١- الموج الغادر

2.7K 42 0
                                    

كانت الريح دوامة رهيبة انطلقت بجنون تدفع الموج المتكسر إلى الشاطئ بموجات متوحشة،
والسماء ملبدة بغيوم رمادية بلون الأردواز، وكانت أغصان النخيل تتلوى عند الشاطئ يمنة ويسرى
في حركة لا تكاد تهدأ.
وقفت أليدا عند حافة الموج..اليوم ليس يوم مناسباً للسباحة الا إذا كانت تريد أن تسبح في المحيط للمرة الأخيرة قبل سفرها ،فالفرصة مازالت سانحة لها لذلك ، في الغد ستركب طائرة بالم بيتش _شيكاغو وهي لا تريد التفكير في هذا الأمر ..الشيء الوحيد الذي تريده هو أن تسهر في البحر، ان تغسل حزن الأيام القليلة الماضية .
كان من المستحيل الغطس في الأمواج الصاخبة .. أما ما بعد الحوض الذي تكسر فيه الأمواج ، فإن البحر يبدو أقل هيجاناَ وقد تتمكن فيه من السباحة قبل إن يجرفها الموج إلى الشاطئ ضمت أليدا نفسها وهي تستقبل الريح بوجهها وخطت إلى البحر.. لا تكاد تحافظ على توازنها ..
قبل أن تدرك ماذا يحدث أطبقت عليها قوة مرعبه وشدتها إلى الأسفل..أحست بالمياه المجنونة وكأنها تغلي فوقها، قاومت الضغط الهائل بعناد وناضلت لتصل إلى سطح الماء وهي تشهق طلباً للهواء ..لم يكفها الوقت لتملأ رئتيها بالهواء قبل أن تضرب الموجة التالية التي دفعتها نحو الشاطئ ..ثم سحبتها نحو الماء مجدداً.. هذه المرة
كادت رئتا أليدا تنفجران قبل أن تبلغ سطح الماء ثانية.وأخيراً أدركت مرعوبة أنها أصبحت بعيدة جداً عن الشاطئ ..
إنه تيار تحت الماء أليدا كانت قد سمعت بكلمة تيار لكنها لم تختبره إلا اليوم. عاهدت نفسها ألا تستسلم للذعر وان تحاول تذكر ما يجب أن تفعل ..كانت ما تزال تحاول إنقاذ نفسها حين سحبها الموج مجدداً إلى الأعماق ..
كان الشاطئ مهجوراً إلا بإستثناء مركب صيد صغير ..أدركت أليدا عندئذ أن مأزقها صعب للغاية إذ لا يوجد أحد ليساعدها.. حين بدأت أطرافها تتجمد من البرد ووهنت عزيمتها، سمعت نداءً خافتاً يقول: أصمدي !..
راحت تفتح عينيها وتغمضها لتتخلص من المياه المالحة الحارقة ، وعاد الأمل إليها من جديد .. حين لمحت القارب الصغير الذي شاهدته عند وصولها إلى الشاطئ يتخبط متقدماً نحوها فوق الموج ..
امتدت يدان قويتان إليها سحبتها إلى القارب ولفتاها ببطانية .. أغمضت أليدا عينيها مطمئنه واستسلمت لإغماءة لم تفق منها إلا بعدما أوصلها منقذها إلى الشاطئ ..
أدخلها منقذها إلى أحدى الكابينات على الشواطئ ..ووضعها دونما عناية فوق مقعد طويل وقال ساخراً:
_في المرة القادمة التي تقررين فيها السباحة في أشد الأيام برداً وعصفاً . تأكدي من إن ترتدي لباساً يقيك جيداً من البرد ..
نظر إلى ثوب سباحتها البكيني و أردف:
_ وربما يتوجب عليك أيضاً إن تضعي جناحين يساعدانك على العوم .
بدأ لها هذا التصرف بالنسبة إليها مستغرباٌ ، خاصة بعد إن كادت تغرق في المحيط ..لكنها أثرت السكوت على الرد, أرخت رأسها إلى الوراء وأغمضت عينيها ، أحست بوخز مؤلم ففتحت عينيها بذعر لترى إن منقذها كان يضع المطهر على ذقنها المخدوش ..
قال بلهجة حادة:
_كي لا يلتهب الجرح
أتاها ببطانية جافه فالتفت بها..وراحت تسترق النظر إليه وهو جالس قبالتها يصب القهوة لنفسه .
كان طويلاً برونزي اللون، واضح أنه يتعرض لشمس باستمرار، عيناه كانتا تلمعان كسمرته بلون لازوردي البراق..لا.. الزبرجد الأخضر المزرق ، أما انفه فكان حاداً بارزاً بشكل لافت . لم تكن مطمئنة إليه ،فقد جلس يحدق إليها بنظرات سخط من تحت خصلة شقراء لوحتها الشمس .
علت ابتسامه ناعمة شفتيها المتشققتين من الملح .وقالت:
_شكرا ًلإنقاذك حياتي ..ما كان يجب أن أنزل البحر اليوم ..لم أكن أعرف بوجود التيار
_الأحمق فقط ينزل إلى البحر في يوم عاصف كهذا ..ألاتقدرون انتم السواح عاقبة أفعالكم ؟ احمدي الله أنني رايتكِ صدفه وأنني املك قارباً كنت أوقفة على الرمال ..وإلا لما استطعت الوصول إليك في الوقت المناسب
تحرك غضبها:
_اسمع أنا ممتنة لك لإنقاذك حياتي..لكنني لست معتادة على أن يوجه احد الإهانة أو اللوم إلي..اعرف أنني ما كان يجب أن انزل إلى البحر..لكن ما حدث قد حدث وانتهى فلننسى الأمر إذا.

على باب الدمعWhere stories live. Discover now