٢- في معسكر الأعداء

977 25 0
                                    

نظرت ألياد بازدراء إلى كنزتها الواسعة والجنز المثبت بدبوس ، وهزت رأسها مفكرة أنها غير مستعدة للقاء أي شخص كان بهذا الزي ، فكيف إذا كان هذاالشخص من عائلة راولي المشهورة.
قال بن :
-تعالي إذن.
سار بن عبر باب مفتوح..وكان الرجل الواقف يمسك الهاتف قائلاً
_لكنك وعدتني .. إذا كنت لا تستطيع وضع بيان تفصيلي بهذه الأشياء في الوقت المناسب ..حسناً ..ألا يمكنك إرسال شخصاً أخر؟؟
استدار قليلاً .. ولمح أليدا تمر بسرعة ، فقام بحركة مزدوجة ، غطى الهاتف بيده، وسأل بنفاد صبر :
-من أنت
أخافها سؤاله المفاجئ .أما بن فقد أطبق شفتيه ومشى نحو الباب .
قال أخوه:
_أنتظر لحظه .. أتسمح بن :
-كنت أريد التحدث معك ؟؟
عاد إلى حديثه ، وقال بن بصوت خافت:
_كان يجب أن أتوقع أنه سيرانا، ..حسنا .. لا أنوي التورط بجدال طويل معه هذا الصباح .. سأعرفك إليه كي تستطيعي التفاخر بأنك قابلت مايس راولي ،السيد المهيب ، ثم نتابع طريقنا .
كانت أليدا قد سمعت باسم مايس راولي من كثرته تداوله في مقالات الفضائح المنشورة في الصحف..وكثيراً ما يقترن بأسماء الفتيات الفاتنات المعروفات في المجتمع .ورغبت في لقاءه بدافع الفضول لا أكثر،كنها عجبت من عدوانية بن اتجاهه .وسألت:
_ألست على وفاق مع أخيك؟
_في الواقع نحن لسنا شقيقين..كان والده زوج أمي الأول .ولكن زوجها الثاني والدي، تبناه، ومنحه أسم عائلة روالي ..
ولقد كره مايس هذا دوماً..بالإضافةإلى أن لكل منا وجهات نظر تختلف عما الأخر في العديد من الأمور .
وضع مايس روالي السماعة من يده بعنف وممر أصابعه في شعره الأشقر الفضي ،ثم استدار وتقدم نحوهما بخطوات ثابتة تعلو وجهه ابتسامه مهذبه .
قدمها بن إليه بصوت بالكاد يخفي كراهيته:
_أليدا برايس.. مايس راولي
تجاهله مايس ليسألها :
_ما لذي جاء بكِ "زانادو" أنسه برايس ؟
_لقد أنقذني بن أمس من تيار جارف ..وعرض علي أن يريني القصر .
هز مايس رأسه فيخالف شعر أخيه الأشقر كالذرة الملوحة بأشعة الشمس ، كان شعره ذا لون فضي وبشرته شاحبة تلمع باللون البرنزي،
وكأنه لون مكتسب من مصابيح شمسيه لا من الشمس نفسها .أما عيناه فحادتان براقتان كاللؤلؤ الموشى بالزئبق .. وقدرت أليدا أنه في الخامسة والثلاثين من عمره ويكبر أخاه بسنوات قليلة.
فجأة استدار مايس إلى بن قائلاً:
_هل تعلم بأن ألرجل الذي كان سيجري الجردة للمحتويات القصر لن يأتي.. ولم يستطيعوا إيجاد بديلاً عنه.
_ما لذي حدث
أحست أليدا بانكماش في معدتها..لقد أصبحت جدٌ مهتمة "بزانادو" حتى أنها أبعدت عن تفكيرها حزنها بأبيها. غير أن سماع الحديث عنه بشكل عادي على لسان غريبين جعل الدموع ترقرق في عينيها ،فاستدارت تتظاهر بتفحص أنية قرب النافذة ..
وتابعا الإخوان الحديث غير واعين لألمها ..وبعد لحظه رفعت رأسها فإذا بمايس يقف بجانبها :
_أرى انكِ معجبة بهذه الآنية .
_أجل
أطرقت رأسها من جديد .فرأت قرب الآنية علبة سعوط موسيقية صغيرة مصنوعة من عظم القرون
قدمها لها مايس :
_هاك ..يمكنكِ الإمساك بها .إنها جذابة جداً..لكنها ليست نادرة..ارفعي الغطاء فتعزف الموسيقى.
انساب منها لحن حزين أعاد الذكريات لأليدا :
_أعرف.. انها مشابه لعلبة امتلكها منذ كنت صغيرة أحضرها والدي لي من معرض في باريس ..
_آه..أنتِ أذن من محبي الأثريات.؟
_تقريباً
نظر مايس حوله مقطب الحاجبين:
_لا غرابة إذن في أن يعجبك المنزل ..يبدو أن بن اختفى أنسه؟
_برايس .. أليدا برايس
_آه.. طبعاً.. برايس.. يبدو لي هذا الاسم مألوفاً ..في الواقع ان الرجل ألذي كان سيأتي ليشرف على الجردة أسمه برايس .
_أنه أبي .
نظر إليها مايس باهتمام زائد
_والدك!..لقد قيل لي.. أرجو عفوك.. واسمحي أن أقدم تعازي الحارة لكِ.
_ شكراً لك ..واعلم أنني مهتمة بالمنزل لهذا السبب بالذات... لقد كنت مساعدته .
_وهل أنتِ خبيرة في هذه الأمور ؟؟
_لقد ساعدته والد خلال عدة سنوات ، وقبل ذلك تدربت في مؤسسة لاينر.
_رائع.. ربما تستطيعين مساعدتي إذن ، أحتاج لمن يبدأ الجردة فوراً..هل ترغبين في المهمة ؟
اضطربت أفكار أليدا ..لقد ساعدت أبها في عمله هذا صحيح ،
لكن أيمكنها القيام بتلك المهمة المعقدة وحدها ؟ قد تكون الفرصة متاحة لها للبقاء في القصر
بدلاً من العودة لشيكاغو و ذكرياتها الأليمة..نظرت إلى الغرفة المزينة بذوق رفيع ، بمحتوياتها التي لا تقدر بثمن
قيمت فرصتها ثم قالت بسرعة قبل أن تغير رأيها:
_أجل.. متى تريدني أن ابدأ العمل ؟
ابتسم مايس:
_ هذا ما يعجبني ..الحماسة الحقيقية ..بإمكانك البدء متى شئتِ
غداً ربما؟؟
ردت مبتسمة:
_سأبدأ العمل بعد الفطور سيد راولي
_ناديني مايس ..قد تغدو المهمة سهلة لوا انتقلتِ للسكن هنا
حيث يوجد الكثير من الغرف ..ولن يزعجك احد ..فأنا اقضي اغلب أوقاتي في السفر ..
وبن يبقى وحده في الكبينة ..مري بالمطبخ وقولي لمارغريت أن توضب لكي غرفه بناء على طلبي.
فليس من المنطق أن تقيمي في غرفة فندق ..في حين يمكنك أن ترتاحي
في "زانادو"
لمحت بن من طرف عينها عائداً ..وقف بالباب وهز رأسه إشارة لعدم رضاه .. شاهده مايس فقال مبتهجاً:
_بن..قبلت الآنسة برايس أن تتولى جرد محتويات القصر.،فهل تعدني بأن تفعل ما في وسعك لتسهيل مهمتها.
هز بن رأسه دون أن يجيب
رمى مايس معطفاً خفيفاً على ذراعه .والتقط حقيبة أوراقه ثم قال:
_سأغيب يوماً أو أثنين.. يإمكانك الاتصال بي في المركز الرئيسي لمؤسسة كاونت لتطوير في نيويورك إذا أردتني التفت يمد يده إلى أليدا:
_فلنتصافح نأكيد على اتفاقنا ،سأراك حين أعود.
مدت أليدا يدها تصافحه .. وجدت قبضته كبيرة..دافئة ،ثابتة، وودودة، ثم سار مبتعداً وهو يصفر.
