الفصل السادس

Start from the beginning
                                    

ـ لا.
ـ إذن فالخدوش التى على الجانبين من فعلك أنت و بالمثل ما حدث لواقي التصادم؟ اتريدين ان تُلقى باللوم على احد حتى لا تبرهنى على سوء قيادتك؟
ـ لقد ذكرت لك, لقد تعمد الرجل أن يسبب الحادثة, و ان يرعبني.
فزمجر قائلاً:
ـ لا اريد قصصاً خبيثة, اريد اصلاح سيارتى.
علمت ان لا جدوى من مجادلته, فرمته بنظرة متعالية, و اتجهت إلى السلم.
و جاءها صوته ببضع كلمات غزل بذيئة, تبعها بضحكة مجلجلة.... يا له من خنزير قذر.اوصدت عليها بابها رغم ما ذكره لها من قبل عن الأمان في المنطقة فإذا كان اهلها يؤمن جانبهم, فهى لن تُدخل ايثان في ذلك التعميم. وراحت في نوم عميق في السرير الضخم, و قد هدتها احداث اليوم و ساعدها هواء الريف.
استيقظت كاليوم السابق على شقشقة الطيور, و اوحى لها ذلك بما يجب ان تفعله كخطوة تالية. ان تحضر مسجل صوت لتتعرف على اصواتها. ابتسمت للفكرة.
حين نزلت مرتدية نفس ملابس اليوم السابق, وجدت مذكرة تخبرها ان انابيل قد انتقلت الليلة الماضية إلى المنزل الأخر و انه قد اتجه إلى عمله.
رائع! انها وحيدة! جهزت لنفسها شريحة ضخمة من عسل النحل و اخذتها إلى الشرفة التى كانت دافئة هذا الصباح.
بعد فترة ذهبت تتمتع بالتجوال, عالمة أنه ما من احد سيزعجها. و مضت تتحسس لحاء الأشجار و تداعب ما يصادفها من ازهار برية , و تتنسم عبيرها الفواح و ساد الصفاء نفسها التى غمرتها السعادة, فتباطأت حركتها عن حماسها المعتاد, ومضت تقطف من الأزهار حتى لم يعد لديها متسع للمزيد.
ولكنها لاحظت عند عودتها ان ارض المرجة قد تناثرت بها الحفر.
فاتجهت مقطبة الجبين إلى السور النبات وافزعها ان تجد قطيعاً من الأبقار يتجول في المنطقة بحرية يرعي العشب.
تراجعت مذعورة ثم انطلقت إلى الشجيرات لتج طريقاً بديلاً إلى الباب الأمامى و اعياها اليأس إذا رأته موصداً, لم يستجب لطرقاتها و رجها العنيف.
كانت الابقار قريبة بصورة مرعبة. هذا إن كانت ابقاراً, فهى لم تستطيع رؤية اى ضروع لها, و حبست انفاسها, جف حلقها من الخوف, إنها ذكور ابقار او ثيران مهما كان اسمها.حاولت ان تحافظ على رباطة جأشها, هرعت إلى الباب الخلفى, لكنه كان موصداً ايضاً, و دب الذعر في اوصالها. لم يعد امامها سوي باب واحد هو باب الشرفة.
كانت قد فتحته في الصباح, و لم تغلقه و اختلست النظر بحذر حول ركن المنزل. و كانت الثيران الصغيرة ترعى في اطمئنان عند السور الأمامى للشرفة, عليها ان تكون غاية في السرعة حتى لا تهاجمها و نظرت بعصبية إلى قرونها و طمأنت نفسها بانها على الأقل لم تكتمل بعد.
اخذت نفساً عميق و ركضت. و تراجعت الفحول قليلاً جافلة و انتهزت هى الفرصة لتصل إلى مقبض الباب و تديره. إلا ان الباب لم يُفتح ايضاً.
وصرخت فيه متوسلة:
ـ أوهـ, ارجوك, افتح, ارجوك!
سمعت قعقعة وراءها و وقع الحوافر على الحجر, فتجمدت مكانها و ترددت انفاسها سريعة. ادارت رأسها فرأت احد الثيران قد اتجه إلى الشرفة, قادماً إليها خافضاً رأسه و هو ينخر, و اخذت تصرخ للباب أن ينفتح, و هى تدير المقبض كالمجنون.
احاطت بها الحيوانات في ثوانى, فوقفت وسطها مشلولة الأوصال لا تتجرأ على تحريك عضلة. لم تكن العجول تهددها في تلك اللحظة, بل كانت تحاول ان تسحقها, بينما بدأ واحد او اثنان بلعق جسدها بلسان خشن و شعرت بنفسها تنتفض من داخلها.
لم تدرك كم مضى عليها و هى ملتصقة بالباب, منكمشة على نفسها. 
لم يدب الارتياح فيها إلا حين سمعت صوت سيارة
ـ هاى, هاى, هاى!
همست باسم ايثان بشفتيم متجمدتين و الحيوانات تتراجع ببطء وصاح فيها:
ـ ماذا.... روكسي! ماذا تفعلين هنا بحق السماء؟
فغرت فاها باقصى اتساعه. امرها بخشونة:ـ تنحى جانباً يجب ان اطلب المساعدة تليفونياً فلن اتمكن من ابعاد هذه الحيوانات عن العشب دون مساعدة.
قالت و هى تتنفس بصعوبة:
ـ ان الباب مرتج
اختنقت بعدم تصديق لقسوة قلب ذلك الرجل. عبس ايثان في وجهها و بدأ يحاول فتح الباب, قالت و رعشة في صوتها:
ـ لقد قلت لك انه مرتج. لقد ظللت ساعات ملتصقة بالباب و بهذه الحيوانات المتوحشة. تباً لك! الا يهمك اننى اُنقذت باعجوبة من الموت و قد كنت سأسحق باقدامها سحقاً؟
توقف عن محاولة فتح الباب, نظر إليها بدهشة, ثم انخرط في الضحك و ظل يقهقه إلى ان مالت رأسه إلى الخلف و اصابه الإعياء. 
عضت روكسي شفتها حتى لا تنهال الدموع من عيونها وقد بدأت تتجمع بالفعل.
وحين رأى ذلك حاول ان يتحكم في نفسه, و قال مبتسماً:
ـ روكسي أنها لست فحول. فردت باصرار:
تبل هى كذلك, فلم ارى لها ضروع.
إنها لست جاهلة بالريف إلى هذه الدرجة و واصل الضحك:
ـ روكسي, انها لا تزال صغيرة لم تبلغ سن النضج.
ـ لقد كانت تهددنى....
ـ بل كانت فضولية, انها تحب البشر. و كانت ستنصرف عنك فور صيحة منك او تصفقية من يديك. كانت الرقة واضحة في صوته. و عادت الابتسامة العريضة على وجهه:
ـ اننى آسف, لكن جهلك مضحك للغاية.
و عادت تعض شفتها في حنق, و قالت بصوت منخفض:
ـ اننى لم اتمكن من الدخول و كنت في غاية الرعب.
احاطها بذراعيه قائلاً:
ـ لا عليك, ان الآن بجوارك و لن تنالك البقرات بأذى إلا إذا رأيت ان تصفى تحت حوافرها. هيا إلى الداخل حتى يهدأ روعك ثم ارتب شيئاً لإخراجها. و إن كنت أخشي ان تكون قد أُغرمت بمرجتى. عبيس... اقصد مرجتك.
ادار المقبض و دفع الباب ثم قال بدهشة:
ـ ان الباب مصمغ من الخارج.
رمته بنظرة متحيرة ثم انحنت لتفحص الباب و سرت رعدة في جسدها و قالت هامسة:
ـ لم استطيع فتح الباب الأمامى و الخلفى ايضاً
ـ متأكدة؟
ـ تماماً.
تناول ايثان مظلة كانت وسط المائدة على الشرفة, دفع بها زجاج النافذة ثم هشم يبها بقايا الزجاج ليتمكن من ادخال يده, فتح النافذة من الداخل, و دفع روكسي إلى الداخل, اخذاً إياها إلى المطبخ دون كلمة واعد لها قدح من الشاي
ـ سوف اطلب رجلين ليدفعا البقرات إلى المرعى الخارجى, ثم سأذهب لفحص البابين الآخرين..... حسنا؟
ـ نعم, شكراً. ايثان... ما الذى يجري هنا. إن احداً ما يحاول بث الذعر في نفسي.
ـ اشك ان احداً ما يصل به الأمر إلى هذا الحد انها مجرد صدف بحته.
سألته و قد اتسعت عيناها وسط وجهها الشاحب :
ـ و الأبواب؟ربت شعرها برقة و ود لو تلقى بنفسها عليه التماساً للراحة بين ذراعيه:
ـ مجرد مزحة عملية, لقد اككتشف احد الصغار قوة الصمغ فراح يجربه على ابوا منازل القرية.
ـ لا ادرى ماذا سيحدث بعد ذلك.
ـ اشربي مشروبك, فهذا جزء من متعة الحياة في الريف
وضعت قدحها بعنف و سألته:
ـ هل خططت انت لكل هذا؟
صاح فيها:
ـ ما هذا الهراء الذى تتفوهين به؟ اتظنين أننى اترك البقرات لتفسد مرجتى؟
سيستغرق الأمر فصلاً كاملا لتعود إلى سابق عهدها, ثم انى لم اصمغ الأبواب فلابد ان تُنزع من إطارها لإصلاحها و هى ابواب من طراز جورجي بديع, لو تحطمت لن يفيد فيها اى اصلاح.
فردت مجادلة:
ـ هذه هى النقطة, إنها لست مرجتك, و لا بأس ان تُضحى ببعض العشب و الأبواب إذا اردت ان تفزعنى لافر من كارنوك
قال ببرود:
ـ سأعود حين تكونين على استعداد للاعتذار و الانصرافصعدت إلى الطابق العلوى, راقبته في تعاسة و هو يحاول دفع القطيع إلى بوابة على بعد, رأت انها مفتوحة, لقد فُتحت بواسطة شخص ما, مصادفة.... أو عمداً.
وصنعت لنفسها عشاء دون رغبة فيه. ربما تسرعت في الحكم, ان المر لا يعدو سلسلة من المصادفات. لقد وجد إيثان و الرجلان الآخران صعوبة جمة في طرد البقرات, رغم مساعدة كلبين في العملية. 
و بدا غاية في الغضب, و قررت ان تجعل الشك في صالحه.
وراته يدخل من الشرفة و الشرر يتطاير من عينيه. رفعت كفيها غليه قائلة:
ـ حسناً, اننى اعتذر. لقد كنت في منتهى الغباء, و اقر بذلك.
رأته ممسكاً بأنبوبة صمغ, فرفعت عينيها فيه متسائلة, فقال:
ـ لقد وجدت هذه في سيارتى التى كنت تركبينها.
فسألته:
ـ حقاً؟
ـ و الآن, لقد اقررت بنفسك.....
ـ اقررت اننى كنت غبية حين تصورت ان تلك البقرات على انها فحول, و ربما كنت مخطئة حين تصورت أن احداً ما يدبر كل هذا لىّ, لكن لا يمكننى ان ادبر انا كل هذا.
قال و صوته الناعم مفعم بالتهديد:
ـ لقد كانت البوابة الأمامية مفتوحة, و هو شئ لم يفعله احد من المنطقة. فكل انسان هنا يعلم انه من المحتم افبقاء على البوابات مغلقة, لمنع القطعان من التسلل. ربما فعلت انت ذلك, دون ان تفكرى في العاقبة.
صرخت في غيظ:
ـ و ما الفائدة التى سأجنيها؟
قال من بين اسنانه و عيناه تلمعان:لا ادرى اى لعبة تلعبينها يا روكسي, إذا ما كنت تريدين ان تشعرينى بالشفقة عليك, فقد كان تمثيلك رائع إنذاك, بلهجتك السوقية, ثم دور الإغراء الذى قمت به.
و صاحت محتجة:
ـ كلا, انك مخطئ, لا يمكن ان ارعب نفسي بتلك الصورة, و لقد رأيت بنفسك مدى ما كنت فيه من رعب.
فلوى شفتيه:
ـ لقد كنت اشفق عليك, فهل كنت تحاولين ان احاول ان اهدئ من روعك؟ 
صرخت فيه:
ـ إنك مقزز.
قال بنعومة:
ـ لا اظن ذلك, إنك امرأة ثائرة الغريزة, و لا استبعد منك ان تختلقى مشهدا كهذا, تلعبين فيه دور المرأة الضعيفة, لأقوم انا بدور الرجل الحامى لك .
قالت بلا انفعال, و قد ساءها ان يظن بها السوء لهذه الدرجة:
ـ انك سخيف.
اختار جهاز التليفون هذه اللحظة ان يرن لينقذها من نظراته المهددة فهرعت لترد عليهو جاءها صوت من الطرف الآخر:
ـ إيثان.... اهو انت؟
فقالت بعد جهد:
ـ لا, أنا روكسي.
رد عليها الصوت بوقاحة:
ـ آهـ, أهو انت؟ أنا انابيل تريمين, اريد ايثان.
فصرخت فيها :
ـ ها هو ذا معك.
نهايه الفصل السادس
قرائه ممتعه

الحب العاصفWhere stories live. Discover now