الجزء 15: معاناة

12.9K 491 43
                                    


تركض مخترقة الغابة، و أصوات الطيور التي تتأجج حين مرورها تزيد من خوفها ، تنظر خلفها بين الحين والآخر لتتأكد أن لا أحد يلحق بها،و  عقلها يفكر بشيء واحد، الابتعاد ، يأمر ساقيها أن تتحملا أكثر العياء ، تصل إلى واد يعترض طريقها ، تقف للحظات لتستجمع قواها ، صوت طلقات نارية يفزعها ، "اللعنة إنهم قادمون"،
تغطس في   الوادي  متناسية عدم قدرتها على السباحة ، فتشعر  و كأنما شيئا يجرها نحو القاع ، تجاهد و تركل بكلتا رجليها لتستطيع التقاط أنفاسها لكن لا فائدة ، ترتخي و تستسلم لسيلان النهر الذي يبتلع جسدها الضعيف ، تغطيها المياه ، يداها تحاولان التمسك بخيوط الضوء المنبعثة من فوق ، آخر ما تقوله هي كلمة :" أبي" ، ليفقد عقلها حواسه لانعدام الأوكسجين.

****************

:" عمة مارغريت ، ما الذي يجري ، لما كل هذه الضوضاء"
تراقبها الأخرى التي بدورها لا تجد تفسيرا لتأهب الحرس و قلبهم القصر رأسا على عقب.
:" لا أعلم ... فلتجدي أخاك المختفي و اسأليه"
:" قال لي أحدهم أنه قادم"
يبحلقان في بعضهما ، أي منهما ليس لها الدخل بما يحدث ، فلطالما نبههما فلاد بعدم التدخل في أعماله ، لكن هذه المرة الفوضى في قصرهم و لابد لهن يكتشفن السبب.
العمة " مرغاريت " ذات الخمسين سنة ، ملامحها دافئة و بسيطة . لم تكن لها علاقة حسنة مع أخيها  ولا ابنه ، و لكنها لا تمتلك أي خيار غير الموافقة  لكل ما يقررونه، ليس لها قوة لمجابهتهم.
تجلس بقربها ديانا التي لم تفارقها ملامح تلك التي التقتها منذ دقائق ، عقلها يعيد الصورة مرارا و تكرارا ، تنتفظ لتسأل عمتها:
" تلك الفتاة الجديدة ، لم لم تخبريني بأمرها؟"
تنظر لها الأخرى بملامح مستغربة :
" عن من تتحدثين ، لم أحضر أي خادمة مؤخرا"
تكفهر ملامح ديانا التي لا تفهم شيئا ، تقرر الصمت و التفكير ،" من يا ترى تلك الفتاة، تشبه سارة جدا"
تقوم من مكانها متأففة، " كم اشتقت لك أمي "
تقنع نفسها أن حنينها ل"سارة" هو الذي جعلها تتخيل "سحر"

**************
فقط لو تعلم ما سببته من فوضى ، حراس مدربون و متمرسون استطاعت أن تخدعهم دون أن يشعروا بشيء، لولا تنبيه الممرضة لهم بعد استيقاظها لما أحسوا بهروبها.
ذلك القادم و الغضب معتريه ، ينتظر اللحظة الذي يمسكها بين يديه ، ظن أنها مجرد  بلهاء لكن بعض الظن إثم ، فقد تمكنت من الفرار بكل سهولة ، و يعلم أنها لو دخلت الغابة التي تحيط قصره فلن تصمد ليلة واحدة ، يصل إلى وجهته ، يجد المسؤول منتظره ، يقف أمامه بهيبته التي ترعب الكل.
" سيدي... لقد أرسلنا الفرقة سيجدونها قبل حلول الليل "

يعطيه لكمة ترديه مغما عليه، ما أن يستدير حتى يلمحهم حاملينها ، يقتربون منه و يستوعب أنها مبللة بالكامل ، يلتقطها من يدي أحد خدمه و ينظر لها و هي تتنفس ببطئ ، بالكاد تفتح عينيها، تضع رأسها فوق صدره العريض و تستلم للنوم، يوقظه من سهوته فيها أحد رجاله قائلا:
" سيدي...لقد كادت أن تموت غرقا..."
يتركه دون أن يجيبه و يمضي داخلا القصر ، تلقاه عند الباب " ديانا " و عمته " مارغريت"،  بوجوه مندهشة، يمر من أمامهما دون أن ينطق حرفا، فيمضي بها إلى غرفة ، يضعها ، و يأمر بالاعتناء بها ثم يخرج.كان مصمما أن يحطم وجهها الفاتن ذاك ، لكن حين لمحها انطفأ غيظه.

تلك الصورة المشوشة لوجهه المكفهر أيقظتها من نومها ، تلاحظ أنها في غرفة فسيحة ذات طلاء أبيض،لقد حمموها و غيروا ملابسها ، تقوم من مكانها و تجول مستكشفة ، يفزعها صوت فتح الباب ، تقف أمامها و تبحلق فيها فحسب ، تقترب منها أكثر ، دموعها تنهمر، تندفع نحوها حاضنة إياها ، شهقاتها تتعالى، تقول بشكل متقطع:
"أنت تشبهينها كثيرا...."
تنظر لها لثوان ، ثم تضيف:
" لقد التقينا صباحا، أتتذكرين ، حين قلت لي أنك خادمة.."
تتطأطأ رأسها بالإيجاب .
" ظننت أني كنت أتوهم ... حقا أنت نسخة طبق الأصل عنها "
تقول مثمتمة :
" عن من..؟"
تجيبها بلهفة:
" عن أمي..."
*****************

Flash back:

عيناها الزرقاوتان تدرفان ماء ، و تمسد كدماتها ، تصرخ بصوت مبحوح:
" لن أكون لك أبدا... أتفهم .. مهما فعلت لن تملكني"
يقترب منها ، فيمسك وجهها بين يديه ، و يهمس بصوت كفحيح الأفعى:
" مهما فعلت ... لن تخلصي مني... حتى يفارقنا الموت..."
يقبلها بقوة وعنف ثم يبتعد عنها و يخرج صافعا الباب تاركا إياها غارقة في آلامها ...
تحمل نفسها نحو الخزانة،تخرج علبة ، تفتحها و تحمل صورة،فتنظر لها بتمعن و تحظنها " يا إلهي ...لا أستطيع تحمل فراقهم أكثر... لابد أنهم صاروا يكرهونني.."

أرغمها أن تتخلى عن ابنتها الوحيدة و زوجها، هددها و علمت أنه لو لم تنصاع لأوامره لنفذ تهديده و قتلهما أمام ناظريها ، استنجدت بأبيها ،و أجابها بجملة واحدة: " أنت لم تعودي ابنتي"،لأنها تركته و قررت أن تتزوج حب حياتها ، السائق الوسيم الذي ألهبها عشقه، تخلت عن كل شيء مقابل أن تعيش معه، لكن هذا الأسد الجسور انتشلها من بين أحضانهم، جعل منها عشيقته و مربية لأبنائه، ربما لو لم يكن لها قلب حنون ..لعذبت أولاده كما فعل بها... لكنها لم تستطع

رأت فيهم ابنتها التي تركتها و هي في الخامسة ، كانت تتقطع حين تفكر أنها لن تراها مجددا ، تتوقف أنفاسها  و هي تتذكر حضن زوجها الدافئ، حاولت مرارا الهرب ، لكنها لم تتوفق في ذلك ، وفي كل مرة تنال عقابا شديدا من معتقلها.

يدخل مجددا لتخبأ الصورة ورائها بهلع ، فيلحظ ذلك و يندفع نحوها ، ينتشلها منها بقوة ،ثم  ينظر لتلك اللقطة بعيون محمرة ، "سارة" و ابنتها و زوجها ، عائلة سعيدة،  يبتسم بمكر، يحمل الولاعة ، فتصرخ به مترجية،" لا .. أرجوك.. هذا كل ما تبقى لي منهما"
تتمسك بيديه فيدفعها بعنف، النار تحرق الصورة ببطئ، يقول بغضب و حسرة:
"إن عدت للتفكير فيهم ... سأحرقك كما فعلت بهذه الصورة اللعينة"
يرمي البقايا أمامها فتأخدها بين يديها باكية، كل ما تبقى بعض من الرماد و طرف صغير يظهر ساقي ابنتها، تضعها على صدرها و تتكأ على الحائط مطلقة العنان لدموعها ، و قلبها يبكي دما.
END OF FLASH BACK

حبايبي ..❤ جزء جديد .. آسفة على التأخير ... اتمنى يعجبكم ...
كل تعليقااتكم تعنيلي كثيير ... شكراا😍😍

السحر الغامض حيث تعيش القصص. اكتشف الآن