الفصل التاسع

5.9K 144 2
                                    

صعد رولف و ابيغيل إلى الهضاب العالية وذلك بواسطة الباص . كانت الطريق وعرة تكثر فيها الزواريب والمنعطفات حتى أنه بدا من الصعب أن ينجح ذلك الباص على قطعها بسلام . عند كل منعطف , كان الزمور يطلق صوتاً عالياً , ونغمات موسيقية يطيب للأذن سماعها , ولكن وظيفتها الرئيسية كانت تنبيه الآليات الأخرى . وخافت ابيغيل التي كانت جالسة من رولف , مما يمكن أن يحدث إن جاءت آلية أخرى . عندما اقتربت سيارة وهي تسير باتجاه الباص . حبست ابيغيل أنفاسها ووضعت يدها على فمها .
قال مطمئناً إياها : " لدى السائق خبرة طويلة بالقيادة انظري , أنه يتوقف في هذه الفسحة وينتظر مرور السيارة."
نظرت إلى الأسفل , ثم أغمضت عينيها فجأة إذ رأت وعودة الطريق بواسطة نافذة الباص وبقي السائق منتظراً مرور السيارة .
ظل الضباب يغطي التلال حتى بعدما انتهت رحلة الصعود لكنه لم يغط الأنواع المتعددة من الزهور الملونة التي نبتت على طرفي الطريق وكان مالكو البيوت قد جمعوا القش تحضيراً للشتاء , فشكل أكواما وضعت على الحائط . وكانت قد كدست كما شرح رولف كي تستعملها النساء في موسم تجميع التبن .
وصل الباص إلى القمة , فخرجا منه ووقعت أنظارهما على مشهد ريفي رائع .
" هذا جميل , أنه يختلف عن كل الأمكنة التي زرتها من قبل . فهو ريفي وأعتقد بأن هذه الكلمة هي الأفضل للتعبير عما أراه فهي تتجانس مع طابع المكان , هل فهمت قصدي؟"
نظرت ابيغيل إليه وقالت : " أنت فخور بموطنك , أليس كذلك؟ "
قال رولف وهو يشير إلى المناظر الساحرة حولهما : " وهل هناك أحد ليس فخوراً به؟ "
كيفما جال نظرها , كانت ابيغيل ترى التعرجات في الأرض وقد سببتها الهضاب التي بدت معظمها وكأنها مائلة . وسطعت الشمس في البعيد , فلمعت القمم الشاهقة تحت أشعتها وظهرت ألوانها الفاتنة . كانت الطرقات تتقاطع وهي تقود إلى مزارع وبيوت متفرقة .
مشى رولف و ابيغيل لبعض الوقت , ثم توقفا قليلاً إذ أنه أشار إليها مجدداً إلى موقع المدينة التي تركاها وراءهما . كانت السقوف الحمراء موزعة في التلال والهضاب , كذلك فقد كان البعض منها موجوداً على طرفي الطريق .
توقفت ابيغيل عند حظيرة الماشية حيث كان هناك ملصقات معروضة فقالت لرولف : " هل تستطيع أن تترجم لي محتوى هذه الملصقات؟ "
فعل ذلك بكل رحابة صدر : " إنها شهادات امتياز لقد وضعها فلاحون هنا , وذلك لأنهم فخورون إذ ربح قطيعهم جوائز في عدة مباريات . " ثم سلك رولف طريق العودة : " هناك شخص ما يجب أن أراه . تعالي , هل تريدين أن تأكلي شيئاً؟ . "
" قليلاً . " ثم نظرت حولها , وهي تتساءل عن احتمال وجود مكان يقدم الطعام في الجوار .
اقترابا من مقهى بني من الخشب , أما سقفه , فقد كان من القرميد الأحمر . قادها إلى المطعم حيث يمكن رؤية الطبيعة دون سقف أو حاجز , ثم جلست إلى الطاولة , بعدها وضع لائحة الطعام بين يديها .
" سوف أنهي عملي خلال عشر دقائق . "
غاب رولف لوقت أطول , ثم ابتسمت ابتسامة ارتياح إذ عاد أخيراً .
سألت ابيغيل وهي تبتسم : " هل ابتعت هذا المقهى أيضاً؟"
قال رولف وهو يجلس : " الجواب على سؤالك هو نعم على الأرجح . "
سألته ابيغيل : " هل تقضي معظم وقتك ساعياً وراء شراء العقارات كي تضيفها إلى مجموعة فلدر؟ "
" نعم , وفي بعض المناسبات . فأنا كنت الآن أقوم بالتحقيقات اللازمة , هذا كل ما في الأمر . ولكن قلبي هو مع شركة الهندسة التي املكها في زوريخ . "
وفكرت ابيغيل بأن قلب رولف سوف يبقى هناك , مع العمل . ألم يحذرها رايموند؟ فهو قد وصف رولف بالمدمن على العمل . ففي حياته , لم يكن هناك مكان دائم لأي شخص تذكري دوماً ذلك.
اختارت وجبة خفيفة مع قهوة وحاورتها النادلة بالانجليزية إذ أنها سمعتها تتكلم بتلك اللغة .
سألت ابيغيل تلك الشابة : " هل هو موطنك الأم؟ "
" أنا من هولندا . "
" ولكن أنتِ تتقنين اللغة الانجليزية , لذلك اعتقدت بأنكِ انجليزية."
" إنه إطراء لطيف . "
ثم قال رولف للنادلة : " هل تعيشين هنا الآن؟ "
" نعم ولكن ذلك سيدوم فترة قصيرة والآن لدي غرفة في الطابق العلوي من المطعم . ولكني سوف أعود إلى دياري عما قريب فأنا على وشك الزواج . "
قالت ابيغيل : " إن ذلك رائع . " ولكنها ما لبثت أن مقتت البهجة التي تلألأت في صوتها .
قال رولف للنادلة : " هذا يعني بأنه سيكون هناك مكاناً شاغراً هنا؟ هل أعلن عن الحاجة إلى نادلة؟ "
" سوف يوضع الإعلان عندما سأعرف موعد سفري . "
قالت ابيغيل في نفسها إن كانت مجموعة فلدر مهتمة بشراء هذا المقهى من الطبيعي بأن يغدو أمر تأمين نادلة أخرى من بين اهتمامات رولف .
نظر رولف إلى ساعته وكأنه يفكر بأمر ما وعملت بأن ذلك النهار الرائع قد شارف على نهايته .
قال لها : " سوف أقوم باتصال هاتفي , واراك هنا بعد قليل . فالأمر لن يستغرق الكثير من الوقت . "
جلست وانتظرت وقتاً طويلاً حتى عاد رولف . غدت أفكارها مشوبة بالغيوم السوداء خلال فترة قصيرة .
وأدركت ابيغيل مصدر أفكارها السوداء تلك . فهي سمعت صوت رولف الذي تكلم بالهاتف ... ولكنه استخدم لغته الأم في الحديث وفكرت ابيغيل بأن ذلك طبيعي جداً ولكن تفكيرها تبدل إذ سمعت رولف يتلفظ باسم محدثته ... لورا مارشان .

لا وعود في الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن