٥- بانتظار قراره.

619 20 0
                                    

كانت الأميرة غريبة الأطوار , بل من أكثر الناس الذين شاهدتهم أليدا في حياتها غرابة.
ويشهد على ذلك شعرها المجعد ذو اللون البرتقالي الشاذ, المكوم على قمة رأسها بشكل غير منسق.. إضافة إلى أن سلوكها بدا مهيناً ,
وهي تنظر عبر أنفها المستقيم المتغطرس إلى مايس تلوح له بإصبع نحيل وهي تراقب
الجمع المنسحب نحو الشاطئ :
_أيها الولد الشقي .. لقد أقمت حفلة لم تدعني إليها .
أجاب مايس متهجماً :
_الأصح أنها حفلة بن .
_سوف أكلمة ... تايثي ؟تايثي ! أين كوكو ؟
_إنه هنا أمي .
مدت تايثي يدها إلى السيارة تسحب منها حيواناً أليفاً ذا وجه كروي صغير يرفرف بعينيه.
قالت الأميرة بصوت متأوه ,تمد ذراعيها المعروقين .
_تعال إلى ماما حبيبي .
قفز القرد نحو الأميرة وحط بارتياح على كتفها . وشبك أصابعه في إحدى
خصل شعرها ..أما أليدا فوقفت تنظر بغرابة إلى هذا المنظر غير المألوف .. لكنها
سرعان ما لاحظت أن تصرف مايس وتايثي كان عادياً .
ربما هما معتادان على غطرسة هذه الطبقة الاجتماعية .. لكن الأفضل لها العودة إلى عملها .
كانت تتجه نحو المنزل حين نادها مايس :
_أليدا , هلا تلطفتِ بإرشاد الأميرة وتايثي إلى قاعة الرقص الكبرى ؟ إنهما هنا لإجراء الترتيبات
النهائية لحفلة جمعية الرفق بالحيوان الراقصة .
ثم ابتعد بسرعة يملؤه السرور لإبعاده هذا الهم عن كاهله .. غير أن تايثي كانت تحدق إليه بانزعاج واضح لبقائها في رفقة أمها ..
ابتسمت أليدا لهما قائلة :
_من هنا , أرجوكما .
سارت الأميرة خلفها وتايثي في أعقابهما كارهة .. فتحت أليدا باباً عريضاً يؤدي إلى قاعة الرقص الكبيرة وتنحت جانباً لتدخلها الأميرة وابنتها .
بدت الأميرة لا تعي أبداً جمال القاعة وبدأت على الفور قياس مكان الاستقبال بخطواتها .وقالت بعناد:
_سينتهي صف الاستقبال هنا .
وأشارت بطرف أصابع قدميها إلى خط وهمي , وأكملت :
_سنستقبل المدعوين أنا, وأنتِ ,وتايثي , ومايس , وبن ..ثم رئيسة جمعية الرفق بالحيوان .. و..
قاطعتها تايثي بخبث :
_يقول بن إنه لن يحضر الحفلة .. فهو يكره الرقص المدروس والعشاء الرسمي .
نظرت إليها الأميرة :
_ كلام سخيف .. سيأتي .. فهو سيرغب في رؤيتك هذا المساء
وإلا فلن أحدد له المقابلة مع الحاكم إذا لم يحضر .
_لكن مايس سيكون هنا .
_طبعاً ..لن يختلف مايس .. ستكون الحفلة فرصة رائعة لإظهار صورة في الصحف .. والآن جاء دور الزينة.
لقد وعد منسق الزهور بنباتات خضراء مع باقات زهور صفراء وبيضاء تفصلها عشرة أقدام
عن بعضها .. أيبدو هذا جذاباً لكِ عزيزتي ؟
_اجل أمي .
وتفحصت أظافرها إظهاراً للسأم .. ثم قاست المسافة التي ينبغي أن تفصل الطاولات عن بعضها البعض ,
وتفحصت منصة الفرقة الموسيقية ,ثم قالت :
_أستطيع القول أن الحفلة ستكون جيدة .. الحفلات الراقصة في زانادو عادة تكون ناجحة .
حسناً هل نذهب تايثي ,عزيزتي ؟
لم يكن سؤالاً .. بل أمراً ..مما جعل تايثي ترمق أمها بنظرة كراهية قبل أن تلحق بها .
التفتت الأميرة إلى أليدا الوقفة عند الباب الأمامي قائلة :
_أعتقد أن مايس طلب منكِ حضورالحفلة .أستعدي في الساعة الثامنة تمامً.. يمكنك المساعدة في الإرشاد إلى المقاعد وأشياء أخرى مماثلة .
أكملت طريقها لتحشر نفسها في سيارة تايثي وهي تقول:
_حقاً عزيزتي .. إذا كنتِ ستوصليني دائماً فأنا أصر على أن تقودي "الرولز"
هذه السيارات الصغيرة لا بأس بها لكم أنتم الشباب ..لكن..
صاحت أليدا وقد تذكرت أمراً هاماً :
_انتظري لحظة ! متى الحفلة ؟
ولأنها صرفت تفكيرها عن أليدا , كان على الأميرة أن تبقى شاردة الذهن للحظات قبل
أن تعي من هي أليدا , ثم قالت بازدراء :
_يوم السبت بالطبع .
وقبل أن تتمكن أليدا من قول شيء آخر كانت تايثي قد انطلقت بالسيارة مسرعة .
ورأت أليدا رأس كوكو الصغير يطل من النافذة الخلفية .
السبت ..! هذا يصادف غداً !
اقتحمت أليدا مكتب مايس .. فرفع رأسه مجفلاً :
_قالت الأميرة إن علي حضور الحفلة الراقصة .. والحفلة تقام مساء الغد ! فهل يفترض حقاً أن أحضرها ؟
_وهل نسيت دعوتك ؟طبعاً أريدك هناك !
اعترفت :
_لكنني لا أملك لباساً أرتديه , عدا عن كوني لا أعرف أحداً من المدعوين .. لذلك أفضل البقاء
في غرفتي وحيدة .
رد بحزم :
_ قطعاً لا .. هذه ليست حجة كافية , أرتدي ذلك الفستان الأحمر الجميل الذي أرتديته ليلة
أمس .. وجدي لك زهرة خباز أخرى ضعيها خلف أذنك
كان تأثيرها ساحراً تماماً .
تنهدت :
_ أوه .. لا أريد ارتداء الثوب ذاته .. مع أنني أحب أن أرى قاعة الرقص
تعج بالراقصين .. أنا واثقة أنها ستكون جميلة .
قال دونما اكتراث :
_خذي إجازة في الغد إذا أحببتِ واشتري فستاناً آخر ..واحتفظي لي برقصة
أو اثنتين .. هل ستفعلين ؟
ابتسم لها حاسماً الجدل حول الموضوع ,فقابلته بابتسامة حائرة قبل أن تخرج .. بالنسبة إليه حضور الحفلة
راقصة في زانادو لا تأتي أكثر من مرة في العمر .
وجدت أليدا مارغريت في المطبخ تقطع الخضار .. أخبرتها بما حدث ,
واعترفت لها أنها لا تدري ماذا سترتدي .
أجابت مارغريت :
_أنت أنسه أليدا ستبدين جميلة بغض النظر عما ترتدين .
_ توقفي عن الإطراء مارغريت.. لو كنت تايثي اوربيرت تراولي , فلماذا أرتدي ؟
رفعت مارغريت عينيها إلى السماء :
_شكراً لله أنك لستِ هي .. على أي حال من المتوقع أن تكون السيدات في أوج اناقتهن.
فجدي لنفسك فستاناً جميلاً , وسيتكفل سحرك الطبيعي بما تبقى .
وهي تستدير لتغادر , استدركت مارغريت :
_هل أقدم العشاء على صينية في غرفتك ؟ لن ينزل السيد مايس على العشاء الليلة
ولقد طلب العشاء باكراً في مكتبة .
سرحت أفكار أليدا نحو بن محاولة معرفة ما يفعله .. ثم تذكرت الأصدقاء الذين
دعاهم إلى كابينة بعد المظاهرة , وساءلت عما إذا كان لا يزال مشغولاً بهم . وأحست للحظة
بغصة حادة من الندم لأنها لم تقبل دعوته , وقالت :
_ سأكل في غرفتي مارغريت .. إلا إذا ..لا .. أحضري لي صينية .
بعد وجبة الطعام المنفردة في غرفتها , تقدمت بتكاسل إلى النافذة ,ووقفت تتأمل المحيط ..
لم تكن العتمة سادت بعد , والمد قادم .. كان الشاطئ هادئاً ,لا أثر لحفلة
في الكابينة .. لا شك أن ضيوف بن رحلوا إلى بيوتهم .
في هذه الأثناء , وصلت سيارة تايثي الحمراء مسرعة , وأطلقت الزمور عالياً .
صرت إطار السيارة وهي تقف مسببة خلفها غمامة من الغبار جعلت أليدا تتراجع إلى الخلف الستائر الرقيقة .
صاحت تايثي , وهي تطل برأسها من نافذة السيارة :
_مايس ! ماي..يس !
نظرت أليدا حولها ..لم تجد أثر لمايس .فكرت في الرد على تايثي ,لكنها قررت التزام الصمت .
قفزت تايثي من السيارة , ورفعت نفسها على حافة الباب تنادي مجدداً :مايس!
أخيراً انفتح الباب الأمامي ,وخاطبت تايثي مارغريت :
_مارغريت ..أخبري مايس إنني هنا .
ثم أضافت متسرعة :
_لا .. لا أريد الدخول .قولي له فقط إنني هنا .. أسرعي !
أخيراً سمعت أليدا صوت مايس المتعجب :
_تايثي !ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت ؟
رمت شعرها إلى جانب واحد :
_جئت أصطحبك إلى المرقص ليلي جديد ..هيا بنا.
رد باقتضاب :
_لدي عمل .. ثم نحن لسنا على موعد .
_أوه ..هيا..مفسد الملذات ..لأنت جاد أكثر من اللازم في العمل ..وتحتاج إلى القليل من المرح .
انزلقت في جلستها على مقدمة سيارتها .. ورأت أليدا مايس يبتسم لتايثي ..
ابتسم لها مجدداً , إشارة إلى أنه يحتمل نزوة طفلة مزعجة .وقال :
_تايثي .. أنا أجري بعض الحسابات التي يجب أن تنتهي هذا الأسبوع .. وليس لدي وقت ..
_سخيف ! ماذا تعني بليس لديك وقت ؟ كنت تجد دوماً الوقت اللازم لمرافقتي ,أتذكر ؟تعال .
مررت يدها على عنقه .
_ألا تريد أن تعرف ماذا قالت لي أمي بشأن تحديد موعد لبن مع الحاكم لبحث أمور زانادو ؟
قد تتمكن من إقناعي بقول كل شيء .
نظر مايس إلى المنزل ,ثم إلى تايثي ..والحيرة تتملك أفكاره.
_لماذا ترغبين في إخباري مثل هذه الأمور ؟ظننتك في صف بن
أرخت رأسها إلى الوراء وضحكت :
_أنا إلى الجانب "تايثي" على الأرجح ..والآن ..هل أنت قادم أم لا ؟
_حسناً .. أنا قادم .
فتحت تايثي الباب :
_أنت ستقود السيارة .. ممكن ؟
جلس خلف المقود وهو يقول :
_مع ذلك يجب أن نعود باكراً .. تعرفين أنني لا أستطيع أن أجاريك في الرقص .
أطلقت تايثي ضحكة غير مؤدبة بينما أدار مايس المحرك .. وكانت أليدا لا تزال واقفة
خلف النافذة تراقب ما يجري بصمت ,وتساءلت حائرة عندما
رأت تايثي تضع يدها بلهفة فوق ذراع مايس :
خلف من تسعى تايثي ؟.. بن أم مايس ؟ إنها مقتنعة أن بن لا يحب تايثي مطلقاً.

على باب الدمعWhere stories live. Discover now