الفصل الخامس

1.9K 26 1
                                    

ارتمت روكسي على مقعدها مجهدة و قد توتر منها كل عصب, و آنت كل عظمة من عظامها, و اخذ المحامى يشرح لها الإجراءات التى لم تستمتع إلى شئ منها تقريباً.
كان إيثان جالساً في سكون و قد تمالك نفسه. حتى ان تنفسه قد صار اكثر اكثر انتظاماً من تنفسها. إنه رجل ذو إرادة فولاذية.
و قال المحامى: 
ـ من الأفضل أن تنتهى هذه العداوة, فهى ليست محبذة بين الجيران.
وافقه إيثان قائلاً بنعومة:
ـ كلا لا يليق بهم ذلك.
ادركت روكسي من الفظاظة التى تختفى وراء كلماته انه لن يرضخ للامر.
و استطرد:
ـ إنك تعلم مدى مشاعرى بالنسبة للمكان, فحاول يا جون ان تنقلها إليها.
و سأله المحامى حين رأه يخطو خارج الغرفة:
ـ إلى اين يا إيثان, إن هناك نقاط قانونية لابد من تصفيتها
فرد مغتماً:
ـ ذاهب لارى انابيل.
التفتت روكسي إلى المحامى مشتتة الذهن و سألته:
ـ ماذا افعل الآن؟
فاجابها:
ـ لا استطيع ان انصحك فـ إيثان عميلى. تكلمى مع محاميك أو احد اصدقائك. أما انا فسأتولى إنهاء الإجراءات, أليس كذلك؟
فهزت رأسها محاولة ان تتفهم الموقف بكل ابعاده, لكن عقلها لم يكن قادر بعد على استيعاب حقيقة امتلاكها لضيعة مترامية الأطراف.
أخذت تطلع إلى الخرائط و رأسها يدور. فليس من طبع الثراء ان يهبط على رؤوس البشر هكذا دون عناء او كلل. و من ثم كان الموقف ابعد ما يكون عن التصديق.
سلمها المحامى رزمة من المستندات, و بطاقته و انصرف. 
قررت روكسي ان جو ففعلت, وساءها ان ينفجر ضاحكاً, و نهرته قائلة:
ـ جو, ليس في الأمر ما يضحك. 
فرد وىهو يغالب الضحك:
ـ بل هو كذلك. و الآن عودى إلى رشدك و كفى عن تغفيلى هكذا...
فصرخت فيه:
ـ أنا لا افعل. إننى جادة في كل كلمة قولتها. و ليس لدى فكرة متى سأعود. فلدى الكثير من الأعمال هنا.
ـ ماذا؟ في الريف؟ شراء حذاء برقبة طويلة مثلاً؟ 
و عاد ينخرط في نوبة ضحك اخرى. تملكها الغيظ. فكل انسان يتصور إنها لا تصلح لأى شئ إلا ارتياد المطاعم الفاخرة, و الجلوس خلف مكتب.... اعطت جو بعض التعليمات و انهت المكالمة.
اتجهت إلى النافذة و اطلت منها بعينين زائغتين إلى الممشى المكسو بالنجيل يحفها من الجانبين الشجيرات و الأسوار العشبية المنسقة بكل عناية. لابد و ان إيثان بذل جهداً لا يُنكر في اثناء إقامته في المكان. و كانت الأشجار الكزهرة يتساقط منها بعض من اوراق ازهارهاعلى بساط الأزهار المختلفة بديعة الألوان الممتد على جانبى مدخل المنزل.
وجذب المنظر الابتسامة إلى شفتيها, إلى ان دخل إيثان فاعادها إلى الأرض مرة اخرى حين نظر عابساً إلى محياها المبتسم, ثم انسحب وراء قناعه البارد. كان ممسكاً بكأس من الشراب يهزه في يده, حين رأها تنظر إلى الكأس اشار به و قال في سخرية:
ـ ارجو ألا يكون لديك مانع, فالشراب ملكى و لكن الكأس ملكك.
فردت بهدوء:
ـ ليس الموقف سهلاً على أنا الآخرى.
ـ و سيزداد سواءاً. لقد ذهبت انابيل إلى الفراش مع قنينة من الحبوب المنومة. و سنغادر المكان فور ان تصحو من النوم. و الآن, هل تريدين الغداء؟
فهزت رأسها. فقال: 
ـ فلاصحبك إذن إلى جولة في الطبيعة.
ورمشت روكس سائلة:
ـ ماذا....؟ لماذا...؟
فرد ببرود:
ـ اريد ان اقنعك بعدم جدوى تملك ضيعة آل تريمين. هيا ارتدى شيئاً مناسب, سأنتظرك في الخارج.
لم يكن لديها سوى سترة علوية من قماش وبرى ذى لون احمر قان يخطف البصر, و بنطلون جينز, بدلت فيهما ملابسة سرعة, ثم ارتدت حذاء خفيف و لحقت يـ إيثانفوجدته يتطلع إلى شجرة ضخمة كبيرة الحجم و اخذت فترة تراقبه دون ان يراها.
و بدا لها و كأنه وقف ليطوف في جنبات الرفيف. كان واقفاً في ملابسه العادية العملية, ساكنا سكون الغابابت, شامخاً كالشجرة التى تعلوه. و ضايقها ان تحس احساساً سخيفاً انها على خطأ في مشاعرها.
إنها تشعر بانها بالتأكيد غريبة على ارضها, متطفلة عليها, ولكن سوف يتغير بمرور الوقت, و مع ذلك فقد كان يساورها الاحساس بان إيثان على حق. ثم تذكرت أنها لا تنوى الاحتفاظ بالضيعة, فهى عازمة على البيع.
و تجرأت بالقول :
ـ ـ انها شجرة بديعة.
إذا كانا يزعمان التجوال فترة طويلة, فلا بأس ان يتصرفا كمتحضرين. 
ورد باقتضاب :
ـ انها تحتضر .
فصعدت بصرها:
ـ أوهـ, ان اوراقها وافرة.
فرماها بنظرة حزينة:
ـ انها لن تعمر في تقديرى اكثر من عشر سنوات. 
فصاحت دهشة:
ـ يا له من عمر!بالنسبة لعمر الاشجار, إنه ليس عمراً على الاطلاق إن بها اجزاء قد ماتت و يجب التخلص منها فورا. و انظرى إلى تلك الشجرة – اشار باصبعه إلى شجرة صنوبر قد ظهرت الشقوق العميقة على لحائها- إنها في حاجة إلى نفس العملية.
و سألته و هى تسرع الخطا لتلاحقه:
ـ و لماذا لم تفعل ذلك؟
قال عابساً:
ـ لقد ذكرت لك, ان المنزل كان في حالة فوضى عارمة, و ما كان يحيط به كان احراشاً. فلا تلومينى على ما لا اتمكن بعد من فعله, فقد كان علىّ أن ارتب اولوياتى. كم ان انابيل قد اخذت جزءاً من وقتى ايضاً.
ـ اسفة, و لكن لماذا لم تنفق مسز تريمين على العناية بالمكان, و قد كانت موسرة. لا اعتقد أن والدتى عاقتها عن ذلك.
فرد عابساً و هو يتلمس شجرة لبلاب قد التفت جول جذع شجرة:
ـ إن امى كما تتذكرين قد تحولت إلى انسانة معتزلة العالم, و لم تسمح لاحد ان يطأ كارنوك عدا من يجلبون لها متطلباتها.
اخرج من جيبه مدية حادة:
ـ يجب ان تقطعى كل شجرة لبلاب من فوق كل شجرة, و تجتثيها من جذورها, كل اثر لها يجب ان يُجتث.
اتسعت عينا روكسي:
ـ إنك تتعمد ذلك! تتعمد ان تجعلنى اعتقد ان هناك اعمالاً اكثر بكثير من الواقع! للا يتأتى لاحد ان يجتث كل افرع اللبلاب من كل شجرة...فقاطعها قائلاً:
ـ بل يجب عمل ذلك, فإذا لم تصدقينى, فاسألى غيرى 
ثم صاح ممتقعاً :
ـ روكسي , إنك لا تتعاملين مع امر يتطلب قرارات سريعة, إن الاشجار محتاجة إلى التنفس. ربما تبدو لك اشجار اللبلاب لطيفة المنظر, و ربما تبدو لك الاشجار الاخرى جيدة, الصحة و لكن على مدى عشرة سنوات, او عشرين سنة, لن تكون كذلك. أنها عملية محتاجة إلى صبر و اناة, فانت تعملين شيئاً لاجيال قادمة .
صمتت و هى تجيل عيناها في حجم العمل الخرافى المطلوب إنجازه. فقد بدت اشجار اللبلاب وكأنها تصارع الحياة مع كل شجرة ليس امامها إلا البيع. فبجوار مدبرة المنزل, و مدير اعمالها, ستحتاج إلى من يعتنى بالاشجار و النباتات, و هى غير متأكدة ان مواردها ستكفى كل هذا الوقت لو قررت تصفية اعمالها الأخرى. و لم تكن تريد هذا من جهة او اخرى بالتأكيد.
و انطلقا و شمس الربيع تسطع على وجهيهما. و توقفت بنشوى امام صف من ازهار البنفسج لم يخطى انفها رائحتها, و لم يخطئ بصرها الواتها الرائعة بقلبها الازرق المحاط بأوراق بيضاء. و سرعان ما حكت انفها لرائحة نفاذة, و سألت:
ـ هل هذا ثوم؟ فرد باقتضاب:
ـ ثوم برى, تعالى لتشاهدى البستان.
و بدا لها اكثر غضبا و توترا, و شق لنفسه شُعباً ينفذ منه, و تبعته و قد نالت منها اششواك اعشاب العليق, حتى صرخت و هى تنظر إلى الندوب التى بدت في يدها. فعلق قائلاً:
ـ يتطلب تطهير الارض من الاعشاب الشائكة جهدا كبيراً.
قالت و هى تحملق حولها:من المحتم ان يتم ذلك.
إن العمل المطلوب يتصاعد امام عينيها, و هو من ناحيتها لا لالو جهداً في ان يجعل من هذا واضحاً لها. تطلعت امامها, و نسيت ما بينهما من عداوة, و صاحة مهللة:
ـ أوهـ’ يا ايثان يا للمنظر الرائع!
كان امامهما صفوف و صفف من اشجار كثيرة العقد, تتمايل افرعها و قد تثاقلت بالازهار و البراعم, و انطلقت على النجيل الطويل تجرى بينهما, و تدور حول نفسها في نشوة, إنها تملك يستانا بما فيه من اشجار التفاح و الكمثرى و...عادت راكضة نحو ايثان و قد تملكها الحماس و توسلت إليه:
ـ خبرنى عن هذه الأنواع.
و شعت عيناه بالالم و هو يتراجع عنها, و ثار قائلاً:
ـ إنها مدمرة, 
ثم اعطاها ظهره, استدارة إليه ثم وقفت امامه متحدية و صرخت فيه:
ـ اعلم ما تريد انت تصل إليه, انت تخدعنى...
قاطعها:
ـ إننى اقول الحق, إن الطبيعة كلها في اسوأ حال, فمتى سيدخل ذلك في عقلك المغلق؟ اتظنين أننى اسعد بأن اراها تسير إلى الدمار؟ أن قلبى ينفطر حزنا كلما سرت فيها.
