هل الحب غبي

10.7K 264 24
                                    

بوردو مدينة فاتنة .. لو كانت مايسى فى مزاج افضل لتمتعت بسحرها اكثر . لاحظت فى طريقها من المطار مع امها ووايد ان هناك تاريخا فى المبانى .. وان تناسق الشوارع العريضة ، والساحات ، التماثيل ، النصب التذكارى والهندسة الرشيقة للجسور التى تقطع النهر ، تضيف جمالا ملموسا للمدينة 0
نظرت نانسى الى ابنتها بحدة لدى وصولها لكنها لم تعلق على الوجه الشاحب والدوائر السوداء تحت عينيها .. وما ان استقروا فى الجناح الخاص الذى استاجره وايد فى فندق رويال ميدوك المطل على نصب جيروندين حتى قالت نانسى : لدى وايد تدريب مع الاوركسترا بعد ساعة ، والمكان هنا مناسب لان الفندق لا يبعد سوى مسافة قصيرة عن المسرح .. واذا احسست بالرغبة ، سنتجول فيما بعد فى المكان ، فهو يستحق الجهد .. اتريدين شيئا تاكلينه مايسى ؟
هزت مايسى راسها رافضة : ساستحم فقط واغير ملابسى ثم نخرج ، امى 0
ابتسمت باشراق لتصرف النظرة القلقة عن وجه امها 0
-ساحب شرابا باردا ، لكن لاشئ للاكل .. شكرا 0
-ساطلب الشراب لك ، وهناك حمام متصل بغرفة نومك حبيبتى ...خذى وقتك ! لا داعى للعجلة 0
كان الغراندتياتر دو بوردو مبنى ابيض ضخما قديم الطراز .. بعد مشاهدتهما لكل ما يجب ان ترياه جلستا فى مؤخرة قاعة الموسيقى تنتظران وايد لينهى تدريباته .. وامسكت مايسى ذراع ابنتها مبتسمة : لن نتوقع منك المجئ الى الحفلة الموسيقية الليلة مايسى .. فهذا كثير عليك . على اى حال ، تبدين كانك بحاجة الى نوم عميق ، ولقد حجزت لنا مقعدين للغد 0منتديات ليلاس
استيقظت مايسى فى الصباح التالى تحس انها تميل للمرح .. مع انها لاتظن انها ستخدع احد .. وامتنت لنانسى ووايد لعدم طرحهما اية اسئلة محرجة ، فهى لن تستطيع ان تتكلم عما بها .. عرفت وقت الفطور ان الحفلة الموسيقية استقبلت استقبالا جيدا فى ليلتها الاولى ، ومضت تخبرهما قصة زيارتها المسلية الى مكتب بلايوود ، وذهول روى حين اعطته مخطوطة قصتها .. وسالت نانسى وهى ترتشف القهوة : وهل يعرف لانس ؟
سؤال كان يجب ان تتوقعه .. لكنها لم تتوقعه ..وفضحها اندفاع الحرارة الى وجهها . وتمتمت : لا .. وحده روى يعرف 0
رفعت نانسى حاجبيها وهز وايد راسه 0
ذلك المساء ، وهى تنظر الى نفسها بياس فى المرأة ، تساءلت مايسى عما اذا كان يجب ان تفضى الى امها بسرها . لكنها صرفت الفكرة متنهدة فهى تعرف ماذا ستقول نانسى بالضبط .. ستسمعها تقول : الكبرياء شئ غبى يشغل المرء نفسه به مايسى . لو انك شرحت سبب زيارة روى لك ، لما كنت الان فى الحالة التى انت فيها .. كيف تتوقعين من لانس ان يثق بك وهو يتعامل يوميا مع مجرمين ، مخادعين ، كاذبين ، فى حياته العملية ؟ هذا ما ستقوله امها لو افضت لها .. وكل هذا صحيح .. لكن صحيح كذلك ان لانس يظنها مجرمة مخادعة ، كاذبة كذلك . رفعت شعرها كى تثيته بامشاط صغيرة ، بعنف اكثر من اللازم . ما كان يجب ان تفاجئها النتيجة .. فهى تعرف انه ليس لها رصيدا باردا ، وان تحت مظهره البارد الذى بناه عبر السنين ، الكثير من النار والطاقة ..
سمعت نانسى تنادى : هناك شخص على الباب مايسى .. ايمكن ان تردى ؟ انا لست جاهزة 0
تفحصت مايسى ساعتها تظن سيارة الاجرة وصلت باكرا ، ثم ذهبت لتفتح الباب : مرحبا حمراء 0
لانس ! تدفق الدم حارقا الى وجهها ، فاستدارت على عقبيها وركضت الى غرفتها . فلحق لانس بها ، وامسك معصمها ليعيق اندفاعها . نظرت الى يده وقالت : اتسمح ؟
تراخت يده وسحبها على مضض ، وهى تنظر اليه بازدراء ارضاها اللون الاحمر القاتم على وجهه 0
سالته : اعتقد ان هذا من صنع امى ؟
-جزئيا .. لقد اردت ان اراك .. واتصلت ليلة امس 0
جاء صوت نانسى : من الطارق مايسى ؟
-هكذا اذن .. لم تقل لى .. تعرف اننى ساغادر المكان لحظة اعرف انك قادم 0
-حمراء ...