التفت بن إليها وقال بحده :
-فلنذهب..
وبدأ يسير بسرعة فلم تستطيع أليدا أن تجاوبه فيها
نادته وهي تلهث ورائه:
_مهلاً ..ألن تريني ما تبقى من "زانادو"
استدار ينظر إليها ساخر وتايع سيره ، أدركته قرب المقصورة حيث شدة يده وسألته:
_ما الأمر بن لما أنت غاضب؟؟
نظر إليها بعيني لامعتين من شدة الحنق وشفتاه مزمومتان فأعادت السؤال :
_هل فعلت شيئاً خطاء.؟
كرر:
_شيئاً خطاء..؟ لا.. ليس كثيراً...لقد انحزت لتوكِ إلى معسكر الأعداء..هذا كل شي.
أدار ظهره لها وذهب,
وقفت حائرة لبرهة كانت كافية لتجمع أفكارها من جديد، ثم اتجهت إلى المطبخ لتحدث مع مارغريت ،
ما يهمها الآن أن حيرتها بشان مستقبلها قد زالت .. على الأقل في الوقت ألراهن ..ولا يتوجب عليها سوى إحضار أغراضها من الفندق.
استفاقت أليد في الصباح الباكر على أصوات العصافير ..تسللت من السرير إلى ألنافذة ، حيث أزاحت
ستائر رقيقه ونظرت إلى المحيط، كانت الكبينة مخفيه عن الأنظار بعرائش عنب ممتدة ،
لكنها استطاعت رؤية شخص يجمع الحطب عند الشاطئ في مكان بعيد، وعرفته أنه بن، دخلت
إلى غرفة الملابس وهي تدندن لحناً تحبه،نظرت في المرآة.
لم تعجبها ملابسها المعلقة هناك ،فراحت تفتش بين الثياب حتى وجدت فستاناً شفافاً بلون الجاد الأخضر
مع صندل رقيق ووشاح مرسوم أخضر ربطت به شعرها.
كانت مارغريت تعد لها مكانها على الطاولة الحديدية الزجاجية السطح،حين وصلت أليدا لتناول الفطور
وقالت بإعجاب :
_آه.. كم تبدين جميلة اليوم..لقد تناول السيد بن فطوره. وطلب مني أخباركِ أنه سيتفرغ لرسم هذا الصباح ولا يريد منك ان تزعجيه .
هزت أليدا رأسها .. أثار هذا الكلام كبرياءها فهل يظن أنها ستسعى إليه بعد ما حدث يوم أمس ..بعد أن أعلنها عدوة لسبب لا تعرفه.
كانت قد خططت للبدا في الجردة بتصنيف الخزف الموجود في غرفة الطعام ..بعد الفطور ،
أرشدتها مارغريت إلى الطريق المؤدي إلى قاعة الطعام الرئيسية الطويلة المفروشة بمائدة طعام رائعة وقالت لها:
_لدينا عدة مخازن.
وفتحت أحدى الأبواب في الردهة الموصلة إلى المطبخ . دهشت أليدا لرؤية الرفوف الطويلة
المليئة بالعديد من الأطباق والفناجين والصحون وأدوات الطعام.
_كما ترين لدبنا الكثير من النماذج الخزفية وجميعها فريدة من نوعها.
تناولت فنجان الشاي بحذر عن أحد الرفوف ومسحت عنه الغبار .
أدارته بإتجاه النور كي ترى أليدا شفافيته,
_هذا هدية من السفير الياباني ..كان مسروراً أثناء زيارته القصر حتى أنه أرسل للسيدة راولي طقماً مكوناً من خمسين قطعه من هذا البورسلان الرائع.
أخذت أليدا هذا الفنجان من يد مارغريت ، وأبدت أعجاباً حاراً بتصميمه وبلونه الزهري والأخضر .
قالت وهي تعيده إلى مكانه بحذر : أنه رائع .
فتحت مارغريت أبواباً عديدة وقالت:
_هناك المزيد من أطقم الخزف..لذا ينتظرك عمل دؤوب.
