الفصل الحادي عشر

1.5K 24 1
                                    

ظلت روكسي جامدة فترة من الوقت, مجهدة بدنيا و عقلياً و عاطفياً. ثم هاجمتها نوبة اخرىمن الصدمة, و شعور بافذلال.
و انبرت له قائلة:
ـ إليك عنى.
ـ روكسي؟!!
قالت و عيناها تشع غضباً.
ـ لقد سمعتنى ..... إليك عنى.
ـ حبيبتى.....
قالت:
ـ لا تدعنى بحبيبتى, لقد تذكرتك, و قد خدعتنى, فإياك ان تلمسنى. إنك تشعرنى بالغثيان.
و ابتعد عنها بوجه شاحب:
ـ لقد بدا حبك لىّ واضحاً, فلا تقولى أننى خدعتك, و لم اكن اعتقد....
قالت باختصار:
ـ لم تكن تعتقد ..... بل كنت تخطط لكل شئ, بكل براعة. و حين رأيت اننى فقدت الذاكرة, تصورتها ميلاداً جديداً لىّ, و اخذت تغرينى كما فعلت اول مرة. لا تنكر."
ـ كلا.... إن.....
صرخت في وجهه فجفل:
ـ كلا! ايها الفأر الكذاب! إنك مهوس بالرغبة في استرداد املاكك, فإذا عز عليك ذلك, فلا بأس من ان تأخذنى معها, لقد حشوت رأسي بالأكاذيب عن والدتك, كما فعلت مع والدتى.... كيف تتجرأ و تلطخ ذكراها هكذا؟ حسناً يا ايثان تريمين. لقد كذبت علىّ, و لا يمكننى ان احبك بعد الآن.
و قال بهدوء:
ـ روكسي.... إنك تنتمين إلى....
هبت في وجهه:
ـ كلا, لقد استغللتنى, و هذا هو الفرق. إذا كنت قد حصلت على انتقامك, و اثرت في نفسي الرغبة فيك, فإننى اعترف لك بالنجاح و لكن ذلك لن يتكرر مرة اخرى.
رفعت رأسها في كبرياء:
ـ سوف اطهر كل بقعة لمستها في جسمى, و سيكون ذلك آخر العهد بيننا. بدا مأخوذا كما لو كانت قد صفعته على وجهه, و قال بصوت اجش و عيناه تلمعان كالزمرد:
ـ لا ليس صحيحاً. إن لحظات كهذه, مليئة بالنشوة و العواطف الجياشة, نادرة جداً, و لن تمحى من الذاكرة. و حين تهدئين, سأعود و اشرح لك الأمر.
و ردت بحسم:
ـ لا تتجشم المشقة.
ـ لن ينسانى جسدكـ و لن يسانى قلبك.
لن اتذكر منك إلا اننى كنت اوشك ان اصير زوجة لك, و لا تعود إليك كارنوك و الآن, سوف احتفظ بها, و سوف ابيع محلاتى لاجل ذلك, فلا تحاول إخافتى بتلك المكالمات او تلك الأفعال البلهاء مرة اخرى.
قال مزمجراً:
ـ لم يكن ذلك انا. لقد كانت انابيل.
قالت باكية في صوت خفيض:
ـ إيها الكاذب! لقد شاهدت رجلاً في الخارج. فكيف تلقى اللوم على اختك؟
قال و هو يكز على اسنانه:
ـ لقد اغلقت فمى فترة طويلة, و الآن سوف تسمعينى. لقد كانت دائماً تريد منزل تريمين لنفسها. كانت تنظفه و تهتم به كل يوم. وحين علمت بالمكالمات ادركت انها ورائها. لقد اقنعت صديقها بان يثير كل ذلك ضدك.
سألت ببرود:
ـ و لماذا تريد منى ان اترك المنزل؟
ـ حتى اشغله انا, و اترك لها المنزل الآخر مع صديقها الذى كان يتوقع ان ترث هى الضيعة كلها. و لهذا السبب اظهرت الوصية المختومة حين عثرت عليها. ولو كانت تعلم انها محرومة من الميراث, لما فعلت. لقد تشاجرت معها يوم ان احضرتك مرعوبة إلى المنزل. قالت ان صديقها لن يتزوجها إلا إذا كانت ثرية. فهو يريد ان يفتتح عيادة نفسية, و ان يرى نفسه مالك ارض محترماً.
امسك بيدها, فسحبتها بعنف. فقال:
ـ اتكرهيننى؟
قالت بصوت مفعم باليأس:
ـ أكثر مما تتصور.
ـ و هل ستبقين في كارنوك؟
كان صوته منخفضاً حتى كادت لا تسمعه, و ردت:
ـ نعم, سوف تغادر انت
قال:
ـ لن ايأس.
فقالت بلا انفعال:
ـ عند اول بادرة منك ساستدعى الشرطة.
فقال مغمغماً:
ـ لم اكن اتكلم عن الضيعة.
استدار على عقبيه و انصرف.ظلت ساكنة مأخوذة تماما بهذا الاصرار الذى رأته على وجهه.
يا إلهى. كيف حدث غرقت في حياته المليئة بالمتناقضات. إن آل تريمين كلهم شر. إنه امر في غاية من الغرابة أن تبقى امها مع واحدة منهم كل هذه الفترةةة. ربما لو اكتشفت هى عنهم شيئاً آخر لأعطاها هذا قوة لمواجهته لو عاد مرة اخرى.
و قامت متثاقلة. لقد اصبحت وحيدة في الحياة, و يجب عليها ان تستجمع قواها. و اهم شئ الآن, هو انا تعين مديراً للضيعة, يمكنه ان يلقى بـ تريمين خارجها لو تجرأ و وطئها بقدمه.
اعدت لنفسها قدح قهوة و جلست على العشب تحتسيه.
و مرق امامها جناحاً ملونان باللونين الابيض و الأسود لغراب العقعق كانت تطارده حمامة مطوقة تدافع عن عشها.
بعد ذلك, خرج من العشب منطلقاً شئ صغير بنى اللون في اعقابه ستة طيور من غراب الزيتون. و رأت الطيور تهاجم ذلك الفاقم, و تخزه بمناقيرها. و فهمت مما شاهدته كم هو رد فعل غريزى الدفاع عن المسكن.
و نفس الشئ بالنسبة للتزاوج. و كم كانت روحها تحن لـ إيثان كلما وقعت عيناها على مخلوقات طبيعية في تألفهما الزوجى.
تنهدت. افرغت بقية قدحها في جوفها, ثم هبت واقفة. نافضة عن ذهنها تلك الأفكار. فامامها من المهام ما لا يجعل لها وقتاً لمثل تلك التأملات العاطفية. و حين آن أوان ازهار الرودودندرون
و بدأت افراخ الغراب تتعلم الطيران, كانت قد عينت مديراً للضيعةاسكنته احد المساكن الملحقة بها. و كانت ترهق نفسها بقراءة كل ما يتعلق باعمال الزراعة. يوما بعد يوم, اصبحت مشغولة إلى درجة انستها ايثان. فالمنزل تتردد في جنباته اصوات المرممين و القائمين بالديكور و مستبدلى الاثاث. كما كان العمل يجرى على قدم و ساق خارج المنزل, خبراء زراعة ليعيدوا الشباب إلى الأشجار, و مصمم الحدائق يتجادل مع اليستانى.
واندمجت رويدا رويدا في حياة القرية. المدرسة تقيم حفلها السنوى.
مساهمة من محلات ززست التى يديرها جو من المركز الرئيسى في لندن. و كانت الحياة تسير سهلة غير متعجلة. و الناس بها مرحبون.
عدا الليالى, فقد كانت فارغة, تقاسي خلالها الحنين لـ ايثان.
لذا دفعت نفسها اكثر في خضم الحياة الاجتماعية. حفلات سمر, اعياد دينية, مؤسسة المرأة, خدمات المكتبة. اى شئ ينهك قواها, فتستطيع ان تروح في نوم عميق دون معاناة الشوق إليه.
و كانت إحدى الحفلات ستقام في منزل كارنوك.... حيث تضم صالته المدعوين بكل يسر. و تعهدت شركة اغذية بتقديم وجبات من كتاب قديم عثرت عليه في المنزل و كان على المدعوين الحضور بملابس تاريخية.

أختارت هى ثوب ابيض من قماش الموسلين الأبيض, عارى الرقبة يلتف حول جسدها في اناقة, و لفت شعرها بشريك من نفس القماشو كانت مناسبة عظيمة, احست فيها لأول مرة بالاحتياج إلى رفيق يشاركها فيها, و يحيى معها ضيوفها و اخفت روكسي هذا الشوق وراء قناع هش. و لمعت عيناها بالإثارة المصنعة بتأثير الشراب.
