12

37 1 5
                                    

تقف امام المرآة لترفع شعرها الأسود المتوسط الطول و النعومة لأعلى كذيلِ حصان بعشوائية
بينما وائل يُخرج كتبه من دولابه ويقذفها بحقيبته
بالصباح يُرتب جدوله المدرسي و فتاتي بلقيس تذهب للمدرسة بمظهرٍ يبعث الشفقة بالقلوب وكأنها بفقرٍ مدقع وهي على خلاف ذلك بغناءٍ فاحش
و عمت الفوضى حجرتهم كانت بلقيس بين الفنية و الأخرى تنظر إلي ثم إلى درجها
في بداية الأمر ظننتُ ان تصرفاتها عفوية إلا ان تكرارها لذات التصرف عدة مرات بعث الريب لدواخي
فأخفضتُ بصري إلى حقيبتي القابعة بحجري وانا امثل الإنشغال
فرأيتها تُخرج جهازها الآيباد و تدسه بحقيبتها المدرسية
أيعقل ان مستواها متدني إلى هذا الحد ؟!
ما القلب الذي تملكيه يا عُطرة ؟ , إنك تفتقدين كل معاني الأمومة
لم أشعر الا بأقدامي التي تصلبت بالأرض
فتوجهتُ بإتجاهها و أبتسمتُ بحنان : تبغيني امشطلك شعرك يا ماما .
إبتسمت بسعادة : من جد! ايوة اكيد ابغاكِ تمشطيلي
لا أريد ان اوبخها على الجهاز فلا أريد ان تكون بداية الأمومة توبيخًا
سحبتُها من يدها و جعلتها تجلس على طرف السرير و جلستُ خلفها , فتحتُ الربطة العودية عن شعرها و بتساؤل : اي تمشيطة تبغين ؟
رفعت كتفها لأعلى وبحيرة : مدري سوي الي تحبيه ماما
أخرجتُ مشطًا من حقيبتي واخذتُ أفرق شعرها لأجزاء و من ثم أبرمه
حتى انتهيت فكان شعرها مبرومًا على مدار رأسها و مجموعًا بداخل ربطة من الخلف
وقفت امام المرآة و قد رُسمت بعينيها نظرةُ رضى
إلتفتت بإتجاهي و شبكت اصابعها ببعض و الخجل قد ملأ وجهها الدائري
هل تخجل من شكري ؟ , هل المسافة الطويلة التي بيننا قد جعلتها تشعر بأني غريبةً عنهم ؟!
لم تنطق ببنت شفة اخذت حقيبتها و خجرت هي و وائل و انا من خلفهم اغلقت الباب و لحقتهم لأسفل
حتى وصلنا للباب المؤدي لخارج القصر الا ان الخادمة اقتربت من بليقس و هي تعطيها عصير جوافة و ساندويتش فإبتسمت لها بلقيس قائلة : مرة شكرًا
انعقد حاجبي بغير قبولٍ لهذا الحال الغريب
أتشكر الخادمة و تبتسم لها و انا تقابلني بالخجل !

***

هو يلثمني بجسدي و يفعل كل ما يريد وانا جثةُ بالديجور , و هي هناك تموت
هو يحتضنني و انا ابكي حظي المنكود الذي جمعني به ِ و هي تختنق
و ملك الموت و كما يسميه الإسرائيليون عزرائيل يقبض روحها
يهتز جسدها و دراج دقات قلبها يتفاوت ليستقر مستقيمًا فتذهب روحها للأعالي و تُعاد روحها للأرض تارةً أخرى عندما يقول الله : إِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى
تُعاد لتُسأل من ربها وما دينها ومن نبيها و لكن لا تُعاد لتكون امي كما كانت
و هن بأصواتهن هززن الأرض و جثون بأعماقها
و اطباءٌ يبعدون اجسادهن عنها
ممرضة تمسح على عينيها لتغطيها الأجفان بسباتٍ لا حياة بعده
و أخرى ترمي اللحاف الأبيض
ابيض كبياض قلبها , قلبها الذي عشتُ لأدعه حيًا
ليتوقف قلبي قبل قلبها و حدث العكس فتوقف قلبها قبل قلبي
اما علمتي يا أماه بأنني وهبتُك ِ روحي فوهبتيني ثرى ضريحك ِ
بأني سلبتُ رائحتكِ لأحبسها بشعيراتِ انفي اشتمها فأشتمها و لا اشبع من عبقها
أماه لازلتِ على قيد الحياة و لازلتُ ميتة
أماه سامحيني كوني راضية يا نبع الحنان
تزوجتُه و بليلة زواجي منه راحت روح امي لأعنان السماءِ وما فوقها
صوتي يتعالى بكاءً منه وصوتها يختفي حتى انطفىء مني
كان اصعب بلاءٍ من الرحمن جل و علا و بالوقت ذاته احسن بلاء بدل ماهيتي حتى عدتُ استغربني بالقِدم
من الغريب ان يكون الإنسان جاهلاً بأن روحه أغلى على قلوبِ غيرهُ منه
و الأغرب ان يتماسك عن البكاء خوفًا على الميت ان يُعذب بسببه ألا تعلم يا أنسان ان هذه أباطيلٌ نُشرت
فقد بكى أتقى الخلق وأخشاهم لله - صلى الله عليه وسلم- ، ولم يخرجه ذلك عن إيمانه ورضاه بقضاء الله وقدره ، والصحيح ان أي قول أو فعل يصاحب البكاء ، ويتنافى مع التسليم لله ، والرضا بقضائه ، ويظهر منه الجزع والتسخط ، فهو معصية وذنب عظيم
غير ذلك خزعبلات لا صحة لها فالبكاء رحمةً في قلوب ِ الرحماء .
نظرتُ لها أمامي تجلس و تكتب بدفترها
أخذها الله ليهبني بفتاةٍ مثلتني تارةً أخرى بمظهري و لكنها الأفضل بأخلاقها
إبنتي التي خرجت من احشائي و كانت من صلبه
إبنتي التي تريدُ رؤية والدها هزاع
إبنة شكران الراقصة .

حيزبون الجحيمWhere stories live. Discover now