فتشت في حقيبة أوراقها عن لوحته الكتابة الكترونية.. وعن نسخة من جردة سابقه وقالت:
_حان وقت العمل .
_سأستدعيك إذن للغداء.
مر الوقت بسرعة لم تشعر أليدا بها لولا أن عادت مارغريت باسمة تدعوها للغداء .
كانت قد غطت الطاولة الكبيرة بفرش دانتيل صغير ووضعت عليها صحوناً من البورسلان الياباني
أما الغداء فلم يزد عن ثمرة أفوكادو مع سلطة قريدس(الربيان).
قالت هلا مارغريت :
_لن يشارك السيد بن المائدة اليوم .
أعطى غياب بن أليدا فرصة للتفكير بتطور الأمور في اليومين الماضيين ، وتساءلت عن الوقت
الذي سيلزمها لتقييم محتويات المنزل بأكملها.. بما أنها ستعمل بمفردها لذلك يتطلب منها وقتاً إضافياً
لم تكن لتحتاجه لو أنها تعمل مع والدها .
فكرت أليدا أن الإقامة في "زانادو " لن تكون هادئة إذا لم يكن بن ودياً معها.. غير إنهاارتاحت لفكرة
أن بن يمضي أغلب أوقاته وحيداً في الكابينة .. وتساءلت ما إذا كان الثلاثة سيجلسون إلى مائدة نفسها بعد عودة مايس . إنها تفضل الأ يجتمعوا حول مائدة واحدة نظراً لنفور السائد بينه وبين أخيه.
أنهت أليدا غداءها بسرعة ثم قامت بجولة المنزل الرحب أوصلتها إلى المقصورة . ثم قررت أن تخرج في نزهة قصيرة إلى الشاطئ قبل معاودة عملها .
تجنبت النفق ..فاستخدامه يعني إزعاج بن .. وبدلاً من ذلك ..سارت عبر ممر ضيق قادها إلى الشاطئ .
كان المحيط في هذا اليوم يظهر لها وجهاً آخر من وجوهه المتعددة فالمياه, ترتفع وتهبط ببطء في موجات متتابعة
الواحدة اثر الأخرى لتتكسر بنعومة فوق الشاطئ .
تلاعب النسيم المنعش القادم من الشرق بخصلات شعرها يبدو أن تفكيرها بعملها كان يسرق منها
فرحة التمتع بنزهتها على الشاطئ، وما أن استدارت عائدة إلى المنزل حتى فوجئت بسماع ضحكه أنثوية قادمة من خلف أشجار النخيل المروحي ،الممتد على طول الجدار الواقي من الريح قرب الكابينة. تساءلت عن هوية الدخيلة ، ثم ألقت نظره خاطفة إلى ما وراء حافة الحاجز الحجري...
فأدهشها أن ترى شابة تعانق بن .
أحمرت أليدا حرجاً .. و استدارت لتنسحب .. ولكن كتفها أصطدم بغصن نخلة فأحدثت صوتاً جعل
الاثنين ينتبهان إلى وجودها .
لحقها بن بخطوتين سريعتين .. ولف يده حول ذراعها ..ثم جذبها قريباً من الجدار الواقي وهتف بها :
_مهلك لحظة.
قالت متلعثمة
_ آسفة للتطفل .. لم أكن أتوقع ..
راقب بن ارتباكها الذي أرضاه على ما يبدو ، ثم قال مقطباً حاجبيه
_أنا واثق أنك ما تتوقعي ذلك.. على أي حال، وبما أنك هنا ، دعيني أعرفك بتايثي ..
تايثي أوبيرت كاولي ..هذه أليدا
كانت تايثي واحده من النساء الأكثر جاذبية اللواتي شاهدتهن أليدا في حياتها ..
لفت نظرها شعرها الأحمر البني الطويل الملوح بأشعة الشمس ، مع ان لونه لم يكن طبيعياً
وملابسها كانت تنم عن ذوق رفيع وأناقة كاملة ، أما عينيها الخضراوان ففيهما وميض يضفي على وجهها الأسمر سحراً أخاذاً ، ولولا فتهورهما لكانتا أكثر جمالاً .