اصابتها الاحاديث بالصدراعو هى تحاول ان تستمع إليها بأدب. ثم انتبهت لصمت ثقيل وراءها.
و التفت ببطء, و قد جعل التحذير المسبق يداها تنضحان عرقاً.
كان ايثان واقفاً على مقربة و انابيل متعلقة به مذعورة.
أخذت تلتهمه بعينيها لحظات. كان يرفع رأسه في اعتزاز, ملامحه وسيمة كعادتها, و عيناه تحدقان في تحد. و كانت ربطة عنقه خضراء اللون متناسقة مع لون عينيه الذى لا يضاهى, و جاكتته بلون نباتات الغابة الخضراء. محكمة حول خصره.
التمعت عيناها. أخذت تخطو تجاهه, و ادركت ان كل الموجودين في ترقب, يترقبون كيف ستلقى بذلك المقتحم خارجاً.
و التفتت إلى جانبه, فوجدت انابيل تهتز بعنف و عادت ببصرها إلى عينيه, و اتجهت إليه في ثبات و قالت ببرود:
ـ مساء الخير.
كست وجهه ابتسامة ساخرة:
ـ انك تعرفين انابيل بلا شك.
مدت لها يدا غير مرحبة:
ـ كيف حالك؟سحبت انابيل يدها من ذراع ايثان على مضض. و اودعتها في يد روكسي و نظرت روكسي إلى اليد المخضبة اظافرها باللون القرمزى, و اتسعت عيناها حين تعرفت عليها, و عادت انابيل تتعلق بذراع ايثان و فاح في الجو عبير المسك. لم يكن هناك ادنى شك. لقد كانت انابيل بجوارها و هى راقدة نصف واعية تحت الشجرة الحمراء, تجمدت و على وجهها ابتسامة غير مقنعة و قالت:
ـ يمكنك ان تبقى مدة قصيرة إن شئت, فلا اريد ان افعل ضجة من اجل اختك, و لكنى اختار ضيوف حفلتى... و لا أحب ان ينهل من شرابى رجل احتقره.
و اديرت الموسيقى, و بدأ الرقص مع الضحك يثيران ضجة عالية و سددت لـ ايثان نظرة تهديد, اخذت ذراع شاب من المدعوين و بدأت ترقص و تتابع عليها رفقاء الرقص كلهم, مسرورين بمرحها المتواقد, كل واحد يمسك بها كما لو كانت حجراً كريماً, او قطعة من خزف هش و هى طوال الوقت تطوق ان يمسك بها بذراعين من فولاذ, و ان يأخذها بقوة لتتابع حركته, و ان يحاول إخضاعها.
و بينما هى تمسح المكان بوجهها الضاحك, لاحظت ان ايثان قد بدل من الرفيقات بقدر ما فعلت هى, و لم يبد على اى منهن امتعاض بسبب سمعته. بل على العكس, كن متشوقات إليه, و استشاطت حنقاً و هى تراه يراقصهن بكل حرارة و حماس.
الوغد! سوف تريه انها لا تهتم. فاطلقت ضحكاتها عالية و هى تراقص شبابا تود لو تلقى بهم جميعاً في الخارج. و تحولت الموسيقى إلى لحن حالم, و خُفضت الأضواء, ورأت روكسي ايثان قد اختص إحدى الموجودات بالرقصة الحالمة, اكلت الغيرة قلبها.
انتهت الموسيقى, و بدأت توزع الشكر على ضيوفها, متعجلة ان تسارع إلى الخارج, متعطشة لنسمة هواء باردة تلطف بها حرارة الدم في عروقها.
و لكن ايثان كان اسرع منها فقبل ان تدرك ما يحدث حولها, كان قد احتواها بين ذراعيه. و صاحت فيه محذرة:
ـ ارفع يديك عنى.
قال:
ـ اننى اريدك.
كانت عيناه قاسيتين و كان ذلك إيذانا بمعركة للسيادة بينهما, و سألته بابتسامة باردة:
ـ أنا ام الضيعة؟ ما الذى تختار يا إيثان, لو خيرت بين الاثنين؟
قال :
ـ انت.
و جاوبته ببرود:
ـ إنك كاذب
و قال بصوت غليظ رقيق:
ـ ايتها الغبية, لماذا نعذب انفسنا هكذا؟
و لفحت انفاسه وجهها

الحب العاصفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن