الفصل التاسع

1.5K 25 1
                                    

قال إيثان بصورة مفاجئة, و هو يحملق إلى روكسى:
ـ لم امارس الحب معك!
ردت عليه بخشونة:
ـ كان بامكانى ان اقول لك نفس الشئ.
ما الذى يرمى إليه؟ إنه يدمرها ببطء, فهل هذا نوع من العقاب؟ إنه راغب فيها و هى تعلم ذلك, فهل شهوة الانتقام لديه اقوى من رغبته فيها؟ إن ايثان تريمين مصمم على تحطيم كبريائها و عزة نفسها, مهما ضحى في سبيل ذلك من حاجات ملحة.
قال في صوت رقيق:
ـ إن هذا لصالحنا معا. و حملقت إليه بعينين باؤدتين, و قد احنقها منه, هذا التظاهر بالطهارة و النقاء. 
واستطرد:
ـ انك لا تثقين بي, و لكن, انصتى. اننى اتباعد عنك حتى لا تعتقدى اننى اقول ما قلته لك لمجرد الايقاع بك.
وردت في نبرة ضجرة:
ـ حقاً؟ اعذرينى إذن ان الامر اختلط على....
قال و قد كسا الاهتمام وجهه:
ـ يجب ان تفكرى بعقلى برهة يا روكسي, يجب ان تدركى انك سيطرت على تفكيرى فترة من الوقت, منذ ان دخلت محلك كالريح في هبوبها. حتى خداعك كان مسلياً لي, حتى اردت ان اضحك. مع ذلك كنت كارها منك ذلك التصرف.
ـ لم اكن وقتها اعلم اى شئ عن الوصية, صدقنىليس مهما. لم يعد اى شئ متعلق بالماضى مهما. لقد رأيت فيك حياة و مرح لم اعهدهما من قبل. و لقد كنت اغبطك حتى ذلك, و امتلأت نفسي اشتياقا إليك.
و حين عرفت من انت, اصبت بخيبة امل عنيفة, و حاولت ان اوطن نفسي على ان اكرهك. لقد كان حظاً سيئاً نوضع في مواجهة مع بعض. انها عقبة كؤود اريد ان ازيحها.
سألته في تعاسة:
ـ و كيف تزعم الوصول إلى ذلك؟ 
لقد بدأ القصة من بدايتها لكى يوقع بها, متلاعبا بعواطفها. إن جوعه لها ليس إلا جوع ثرى متعلق بلوحة جميلة, لا يريد ان يقتنيها غيره. و احست برجفة.
ـ انه امر لا مناص منه يا روكسي. اننا ننتمى إلى بعضنا, ويكمل بعضنا البعض, و انت تشعرين بذلك, اعلم هذا. تزوجينى.
ـ اتزوجك؟
قبضت على الغطاء بعنف, تلويه في يديها. كان يبدو جادا رزينا بصورة لا تصدق, كما لو كان هذا هو اكثر الحلول التى تفتق عنها ذهنه اتفاقاً مع المنطق. لقد اقر بالتجاذب الشديد بينهما, و وازن بينه و بين فقده لـ كارنوك, ثم قرر ان في امكانه الفوز بالاثنين, ضيعته و إشباع رغباته.احست بمرارة تقلصت لها امعاؤها, فجعلتها تشعر بالمرض يتفشى في جسدها.
غمغم:
ـ لِمَ لا.
و اغمضت عيناها عن شفتيه الكاذبتين, متسائلة إلى متى ستدوم هذه التعاسة؟
إنها لم تتخيل حتى في احلامها ان يطلب منها ايثان الزواج, لم تكن تتصور ان يكون الرد المباشر الذى يرد على شفتيها هو الرفض.
و استطرد في صوت اجش:
ـ اننى عازم على ان احصل عليك و هذا كل ما اتمناه...
قاطعته ببرود:
ـ اه, نعم. امرأة تشاركك الفراش, لتوفر عليك مشقة البحث عن مضاجعة لك. ثم من قبيل الصدفة الرائعة, تكون هى اكبر حب في حياتك.
قال لها بهدوء:
ـ لم اكن اعلم انك تدركين.....
قالت محتدة:
ـ لقد جعلت هذا في منتهى الوضوح. إن المنزل هو كل مشاعره, تفوق رغبته فيه اية رغبة اخرى لأى امرأة! إن رغبته في كارنوك تأجج في اعماقه, و لن يتراجع عن زواجه منها طالما سيعيد إليه منزل الأجداد.
نظر إليها متحيراً و همس :
ـ ألا تشاركيننى ذلك الحب؟
نخرت بانفها, و قد بلغ طعم التعاسة في فمها حداً منعها من الرد.
إن شعورها تجاه منتديات ليلاس كانورك لم يكن هو القضية, بل مشاعرهما المتبادلة.
سألته بخشونة:
ـ و الآن و بعد ان تحصل على كل المزايا, ماذا يتبقى لى من هذا الأتفاق؟
و بدا مصدوماً, فلم يكن يتوقع منها إلا السعادة الغامرة ردا على عرضه. و اعطاها ذلك النوع من العزاء. فإذا كانت تتألم فليتالم هو معها.
ـ لقد اعتقدت يا روكسي بكا امانه, كنت اتصور....
و أخذ يفتش عن اى مظهر للتخاذل فيها, و لكنها شدت من عزيمتها على الرغم من عواطفها الجياشة, و لم تبد له إلا امرأة تكن له كل الإزدراء. قالت باحتقار:
ـ كنت اتصور ان ألبى طلبك بمجرد اشارة منك. و تخيلت ان تحصل على كارنوك مقابل عرض الزواج. حسناً, لن تفلح هذه الخطة.
رد في رقة:بل ستفلح, سأجعلها تفلح, حتى ولو من دون حب. إن ما بيننا هو رغبة جارفة, و قد تأسست الكثير من الزيجات على ما هو اقل.
قالت في تعالى:
ـ حين اتزوج اريد ان يكون ذلك عن حب.
قال بحدة:
ـ كلنا نريد ذلك, في احلامنا. و لكن ذلك ليس متاحاً دائماً. إن الناس لا يحبون بعضهم البعض طبقاً لنظام محدد زهرة منسية, أليس كذلك؟
تمتمت, و قد خيم اللم في عينيها:
ـ لا, لقد تعلمت ذلك على الأقل.
قال يستحثها :
ـ حاولى, و ستكون حياتنا غاية في الإمتاع أنا اضمن لك ذلك.
ضمت شفتيها بقوة, و هزت رأسها قائلة:
ـ كلا.
و عبس, ثم تنهد و هو يقول في شئ من نفاد الصبر:
ـ إنى سأهبك حياتى و حمايتى, و سوف اشاركك في إدارة الضيعة, بخبرتى.
و لم يكن هذا ليرضيها. أنها تريد حبا حقيقياً خالصاً لا ان تكون مطلباً ثانيا بعد منزل.
همست و قد ابيض وجهها:
ـ ابداً لن اتزوجك و لو بعد مليون عام. اننى سأطرح المنزل للبيع, و ساعود إلى لندن هذا الأيبوع. اريد ان اخرجك و هذا المكان المشؤوم من عقلى باسرع ما يمكن. زارت الريح في الخارج, فافزعتهما معاً. و نهض ايثان, و سدد لها نظرة في جمود الصخر. إنها لا تعنى شيئا له, و غلا لما قدم هذا الاقتراح بكل هذا البرود. زواج بلا حب هو حياة ميتة بالنسبة لها.
عليها الا تتزحزح قيد انملة, رغم ما تحس به من إغراء بقبول اقتراحه كأفضل الحلول المتاحة, طالما رغبت في العيش معه. و لكن ذلك سيسبب لها التعاسة على المدى البعيد و قال بهدوء:
ـ هيا لاصطحبك إلى منزلك.
قالت بحسم: منتديات ليلاس
ـ كلا لا اريدك بالقرب منى.
ساد الصمت بينهما عدة دقائق, انصرف بعدها.
و اخذت تتعجب في وحدتها كيف يتأتى للسعادة ان تنقلب لشقاء و بمثل هذه السرعة؟
إنه لم يحبها قط. لم تكن تهمه مقدار شعرة.
إن صورته ستختفى من ذاكرتها بعد ان يختفى من حياتها. و صوته العميق الذى لا ينفك يرن في اذنيها قد اختلط بمشاعر الكراهية.
قامت بتبديل ثيابها بطريقة ألية, ثم اتخذت وجهتها إلى كارنوك تبكى دون ضابط.
و كانت العاصفة تهب و تعصف بدنها, و بدت و كأنها تزداد عنفاً مع كل خطوة تخطوها.حتى اضطرت إلى ان تنحنى لها و هى تجتهد لتشق طريقها, مفرغة قلبها في دموعها.
و كان الطريق يمر تحت اشجار البلوط دائمة الخضرة وافرة الظلال و توترت اعصابها و هى تسمع الأغصان تتقصف, و كأنها تشكو قسوة الرياح. و بدلا من ان تدور مع الطريق قررت ان تأخذ طريقاً مختصرا عبر المرج, لتصل إلى منزلها باسرع ما يمكن.
إنها تريد حماماً ساخناً, تزيل به اثار ايثان عنها. و سوف تستدعى سيارة اجرة لتلحق بالطائرة إلى بلايموث. و لن تستغرق الرحلة اكثر من ساعة و تصبح بعيدة عن الرجل الذى مزق حياتها, و حاول تدميرها, كل ذلك من أجل كارنوك.
انقبض قلبها, و صعدت غصة إلى حلقها بينما الريح تنفض الدموع عن وجهها اول بأول وحين لاح المنزل عن بعد, اعترتها رجفة فظيعة.
تبا لك يا ايثان تريمين. و اخذت تنوح في داخلها. لقد تزايد عذابها مع رؤية المنزل. هنا تود ان تعيش لسبب ما تجهله, و إن كارنوك هى بلسم روحها. و الآن, و بسبب ايثان, حتى هذا اصبح منكرا عليها.
و بدا ذلك كقضاء إلهي عادل. إنها لم تكن مستحقة للمنزل في بادى الأمر.
و ها هو ذا القدر يلقنها الدرس بأشد الطرق قسوة . و شعرت فجاة بالإعياء, غير قادرة على مواصلة الصراع في الحياة.
رفعت رأسها إلى الشجرة الحمراء تتحسس لحاءها و الشقوق العميقة. وكان شعرها يتاطير مع الريح, بدا تنفسها اكثر صعوبة, لكنها رحبت بذلك. و اخذت نوبات العاصفة تتوالى واحدة إثر اخرى تنذر بان تكتسحها عبر المرج. و لكنها تعلقت بجزع الشجرة, واجدة العزاء في قوة جذعها.
و فجأة, دوى صوت تحطم هائل, و رفعت بصرها في قلق فرأت فرعاً هائلاً قد انفصل عن الشجرة. و حاولت ان تفر هاربة, و لكن ساقيها ابت التحرك غلا بالسرعة البطيئة, و اخلت الرياح بتوازنها. و بينما هى تجاهد للوقوف, شعرت بالفرع يصدم مؤخرة رأسها العارى من اى حماية و سرعان ما راحت في ظلام ساكن لطيف ازاح معه كل تعاستها.جاءتها الاصوات مختلطة. و اضواء خافته, و رائحة مسك غربية و شعرت ببرودة لم تعهدها. حاولت فتح عينيها, فوجدت نفسها ملقاة على الأرض و بجوارها اظافر انثوية مخضبة بطلاء قرمزى اللون. و حاولت في رعبها ان تجلس, و لكنها هوت مرة اخرى, مرحبة بالعودة إلى الظلام.
ـ روكسي, روكسي.
و تلفتت في اعياء, لا تريد ان تترك حلمها الجميل. كانت قد تزوجت زواجا غاية في السعادة.... من رجل تحبه بشدة.... شخص ما.... شخص ما... و قطبت جبينها. من يكون ذلك الرجل؟ و شحبت صورته في ذهنها. و ضاعت ملامحه.
ـ كلا. لا اريد ان استيقظ.
جاءها صوت حازم:
ـ يجب ان تستيقظى.
دوى الصوت بعيدا في مؤخرة رأسها. ظلت تسبح في الظلام لفترة طويلة, ثم بدأ الضوء المبهر يشرق في عينيها. و فتحتهما على كره منها و مطت شفتيها عابسة.
كان وجه رجل يبتسم لها, عيناه في خضرة اشجار الغابة و في جمالها تلمع كالندى. حياها برقة:ـ اهلاً.
و حملقت إليه ببلاهة. كان يرتدى قناعاً و معطفاً ابيض كما لو كان في مستشفى و بدأت تجيل نظرها حولها بحرص. لقد كانت في مستشفى
قال في رعب:
ـ ماذا حل بي؟
ثم حاولت ان تتحرك فصرخت من الألم.
شعرت و كأن مؤخرة رأسها ثقيلة كالرصاص, تدوى فيها المطارق و قال لها ذو العينين الخضراوتين في قلق:
ـ ظلى ساكنة.
سألته باضطراب:
ـ هل انت طبيب؟ لماذا انا هنا؟ ماذا بي؟
و كأن صوتها ارتفع لشدة قلقها و مُلئت رعباً لنظرة الطبيب اسود الشعر الذى تدل على الخوف. و رفعت يدها إلى رأسها فوجدته ملفوفا بالضمادات. رمشت في صمت لتذهب عن عينيها دموع الاشفاق على نفسها... و بدا كل شئ حولها صداعا عنيفاً. قال ببطء:
ـ لا تفزعى لقد تعرضت لحادث. لم يتعرض شئ للكسر, مجرد عدة غرز, و إلتواء خفيف في الرقبة. لقد ضربك فرع شجرة في مؤخرة رأسك, اتذكرين؟
همست:
ـ لا...... متى؟
قال الرجل و وجهه يفيض رقة:
ـ منذ يومين, و انت عائدة إلى المنزل.
ـ المنزل؟
اخذت انطباعاً انه يتوقع منها ان تكون عالمة. اين يوجد هذا المنزل؟ حاولت جهدها, و لكنا فشلت ان تستحضر اية صورة .... أو اسم. اما عن نفسها. و اتسعت عيناها و ارتعشت شفتاها, و تطلعت إلى الطبيب في توسل, و همست ثم اغمضت لفرط الاجهاد. و بدأت تلفها عباءة السوا اللطيفة مرة اخرى. و من بعيد.... سمعت صوت الطبيب متحشرجا قائلاً:
ـ رحماك يا ربى!
وحين عادت لوعيها بعد ذلك, كان هناك طبيب آخر مع صاحب العينين الخضراوتين اللطيفتين. و امرها ان تسترخى, و طمأنها انها بين ايد رحيمة. ثم بدأ يسألها اسئلة مرهقة.
و لم تتمكن من الاجابة عن اى منها. فلا فكرة لديها عن اليوم او الشهر او السنة التى اكنت فيها, و لا عن اسمها, او عمرها, او موطنها. لم تكن تعرف, و ودت لفرط فزعها ان تغوص داخل عقلها لتبحث له عن اجابات, و تملكها الانفعالإذ وجدت مفسها عاجزة عن الاجابة عن مثل هذه الأسئلة السهلة.
وظلت عيناها معلقتان طوال الوقت بالطبيب ذى العينين الخضراوتين , و الذى بدا كما لو انه قد اشتغل طوال النوبة المسائية, و كان مجهداً بصورة لا تمكنه من الاستمرار في العمل. كان وجهه منهكا, و عيناه غائرتين, و ذقنه غير حليق. كان يتمايل في وقفته, و لم تدرى لماذا كانت عيناه ذواتا اللون النجيلي تبرقان كلما فشلت في الاجابة على سؤال ما.
و ظلت تروح في النوم, و هم يوقظونها, احيانا برفعها على منضدة كشف الاشعة, و احيانا بتكرار نفس الأسئلة. و كان الطبيب المنهك موجود على الدوام, منحيا جانبا يراقب ما يدور. و طفقت تبتسم له ابتسامة اعتذار, كلما فشلت في اجابة سؤال ما على الرغم من محاولتها ان تدخل السرور على قلب ذلك الطبيب الرقيق, بالعثور على الاجابة الصحيحة. و في النهاية قرر ان يحاول بنفسه فقال بصوت متحشرج بصورة غريبة:
ـ اسمح لىّ جو انا احاول ما ناقشناه معاً
هز زميله راسه موافقاُ. فقال:
ـ و الآن, لا تفزعى ابدا لهذا النسيان, فهو امر غير مستغرب, كثير الحدوث. إنك اذكرين الآن سيدتى الشابة ان الضربة على مؤخرة الرأس قد افقدتك الذاكرة
هزت رأسها هزة خفيفة, محاذرة ان يدق رأسها.
ـ و فقدان الذاكرة المؤقت هو امر مألوف في مثل هذه الحالات, و سوف تعود لك الذاكرة خلال ساعات, و قد يستغرق الأمر بضعة ايام او اسابيع. اهم ما في الأمر ان تتركى الطبيعة تقوم بدورها – ثم ابتسم- و ربما بمساعدة من يهتمون بك بحب
و وجهت له ابتسامة شاحبة, و همست:
ـ قل لىّ من انا؟
قال اخضر العينين:
ـ روكسانا, روكسانا بيج.
قالت و الدموع تحرق جفنيها:
ـ لا يبدو لىّ اننى هى!
و غمغم الطبيب:
ـ روكسي
تنهدت :
ـ روكسي. يبدو ذلك افضل, و لكن غريب..... و من انت؟
تردد قليلاً ثم تنحنح:
ت دكتور ايثان تريمين. طبيب تقويم العظام
عبست:
ـ هل اعرفك؟
عيناه قالت لها شيئاً لم يفهمه, و اغتمت لذلك. سألها بهدوء:
ـ هل ابدو مالوف لك؟
قالت بوهن:
ـ اشعر بالارتياح لك
و لم يكن هذا شعورها على الاطلاق. لقد كانت مشدودة بعنف لوجوده المسيطر غير العادى

الحب العاصفWhere stories live. Discover now