ردت عليه في اصرار:
ـ بل ان الأمر لا يتطلب سوى إدارة جيدة. و كما امكنى ان ادير اعمالى, فلن اعجز عن ان ادير الطبيعة
صاح بها مختنقاً:رحماك يا ربى! يجب ان تعلمى ما يجب عمله اولاً , فالمدير الجاهل لن يأتى بخير, مهما كانت طبيعة العمل, و يجب ان تدركى ذلك, فهنا يجب ان تفكرى فيما امامك, و في المدى البعيد في نفس الوقت تفكرين في تبديل المزروعات على مدى ثلاث سنوات, او خمس سنوات و ايضاً على مدى خمسين عام و مائة. إن عليكى ان تفكرى بما يتجاوز فترة وجودك, فهل خطر ذلك ببالك؟
قالت و هى تهز رأسها بعناد, شاعرة في داخلها بالتعاسة:
ـ سوف اتعلم.
رماها بنظرة اشمئزاز و قال:
ـ من المستحسن.
و استأنف السير, صعد على كومة اشرف منها على منظر للتلال الممتدة إلى الغابة, و فواصل سوداء تفصل بين الحقول المتباينة الألوان, من الأحمر القاتم إلى الأخضر في افتح درجاته, و وضعت روكسي يدها على جذع شجرة صنوبر اسكتلندية باسقة, مبهورة بالوانها التى تلاحظها لأول مرة. و شعرت بالسلا يملأ جوانحها, و ربتت على لحاء الشجرة و هى تفكر كم ستكون الإقامة في ذلك المكان مدعاة للراحة, و شدا طائر من فصيلة العنادل, ابتسمت له و قالت برقة:
ـ اريدك ان تعلمنى
تنهد ثم قال:
ـ إن امامك الكثير من الأساسيات يجب ان تعرفيها, و نمط للتفكير و للحياة خاطئ يجب ان تغييره.إنه عالم مختلف جداً الاختلاف عن مجتمعك الذى يعيش اليوم بيومه. الآن لا تحاولى ان تديرى المزرعة من بعد, فذلك كفيل بتدميرها و كارنوك تستحق منك اعتباراً اكثر. إننى انصحك ان تبيعها عن ان تسلميها لمن يديرها دون رقابة
تململت بضيق فقد كان على حق و سألته:
ـ هل قررت الا تطعن في الوصية؟
ـ لا, و لكن هذا سيستغرق وقتاً طويلاً, و يمكننى الانتظار, و لكن لا اريد ان اتسلمها خراب.
دارت عيناها في الحقول الممتدة إلى الأفق, و كسا الجد وجهها و هى تفكر في معنى الأجيال. لو غرست الآن شجرة, فسوف يأتى أناس لم يولدوا بعد ليسيروا تحتها يوما ما, يستظلون بها, أو يسترخون في رحلاتهم الخلويةاو يتطارحون الغرام او حتى مجرد ان يتأملوها. و قالت ببطء:
ـ يا له من معنى سامى مثير للاغراء.
اغمضت عيناها و لمع ضوء الشمس على وجهها المرفوع إلى اعلى و داعبت انفها روائح شذية, بينما الأزهار تصدر حفيفاً هامساً في تمايلها مع النسيم,
و شعرت فجأة بأنها تنصت حقيقة-و لأول مرة في حياتها- إلى حفيف النباتات, و كان صوت جرار يأتى من بعيد مختلطاً بطنين النحل. ثم مرق طائر بالقرب , مخرجاً كل ما يحمله في قلبه في اغنية عذبة.
و شعرت ببدنها كله يسترخى, فزفرت قائلة:
ـ إنك على حق. حتى فتاة المدينة مثلى يمكنها ان تقدر قيمة الحياة هنا و ادارت رأسها لـ إيثان فوجدته يراقبها عن قرب, و كانت عيناه تفيضان برغبة جامحة اهتزت لها مشاعرها. لا عجب في ان يكون راغباً في كارنوك بكل هذه القوة. و مدت يدها إليه في تعاطف. 
