيء . "
إن رولف يعني ذلك حقاً , قالت ابيغيل في نفسها ولكنها ايضاً كانت تود التقيد بهذا الكلام . أنا أود فقط الحصول على أمل أليس كذلك؟ إنها تريد عملاً يخولها البقاء في سويسرا وقتاً أطول مما تخيلته ممكناً عندما أخلت شقتها في لندن .
" سوف نأكل الآن , هيا؟ تعالي , يا ابيغيل . سوف نبحث عن مطعم . "
قادها إلى الجسر وبعد بضع دقائق من السير , استدار وسلك طريقاً مرصوفة ثم توقفا قليلاً بالقرب من مقهى وكان هناك طاولات وضعت في الخارج وقد غطتها شراشف بلون أرجواني .
سألها رولف : " هل يناسبك ذلك؟ "
" أود أن أطلب طعاماً خفيفاً . " وكان الجوع الذي أحست به ابيغيل قبل ذلك قد اختفى بسبب غرابة الحوداث التي تشهدها عيناها .
أزاح لها رولف الكرسي وجلس في الزاوية قبالتها إلى الطاولة ثم أعطاها لائحة الطعام وأخذ هو واحدة أخرى .
" الحساء ... إنه يبدو مفيداً . " إن أي شيء سيكون مفيداً في هذا الوقت بالذات حتى القطعة اليابسة من الخبز ستتحول بسبب فرحتها إلى طعام مفيد كأنه مزيج من العسل ورحيق الأزهار . ولم تحاول معرفة سبب ذلك فهي تمتعت بكل ثانية وهي تعرف جيداً أن فرحها سينتهي بعد قليل . سوف يختفي هذا الشعور في اللحظة نفسها التي تعودين فيها إلى الحقيقة ...
" نعم " قالت وقد عادت بإفكارها إلى اللحظة الحاضرة : " إن حاسة التذوق لدي تصرخ طالبة الحساء . "
" أنتِ تتكلمين كمواطنة سويسرية حقيقية ولكنك لست كذلك . إن شرب الحساء هو أحد خصائص الطبع السويسري . فالحساء المعلب ... هو اختراع سويسري الآن ها هو نوع الحساء يمكنني أن أقترحه عليك . إن فيه كل شيء الخضار , الباستا , اللحم , الزلابية , الجبن و البطاطا . وهو يشكل وجبة بحد ذاتها في الحقيقة , ان رئيس الطهاة في لي مطعم سويسري يمكنه إضافة العديد من المكونات المغذية على الطعام . في بعض الأحيان يضع في الحساء كل شيء ... أعني كل نوع من الطعام بالطبع! تقع عليه عيناه . "
نادى رولف نادلاً وطلب الطعام .
" ليس لديكِ خاتم يجب أن نصلح الأمر . "
أزاحت ابيغيل يدها . سألته : " ما الذي قد عنيته عندما قلت أن هذا العقد سري تماماً؟ "
" عنيت بذلك أنه لا يجب أن يعلم بهذه الصفقة أي الخطوبة المزيفة والعمل سوى المقربين إلينا فقط من بين أفراد العائلة . "
سألته : " مثلاً مارتينا ورايموند؟ " فأومأ موافقاً .
" هل والدك سيعلم بالأمر؟ "
أعاد وضع شوكة أخذها من قبل في مكانها : " نعم سيعلم والذي بالأمر يجب أن نشرح له بصراحة إن الدافع وراء هذه الخطوبة هو وبكل بساطة العمل . "
قالت ابيغيل بلهجة تحدي : " يمكن أن يعلم والدك العالم أجمع بالأمر أليس كذلك؟ بالنهاية أنت ابنه ووريثه كما يقال. "
عمت لحظات من الصمت , ثم اومأ رولف بطريقة لا مبالية.
قالت : " مما يعني بأن الخاتم ليس ضرورياً أبداً . "
قال وهو يمد يده إلى جيبه ويخرج منها علبة صغيرة : " بالنسبة لهذا الموضوع نحن نختلف تاماً في وجهات النظر . " ثم فتح الغطاء وتابع : " إن الخاتم ليس جديداَ وشكله ليس رائعاً لقد كان ملكاً لأمي . " أخرج رولف الخاتم من العلبة المخملية . " إنها قطعة قديمة صنعت خصيصاً لجدتي بعد أن أوصى عليها زوجها ثم أعطته جدتي إلى أمي ... فهي كانت ابنتها البكر وقد أعطي إلى مارتينا التي لم تقبل الاحتفاظ به . فتصميم الخاتم قد جرح شعورها الفني كما قالت لذلك أعطتني إياه إذ أنني الابن البكر للعائلة . "
" وهذا يعني بأن الخاتم هو قطعة من مجموعة إرث العائلة . " علقت ابيغيل وهي تتأمل باعجاب أحجار اللؤلؤ , الياقوت والماس ... " يجب أن تعطيه إلى ... إلى الفتاة التي تنوي فعلاً الزواج منها . "
عم الصمت لوقت طويل , فنظرت إليه ثم نظر إليها بعينيه الخاليتين من التعابير .
" هل يمكنك أن تقول لي شيئاً ما ؟ لقد أخبرني رايموند عن بياتريس , هل أعطيتها الخاتم؟ "
لم يجبها رولف ولم ينظر حتى إليها ولكن , إن كان رولف فعلاً قد خطب تلك الفتاة فلا بد أنه أعطاها الخاتم .
" وهل قيمته بنظرك بسبب طريقة تصرف بياترس؟ أكرر , إن الخاتم كان ملكاً لأمي . لذلك ليس هناك أي حادث أو شخص يمكن أن يقلل من قيمته . هلا توقفت عن المراوغة؟ "
وضعت الخاتم في إصبعها فبدا ملائماً جداً .
" سوف أحافظ عليه يا رولف وسوف أعيده إليك عندما أعود إلى وطني . "
أجاب رولف بإيماءة صغيرة , تماماً كما يريد إبرام صفقة عمل , فكرت ابيغيل
سألها رولف وهو يعيد العلبة إلى مكانها : " هل تريدين إعلام أهلك بالأمر؟ "
" لقد توفي أبي منذ بضع سنوات . أما بالنسبة لأمي فهي لن تصدق بأن الأمر هو مجرد خطبة مزيفة , حتى ولو أخبرتها بذلك فقد تكبر آمالها وأنا أكره أن أخيبها . "
كان الحساء الذي احتوى على الزلابية , العديد من الخضار , قطع من البيض وبعض الباستا شهياً جداً : " إنه رائع . هل أحببت أنت أيضاً هذا الحساء؟ "
أجاب مؤيداً كلامها : " يجب علي الاعتراف بأن طعمه قد أصبح أطيب . "
" أعلم أنك لا تعني ما تقول إنه مجرد شعور يتلاءم مع الوضع الراهن . "
" ماذا يعني ذلك؟ "
" حسناً خطوبة مزيفة , مدائح مزيفة . "
ضحك رولف بصوت عال , فاستدار الزبائن الآخرون نحوه . ثم ابتسموا ابتسامة تسامح . وختما وجبة الطعام بأكل الجبنة والبسكويت .
" كلي من هذه . " قال رولف ثم أشار على القطع الصغيرة التي وضعت أمامهما . " إنها الغرويار , وهذه هي الأمانتيلر , تلك التي تكثر فيها الثقوب الكبيرة أو العيون كما تسمى وهذه هي السبرينز وهي تنتج في القسم الأوسط من البلاد . إنها الأقسى ولأقدم من بين الأجبان السويسرية . أي نوع سوف تختارين ؟ "
أشارت ابيغيل إلى الأمانتيلر عندها أخذ رولف سكينة الأجبان فقص قطعة صغيرة وناولها إياها .
" إن طعمها اطيب , وهو قريب من طعم البندق . "
" أنا سعيد لأنها أعجبتك . "
بعد ذلك , جال الاثنان في المنطقة ووقفا تحت القناطر حيث توجد لعبة الشطرنج العملاقة التي أشارت إليها مارتينا . سألها رولف : " هل تجيدين اللعب ؟ "
" ليس كثيراً . أتذكر أن أبي علمني اللعب حين كنت طفلة ولكنه كان دائما يسمح لي بالفوز . "
" سوف نلعب دوراً بطريقة ودية . أنا أتحداك . "
" سنلعب دوراً ودياً جداً . "
ربح رولف دورة الشطرنج وانتهت اللعبة باكراً جداً . وأعاد الاثنان القطع إلى نقطة الانطلاق وفي وسط لوح الشطرنج . مشى الاثنان فكرت ابيغيل بأنهما يتصرفان كما لو أن الخطوبة التي رتباها لخدمة مصالحهما كانت حقيقية وكأنها ستؤدي إلى .... أجبرت ابيغيل عقلها على عدم التفكير بتلك الطريقة . إن الخطوبة مزيفة , تذكري ذلك أيضا يا ابيغيل هايلي , فكرت الفتاة وعندما كانا في طريق العودة إلى الفندق , مرا بالقرب من جمهرة الناس الذين استمروا بإطعام الطيور , واخترقا الحشود , هذا الشعور بالسعادة عندما تكون برفقة رولف مجرد وهم ... نعم وهم وكانت مجبرة على الاعتراف بذلك . كان وهماً , ولكن تمنت بقوة لو أنه يتحول إلى حقيقة .
ها هي نهاية الحلم , فكرت ابيغيل أنه الواقع , لقد وصلت إلى هذه المرحلة ولو لم يكن هذا الخاتم في إصبعها لاعتقدت بأن الساعتين أو الثلاث التي قضتها مع رولف كانت وليدة مخيلتها .
" سيد فلدر , سيد فلدر ... " نادت مديرة الاستقبال رولف فتركها وذهب لملاقاة الموظفة الجالسة وراء المكتب . كانت لغة التخاطب بينهما الألمانية , لكنها تبدلت إلى الإنكليزية عندما خرجت سيدة من المكتب .
اشتكت السيدة : " أين كنت يا رولف؟ "
لو لم تكن قد حزرت هوية الآنسة , فكرت ابيغيل , لكانت لهجتها الانكليزية أخبرتها عنها من دون شك , كانت تلك الآنسة بريطانية مثلها أما اسمها فقد كان لورا مارشان . ابتعد رولف عن لورا ورأته ابيغيل إذ خرج من القاعة واقترب منها .
قال رولف بهدوء : " شكراً لك . كانت هذه الأمسية سعيدة جداً سوف أراك مجدداً بعد وقت قصيرة . " وعاد رولف إلى لورا بعد أن ودع ابيغيل بلهجة فيها الكثير من الجدية . أحست ابيغيل بالأسى ولم تستطع التغلب على ذلك الشعور إذ مشت باتجاه السلم .
" مرحباً يا آبي . " قال رايموند وقد مشى بخطوات واسعة حتى استطاع الوصول إليها ثم وضع نفسه قبالتها , فلم تستطع إكمال طريقها .
رفعت ابيغيل يدها فرأى رايموند الشعاع المنبثق من الخاتم.
قال رايموند محدقاً به : " ما هذا؟ لماذا هذا الخاتم بالذات؟"
" أي خاتم؟ " سألت مارتينا التي كانت قد خرجت من المصعد وأتت لملاقاتهما : " هذا الخاتم .. يجب أن تتذكر يا رايموند كان هذا الخاتم لأمنا , وقد أعطاني إياه أبي ولكنني لم أرده ... "
سأل أخوها : " ليس لديك أية مسؤولية أليس كذلك؟ ولكنك تفتخرين بموهبتك الفنية ... "
قالت مارتينا مؤنبة شقيقها : " لا تساوي غياب الشعور بغياب ردة الفعل المسئولة . "
ثم سألت : " هل أعطاك رولف هذا الخاتم يا ابيغيل؟ لماذا؟ " وبدت مارتينا حقاً شديدة الدهشة ؟
صرخ رايموند : " تمت خطوبتك إلى أخي يا آبي أليس كذلك؟ لا بد وأنكِ تذكرين ما قلته لكِ عنه ... " نظر حوله وقادها إلى المكتب الذي كان رولف قد أدخلها إليه وتبعتهما مارتينا . قال رايموند محاولاً إنعاش ذاكرتها : " إنه يحقد على النساء فهو لم يشف أبداً من ترك بياترس له لتتزوج رجلاً أغنى منه بكثير . لا يمكن أن تكوني قد نسيتِ ما قلته لكِ . "
لقد نسيت ذلك , فكرت ابيغيل بتعاسة ولا بد أن يكون رولف يعتقد الآن بأنني مثل بياترس وبأن كل ما أريده هو المكانة الاجتماعية الرفيعة والمال . كيف استطاعت ابيغيل الوقوع في فخ كهذا ؟
" لقد فهمتما ذلك بشكل خاطئ . " قالت ابيغيل إذ أنها كانت قد حصلت على إذن رولف بقول الحقيقة لعائلته " إن ... إن الأمر لا يجب أن يعلن رسمياً ولكن ... "
لمعت عينا مارتينا : " إنه سر عائلتي يا ابيغيل , نعم أضيفي صبغة ولمسة من الحيوية على حياتنا الاجتماعية . " هتفت مارتينا ممازحة ابيغيل : " إن السر يدخل عائلة فلدر . قولي لنا ما الأمر يا آبي . "
" إن الخطوبة ليست حقيقية . " ثم تابعت الكلام وشرحت لهما الوضع .
