الفصل الثامن عشر

ابدأ من البداية
                                    

ترنحت في وقفتها ولم تتحمل الصمود حيث سقطت علي الفراش إثر صفعته المدوية التي أحدثت علامات غائرة علي وجهها ، وضعت هانا يدها عليها وهي تفركها متألمة من تطاوله الزائد في تعمده لاهانتها والاستهانة بكرامتها ، شعرت بغياب العالم من حولها غير مستوعبة إلي الآن فهم شخصيته التي باتت مبهمة أمامها ، شحب وجهها وهي تتأمل نظراته الغاضبة التي تخترق معالمها وتود الفتك بها ، ولا إراديًا تراجعت بجسدها للخلف خيفةً من بطشه المتكرر لها والذي لم يتأني في سماعها لتبرير موقفها لكي يكف عن تماديه في تحميلها الذنب كليًا ، ورغم ما يفعله من حقارة امامها صور له عقله الأهوج انها المذنبة مما جعلها تحتار في أمره وطريقتة الغامضة ..
تَجَوَّل ماجد ببصره عليها كليًا بنظرات مهلكة لم يظهرها من قبل لتتفاجئ هانا بها ، تقدم خطوة منها وهو يرمقها بقسوة ويعتصر قبضه يده مما فعلته وتركها له اليوم ، الأمر الذي جعله غير قادرًا علي تملك هياجه الداخلي مجرد ذهابها لغيره ، وقف أمامها مشدودًا وبجمود حاد أرتسم عليه ونبرة مقلقة :
- انا ما فيش واحدة تسيبني وتروح لغيري ، واللي تعمل كده نهايتها علي إيدي ، واللي تزعلني منها يبقي تستاهل اللي هتشوفو مني ، استأنف بوعيد وهو يحدجها بقسوة واهتياج جلي علي أعصابه المشدودة :
- بس اللي عملتيه النهاردة دا مش هسامحك عليه ، فهماني ولا لأ يا مريم .
شهقت هانا من نطقه لإسمها دون وعي منه في لحظة غضبة وعدم إخفاءه لما يدور في عقله الباطن ، اضحت حقيقته مكشوفة امامها وظهر تفكيره الأَرْعَن في افشاء انتقامه كونها تركته قديمًا وذهابها لغيره ، وفهمت أنها امامه مجرد وهم ليخرج غضبه المكنون عليها ، بينما انتبه ماجد لما تفوه به قبل قليل وتلعثم قليلاً فيما سينطق به فاهه ، وتوتر في وقفته التي كانت منتصبة وجامدة قبل قليل ، ونظر لها بأعين زائغة مهزوزة بعدما أبان انتقامه امامها ..
ابتلع ريقه بصعوبة بعدما جف حلقه من نظراتها الغامضة تجاهه ، ولكنه بث في نفسه قوة زائفة لكي لا يفشي مدي ضعفه امامها خاصةً في تلك المسألة الوَبِيلة التي تبيح المحظورات نصب أعينه وأكمل تهديده بنبرة قوية متزعزعة :
- انا مش هتكلم في الموضوع دا تاني ، انتي هتبقي معايا علي طول ، وان عملتيها وبعدتي ، عقابي ليكي هيكون مش حلو ، ولو عملتي حاجة تضايقني منك وقتها مش هتلومي غير نفسك ، فهمتي يا هانا .
اومأت هانا رأسها بهدوء مريب وهي تحملق فيه بتعابير مبهمة اثارت فكره في كشفها واستنباط ما يدور في رأسها حاليًا.....
_______________________

سرعان ما ابتعدا الإثنان عن بعضهما فور سماعهم لصَكّ الباب ، توترت هايدي في جلستها ورسمت شبح ابتسامة وهي ترمق تلك المرأة التي تتقدم منها وتحدجها بأعين ثاقبة منزعجة ، مررت رودي بصرها علي كليهما بنظرات حانقة ، وتحركت هي صوبهم ؛ نظر لها سامي مبتسمًا ببلاهه وحدثها بفرحة زائفة :
- حمد الله علي السلامه يا حبيبتي .
جلست رودي علي الأريكه المقابلة لهم واضعه ساقًا فوق الأخري وهي توزع أنظارها الصائِبة عليهم مما أَرْهَب أوصالهم ؛ وجهت رودي بصرها اليه ثم أظلمت نظراتها وهي تحدثه بمكر :
- مش عاويدك تيجي قبلي ، دايمًا باجي قبلك .
سامي وهو يطالعها بابتسامة سخيفة أَحْنَقت انفعالاتها الداخلية وهي ترمقه منتظره ردا غير مقنعًا بالتأكيد ، وصدق حدسها عندما رد :
- اصلي مكنش عندي شغل كتير ، قولت آجي اقعد ارتاح في البيت شوية .
زمت شفتيها مبدية عدم إقتناعها بالمرة ، ثم حدثته بجدية :
- مرات الظابط مضت علي الورق ، يعني الشحنة يمكن توصل بكره .
ثم اخرجت الأوراق من حقيبتها وألتقفها سامي بلهفه وهتف بفرحة جلية وهو يطالع الأوراق كليًا:
- حلاوتك يا رودي ، ايوة كدة خلي الشغل يخلص بقي .
رودي بنبرة مغترة وهي تنظر شزرًا لهايدي :
- انا ما فيش حاجة تقف قدامي ، عوزت إمضتها وأهي عندك .
لم يخفي سامي فرحته خاصةً انه سينعم بكل ما تمناه من خلال صفقة مربحة كتلك ويأخذ حبيبته معه والتي حدثها متناسيًا وجود رودي :
- خلاص يا بيبي ، يومين ونخلع من البلد دي .
حدجته رودي باستغراب وهي تتطلع عليه بصدمة بائنة ، غير مدركه حتي تلك اللحظة ماذا يعني هذه المرأة بشأن تلك المسألة ، فكما أخبرها سابقًا بأنها ضيفه لعده ايام ، وعن هايدي فقد رمقته هي الأخري بغمزات من عينيها لتنبهه بحديثه الذي ادركه بعد فوات الاوان ، ثم وجه بصره لرودي المحملقة فيه وحدثها بتردد مخترعًا ببراعة سبب ربما يخرجه من ورطته الهوجاء :
- اصل يا حبيبتي انا وعدت بنت خالتي اني هسفرها برة ، اصلها عايزه تشتغل برة احسن من هنا .
حركت رأسها بإماءه خفيفة ولم تتخلي عن ريبتها الداخلية من الامر برمته ، وتوجست داخليًا خاصةً بعد مكوثها الطويل كل تلك الفترة دون سبب ، وألزمت نفسها بالحذر مما هو قادم......
______________________

((فَرِيسَة للمَاضِي)) ؛؛مكتملة؛؛ الجزء الثاني صغِيرة ولَكِن  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن