الفصل الحادي عشر

70.3K 5K 435
                                    

#سامنثا:

"أنت غبيّ، أتعلم هذا؟"
سألتُ ماركوس بطريقة ساخرة.

"تخبرينني بهذا كل يوم"
ابتسم وربّت على رأسي.

"لا تتحرك يا غبيّ!"
بللت قطعة القماش مجددا وأكملت مسح وجهه من الدماء، فلشدة كسله لم يستحم البارحة واستلقى بجانبي ملطخا بالتراب والدماء وغط في نوم عميق. تخيلوا مفاجأتي حين استيقظتُ لأجد متشردا على سريري، لو لم أتعرف على العش الذي يسميه تسريحة شعر لكنت ضربته أين لا تشرق الشمس.

"سأذهب للاستحمام أفضل"
وقف من على سريري وذهب إلى الحمام، جهّزت له ملابسه وعلقتها على كرسيّ مكتبي، فهو دائما ما يحضر ملابسه إلى منزلي؛ أنا متأكدة أنني إن بحثت جيدا سأجد قميصا له من الابتدائية.

نظرتُ إلى الساعة فوجدت أنها التاسعة صباحا، هلعت لوهلة عن عملي ثم تذكرتُ أن ماركوس أخبرني بأن جوليا اتصلت وأعلمته أنها أعطتني اليوم عطلة كتعويض عن الشجار البارحة.

استلقيتُ أُحدق بالسقف حتى خرج ماركوس يلف منشفة حول خصره، أخذ ملابسه وعاد ليرتديها ثم نزل ليعد الفطور.
لحقته بعد لحظات وجلست حول مركز المطبخ أنتظر فطائري.

"إذا ماذا سنفعل اليوم؟"
سألتُ بملل.

"أفلام ومأكولات خفيفة؟"
ردّ ووضع حصتي من الفطائر أمامي، لم أُجِبه وغصت فيها كأنني لم آكل لأربعين يوما.

"نوم؟"
أجبته بفم مليء بالطعام.

"امضغي وفمك مغلق، ولا"
وضع سبابته تحت ذقني وأغلق فمي بخفة.

"جرو مزعج، إنه خطؤك أنني لم أحصل على قسط كافٍ من النوم"
صفعت يده بعيدا وأكملت طبقي بسرعة.

"أخبرتكِ أنني تركت هاتفي في السيارة"
تنهّد ومرر أصابعه بين خصلاته الداكنة.

"وأنا كنت هنا أكاد أفقد عقلي لأنني ظننت أن مكروها أصابك... مالذي تفعله أنت ووالدك بأي حال؟ تصطادان الدببة؟!"
ضربتُ يدي على مركز المطبخ بغضب؛ لم نعتد على إبقاء الأسرار عن بعضنا أبدا، مهما كان الأمر صغيرا أو تافها كنا نتشاركه، لكن ليس بعد عيد ميلاده السادس عشر، لم نقم حفلة له حتى، بل ذهب مع والده في رحلة تخييم وعندما عاد بدأ يتصرف بغرابة.

"لا تبدئي من جديد... أرجوكِ"
همس بتعب وأشاح بنظره للأسفل.

"حسنا إذا!"
رميتٌ طبقي في المغسلة بقوة عن غير قصد فوقع على الأرض وانكسر، كبتت صرخة ودموع الغضب وجثوتُ لأجمع القطع الصغيرة.

"لا تلمسيه! ستجرحين نفسك"
لم ينتهي من كلامه حتى رأيت السائل الأحمر يقطر على الأشلاء البيضاء.

"بحق السماء!"
أكملتُ جمع القطع ولم أهتم بدمائي التي لطخت الأرضية.

"توقفي يا غبيّة!"
أمسك برسغي ووضع يدي تحت الحنفية وغسل الجرح ثم أحضر عدة الإسعافات الأولية وضمّده.

وقفنا هناك ننظر إلى بعضنا البعض في صمت حتى قاطعنا صوت رنين هاتفه، زفرت وسرت إلى غرفتي بإحباط. لحقني بعد قليل وجلس بجانبي.

"أنا آسف"
همس وحضنني إليه فتشبثت به وانفجرت بالبكاء كالأطفال، لم أعرف السبب وراء انهياري في تلك اللحظة ولا سبب غضبي المفاجئ.

"أشعر بـ الفراغ..."
تمتمتُ في صدره وشهقت عاليا.

"لا تقلقي أنا هنا... لا تبكي ستجعلينني حزينا"
تكلّم بصوت مبحوح وكأنه يحاول كبح دموعه.

"لا أستطيع التوقف... ولا أستطيع التنفس"
رديت بنفس النبرة وحضنته إليّ أكثر كما لو أنه حبل نجاتي.

"نم يا صغيري لا تقلق الآن، الذئب الكبير سيحميك مهما كان، نم يا صغيري لا تقلق الآن، سأكون معك على الدوام..."
دندنتُ معه اللحن لا شعوريا فهدأتُ نسبيّا.
هذه الأغنية لوالدته، كتبتها له حين كان لا يزال جنينا في بطنها حتى تغنيها له وتساعده على النوم. لكنها لم تنجو بعد إنجابه وفارقت الحياة.

"نم يا صغيري لا تقلق الآن، أغمض عينيك واستسلم للأحلام، نم يا صغيري لا تقلق الآن، الذئب الكبير سيحميك مهما كان..."
غنيتُ المقطع الثاني وابتعدتُ قليلا حتى أرى وجهه، وجدتُ أن دموعا قد هربت من عينيه وانسابت على خده بهدوء.

"جروي الظريف المزعج..."
ابتسمَ للقبه فمسحتُ دموعه وقبّلت خديه.

"فلتنامي قليلا... تبدين كالزومبي وأيضا لنتفادى إنهيارا عصبيّا آخر"
تمتم آخر جزء لنفسه ودفعني للخلف حتى لامس رأسي الوسادة.

"لن تهرب مني بهذه السهولة"
سحبته من ذراعه وجعلته يستلقي بجانبي، غطيتُ كلينا باللحاف وتثاءبت مرهقة.

أغمضت عينيّ ولففت ذراعيّ حوله بإحكام ثم غصت في نوم عميق.

*********************

#ماركوس:

تسللتُ بحذر من بين ذراعيها ثم قبّلت جبينها بخفة وخرجت من غرفتها. حاولتُ الخروج من المنزل قبل أن تراني كاثرين لكنها قطعت طريقي ويدها على خصرها.

"إذا متى ستخبرها؟"
جرّتني معها إلى غرفة المعيشة ورمقتني بنظرتها الجدية القاتلة.

"قريبا"
رديت عليها بإجابتي المعتادة.

"أنت تقول هذا منذ أكثر من سنة!! ألم تتعب من الكذب عليها؟!"
صرختْ عليّ هامسة حتى لا توقظ سامنثا.

"وأنتِ؟ ألم تتعبي من إخفاء الحقيقة عنها؟!"
أجبتها بنفس النبرة فرأيت طيف الحزن في عينيها.

"والدها سيخبرها بنفسه بعد أن يخرج من السجن الذي رماه فيه أبناء جنسك، لو كان هنا طوال هذه السنين لكان قد أخبرها"
تكلمتْ ببعض من الغضب والقلق.

"وأنا سأخبرها بعد أن أَحُلّ مشكلة عويصة"
قلتُ بجدية ونظرت في عينيها حتى تصدقني.

"الأفضل أن تفعل... سريعا"
لم أردّ عليها وغادرت المنزل بسرعة.

المحطة التالية: منزل عمتي جوليا.

جوشوا | JOSHUAحيث تعيش القصص. اكتشف الآن