الفصل الثاني عشر

Start from the beginning
                                    

علمت ميرا من والدتها بما فعله أخيها ، أنجلت الصدمة علي وجهها متيقنه حدوث الأسوء ، أهتاف قلبها لرؤيته هي الأخري ، ولكن مرض ابنها يمنعها ، نكست رأسها بحزن وأنتحبت بشدة ، وحذقت انتقام زين منه ، نظرت لابنها الساكن بين ذراعيها بأعين باكيه ، ودنت من مقبله جبهته وحدثته من بين بكاءها :
- شوفت يا اياد خالك عمل ايه ، عايز يعذبنا معاه ، الله يكون في عونك يا ماما .
ثم أستمرت في نحيبها وانكبت علي وجهها حزينة ، دلف وليد من المرحاض ليرتدي ثيابه ، بعدما اتفق مع نهله علي مقابلتها اليوم ، ثم لاحظ زوجته وهي تبكي في صمت ، حدق فيها بتعجب وباشر بالإقتراب منها قائلاً :
- ميرا  .
رفعت رأسها تجاهه ووجهها مليئ بدموعها المنهمرة ، جثي علي ركبتيه أمامها وتسائل بقلق :
- ايه اللي حصل يا ميرا ، إياد فيه حاجه .
ملس علي رأس ابنه برفق ، ونظر لها متابعًا بحيرة :
- ميرا الولد كويس ، اومال ايه بقي اللي مزعلك كده .
ردت ميرا ببكاء : أصل مالك عمل مصيبة .
وليد متسائلا ًباقتضاب : مصيبه ايه يا ميرا ؟ .
زمت زاويه شفتيها قليلاً خجلة من إعلامه بما فعله أخيها ، ثم اجابته بحذر :
- أصله كان عايز نور ، وخلاها تروحله الشقة اللي اشتراها من ورانا .
شرد في حديثه محاولاً ربط الأحداث سويًا وفطن ما تعنيه ، ثم نظر لها قائلاً بمفهوم :
- عملها حاجه يا ميرا ، ولا ايه اللي حصل .
ميرا بتردد : الحمد لله محصلش حاجه بينهم ، بس...
وليد بتساؤل : بس ايه ؟ ، كملي يا ميرا .
ميرا بضيق : بس نزلت البيبي ، نور كانت حامل .
حدق وليد فيها بصدمة ، ثم هتف بانزعاج :
- ازاي يعمل كده ، هو ناسي انها متجوزه ، ومتجوزه مين ، ابن خاله ، يعني مش حد غريب.
ميرا مبررة دون اقتناع : أصله بيحبها يا وليد .
وليد بسخط من تبريرها المستهجن:
- حب ايه ده اللي يخلي أخوكي يعمل المصيبه دي ، أخوكي بصراحه زودها قوي ، وأنا لو من زين أخلص عليه .
نهضت ميرا وهي حامله ابنها وهتفت بامتعاض :
- حرام عليك يا وليد ، مالك دا طيب قوي ، واكيد مكنش في عقله لما فكر في كده ، هو بيحبها ومش قاصد يأذيها .
وليد بتأفف ونفاذ صبر :
- ميرا لازم تعرفي ان الموضوع دا مش سهل علي الواحد لما يعرف ام مراته كانت هتغتصب ، ومن أقرب حد ليهم ، وأكيد زين مش هيسكت .
بكت ميرا مرة أخري علي حاله أخيها الشقية ، فتنهد وليد بعمق وتذكرت هي خروجه وحدثته محاولة الكف عن البكاء :
- روح يا حبيبي مشوارك ، اسفه اني أخرتك ، وانا هبقي أحاول أروح أشوفه ، اكيد مش هقعد كده .
لوي وليد شفتيه وأمتعض بتلك المصائب التي تهتاف عليهم ، وشرد في تلك التي تنتظره ، ولكنه قرر البقاء معها قائلاً :
- خلاص يا ميرا ، لو عايزه تروحي أجهزي وانا هوصلك...
____________________