سألها رايموند : " ما هو ذلك العمل الذي تكلمت عنه؟ وما هو المركز الذي منحك إياه رولف ؟ "
شرحت ابيغيل الأمر .
قالت مارتينا : " إذن لن تصبحي زوجة أخي . " ثم أضافت وقد علت وجهها علامات الاشمئزاز : " مما يعني بأن لورا مارشان لا تزال مرشحة للخطوبة من أخي بعدما ينتهي عقدك . "
قالت ابيغيل : " كيف تستطيع لورا أن تنتظر منه القيام بأية خطوة؟ أعني بذلك خطوة تكون مقدمة لعلاقة متينة ... "
أجابتها مارتينا : " إن لدى لورا اثنين من المواصفات المطلوبة . "
ووافقها رايموند قائلاً : " لديها المال والمكانة الاجتماعية الرفيعة . "
علقت ابيغيل بحزن : " لا بد أن ذلك يجعلها بالنسبة إليه شخصاً مرغوباً به . "
أجاب رايموند : " كذلك فهو يعطيها أملاً بالفوز . "
قالت مارتينا لأخيها : " سوف يعود أبي إلى البيت غداً . "
تابعت وهي تبتسم لأبيغيل : " وهو سوف يأتي من فانكور عبر الطائرة سوف تتمكنين من مقابلته . أنه شخص محبوب . "
قال أخوها : " يا لتلك العبارة ولكنني أوافقك الرأي , فهو رجل طيب ولطيف . " ثم بدا الحزن في عينيه . " لم يستطع أبداً تجاوز الصدمة بعد موت والدتنا . "
أومأت مارتينا موافقة : " حسناً سوف أذهب للراحة عمت مساء يا آبي . " ثم بدا الأمل على محياها وأردفت " كنت أتمنى لو أن هذه الخطوبة كانت حقيقية فأنت زوجة أخ مناسبة . "
هتف رايموند : " زوجة أخ؟ "
" أرجوك يا رايموند . "
" حسناً كما قلت أني استطيع الانتظار . "
أمضت ابيغيل صبيحة اليوم التالي وهي تتجول في المدينة وجذب انتباهها الملصقات على لافتات الإعلانات . كانت تحمل صوراً لموسيقيين من مختلف أنحاء العالم وكان عدد كبير منهم في عداد المشاهير , وهم سيأتون إلى المدينة للمشاركة في مهرجان موسيقي .
بعد أن خرجت من شارع ضيق , رأت ابيغيل سوقاً . كان هناك العديد من الأكشاك حيث كثرت الأطعمة الطازجة , كالفاكهة والخضار .
كان المنظر فرحة للعين , فكرت ابيغيل كذلك الأمر بالنسبة لحاسة الشم وتنشقت روائح المنتوجات الطازجة , وسمعت هتافات السرور التي كانت تصدر عن المارة وكان هناك قطع من الخبز قد صنعت لتوها , وصنعت منها جميع الأشكال والأحجام وهي معروضة بفخر في وعاء زجاجي . رأت مجموعة طاولات موجودة في الخارج إلى جانب الفندق . فجلست إلى إحداها وكانت ترغب كثيراً باحتساء القهوة .
وبينما كانت تحتسي القهوة , جالت عيناها على قمم بعيدة وتناهت إلى أذنيها أصوات خافتة آتية من البحيرة التي تبعد عنها بضعة شوارع فقط . وعلمت بأنها كانت تخزن الذكريات لتستعيدها عندما ستعود إلى وطنها ولكنها كانت معجبة بالخاتم الذي أعطاها ... كلا أعارها ... إياه رولف , قلم تستطع منع نفسها من التأمل بأن يؤجل موعد مغادرتها البلاد , أو بأن يلغى الأمر نهائياً . قال رولف : " ابيغيل إن أبي قد وصل . "
وكانت تتساءل عما يجب فعله , إذ أنها كانت تعلم بأن رايموند هو في عمله و مارتينا تزور المتاجر في البلدة . لم تكن ابيغيل تأمل حتى بأن تجد رولف . فهو أيضاً كان لديه عمله , فقد كان يتحمل مسؤوليات عدة كمدير للفندق . الآن ها هو , بالقرب منها وتذكرت المنظر الذي رأته البارحة في الفندق والذي كانت بطلته لورا , كذلك عاد إلى بالها كل كلام رايموند و مارتينا عن مركزها في الحياة . عندها شعرت ابيغيل بنبضات قلبها تخفف من سرعتها .
أضاف رولف : " إن أبي يود رؤيتك . "
" هل ذلك يتعلق بالعمل؟ " أومأ موافقاً ثم تبعته .
في المكتب كان هناك رجل جالساً وراء مكتبه , وكانت عيناه كأنهما تحاولان معرفة طبعها , تماماً كما يفعل رولف , فكرت ابيغيل .
" أبي , أقدم لك ابيغيل هايلي . ابيغيل أقدم لكِ أبي , ماكس فلدر . "
قال الأب مرحباً بها : " آنسة هايلي , أنا سعيد جداً بلقائك."
وكانت تحيته أقرب إلى الترحيب الأبوي منها إلى تحية رسمية . وقف رولف بالقرب من أبيه وقد شبك ذراعيه وكان يحدق بهما مما جعلها تشعر بعدم الارتياح , ولكنها ركزت انتباهها على الوالد .
قال ماكس مشيراً إلى الكرسي : " أرجو أن تجلسي كما قال لك أبني . فأن الاهتمام الأساسي في حياتي , في هذه الآونة التي سلمت فيها أعباء العمل لابني يتمثل بدراسة أنواع الجبنة . وأرى بأنه آن الأوان لأركز اهتمامي على منتوجات بلدي . أنني آمل أن أصدر كتاباً , ولأقوم بذلك أنا بحاجة ماسة إلى مساعدة موظفة طموحة , فقد أكد لي أبني بأنك كذلك . "
قالت ابيغيل مشيرة إلى الكمبيوتر : " أنت تحتاج إلى أحدهم ليطبع أو ... ليكتب ملاحظاتك على الكمبيوتر؟ وذلك باللغة الانجليزية كما قال لي رولف . "
أجابها ماكس فلدر : " بالضبط . هل توافقين على انجاز هذا العمل من اجلي ؟ " وكان في صوته مزيج من الأمل والحماس .
" نعم سأفعل ذلك سيد فلدر . " وكان حماسها يعادل ذلك الذي سمعته في صوت ماكس فلدر وبدا هذا الأخير مسروراً لذلك الحماس ثم نظرت ابيغيل إلى رولف . هل ستتجرأ على البوح بالحقيقة للوالد من دون أن تحصل على الإذن من رولف ؟
" هل قال لك رولف ... " قالت ذلك وهي تمد يدها التي ظهر فيها الخاتم . قاطعها رولف : " لقد فعلت ذلك . هو موافق ويتفهم الوضع . "
علق ماكس : " الخطوبة ليست حقيقة , أليس كذلك؟ " ثم أبتسم وتابع : " للمرة الأولى في حياتي هل يسمح لي بالقول أنني أؤيد اختيار رولف تأييداً تاماً كما لو كانت الخطوبة حقيقية؟ " قال ماكس ذلك متوجهاً إلى ابنه الذي لم تتبدل نظرة التحدي والتصميم التي ظهرت في عينيه منذ أن بدأ الحديث . أكمل والده : " رولف . لقد عقد هذا العهد السخيف على نفسه . " ثم رفع رأسه وظهر على وجهه بعض الاكتئاب : " أن رولف يسمح لخيبة أمل واحدة بأن تسيطر على حياته وهو يعلم أن حياتي مع والدته كانت الأفضل ... " وظهرت غصة في صوته : " على كل حال . ذلك يجعل منك فرداً من العائلة , على الرغم من أن الخطوبة مؤقتة وأنني أوافق على ذلك . "
وعبرت عن امتنانها لكلام ماكس .