خرجت نانسى من غرفتها : لانس .. حبيبى .. لقد استطعت المجئ .. ما الطف هذا 0
ومدت يديها مبتسمة : اليست مفاجاة حلوة مايسى 0
وتقبلت عناقا من لانس على الطريقة الفرنسية 0
وهى تنظر اليه ، احست مايسى بقلبها يلتوى من الشوق الذى جعلها تحس بالمرض .. بدا لها كما هو ، لانس فى بذلة سوداء يبدو لانس بنفسه 0منتديات ليلاس
قالت لامها متحدية : لم تقولى لى انه قادم امى ...
اتسعت عينا نانسى الخضراوان 0
-لاننى لم اكن متاكدة انه سياتى ، حبيبتى . هل استقريت فى غرفتك لانس ؟
هز راسه : انها فى الطابق الثانى .. هل خرج وايد ؟
-منذ ساعة 0
نظرت نانسى الى الزهور فى يد لانس ، فتذكر وابتسم وقدم لها احدى الباقتين . قالت : اوه لانس .. ما اجملها ، شكرا لك احب الورود 0
عادت الى غرفتها تنادى ابنتها : صبى له بعض العصير مايسى .. انا واثقة انه بحاجة الى ما يرطب فمه 0
واختفت فى زوبعة من القماش الاخضر 0
تقدمت الى الطاولة تصب قليلا من العصير فى كوب ، وتتلقى من لانس شكرا لك ، واعطته له . تقدم ياخذ الكوب ويقدم الباقة الثانية لها 0
قالت مترددة : انا لم اطلبك هنا ، لكننى ساتقبل الوضع لاجل امى 0
اخذت الزهور فتفرس بها لحظات ثم قال بهدوء : حتى المجرم يسمح له بالدفاع عن نفسه حمراء 0
لم يبد فى ابتسامتها شئ من المرح : على اى حال ، لست منتديات ليلاسمضطرة ان اسمعك 0
وعادت الى غرفتها .. حيث وقفت قليلا وهى ترتجف ، ثم اخذت نفسا عميقا وثبتت وردة على فستانها . بدا لونها الابيض كالحليب مؤثرا جدا على لون الفستان المشمشى 0
نظر وايد وعصا المايسترو فى يده المرفوعة الى الاوركسترا بحاجبين مرتفعين ، وبحركة سريعة الى الاسفل بيده انطلقت موسيقى واغنر لتملا القاعة .. وتذكرت مايسى ليلة حفلة الباربيكان منذ اقل من اسبوع .. وتذكرت سحر الموسيقى والسعادة التى تلت .. خلال الاستراحة وقد ذهب لانس يحضر المرطبات ، قالت مايسى لامها متجهمة : امى .. ما اللعبة التى تلعبينها ؟
ادارت نانسى لها وجها هادئا : اتعنين مجئ لانس الى هنا ؟ عزيزتى .. ماذا يمكننى ان العب ؟ اتصل مساء الامس ساعة عودتنا من المسرح ، وطلب ان يكلمك .. قلت له انك نائمة ، فسال الى متى ستبقين فى بوردو فقلت له طبعا ، فليس الامر سرا .. فكرت انه سيحضر ، لكننى لم اكن واثقة . وحجز وايد له غرفة مسبقا ، وطلب تذكرة اضافية للمسرح . لم اقل لك شيئا لاننى عرفت انك قد تفعلين شيئا سخيفا .. كان تذهبى مثلا 0
-انت محقة .. كنت ساذهب !
فى طريق العودة الى الفندق ، اعلن لانس انه سيخرج ليتمشى قبل النوم .. وتمنى ليلة سعيدة لنانسى ووايد ، ثم استدار الى مايسى ليفاجئها بقوله : تهنئتى لك على كتابيك حمراء 0
والتفت مجددا الى نانسى : يجب ان تكونى فخورة بابنتك 0
ابتسمت نانسى ترد : انا فخورة 0
والتفتت الى ابنتها : لم اكن اعرف انه يعرف ؟
قال لانس وعيناه مستقرتان على مايسى : لقد اخبرنى روى .. وشكرا على الاهداء حمراء ، انه نوع من المديح .. وهذا شرف لى 0منتديات ليلاس
حيا الجميع متمنيا ليلة سعيدة وتركهم ، لتلاحق جسده الطويل ثلاثة ازواج من العيون ، وتوقف عند الباب مترددا ثم فتحه ليخرج 0
قالت نانسى : اهداء ... ؟ مايسى .. حبيبتى ، يالها من فكرة رائعة ...
نظرت الى وجه ابنتها وصمتت .. ثم نظرت متاوهة بصمت الى زوجها وهم يركبون المصعد 0
فى الصباح التالى كان الحديث على الفطور محصورا بين نانسى وزوجها ، مع قليل من المشاركة من لانس .. فى النهاية ، نقلت نانسى نظرها منه الى ابنتها وقالت بخشونة : ارجو ان تكونا متعقلين وتزيحا سوء التفاهم الذى بينكما .. فمهما حدث ، لا يستحق كل هذا التصرف الطفولى .. انا لست سعيدة برؤية وجهك المتجهم لانس .. وانت مايسى اكثر عنادا .. وتبدين مريضة حقا 0
قاطعتها مايسى بحدة : امى .. ارجوك !
تابعت نانسى متجاهلة المقاطعة : انا اسفة .. فى العادة لا اتدخل ... لكننى راقبتكما تتشاجران العديد من السنين .. وآن الوقت لتتوقفا عن هذا .. الان ، يمكنك وايد ان تمسح التجهم عن وجهك وتطلب انزال حقائبنا
لحق لانس سيارة الاجرة حتى المطار .. وبينما الام تقبلها مودعة تمتمت لها : مايسى ... حبيبتى ، لا تدعى كبرياءك تقف فى وجه سعادتك .. لقد احبك لانس لسنوات .. لا .. لا .. لم يقل هذا ابدا .. لكنى اعرفه جيدا ، كونى سعيدة !
ضمت ابنتها بين ذراعيها ، وتعلقتا ببعضهما للحظات طويلة قبل ان تبتعدا .. وقال وايد بلطف : وداعا حبيبتى ، تابعى الاتصال 0
نظر نحو لانس الذى كان يودع زوجته واكمل : ماذا عن اعطاء المسكين فرصة ليقول كلمته : هه .. حبيبتى ؟ لكن لا تستسلمى بسهولة .. دعيه يزحف قليلا هه ؟
اعطاها منديلا يخبئها قليلا وهى تمسح دموعها وتضحك مختنقة .. ابتسم وايد لها وامسك ذراع زوجته يقودها بعيدا 0
كان سقف الجاغوار مرتدا الى الوراء ، شمس نيسان رائعة دافئة .. حين ادار لانس السيارة بعيدا عن بوردو ، نظرت اليه مايسى بحدة ثم حدقت الى الامام . لم يتكلما .. فالسقف المفتوح كان يجعل الكلام صعبا .. وقاد لانس السيارة بسرعة ومهارة نحو الساحل . كانت الطرقات الطويلة المستقيمة تقطع الاراضى الريفية .. ثم اصبحت الطريق محفوفة بالغابات الى ان بدا المحيط الاطلسى ممتدا امامهما 0
كانت غراند كروهوت فى نيسان مهجورة والمطعم المنعزل مقفلا وموقف السيارات فارغا .. بدا الشاطئ كله مهجورا .. كان البحر يتلالا بلونه الازرق الاخضر ، ونفخ الهواء القادم منه فى شعر مايسى ، الى ان ربطته بمنديل 0
واضح ان لانس اتى بها الى هنا ليتكلما .. وقفت على تلة رمل تنظر فى اتجاهين .. كان الشاطئ يمتد على مد النظر .. وعرفت ان لانس يراقبها فاحست بخديها يدفان 0
قال : هل نسير ؟
اطرقت موافقة ، ونزلت التلة بسرعة تخلع حذاءها وجوربها النايلون وتسير حافية فوق الرمال ، لينضم لانس اليها عند حافة الماء 0منتديات ليلاس
-حمراء .. لماذا لا تنظرين الى ؟
سمحت مايسى للمياه ان تصل الى قدميها ثم تراجعت .. نظرت الى الافق وفستانها القطنى يتطاير .. ثم ردت بسؤال : كيف تمكنت ان تكون هنا .. وعملك .. اعنى ؟
-حمراء .. ايمكن ان تنظرى الى ؟
-لا .. لاننى لو فعلت فساضيع .. وانت تعرف هذا .. وهناك كلام .. ايضاحات .. قبل هذا 0
دس يديه فى جيبى بنطلونه وتطلع الى حجر كبير غارق فى الرمل ، ثم قال : لقد خططت لبضع ايام راحة هذا الاسبوع ، وكنت امل ان ادعوك لنقضيها معا 0
-قبل ان تدعونى لحفلة باربيكان الموسيقية ؟
-اجل 0
-ظننت اننى ساقع بين يديك كالخوخة الناضجة ؟
-بل املت ان اقنعك بالزواج منى 0
استدارت : اوه !
رات القسمات الجامدة كالقناع ، والعينين المتعبتين ، الخطوط العميقة ، وقالت بحدة : انت احمق لانس ... اتعرف هذا ؟

الفجر المرّ" جاكلين جيلبرت "Where stories live. Discover now