الفصل التاسع

Start from the beginning
                                    


في الصباح في احدى العيادات النفسية.......
بارتياب وتوتر تدلف العيادة بعد اقتراح والدها عليها الأمر لتخرج من دوامة حزنها فابنته تحتاج علاج نفسى لا جسدى فحجز لها باحدى العيادات النفسية وأوصلها بسيارته وينتظرها أسفل العيادة ...
تتأمل الوجوه لبرهة من الزمن تتفحص الملامح التى تختفى معظمها تحت نظاراتها السوداء بين ريبة وتوتر وقلق حالات نفسية متباينة تنتظر دورها بالعيادة النفسية ......
تتحرك بضع خطواتٍ متثاقلة باتجاه المكتب الضغير الموضوع بزاوية جانبية من الباحة الفسيحة للعيادة
تتحنح بتثاقل : مساء الخير
ترفع سكرتيرة الطبيب بصرها لمستوى شاهندا قائلة : مساء النور
شاهندا بتوتر وريبة : أنا عندى معاد مع الدكتورة ....
سكرتيرة الطبيب : الحجز باسم مين ؟
شاهندا بكلمات مخنوقة متحشرجة : شاهندا كمال ...
السكرتيرة وتفحصت الأسماء المكتوبة بالكشف أمامها فقالت : أه فعلاً ..اتفضلى استريحى هناك دورك بعد الحالة اللى عند الدكتور دلوقتى ...
جلست على مقعد موضوع باحدى الجوانب وتجنبت الاقتراب من باقى حالات العيادة فالرهبة والذعر وفكرة الطبيب النفسى السيئة التى يرسمها المجتمع أرهبتها من أن يعلم أحد بزيارتها لتلقى المشورة النفسية ...
لاحظت وجود العديد المرضى ومن مختلف الأعمار ومن الجنسين البعض منهم غير واضح عليهأعراض المرض والأخر من تصرفاته لاحظت كيف ان المرض تغلب عليه
فقالت في قرارة ذاتها : من عاقل بالمجتمع ؟ مجتمع يعج بالمرضى النفسيين على مختلف الطبقات ......

...........................
حطت طائرتهما مطار شرم الشيخ ومنه اتجها للفندق حيث سيقضيان أيامها المعتمة وأيام معاناتها وعقابها بنظره........
كان الذعر والرعب سيد الموقف لديها فهى تعلم غلظته وكبره الامتناهى وأنها لن يرضخ لمطلبها بإثناء نفسها عنه وقد تصل به لمرحلة الاعتداء
عليها........
وصلا الفندق وصعدا لجناحهما .......
دلف خلف عامل خدمة الغرف وهى بمكانها خارج الغرفة ترتعب مما قد يحل بها ......
وضع العامل الحقائب بالغرفه فأخرج سليم عدة ورقات نقدية من جيبه وأعطاها للعامل الذى حيا سليم شاكراً وخرج من الغرفة
تأمل سليم الجناح وأعجب بهدوءه وفتح الشرفة لينتعش بالهواء العليل ورائحة يود البحر .......
نظر خلفه فوجدها كما هى قابعة على باب الغرفة لم تدلف بعد
فقطب وجهه واتجه ناحيتها ناهراً : المدام عايزة عزومة عشان تدخل
فدلفت وهى تقدم قدم وتؤخر الأخرى ....
أعجبت بتصميم وهدوء الجناح ولكن بقرارة ذاتها يتملكها الرعب هل سيظل على هدوءه أم انفجار بركان غضب سليم سيغير من ملامح الجناح
بريبة وضيق تنظر ناحيته وهو مركز بصره للبحر ......
سليم : خايفة ؟
رنا وترتعب :.........
سليم ويلتف بجسده ناحيتها وهى قابعة بعيداً عنه تترقب هبوب العاصفة بذعر : مالك القطة أكلت لسانك يا مراتى العزيزة
رنا ولوت فمها ضيقاً برغم الذعر المسيطر على تقاسيم وجهها فيفضحها
فيبتسم ساخراً : مالك ضايقتك كلمة مراتى ؟ إيه هتعترضى على الشرع والقانون كمان ...
رنا لتتهرب مما قد يقدم على فعله بأى وقت : ......... احنا مش جايين نتفسح يالا بينا نخرج
سليم مقهقهاً :ههههههههههههه على طول كدا نخرج طب مش نجرب المكان الأول .........
رنا : إيه .....أأأأأأأأأأأأ أصل ........... لا الجو حلو خلينا نخرج
أنا هدخل أغير عشان نخرج وفتحت حقيبتها وتناولت منها ملابس والتفت لتدلف المغسلة فجذبها بقوة ناحيته لحد الالتصاق :........ همس بأذنها قائلاً : اعرفى إنى بمزاجى سايبك ......... لما يبقى ليا مزاج ليكى هاخده مفيش قوة هتمنعنى ....خليكى فاكرة يا .....مراتى العزيزة
وأفلت قبضته عنها فجرت مرتعبة للمغسلة ......
......................................
أبدلت ملابسها وأبدل هو وخرجا سوياً للتنزه ........
..........................................
ظلت قابعة بمقعدها تنتظر دورها بين توتر وريبة من مواجهة الواقع حتى حان موعدها واقتربت سكرتيرة الطبيب منها قائلاً : اتفضلى دورك الدكتور مستنيكى ......
.......................................
فُتح لها باب الغرفة ودلفت
غرفة هادئة بضوء شبه خافت
تعطى الانطباع بالراحة النفسية ...يتوسطها أريكة ممدوه : شيزلونج " وبزاوية من الغرفة يقبع أمام مكتبه الأنيق
يضع عنه نضارته الطبية محيياً إياها : اهلاً كابتن شاهندا
فارتابت وتسمرت مكانها : أنتَ عرفت اسمى منين ؟
الطبيب ويشير للأوراق أمامه : من ملفك اللى والدك ادانا البيانات اللى فيه
شاهندا بتوتر وتعيد خصلات شعرها الهائج للخلف وتقترب من مكتب الطبيب وتقف بريبة
الطبيب بهدوء : اتفضل اقعدى يا كابتن شاهندا
تجلس شاهندا على المقعد وهى تفرك راحتى يدها ببعضهما وتنظر للأسفل مطأطأة رأسها بخجل فبادرها الطبيب قائلاً :
بتلعبى بوكسنج يا جبروتك دا كدا هنخاف منك بقى لو اضايقتى تكسريلنا العيادة
ليظهر شبح ابتسامة على وجهها ولا تعلق .....
الطبيب وهو يراقب جيداً انفعالاتها وتعابير وجهها : خايفة من بكرا يا كابتن ؟
شاهندا بضيق : بكرا يا ريته ميجيش بكرا دا
الطبيب : ليه بتقولى كدا أنتَ انسانة رياضية وصغيرة ليه خايفة من بكرا
شاهندا بشحوب ومعالم مستنكرة : أنا نفسى العالم يوقف حواليا ومشفش حد ولا اتكلم مع حد
ليفاجأها بسؤاله : الحادثة السبب
لتنفجر به وتجحظ عينيها غضباً : .........
الطبيب : مش عايزة بكرا يجى عشان اللى حصل في الحادثة
أنتَ ولا أول واحدة ولا أخر واحدة هيحصلها ك........لتقاطعه .......
ممكن متتكلمش عن الحادثة بليز
الطبيب : ليه ؟
شاهندا : أهو كدا وخلاص ؟
الطبيب : هما أذوكى جسدياً بدل ما تروحى للقانون يجيبلك حقك بتهربى من الناس وحابسة نفسك من يومها
شاهندا : متتكلمش عن الحادثة تانى
الطبيب : أنتِ جبانة يا شاهندا ومتستهليش لقب كابتن
الكابتن ميهربش من المواجهة وأنتِ بتهربى من الواقع
شاهندا بغضب : أنا غلطانة إنى جيت وتخرج من غرفته ومن العيادة غاضبة
ليبتسم الطبيب قائلاً بعد خروجها : دى أول مرحلة في العلاج أنك تغضبى وتنفجرى هترجعى تانى يا شاهندا .......
وتدلف السكرتيرة لتعلم مدى جاهزية الطبيب لاستقبال الحالة التى تلى شاهندا .....
.................................
بغضب تدلف سيارة والدها
ما إن يراها غاضبة حتى يقول : مالك يا شوشو ؟
شوشو بغضب : دكاترة مبتفهمش أقوله متتكلمش عن الحادثة بردوب يتكلم يحمد ربنا إنى مضربتوش
ليبتسم كمال من العودة الجزئية لابنته فغضبها بالنسبة له أفضل من صمتها وحزنها ........
..........................................
حجز سليم في رحلة عشاء بدوى أعلى هضبة في الصحراء وذهب مع فوج من السائحين الألمان برفقه مرشدهم للعشاء البدوى ومعه زوجته البائسة رنا .....
في المساء في العشاء البدوى .............
كانت الخيام منصوبة .......... الاضواء تنير المكان بشكل رائع ...أصوات الأغانى تملأ المكان ....الرقصات البدوية وتفاعل السياح والمصريين رائع ....
بعين جاحظة غاضبة وقفت تتأمل المكان حولها لم يلفت انتباهها كل ما يدور حولها من صخب فقط نظرت للنجوم وتعانقها في السماء خاصة أنها المرة الأولى التى تنظر للنجوم في وسط السماء من أعلى هضبة ......
ابتعدت نسبياً عن أماكن الزخم والزحام وجلست ممدة على سجادة يدوية تتأمل السماء .........
كان بعيني نجم في السماء ... كم تمنيت معانقاته ولكن ......
ما في السماء للسماء .... والبؤس لمن على الأرض ِ
ما إن دلف الحفلة البدوية حتى اتجه لباحة الرقص وسط الحفلة متجاهلها متعمداً ليفتعل غيرتها وضيقها ولكن هيهات " من حفر حفرة لأخيه وقع فيها " ...........
جز على أسنانه ضيقاً .فعيناه تراقبها جيداً من بعيد ....لاحظ ابتعادها النسبى عنهم وعن الخيام ........ واستلقائها على سجادة بعيداً عن الخيام ......فاتساع المكان والأضاءة العالية سواء الصناعية أو الطبيعية من السماء تنير المكان بشكل جيد ....
اقترب منها قائلاً بسخرية ممزوجة بالغضب : أنتِ بعدتى ليه عن الحفلة ؟مش قلتلك اترزعى قريب؟
رنا وهى تشير لعدة نجوم : بص دول يا سليم واخدين شكل قلب مع بعضهم
لم يتمكن من الرؤية فاستلقى بجوارها ساخراً : شكل قلب قولى شكل نار شكل دم
رنا وتدير وجهها تلقائياً ناحيته فتتقابل العيون للمرة الأول : رنا وهى تلتفت ياساتر ليه بتقول .....فتلتقى العيون على حين غُرة .......
تقابلت عيونها الصافية كعيون غزالة برية بعيناه التائهة في بحر الضياع كذئب بشرى .......
تأملت ولأول مرةٍ عيناه من قريب : عيون ضيقة متفحصة يكسوها بعض الاحمرار من السهر المعتاد عينان متعبة مجهدة برغم اللياقة البدنية العالية له ............
خجلت فعادت لتنظر للنجوم مرة أخرى ..........
ليزفر ضيقاً في خلجات ذاته : فكلما نبذته كلما ازدادت رغبته الشهوانية بها ولكنه أقسم على الثأر لرجولته منها وأن تركع تحت قدميه ليرضى عنها ..................
كان الطقس أعلى الهضبة يختلف تماماً عن سطح البحر بالاسفل ...... برغم حجابها وملابسها المحتشمة إلا أن نسمات هواء باردة تخللت جسدها الهادئ فارتعشت .......
ارتعب من ارتعاشها فقال بذعر مكتوم عليها : في أى مالك ؟
رنا : مفيش بس الجو بدأ يبرد .....
سليم : أنا نبهتك قلتلك الجو بيبقى برد على الهضبة مش زى تحت
رنا : عادى أنا مش بردانة أوى يعنى دى نسمة هوا باردة مش أكتر .....
سليم وينهض عن مكانه ويبسط يده لها : طب يالا قومى ....
رنا بارتياب : أقوم ليه هنروح فين ؟
سليم : متخافيش يا مدام هنقرب من الخيام والناس عشان حضرتك تدفى
رنا : أأأأأه أحسن بردو
نهضت وذهبا باتجاه الخيم البدوية .....
جلسا بالقرب من تجمع سياح ..... يطرقون الطبول ويتغنون بكلمات ألمانية .....
جلسا بجوار التجمع يستمعان فنظرا لبعضهما بعد عدة دقائق بابتسامة وضحك يوشك على الانفجار ........فهمس لها ضاحكاً هو الالمانى كله حرف الخاء هههههههههههههه ليتضاحكا سوياً للمرة الأولى منذ تزوجا ............
كان يستمتعان بالضحك على أصوات اللغة الألمانية حتى قال :......... أنا جعت هقوم أعمل طبق من الأوبن بوفيه ... تحبى أعملك معايا
رنا وكانت تشعر بالغثيان ولا تبوح : لا أنا مش جعانة ...
سليم ويرفع شفته ضيقاً : براحتك دلوقتى بتوع الخاء خاء يخلصوا غنا وينسفوا الأكل ابقى افضلى جعانة للصبح بقى ...
ابتسمت ابتسامة باهتة ولم تعلق .....
لم تعتاد تلك الأجواء الصحراوية الباردة ولا الساحل والشواطئ فكل ما زارته بحياتها كان التسوق والمتاحف الأثرية برفقة والدتها ....
كانت أوصالها ترتجف برداً وكبريائها الصامد أمامه يأبى الاعتراف فهو بالفعل حذرها من برودة الطقس أعلى الهضبة وهى تعالت عن نصيحته ولم تحضر سترة احتياطية ثقيلة لترتديها .....
....................................
أعد طبق طعام وعاد بعد دقائق ...........
كانت واجمة قابعة بمكانها تجلس القرفصاء تحيط ذاتها بذراعيها لتبث بجسدها الدفء ....
لاحظ جلستها تلك فقال بسخرية : ليه قاعدة كدا ؟
رنا بكبرياء : عادى بحب القعدة دى
فسخر منها قائلاً : طب حوطى نفسك كويس ليهرب منك دراع ولا حاجة من جسمك ......ههههههههههه
فابتسمت بضيق ولم تعره كلماته السخيفة انتباه ونظرت بعيداً .....
انتصف الليل وهى تقاوم البرد الذى يفتك بجسدها .....
كان يترك بين الحين والأخرى يتسامر مع السياح ويذهب ليتفاعل مع حلقات الرقص ولكنه عيناه الفاحصتان تحرسها من بعيد .......
قاومت وقاومت وقاومت حتى ...........مالت على جنبها مغشياً عليها
كان بين حلقة الرقص البدوية مستمتعاً بوقته عندما التفت بطرف عينيه ناحيتها فلم يلحظها بمكانها فذعر واتجه بكامل جسده ناحيته فلاحظ وقوعها ......
بذعر هرول ناحيتها : كانت واقعة على جانب جسدها وجهها يلامس الأرض
وضع كفيه أسفل رأسها ورفع رأسها فلاحظ إغمائها فقال بذعر : رنا رنا
لامست كفه جبهتها على غير قصد فارتعب من حرارتها العالية للغاية ..
فقال بذعر : رنا ............
لاحظ السياح صياحه مستنجداً بمرشد الرحلة فهرول ناحيتهم وأطفأت الأغانى الصاخبة وتحلق الجميع حولهما .....
لينتبه المرشد ويهرول ناحيتهما
المرشد : محدثاً الفوج السياحى باللغة الألمانية : Bitte APTT gepflasterte Fläche atmen sie tief
رجاء ابتعدوا افسحوا المجال لها لتتنفس بعمق
يوسع الفوج السياحى المجال للمرشد ويقترب من سليم ورنا المغشى عليها
يقترب قائلاً بذعر : خير مالها المدام ؟
سليم بذعر : سخنة ومغمى عليها بحاول أفوقها ما بتفقش
المرشد : متقلقش أكيد أخدت برد أحنا معانا طبيب مرافق للرحلة
سليم : لازم اخدها المستشفى حالاً
المرشد : اهدى حضرتك كدا الأول مش هينفع حد ينزل دلوقتى دى صحرا وكلها حيوانات مفترسة وأول ما الضى ينزل هننزل كلنا من هنا نرجع الأوتيل
تقدر تاخدها دلوقتى جوا الخيمة والدكتور هيعاينها مؤقتاً لغاية ما ننزل الصبح وتاخدها المستشفى
..........................................
برفق ثنى جزعه ووضع ذراعه أسفل ركبتيها ورفعها بين ذراعيه ودلف بها الخيمة البدوية ...........

رواية "على قيد عشقك" للكاتبة بسمة محمود أحمدWhere stories live. Discover now