خرج من وراء المكتب , ثم قال بحنان : " لا تستطيعين أن تعلمي كم أنا مسرور لأنني سوف أحظى بمساعدتك . سوف أسافر كثيراً في عدة أنحاء من البلاد , وأجمع الأبحاث من أجل كتابي , ولكنني استطيع أن أعطيك عملاً منذ الآن ... "
وتوجه نحو المكتب حيث كان الكمبيوتر . " رزمة من الملاحظات . هل تودين النظر إليها لكي تتأكدي فقط بأنك تستطيعين قراءة خطي . "
وقرأت ما كتب على الورقة بالرغم من أنها فعلت ذلك قبلاً حين كانت مع رولف . وإذ رفعت رأسها ابتسمت وقالت : " أن خطك هو أفضل بكثير من خطي . "
" حسناً هذا ممتاز . الآن يجب أن أعود إلى جناحي وأتصل بأصدقائي وأقربائي في عدة نواح أخرى من البلاد . أنني قررت المكوث عندهم , إن وافقوا على استقبالي وذلك حين سأنتقل بين بلدة إلى بلدة . "
نظرت ابيغيل إلى الملاحظات ثم إلى ساعتها .
" هل هناك أي مانع أن بدأت الآن بالعمل؟ أعني , لقد كنت أبحث عما أفعله و ... " نظرت إلى ماكس الذي لمعت عيناه ثم إلى ابنه الذي أومأ موافقاً .
قال رولف : " لدي موعد من زوريخ . "
" وأنا بحاجة لأقوم بتلك الاتصالات الهاتفية . " قال ماكس ثم أشار إلى الرفوف قائلاً : " سوف تجدين على تلك الرفوف كل الأوراق التي تحتاجين إليها . ومن هنا , يوجد الكمبيوتر وآلة الطباعة كما ترين , يا آنسة هايلي لقد كان كل ذلك في انتظارك . "
" أرجوك , نادني ابيغيل , بالرغم من كل شيء ... "
ثم رفعت اليد التي كانت تحمل الخاتم الذي أعطاها إياه رولف بعد أن نظرت إلى ذلك الرجل بتحد .
" تريدين القول بأنك خطيبة أبني ؟ " ثم انفجر ماكس ضاحكاً وتابع :
" أنني أحب جرأة ابيغيل يا رولف . لقد بدأت أفكر بأنك ربحت أكثر مما تتصور عندما رتبت هذه الخطوبة المزيفة . "
ضاقت عينا رولف : " إن كانت مخيلة ابيغيل تسيطر على عقلها إذن يجب أن تحضر نفسها للآتي وذلك كيفما جاء . "
قال ماكس : " نعم حسناً إن حياتك هي من شأنك أنت فقط . " ثم أضاف إذ وصل إلى الباب : " أعلم بأنك قد صدمت هذه الفتاة . نعم , نعم ... " ورفع يده ليمنع ابيغيل من التفوه بأي احتجاج . أحنى رولف رأسه ثم انضم إلى والده عند الباب .
" لا أعتقد أن هناك أي خطر في حدوث ذلك يا أبي فا ابيغيل تتفهم الوضع تماماً وتعلم بأن العائلة فقط تعرف حقيقة الأمر . أليس كذلك؟ "
قالت ابيغيل : " إن لابنك حياته الخاصة يا سيد فلدر . هل تفهم ما أعنيه يا رولف؟ "
قال رولف : " أنتِ تودين إثارة غضبي , أليس كذلك يا آنسة هايلي؟ أنتِ تحملين خاتمي في إصبعك لذلك , أنا اقترح بألا تحاولي التسبب بنفاذ صبري . " ثم تبع رولف والده إلى خارج المكتب .
YOU ARE READING
لا وعود في الحب
Romanceرولف فلدر، مدير فندق عائلة فلدر الشديد. كان قد خذل في الماضي، ولم ينو بعدها ان يسلم رأسه او قلبه لأية إنسانة على وجه الأرض. من دون شك، كان رولف يجد ابيغيل جذابة. وكانت خطوبتهما المزيفة تساعده على تحقيق بعض مأربه، ولكن ما الجدوى ان تقع ابيغيل في حبه...