ترجلوا من السيارة ، ثم امسك فايز بيدها وصعدوا الدرج ، فتحت ثريا الباب وولجوا للداخل ، جابت المكان ببصرها ووجدته مظلمًا رغم بزوغ النهار ، نظرت حولها بحسرة واردف فايز بهدوء :
- يلا يا ثريا ، أكيد هو في أوضته .
اومأت برأسها وذهبت معه للدور العلوي ، سار سويًا متجهين لغرفته ، فتشدق فايز بعدم فهم :
- ايه الضلمة دي ، هو ما فيش خدامين هنا .
ردت ثريا كاتمة بكاءها :
- قاعد لوحده يا حبيبي ، مافيش حد معاه .
فايز بتفهم : خلينا نقعد معاه هنا ، كده احسن يا ثريا .
ثريا بموافقة : انا بفكر في كده ، بس تعالي نطمن عليه الأول.
تقدموا من باب غرفته وشرعت هي في فتحه ، تفاجئت بظلام وسكون الغرفه ، أنقبض قلبها وتوجست عدم وجوده بالفيلا  ، ولا إراديا حركت بصرها تجاه الفراش ووجدته غافي كالمغيب عن العالم ، أضطربت من رؤيه بهتان وجهه ، وغلبتها مشاعر الامومة في الإقتراب منه ، دنت ثريا منه وتعاطفت معه رغم مقت الجميع له ، ضمته لصدرها ممرره يديها علي رأسه وظهره بلطف ، أغمضت عينيها وتخيلته كالطفل الصغير ، ازدادت آلام قلبها ووبخت نفسها كثيرًا علي تركها له ، واخذت قرارها بالبقاء بجانبه ، فتح مالك عينيه ببطء ، ناظرًا حوله متخيلاً  إفاقته من ذلك الكابوس اللعين ، ولم ينكر الدفء الذي أستشعر به للتو ، والذي أفتقده من زمن ، رفع بصره تجاهها وتأمل وجهها جيدًا، وجحد عليها رغم تعاطفها الظاهر في أعينها الباكية ، أبعد يدها عنه وأعتدل ناظرًا اليها بملامح غامضه ، ثم وجه بصره لزوجها الواقف الصامت وابتسم ساخراً، لم يبدي فايز رده فعل رغم نظراته المهينة له والتزم الهدوء ،حدج مالك والدته باحتقار رغم فعلته المستهجنه والتي تجلي الجميع من حوله ورسم القسوة في نظراته وهتف بانزعاج وقح:
- انتي ازاي جاتلك الجرأة تجيبي الراجل ده هنا  ، تابع بضحكه مستهزئا ًبهم:
- ولا انتوا خلاص ، مبقاش فيه حيا ، وانا أقول انا طالع قليل الأدب لمين
جلست ثريا موضعها مبتلعه كلامه بصدر رحب ، ولم تظهر ضيقها المعدوم ، تاركه له المجال لإخراج ما في قلبه ، ومتحمله لقسوته التي ايقنت ان بعدها عنه هو السبب ، بينما تعجب فايز من صمتها الهادئ رغم فظاظه حديثه في وصفهم .
لم يزيح مالك ابتسامته الساخرة منهم وهو يحملق فيها بضراوه
داخلية لتخليها عنه وعدم إدراكها لما يقاسيه ، ثم شحذت عيناه النظر عليه وهتف بنبرة إحتكارية :
- أمشي أطلع بره ، ولا مفكر انك في يوم من الأيام هتاخد مكان بابا ، اللي هو صاحبك ، اللي اول ما مات جريت علي مراته وأتجوزتها .
دُهش فايز من وقاحته وأكفهرت تعابيره ، ثم وجه بصره لها منتظرًا لتعنيفها له من تطاوله الوقح والغير مؤدب معه ولكنها فقط تحدق فيه بحنانها ، حدجها بتعجب وأجبر نفسه علي ألتزام الهدوء الزائف خشية تأزم الوضع للأسوء خاصه إدراكه مدي ضيقها في تركها له بمفرده .
نهض مالك من مكانه بتقاعس جم ، ورغم شحوب وجهه ظلت قساوته مرسومة عليه ، تطلع عليهم سويًا وهو يوزع نظراته بينهم ، وهتف بقلب متحجر :
- انا مش عايز أشوف وشكوا تاني ، يلا أطلعوا بره فيلتي ...
_______________________
في شركه زين ....

((فَرِيسَة للمَاضِي)) ؛؛مكتملة؛؛ الجزء الثاني صغِيرة ولَكِن  Where stories live. Discover now