رمقتها صاحبة تلك العينين بنظرات عدوانية من رأسها حتى أخمص قدميها ، نظرات أن دلت على شيء
فعلى أنها لا قيمة لها بنظرها ، كسر بن الصمت حين قال بلهجة لم تخفي كراهيته:
_أليدا تعيش الآن في "زانادو" تساعد مايس على تقييم محتويات المنزل .
تثاءبت تايثي :
-إنه لأمر مثير .
تراجعت أليدا خطوه وقالت بصوت منخفض :
_هلا أعذرتماني ..فلدي عمل أقوم به .
رفعت تايثي يدها محييه بحركة تفتقر إلى التهذيب دلالة على عدم اكتراثها بها ..وانصرفت أليدا مسرعة نحو المنزل .
لقاؤها ببن وتايثي تركها حزينة جداً وجعل من الصعب عليها التركيز في عملها , وانساقت تقارن نفسها بها ، كان من أسهل أن تدرك أنهما من عالمين مختلفين ..فتايثي إنسانة مادية تعقد أن المال يصنع كل شيء.
إنها فتاة لا تفكر سوى بقضاء يومها تتنعم بأشعة الشمس ، وحضور حفلات الأغنياء والمشاهير ليلاً..
ظأما بن فيبدو شاباً غبياً رغم أنه غني ، وأخلاقه سيئة .
صاحت توبخ نفسها : توقفي عن هذا ! ثم تنهدت بعد أن قررت التوقف عن العمل اليوم.. وبدأ أنه وقت
مناسب للبدء في استكشاف الأراضي التابعة للقصر .."زانادو" أملاك تحتوي على خمسة عشر فندناً ،
هي تعرف من قراءانها أن العناية بالأرضي المحيطة بالقصر لا تقل أبدا عن العناية به.
خرجت عبر باب جانبي صغير لتجد نفسها تسير عبر مشتل أزهار مخفي تحيط به أشجار
النخيل الخضراء .
سارت أليدا في ممر حجري بارد مابين شجرتي تين بنغالي متشابكتين، ووصلت إلى مرج أخضر يحده
من الجانبين نخيل ملكي.. يتوج المرج بركة سباحه مرصوفة ببلاط متعددة الألوان .
وقفت تتأمل المنظر ويدها تحمي عينيها من حدة شمس المغيب.
لمحت شخصاً يعتني بمشتل من ورود "الببتوتبا" البيضاء..رأت خلفه سياجاً مرتفعاً قدرت أنه ملعب التنس .
رآها الرجل الصغير الجسم فبادرها قائلاً:
_مساء الخير..أنت الآنسة برايس أن لم أكن مخطئاً.. أنا كالب ماكنلي ، زوج مارغريت.
ارتاحت أليدا على الفور لهذا الرجل غير أنها دهشت لكون هذا الرجل
الصغير الجسم زوجاً لمارغريت السمينة.
قالت له:
_كنت أتعرف للحديقة .
_آه.. أنها جميلة.. أليست كذلك؟ لكن يا للأسف .. فحين يبدأون ببناء المجمع السياحي سيزول هذا الجمال كله
ليقام مكانه مرآب للسيارات .
ارتعبت أليدا:
_أوه... لا ! بالتأكيد لن يسمح أحد بذلك ! كل هذا الجمال وخانها صوتها وهي تنظر إلى الواحة الخضراء.
هز كالب رأسه:
_ أجل .. أخشى أن يكون الأمر كذلك .. ما أن يتم تقييم الأثريات وتصنيفها ونقلها .. سيتحرك البولدوزر ليزيل
بدقائق ما تطلب سنوات لإنشائه .
سارا جنباً إلى جنب يرشدها كالب إلى نباتات استوائيه غير مألوفة .. أخيراً سألته أليدا عن السنوات
التي عاشها في "زانادو".. فرد متفاخراً:
_منذ خمس وثلاثون سنة ، ومارغريت كذلك . نحن عيش هنا بشكل دائم ..فيما مضى كانت السيدة راولي تستقبل العديد من الضيوف في موسم السياحة .وكنا نضطر لاستخدام عمال أكثر ، أما الآن فلا يوجد سواي
ومساعد أطلبه في بعض الأوقات .
أشار إلى مشتل فارغ للزهور :
_ كنا نبدل الأزهار كل أسبوعين بناء على رغبة السيدة راولي بالتجديد. حمداً لله أنها ماتت قبل ان ترى المصيرالذي آل إليه "زانادو".
ألح كالب عليها لتنضم إليه وزوجته على العشاء في شقتهما الجميلة خلف المطبخ الرئيسي حيث تناولوا السمك المشوي .
شربوا بعدها القهوة في غرفة جلوس صغيرة ، وراحا يقصان عليها حكايات المشاهير الذين زاروا القصر . وهي تصغي باهتمام بالغ.. أحست أليدا بحنين إلى أيام مضت ونمت لو أنها شاهدت "زانادو" في ذلك الوقت .
عادت أليدا إلى غرفتها تراودها رغبة ملحه في السباحة .. ارتدت ألبكيني ولفت نفسها بروب أبيض ثم اتجهت إلى بركة السباحة .
كان القمر قد لامس البركة بشعاع فضي جعل ماءها يأسر النجمات المتلألئة فوقها ويحتفظ بها فوق سطحها الساكن ..
ارتجفت أليدا من الإحساس الذي تركه الروب وهو ينسدل عند قدميها .. ثم رفعت ذراعيها فوق
رأسها وغطست ..سبحت إلى الجهة الأخرى من البركة ، لكنها ارتعبت وهي عائده لسماعها صوتاً بقربها
تجمدت في مكانها لا تكاد قدماها تلامسان أرض البركة .
إنه بن دون ريب.. سباحته البطيئة المتزنة أوصلته إلى أخر البركة.
ورجع بسهولة وخبرة عالية إليها ، قالت:
_لقد أخفتني .
قال ساخراً:
_أوه؟ أردت فقط أن أرى ما إذا كنتِ تجيدين السباحة حقاً.
كرهت سخريته :
_بن.. لماذا لا تدعني وشأني ؟واضح أننا لا نتفق..وأنني لا أعجبك..فالأفضل لكلينا أن نتجنب بعضنا البعض.
اشتعلت عيناه في وجهه وكأنها نيران متقدة.، اقترب منها قائلاً :
_بالعكس .. أليدا برايس .. أنتِ تعجبيني جداً.
ردت بلؤم :
_لديك طرق عجيبة في إظهار إعجابك ..ولقد بدأ مؤكداً بعد ظهر اليوم أن إعجابك لا حدود له .
_سأظهر لكِ ما يعجبني .
وشدها إليه بحركة خاطفة ... أرادت أن تنسحب لكنها لسبب ما لم تفعل ، بل وجدت نفسها تستجيب له بحرارة ،لم تشعر بمثلها نحو أحد من قبل .
كانت تلهث بين يديه مقطوعة الأنفاس حين تركها ، فتمايلت مبتعدة . غاصت عميقاً في الماء ، ثم سحبت بقوه نحو السلم في نهاية البركة.
لكن بن وصل إلى السلم قبلها ، ووقف مغموراً بالمياه حتى خصره ينظر إليها بنصف ابتسامه مرحه ثم علق :
_ تبدين جميلة جداً وأشعة القمر تتسلل من بين خصلات شعرك .
مد يده إلى خصلات شعرها المبللة يعبث بها .. أحست أليدا بوجدوه الرجولي القوي ، لكنها تمالكت نفسها . ونظرت إليه بحدة وهي تدفع يده عنها ، ثم تسلقت السلم إلى حافة البركة .. وبحركة سريعة انحنت والتقطت
الروب تلف جسمها به، ثم جرت بصمت فوق العشب المرج لتهرب من بن ومن مخاوفها التي لا تجد لها تفسيراً لها.
نظرت إلى الخلف نظرة خاطفة فوجدته واقفاً قرب البركة ، يحدق إليها وذراعاه متمسكتان بالسياج ،
وظنت أنها رأت لمعان أسنانه البيضاء وهو يبتسم !

على باب الدمعWhere stories live. Discover now