جفل بعيداً عنها مغمغماً.
ـ لا تلمسينى
فهمست له:
ـ إنما اردت ان اقول إننى مقدرة لمشاعرك
فرد بوحشية:
ـ احقاً؟ إذن فافهمى هذا.....
أطبق على كتفيها بقبضة فولاذية و ضمها إليه, و سحقت شفتاه شفتيها, ثم ارسلها و هى تشهق, و سألته في تعاسة:
ـ لماذا تفعل ذلك؟! اتريد ان تُظهر لىّ مدى سطوتك علىّ؟ إننى اعلم انك اقوى منىجسدباً, و لا داعى لأن تثبت هذا مرة بعد اخرى 
ورد عليها متناغماً:
ـ ولم لا؟ لماذا لا احاربك بكل ما يتاح تحت يدى من اسلحة لقد سبق أن قلت لك إننى لا اعرف الشفقة.
قالت في هدوء:
ـ فهمت. اكتساح كل الحواجز.
فلمعت عيناه و ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة, و قال متمتما:
ـ مهما كان.
استغرقت الجولة ثلاث ساعات, شعرت روكسي بعدها بالاجهاد و الجوع حين عادا إلى المنزل. كما كان رأسها يدور من كم المعلومات التى سردها عليها في اعتداد بالنفس ثارت له ثائرته. و كانت احدى المشاكل ان ايثان سوف يسحب كل الماشية, و عليها ان تجد غيرها لتأكل العشب و إلا تحول المكان إلى احراش مرة اخرى.صنعت لنفسها شطيرة و هى منخفضت المعنويات. اما ايثان فقد اخذ طعاما و صعد به إلى اخته ليأكلا معاً. و شعرت روكسي بالوحدة و الضياع. ماذا تراها فاعلة؟
إن جو لم يكن عوناً لها, و كذا اصدقاؤها سيفكرون مثله. إنه جنون مطبق مجرد من أن تكون في الريف, ناهيك عن الإقامة فيه.
عليها ان تبيع بلا شك. إن لديها اعمالاً تديرها, تلك التى اعطتها حبها و كل مشاعرها, و ها هى ذى في سبيلها إلى الانطلاق و اخذت تذرع الشرفة, تراقب بلا وعى طائراً اسود كبير الحجم يحمل حزمة من الأفرع الصغيرة في منقارة, حط بها على شجرة, ثم اختفى داخلها.
إن عليها ان تذهب إلى المكتبة لتعلم انواع تلك الطيور.
وجدت نفسها في حاجة إلى قلم و اوراق لترتب خططها. و لما كانت نافرة من ان تطلب شيئاً من ايثان فقد قررت ان تبحث بنفسها عن شئ مناسب.
اخذت اصابعها تتحسس الدرابزين المصنوع من خسب البلوط, الذى يحاكى الزجاج في لمعانه.
ليست والدتها وحدها بل اجيال من النساء قمن بتلميعه. اخذت تنظر إلى كل تفاصيل المكان بعينين ملييئتين بالانفعال: الستائر المهلهلة و درف اللنوافذ التى دب البلى في خشبها, و التماثيل و الدمى الغيرة المعدة للتجميل و تزين المكان, و قد كُدست فوق بعضها. جهاز التليفون كان هو الشئ الوحيد الحديث في غرفة النوم الريئسية. و اخذت تتحسس كالحالمة اغطية السرير ذى القوائم الاربعة, ثم وضعت خدها على الستارة المخملية
ـ ما الذى تفعلينه هنا؟!
قفزت و رفعت عيناها المذعورتين نحو ايثان:
ـ لقد كنت ابحث عن قلم و بعض الأوراق.
ـ هنا؟ في غرفة امى؟ ام انك كنت تتجولين في المكان تقدرين حجم غنيمتك؟
هزت رأسها منكرة:
ـ لا تكن غاضباً منى, هذا ليس عدلاً.
و زمجر قائلاً:
ـ ليس عدلا؟ انت, يا من لا تنتمين لـ آل تريمين بصلة, تستحوزين على المكان بوسائل شريرة خسيسة, ثم تدعين ان غضبي ليس عدلاً؟
قالت ممتعضة و هى متجهة إلى الباب:
ـ لا جدوى من الحديث معك.
و مد يده ممسكاً إياها. و وقفت منتظرة في صبر ان يمل إزعاجها, متذكرة عدم 
جدوى مقاومته. سألها محتداً:
ـ هل ستجعلين من هذه الغرفة غرفة نومك؟ 
فردت متحدية:
ـ و ماذا لو فعلت؟ إن المنزل ملكى, افعل فيه ما اشاء
فسبها قائلاً:
ـ ايتها الفاجرة,لا اتصورك هنا ابداً.
و رفعت حاجبيها ساخرة:
ـ اهذا نتيجة لمشاعرك, ام ترانى يجب ان اقبع في مكان الخدم؟
و سري الرعب في جسدها لطريقة نظراته إليها.
ـ يبدو ان لك اخلاقاً مبتذلة, لا تتورعين عن بيع جسدك لقاء ما تريدين الحصول عليه من معلومات.
وزأر في وجهها مشدداً من قبضته:
ـ ان نساء مثلك لا ينتمين لهذا المكان.
وردت عليه بنظرة باردة كالثلج:
ـ لم اكن لاسمح لك ان تنال من جسدي, بل اننى اتقزز للمستك في الواقع.
و كانت هذه كذبة, فضغطة ابهامه على ذراعها البض كانت تشق طريقها إلى اعماقها. و إذا لم تتحرر من قبضته على الفور, او تهينه حتى يتركها متقززاً, فلن تستطيع ان تحافط على انتظام انفاسها, و سيعرف على الفور, كم هى متمتعة بلمساته و سألته بلهجة من ضاقت به ذرعاً:كم من الوقت تنوى ان نظل واقفين هكذا؟ عن هذا لا يخدم اى غرض. انك تتصرف بطريقة غاية في الإملال.
اسودت عيناه حتى رأت الغضب فيهما متجسداً. لقد اساءت تقدير ما هى فيه من خطر. و اخذ ابهامه يدير لحم ذراعها حتى بدا ان جسدها كله قد تركز على تلك البقعة و قال برقة:
ـ اننى اريدك
ردت عليه:
ـ بل تريد كارنوك و ليس انا.
ـ اريد كليكما 
استطاعت بصورة ما ان تضحك, و امألت رأسها في تحد متعال تبين له انها ليست خائفة منه, ثم قالت في هدوء, مبتسمة:
ـ يا للخسارة, أنك لن تنال ايهما.
جاوبها في هدوء:
ـ بل سأفعل, لانك سرعان ما ستريديننى انت ايضاً. و لن اترك يوما يمر بك الا و انت تفكرين فىّ و ترغبيننى.
غامداً نصلاً من السرور في قلبها للهجته الفياضة بالمشاعر. إنه في منتهى الصلف و الثقة منها. لقد استمر في السخرية إلى ان اجبرها على الاعتراف بجاذبيته.
و قالت له هازئة:ـ اننى محصنة ضدك... و خصوصاً بعد ان اهنت اسم والدتى و بعد ان بينت انك لا تبغى الا لذة الجسد فقط .
وشدد من ضغطته على ذراعها و قال من بين اسنانه:
ـ إنك امرأة قوية و لكننى اقوى منك
ـ لو تورم ذراعى فسوف اشكوك إلى القضاء بتهمة العدوان.
فقال لها ثائراً:
ـ اعطينى سببا واحداً يمنعنى من ان ادق عنقك
ـ لأن الضيعة ستؤول حينئذ إلى الدولة.
و خفف من قبضته قائلاً:
ـ لقد كسبت الآن.
قالت و هى تتفحص اثار قبضته:
ـ الصحيح ان تقول اننى كسبت و إلى النهاية.
عد إلى منزلك الجميل ايثان و دعك من احلام العودة إلى هنا.
ابتسم بمرارة:
ـ هذا لن يكون.
راقبته ينصرف, ثم تنهدت بارتياح, مختلطة المشاعر. إنها تتفهم حبه للمنزل, و اصراره على الا يفقده. لكن تعاطفها هذا يشوبه اسلوبه ف محاولته للوصول إلى هدفه.
لكن.... ليس لها ان تنكر انها وجدته مثيراً للاعجاب. انتعتها قبلاته, اثارت فيها مشاعر لم يثيرها رجل من قبل, تدفعها لمحاولة التعرف عليه اكثر, و محاولة تحويل الرغبة الجسدية إلى شئ اكثر رقياً.
و لكن طالما حاول اغراءها و السيطرة عليها, و كان هذا مستحيلاً, وجب عليها ان تظل متباعدة عنه.
و بعد مدة, قرت ان تكف عن التفكير في ايثان. و ان تنصرف إلى استكشاف المنزل. و رأت انه لا بأس به عموماً, إلا من بعض اثار الرطوبة. و حين وجدت ما تكتب به
أخذت تسجل افكارها كما رأت في جولتها, تمهيداً لأن تطلبها من سمسار العقارات بعد ذلك.
توقفت عند النافذة, فوجدت الطائر الاسود لا يزال مشغولاً بدس الاغصان في الشجرة. ربما تذهب إلى المكتبة عصر ذلك اليوم, فليس لديها ما يشغلها. كما انها لا تملك لفرط إجهادها هذا الصباح إلا ان تجلس طلباً للراحة. و كان ايثان في الصالة يشترى سمكاً من احد البائعين, حين رأها تبحث في دليل الهاتف فسألها:
ـ ماذا تريدين؟
فردت ببرود:
ـ تاكسي.
ـ إلى ان؟ إلى المحطة؟
ـ لا تتمادى في احلامك. انا ذاهبة إلى بلايوت.
ـ سوف يكلف هذا ثروة, سوف آخذك إلى هناك. انتظرى حتى اضع السمك في الثلاجة.
ـ بل اريد ان اذهب بمفردى.
ومضت تقلب في الصفحات.
ـ هل تزعمين شراء بعض الأشياء؟ اخشي الا يتبقى شئ من ثروة امى حين تؤول إلىّ, طالما دابت على هذا الاسراف.
ـ فكرة جيدة. في الواقع كنت ازعم التواجه إلى المكتبة, لكن لا باس ايضاً في بعض المشتريات.
و قال ساخراً:
ـ مكتبة؟ أنت؟طالما سأظل هنا إلى الأبد. يجب ان اعرف اشياء عن الطيور التى تعيش في حديقتى و تعشش على اشجارى.
ـ لا تسرفى في التفاؤل.
و ابتسمت زهرة منسية ابتسامة واهنة و اخذت تدير القرص, و لكنه هوى بيدها على الهاتف قاطعاً الخط.
ـ لدى الكثير من الكتب عن الطيور, يمكننى ان اعيرك اياها.
ـ ليس في المنزل كتب ولا مكتبة.
قال عابساً:
ـ بعض الكتب اُرسلت لاعادة التجليد, و بعضها اخذتها إلى منزلى لتحفظ بطريقة افضل, و البعض في غرفة نومى, الم تريها؟
عندما هزت رأسها نافية قال:
ـ سوف احضرها خلال دقائق.
اتجه إلى المطبخ و سمعت باب الثلاجة يُفتح, ثم يُغلق. اتجهت إلى النافذة, في الوقت المناسب تماماً لكى ترى احد الطيور يسير متباهياً, ثم سمعت صوت طائر فوق رأسها فقال إيثان و هو قادم من خلفها:
ـ اسمعتِ تلك الصيحة؟
ـ إنه النورس, احد طيور البحر, اين هو؟ 
فقال هازئاً:
بل هو الصقر الحوام. انه له صيحة احد و اقصر, اشبه بمواء القط, انظرى ها هو.
حملقت في اعجاب شديد. و كان هناك ثلاثة منه في الواقع, تنساب في الهواء دون ان تصفق باجنحتها . و ملئت مفسها بالإجلال لهذهالمقدرة لطائر بهذا الحجم ان يظل في الهواء بهذا الشكل, و استدارت لتقول شيئاً لـ إيثان فوجدته قد انصرف, فشعرت بخيبة امل, إذ لم يكن بجوارها ليشاركها سرورها. و لكنها عزت نفسها قائلة: ربما كان ذلك افضل. و عاد ليدس بين يديها كتابا عن الطيور و انصرفت هى إلى الششرفة لتستغرق في جمع الملاحظات لم تكون واثقة انها ستعيها كلها في ذاكرتها.
كان الطائر الاسود يسمى غراب الزيتون, و دققت فيه النظر فرأت ان له راساً رماديا و استغرقت في قراءة طباعه.
ـ يدهشنى هذا منك, لقد ظللت ساعات بلا ملل او كلل.
و رفعت رأسها و عيناها تشعان لما اكتشافته, و لكنه اشاح ببصره عنها, وكان واضحاً عدم اهتمامه باكتشافاتها الجديدة. فكلها ليست جديدة عليه بالقطعو تضاءل حماسها.
و قال باقتضاب:
ـ لقد تناولت مع انابيل عشاءاً مبكراً. و سوف نغادر المنزل بعد فترة. و ليس بالمنزل لبن, فإن اردتِ شيئاً فعليك ان تحصلى عليه بنفسك.
وردت بسهرية:
ـ لست ماهرة في حلب الابقار.
القى إليها بمفاتيح:
ـ خذى سيارتى الأخرى استديرى يسارا بعد الممر ستجدين جرنابة اللبن في زجاجات و لا تنسي ترك النقود.
قالت و هو يعود ادراجه:
ـ الناس هنا يثقون ببعضهم البعضتجاهلها, تنهدت, ثم اخذت حقيبة يدها و اتجهت إلى الجراج و كانت سيارته الثانية قديمة فقادتها عبر الممر بعصبية متبعة الاتجاه الذى ذكره لها و كانت الطرق ضيقة كثيرة الانحناءات و التعاريج, اضطرت إلى استخدام بوقها مرات عديدة و ذلك ادخل السرور على قلبها, الأزهار تحف بالطريق و تحتك بجانبى, كلما تعرفت على نوع منها ازدادت سروراً. و اخذت حاجتها من اللبن و دهشت لكمية النقود الموضوعة فوق المائدة في الجرن ثم عادت ادراجها.
و مرقت ومضة صفراء امام عينيها, فشدت انتباهها لحظة متسائلة ان كان هذا نقار الخشب, لم يكن لديها وقت لتطلق النفير قبل دخولها منحنى حاد.
و شهقت لرؤية جرار زراعى ضخم متجها نحوها. و ضغطت على دواسة المكبح بكل ما تملك من قوة, و لكن الجرار ظل متقدماً نحوها. و لم تحاول لفرط حنقها ان تتشابك بالكلام مع السائق, و اطاحت بناقل السرعات في اتجاه السير إلى الوراء.
لم يكن ذلك بالأمر السهل, فقد ضللها ضيق الطريق عن ان تُقدر المسافة التقدير السليم, فاحتكت جوانب السيارة و هى تعود مجبرة, و لكن الرعب تملكها و هى ترى ان السائق كله إصرار على الاصطدام بها بكل عنف.
نهايه الفصل الخامس
قرائه ممتعه

الحب العاصفWhere stories live. Discover now