الجزء 10

71 0 0
                                    


في ذلك الصباح المشرق كان الدخان الأبيض يتصاعد من مداخن مصنع أسمنت عطبره وشريف يسير في الطريق الفرعي الذي يقود إلى مساكن الموظفين .. توقف أمام باب المنزل المنشود ضغط على الجرس الذي كانت تعلوه لافتة أنيقة مكتوب فيها اسم صاحب المنزل مهندس عصام عبد الجواد .. سمع شريف وقع أقدام صغيرة خلف الباب وانفتح الباب ، أطلت منه طفلة وابتسمت له ابتسامة حلوة ودعته للدخول ، دخل شريف المنزل الأنيق وواجه عصام أمامه ، عصام الذي طالما حدثته عنه أمه ، كانت تقف عن كثب حنان زوجته ، وهذه الطفلة التي فتحت الباب لابد أنها ملكة الصغيرة ابنتهما ، فقد وعدوا ملكة إذا انجبوا بنت يسموها بأسمها ، دعا عصام شريف للجلوس بعد أن تعرف عليه ، كان الحديث ذو شجون وحافل بالذكريات ، دار الحديث عن الأوضاع المتردية في البلاد ، التي وصلت تحت الصفر .. أعطى شريف عصام المستندات التي جعلت وجه عصام يتهلل فرحاً .. هذا ما كان ينقصهم ، وثائق لإدانة رموز الفساد في النظام الآيل إلى السقوط .. تتطرق الحديث عن أشباح شندى.

- ما هي أخبار الأشباح في شندي ؟!

تنهد عصام في آسى وسرح بخياله بعيداً ، ظل شريف يحملق في وجهه في توجس .

- كانوا أربعة بكور وعمر وعثمان وعلي .

- نعم حدثتني عنهم أمي كثيراً حتى كدت أراهم بخيالي.غطت الدموع عيني عصام ولا زال في شروده .

- في الأيام العصيبة الأخيرة اعتقل رجال الأمن بكور وعمر أثناء توزيعهم للمنشورات في المدينة وتم نقلهم إلى سجن كوبر بالخرطوم ، مات بكور في السجن لم يتحمل صدره الضعيف رطوبة السجن وليالي يناير الباردة ، كان يعاني من داء الربو اللعين ... تم إطلاق سراح عمر بعد اختلال قواه العقلية .. ستجده الآن في شندى يقيم مع والدته .. ترك عثمان ثروة والده وأنضم للحركة الشعبية .. أما علي فقد آثر الانزواء في قريتهم النائية في غرب السودان معلماً للصبية .. هذا كان حال مجموعة الأشباح يا شريف .

كان شريف يستمع إلى هذه الإجبار المؤسفة فاغراً فاه في دهشة ، لم يصدق ان كل هذا حدث لأصدقاء أمه وتمتم في أسى :-

- يبدو فعلاً ان الحديث ذو شجون .

- لا تخبر ملكة عنهم حتى لاتفجعها فيم، كانت تحبهم كثيراً يا شريف .

- نعم سوف لن اخبرها .

- أما اذا أردت عنوان عمر تناول عصام ورقة من الدفتر وجلس على إحدى المناضد وسطر عليها العنوان وناوله لشريف ، تناول شريف الورقة ودرسها في جيب سترته.. حضر الغداء اخذ شريف يتناول الطعام في صمت فقد استغرقته المآساة تماماً كثيراً ما كانت أمة تخبره عنهم في كل المناسبات حتى غدا عدد كبير من أهل البلدة يعرفهم .. يعرفون هؤلاء الجنود المجهولين اللذين أرادوا ان يصنعوا لملكه المرأة الأمية الذكية .. سودان جديد..* * *في صباح اليوم التالي استأذن شريف الأسرة الصغيرة في السفر ، في محطة القطار اخبره عصام ان يبلغ ملكة تحياته عند عودته ويخبرها بأن المرحومة أم عصام كانت تدعو لها دائماً بالخير حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى قبل عامين ودعت لها في الارض المقدسة أيضاً كما حذره عصام من التعامل مع الغرباء فقد بلغ السيل الزبا .. تحرك القطار من محطة عطبره يئن ويتوجع وقد اكتظ بالمسافرين كالمعتاد توالت المحطات تباعاً حتى وصل القطار مدينة شندى ظهراً ، نزل شريف، استقل عربة أجرة إلى العنوان ، كانت شوارع المدينة مليئة بالمارة المذعورين ودوريات الشرطة في كل مكان أضحى الحال ينحدر بسرعة شديدة أو شك الطوفان ان يثور وتوقفت السيارة ونزل شريف قرع الباب برفق لحظات وفتحت الباب أم عمر ظلت تنظر إليه في توجس، في ذلك الزمن لآياتي الغرباء بخير ولكنه عندما عرف نفسه لها رحبت به ترحيب حار بالزائر الحبيب ، دخل شريف إلى غرفة الضيوف الضخمة وقد غطى الغبار لأثاث ، دخلت أم عمر إلى غرفة داخليه ثم عادت تقود ابنها ذائع النظرات، كث اللحية، ممزق الملابس ، جلس عمر أمام شريف وحاول الابتسام لكنه عجز عن ذلك واخذ يحملق في شريف بعينين شاهدتا الكثير من الأهوال ، أحدها احتضار رفيق عمره بكور بين يديه قال عمر في صوت واهن.

الساقيةWhere stories live. Discover now