التاسع والثلاثون الجزء الثالث

22.3K 1.7K 281
                                    

للقلب سلطان آخر
الجزء الثالث
       من
أسيرة الشيطان
الفصل التاسع و الثلاثون 
الجزء الثالث
¤¤¤¤¤¤¤¤
جلست في مكتبها متأففة ، تدق بالقلم على سطح المكتب ، بعد حديثها مع أريچ صباحا ذهبت لمكتبه لتراه لتكتشف أنه لم يأتي اليوم من الأساس ، وحين حاولت الإتصال به وجدت هاتفه مغلقا ، ربما ما يحدث الآن هو إشارة لتتراجع عن موافقتها، تنهدت تخفي وجهها خلف كفيها ، سمعت الباب يدق ومن ثم فُتح ، ظنته أبيها فأبعدت كفيها عن وجهها ، لتتسع حدقتيها حين أبصرت طارق يقف أمامها يبدو مجهدا بشكل كبير ، ابتسم لها وتحرك يجلس على المقعد المجاور لمكتبها كاد أن يقول شيئا إلا أنه أسرع يلتقط محرمة من على مكتبها يعطس بقوة ، نظر إليها يتمتم :
- البرد مبهدلني ، أنا ما كنتش جاي النهاردة اصلا ، بس وأنا بسأل تامر المساعد بتاعي حد سأل عليا ، قالي مدام سما ، وبعدين لقيتك متصلة بيا ، فقولت لاء لازم اجي ، خير أنتِ كويسة
وقبل أن تجيب عطس من جديد لتبتلع لعابها تشعر بالسوء على حاله ، تنهدت تعتذر منه :
- أنا آسفة ما كنتش أعرف أنك تعبان كدة ، طب روح يا طارق ونبقى نتكلم بعدين ، أنت فعلا شكلك تعبان جداا
حرك رأسه للجانبين يلقي المحرمة من يده في سلة المهملات قبل أن يلتقط واحدة أخرى يوجه حديثه لسما :
- أنا خلاص جيت يا سما ، قوليلي بس في إيه
زفرت أنفاسها بقوة تشعر بدقات قلبها على وشك الانفجار مما ستقول ، قبضت كفيها تغرز أظافرها في كفيها تردف مرتبكة :
- أنا موافقة ، موافقة نتجوز
توسعت عيني طارق ذهولا ارتسمت على شفتيه ابتسامة كبيرة كاد أن يقول شيئا يعبر عن سعادته ليعطس بقوة بدلا من ذلك ، نظر إليه يتحدث متحسرا :
- يعني جاية تقوليلي موافقة وأنا البرد بيموتني ، طب أفرح إزاي دلوقتي ، دا أنا أحمد ربنا أن أنا جيت على كدة ، أنا هقوم حالا أحدد ميعاد مع دكتور ياسر
ومن ثم عطس مرة بعد أخرى ؛ لتضع يدها على فمها تحاول ألا تضحك في حين هب هو واقفا يتوجه إلى الباب تعثر في طريقه كاد أن يسقط أرضا لتضحك رغما عنها على ما فعل ، ألتفت لها يزم شفتيه يتحدث متضايقا :
- عاجبك كدة خلتيني بجري زي العيال المراهقين ، ماشي يا سما ه....
وعطس من جديد يضع المحرمة على أنفه سريعا ، لتتعالى ضحكاتها على ما فعل لتعطس هي فجاءة فضحك هو قبل أن يلوح لها يخرج من الغرفة
___________
أوقف سيارته أسفل منزلها ، قلبه يقيم إحتفالا صاخبا لأنه سيراها أخيرا بعد شوقٍ قتل قلبه العاشق ، أخرج الكثير من الهدايا التي أحضرها لها ، وعمل جيدا على جلب الأشياء المميزة التي تحب ، حمل الهدايا وصعد حيث الشقة ، دق الباب ووقف ينتظر على أحر من الجمر ، إلى أن فتحت له السيدة صباح ، ابتسم في وجهها يعطيها ما في يده حين دخل إلى الشقة سمع صوت غريب غير مألوف بالنسبة له يوبخ نور :
- ما تركزي بقى ، أنتِ غبية ليه كدة ؟!
احتدت عينيه غضبا توجه حيث يأتي الصوت من غرفة الصالون على طاولة الطعام الكبيرة أبصر سيدة تجلس أمام نور توبخها ، والأخيرة وجهها ممتعض حزين تكاد تبكي ... دس يده في جيب سرواله يخرج بعض المال وضعه على الطاولة أمامها يحادثها محتدا :
- فلوسك ومش عايز أشوف وشك هنا تاني ، اتفضلي من غير مطرود
احتقن وجه السيدة غضبا لملمت أشياءها وتركت النقود مكانها وغادرت ، رفعت نور وجهها إلى جواد تساقطت قطرات دموعها تردف :
- ليه عملت كدة يا جواد ، هي عندها حق
غضب بشدة يحرك رأسه للجانبين اقترب منها مد يده يمسك بعضدها بخفة يجذبها لتقف ، أمسك بذراعيها بين كفيه يحرك رأسه للجانبين يرفض ما تقول :
- لا يا نور أنتِ مش غبية ومش من حق أي حد يقول عليكِ كدة ، أنتِ بتحاولي وعايزة توصلي وتشقي لنفسك مكان وطريق وتثبتي أن ليكِ وجود ، لو أنتِ غبية فعلا كنتي رضيتي بالأمر الواقع ، ما تخليش أي حد مهما كان يقلل منك
ومن ثم صمت ينظر لرد فعلها ليراها تنظر إليه ممتنة لما قال ، تحرك رأسها لأعلى وأسفل ، ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة ؛ ليرفع كف يده يمسح الدموع عن وجهها بخفة يهمس بنبرة خافتة حالمة :
- أنتِ وحشتيني أوي يا نور ، وحشتيني أوي أوي ، أنا لو عليا ما اسبكيش لحظة ، بس أنا مستحيل أقف في طريق تحقيق حلمك
شعر بها ترتجف بخفة بين يديه ، بدت مضطربة لم يعرف أهي حزينة أم خائفة أم مشتتة أو ربما هي فقط خجلة وهو لا يدري ، ابتلعت لعابها تشجع نفسها لتقول بصوت خفيض للغاية :
- وأنت كمان وحشتني على فكرة
توسعت حدقتيه ذهولا لا يصدق ما يسمع ، هل أستُجيبت دعواته التي يدعو بها ليل نهار وأحبته نور أخيرا ، ظل ينظر إليها مصعوقا لعدة لحظات قبل أن يجذبها لأحضانه يطوقها بذراعيه تجمعت الدموع في عينيه يحادثها بحرقة :
- بجد يا نور ، بجد وحشتك ، أنتِ ما تعرفيش أنا عايش حياتي إزاي من غيرك ، أنتِ ما تعرفيش أنا اتعذبت إزاي لما كنت فكرك بعد الشر موتي ، ولما رجعتي لحضني أنا اللي بعدتك عني ، أنا كل اللي عاوزه منك
حُبك بس يا نور ، نور ارجعي معايا الفيلا ، ولا أقولك أنا هجبلك فيلا ليا أنا وأنتِ بس ،قولتي ايه ؟
توترت تبتعد عن أحضانه كمشت بكفيها أطراف ثوبها ، هو يعرف تلك الحركة جيدا تفعلها حين تكون متوترة ، رفعت رأسها إليه تحركها للجانبين تتمتم :
- لا يا جواد ، أنت لسه بتقول أنا مش عاوز أقف في طريق حلمك ، سيبني أكمل حلمي أرجوك
مد يده يمسك بأحد كفيها التي تقبض بها على أطراف الثوب قربه من فمه يطبع على سطحه قبلة صغيرة ، قبل أن يومأ برأسه ينظر إليها مبتسما :
- حاضر يا نور ،عشان خاطرك أنا مستعد أعمل أي حاجة
ابتسمت تحمر وجنتيها خجلا ، جاءت السيدة صباح تضع الطعام على الطاولة ، ليوجه جواد حديثه إليها :
- طمنيني يا ست صباح ، نور بتاكل كويس مش ناقصكوا أي حاجة
نظرت السيدة إليه تتحدث بلا توقف :
- ما تقلقش يا باشمهندس أنا بقعد فوق راسها لحد ما تخلص الأكل ، والشاب اللي حضرتك بتبعته كل يومين دا بيبقى جايب كل مرة كل حاجة البيت مش ناقصه حاجة خالص ، ربنا يخليك ليها
ابتسم يومأ برأسه يشكرها جلس هو ونور على طاولة الطعام يتناولان الطعام عينيه لم تنزاح عن وجهها ولو للحظة ، يديه تتحرك رفع المعلقة فارغة يضعها في فمه لتضحك بخفة على ما فعل ، ابتهج قلبه أثر ضحكاتها وتمنى أن يبقى يسمعها للأبد ، حمحم محرجا رفع يده يضعها على رقبته يتحدث يغازلها :
- أعمل يعني الواحد مش عارف يركز في الأكل والحلويات قدامه !
أحمر وجهها بأكمله خجلا تقبض على المعلقة في يدها ،كاد أن يقول شيئا حين دق هاتفه برقم المكتب ، فتح الخط يجيب بعد لحظات أغلق المكالمة ومن ثم قام واقفا يعتذر منها :
- كان نفسي أقعد معاكِ أكتر من كدة ، بس عندي إجتماع ، خلي بالك من نفسك ولو عوزتي أي حاجة كلميني
وضع يده في جيب سرواله يخرج بعض النقود وضعها على الطاولة لتبادر قائلة سريعا :
- أنا معايا فلوس يا جواد ، فلوس كتير أنت سايبها
ابتسم لها عليه الرحيل ولكنه يرغب حقا في البقاء ، تنهد يقول :
- بردوا خلي دول معاكِ احتياطي ، خلي بالك من نفسك ، أنا ماشي بقى
وتحرك صوب الباب مد يده يفتح المقبض ، التفت لها قبل أن يخرج نظر إليها مطولا يشبع عينيه منها ومن ثم غادر يجذب الباب خلفه ، تاركا إياها في حيرة واشتياق
____________
جلست في شقتها تنظر حولها تشعر بأنها غريبة في بلد حيث لا مكان للغرباء فيها ، شهاب يغادر صباحا ويعود ليلا وهي تبقى هنا وحيدة لا تعرف أحد ولا يعرفها أحد ، حتى الطرقات لا تعرفها ، تشعر بالوحدة والفراغ والخوف في بعض الأحيان إلى أن يأتي شهاب ، تنهدت تلتقط هاتفها تحادث والدتها تطمأن على حال الجميع ، ظلت تتحدث مع والدتها كثيرا إلى أن سمعت صوت الباب ودخل شهاب ، تنهدت بعمق تُكمل حديثها مع والدتها لعدة دقائق قليلة قبل أن تودعها وتُغلق الخط ، نظرت صوب شهاب الذي يجلس جوارها على سطح الأريكة يغمض عينيه يبدو متعبا للغاية ، ولكنها هي الأخرى متعبة ، متعبة نفسيا حد الاستنزاف ، تنهدت بصوت مسموع تقول فجاءة :
- شهاب أنا عاوزة أرجع مصر
فتح عينيه وقطب جبينه مستنكرا ما يسمع منها ، اعتدل في جلسته يغمغم مدهوشا :
- ايه اللي أنتِ بتقوليه دا يا ليان بعد ما بدأنا نستقر أخيرًا وخلاص خلصت كل ورق الشغل والإقامة تقولي عايزة أرجع مصر ، في حد عيان طيب ولا حاجة حصلت
حركت رأسها للجانبين تجمعت الدموع في عينيها تحرك رأسها للجانبين تعلو بصوتها تتحدث بحرقة :
- أنا مش عايزة أقعد هنا ، أنا خايفة حاسة إني غريبة أنت بتنزل الصبح وبترجع بليل وأنا بفضل اليوم كله قاعدة لوحدي ، ما فيش حد حتى أتكلم معاه
تنهد متعبا يمسح وجهه بكف يده ، يعرف أن الوضع جديد وغريب عليها كما عليه ، ليست هي فقط من تعاني هو أيضا يشتاق لشقيقتيه :
- يا بنتي هو أنا حابسك ما تنزلي تتعرفي على المكان ، إحنا في بلد عربي مش في الصين ، إللي حواليكِ كلهم بيتكملوا عربي ، وفي قريب من هنا مول وسوق وسوبر ماركت ، ما تكبريش الموضوع يا ليان وشوية وأنا وأنتِ هنتعود ، فكرك أنا أهلي مش وحشني يعني
ظلت تنظر إليه لعدة لحظات لم تأتِ بحرف ، بل قامت فجاءة وتوجهت للداخل إلى حيث غرفة نومهم تصفع الباب بعنف ، يبدو أن ما كان يخشى منه حدث ، وها هي ليان تخبره أنها تشعر بالغربة والوحشة وتود العودة ، قام من مكانه يتحرك إلى غرفة نومهم فتح الباب ودخل ليراها تجلس على الفراش تنظر بعيدا شاردة تضم قدميها لها ، توجه بجلس جوارها
لف ذراعه حول كتفيها يقربها منه ليحط رأسها على صدره قبل قمة رأسها تنهد يحادثها مترفقا :
- ليان أنا حاسس بيكِ وعارف أنتِ قد ايه حاسة بالوحدة والضياع دلوقتي ، أنا كمان صدقيني خايف وقلقان ، بس أهي تجربة جديدة بحياة جديدة ، أوعدك أننا لو ما استرحيناش أو ما عرفناش نتأقلم هنرجع مصر اومأت برأسها موافقة تحتضنه بقوة ربما هي فقط كانت بحاجة لمن يطمأنها فقط !!
____________
في الفندق حيث جاسر ومليكة
وقفت مليكة أمام جاسر لا تفهم لما هو غاضب لهذه الدرجة ، ألم يكن هو من أعطى علبة الدواء لها ، لما يضع يده على رأسه بتلك الطريقة وكأن صاعقة حلت به ؟! ، اقتربت منه تسأله متعجبة من حاله :
- مالك يا جاسر في ايه ؟ ماله الدوا دا أنت اللي مدهولي ، حصل إيه لكل دا ؟!
نظر إليها ورأت في عينيه كم هو مشتت نادم تنهد بحرقة يصرخ فيها بلا أي مبرر :
- أنا قايلك تاخدي منه عند اللزوم بس مش تسفي العلبة كلها
لا ، هو لم يقل ذلك ، هو أخبرها أن تأخذ منه كلما شعرت بالألم ، حركت رأسها للجانبين تحادثه محتدة :
- لا يا جاسر أنت ما قولتش كدة ، أنت قايلي خدي منه في اي وقت تتعبي فيه ، وبعدين أنت بتزعق فيا كدة ليه ؟ ، ومالك متعصب ليه كدة ؟
لم يرد ،ابتعد خطوة للخلف يتهرب من النظر لعينيها ، ماذا يقول بأي شيء يبرر ، ما سيقوله سيزيد موقفه سوءًا لم يشعر يومًا بالخزي كما يشعر الآن ، فكرة الإنتقام الأعمى الذي تخلص منها لم تتخلص منه ، وأذاها دون حتى أن يعلم ، انتبه على صوتها تسأله ونبرة الإتهام واضحة في صوتها :
- ماله الدوا دا يا جاسر ؟ ، فيه ايه مخليك متعصب أوي كدة يا دكتور ، أول مرة من ساعة ما عرفت دكتور جاسر ، أشوفه بيتهرب من أنه يبص لوش اللي قدامه
نظر إليها وانعقد لسانه لم يقدر على النطق بحرفٍ واحد ، تحرك صوب الشرفة وقف هناك ينظر للفراغ شاردا عينيه حزينة كدرة
أما هي فأمسكت بعلبة الدواء ودخلت إلى الغرفة والتقطت صورة لها وبعثها إلى إحدى الصيدليات الكبيرة تسأل إن كانت متوافرة عندها وانتظرت الرد وعينيها تتخبط في رد فعل جاسر الغريب ، إلى أن سمعت تنبيه يأتي من هاتفها يبدو أن الرد قد جاء أخيرا ، فتحت الرسالة وقرأت رد الصيدلية والذي كان صادما حد الموت
« مساء الخير يا أفندم ، بنعتذر لحضرتك ما نقدرش نوفر لحضرتك العلاج دا بدون وجود روشتة حديثة تُسلم لنا بختم الطبيب المعالج »
تعجبت من الرد لتبعث تسأل من جديد
« ليه يعني ؟ ، ايه الخطير في العلاج »
وبعد دقائق من الانتظار القاتل وصل الرد
« يا أفندم العلاج دا نازل جدول ، ولازم الجرعة اللي تتاخد منه تكون محددة وتحت إشراف الطبيب وفي الظروف الضرورية فقط ، وإلا يسبب إدمان »
سقط الهاتف من يدها وحجظت عينيها ألما شعرت وكأن لكمة قوية ضربت قلبها في مقتل وفهمت ، فهمت لما غضب جاسر لتلك الدرجة وما سر الأعراض الغريبة التي باتت تشعر بها مؤخرًا خاصة النوم المبالغ فيه
أما هو في الخارج فألتقط نفسا قويا يحاول أن يهدأ به يحادث نفسه :
- أنا السبب ، أنا هدخل أقولها أن العلاج دا غلط على الحوامل ، وأن خايف لتكون حامل وهاخدها ونعمل تحاليل كأنها تحاليل حمل وأنا هعرف أخلصها منه إزاي
تحرك صوب غرفة النوم ، فتح الباب بخفة ودخل؛ليبصرها جالسة على الفراش متجمدة مكانها عينيها جاحظة بشكل مخيف ، حمحم يقترب منها جلس أمامها على سطح الفراش ، مد يده يبسط كفه على وجنتها برفق يتحدث يعتذر منها :
- مليكة أنا آسف إني اتعصبت عليكِ ، الحكاية وما فيها أن العلاج دا غلط جداا على الحوامل وأنا خايف لتكوني حامل ، أقولك تعالي نروح نعمل تحاليل عشان نتأكد في حمل ولا لاء
رأت شفتيها ترتفع بإبتسامة ساخرة تحمل أبشع أنواع الألم تسأله متهكمة منه :
- تتأكد في حمل ولا لاء ، ولا تتأكد أنا بقيت مدمنة ولا لسه
شعر بالصدمة جمدت كل ذرة به ، توقفت الكلمات في منتصف حلقه ينظر لها مدهوشا ، أما هي فقامت من أمامه التقطت الهاتف تفتحه أمام وجهه تُريه المحادثة التي دارت بينها وبين الصيدلية ، تأكدت أنه قرأها حين أصفر وجهه ، ألقت الهاتف إلى الفراش وقفت أمامه تنظر له خائفة ! شعرت فجاءة أنه أمام رجل غريب لا تعرفه أبدا ، انهمرت دموعها رغما عنها تسأله بحرقة :
- ليه ؟ أنا عملتلك ايه ؟ رد عليا ليه ؟
لم يجد ما يقوله ، أنزل وجهه أرضا يغمض عينيه يشعر بالاشمئزاز الشديد من نفسه ، اقتربت هي منه تضربه بكفيها على صدره وكتفه تصرخ فيه تنهمر دموعها بحرقة :
- عملت كدة ليييه ، رد عليا أنت ساكت ليييه ، أذتني ليه يا جاسر أنا عملتلك ايه عشان تعمل فيا كدة
رفع عينيه ينظر لوجهها وهي تصرخ فيه والألم هو الشيء الوحيد الصارخ ينهش وجهها ، يبدو أنه يجب أن يُعاقب على نوياه السيئة وها هو على وشك أن يتلقى عقابه ، لا يجد ما يقوله هي تعرف أنه لن يصف دواءً غير صحيح أبدًا ،
ومصارحتها بالحقيقة ستنهي حياتهم الزوجية التي لا تزال تبدأ
وفف عن مكانه ، أقترب منها يعانقها تخبطت بين يديه بعنف تصرخ فيه أن يبتعد عنها إلى أن دفعته بعيدا عنها تصرخ في وجهه :
- ابعد عني ، قسما بالله يا جاسر ولو ما قولتليش الحقيقة لهرجع عند أهلي دلوقتي حالًا
وكأنها لن تفعل إن علمت الحقيقة ، مسح وجهه بكف يده لا مفر من إخبارها بما ظن أن الزمن طواه ، نظر لوجهها الحزين قبل أن يتنهد يهمس نادما :
- أنا آسف يا مليكة ، أنا الشيطان لعب في دماغي بعد ما لقيت مذكرات والدتي وعرفت اللي جدك عملوا فيها ، كنت غضبان هنفجر والشيطان عمال يصورلي اللي الشيطان دا عمله فيها ، أنا والدتي عانت سنين بسببه ، ما طفاش نار غضبي حتى اللي عمله خالي ، فقررت أنتقم أنا ، أنتقم من صبري الميت في حفيدته ، قد ايه كانت فكرة غبية ومتخلفة بس الشيطان وقتها كان مصورلي أن دا الحل الوحيد عشان أجيب حق والدتي
هنا شهقت هي بعنف وكأن الحياة تُسحب منها جحظت عينيها تصيح مذعورة :
- يعني إنت لما كنت بتكلمني شات قبل ما أشوفك كان عشان تنفذ انتقامك المريض !
حرك رأسه للجانبين رغم أنها محقة ولكنه لن يعترف بذلك ، انفعل يردف سريعا :
- اسمعيني يا مليكة للآخر ، أنا لما قابلتك في العيادة وشوفت جدعنتك ووقوفك جنب زينب وبعدين وقوفك جنب أريچ ، خلاني أدركت أنا قد ايه كنت شخص غبي وبفكر في فكرة غبية ، ويوم بعد يوم كان بيزيد إعجابي بيكِ ، ويوم بعد يوم كنت بحبك أكتر ، وكنت بحاول أنكر دا ، صدقيني أقسملك بالله أنا شيلت الفكرة المتخلفة دي من دماغي من زمان جداا ، أنا بحبك، ونسيت موضوع العلاج دا خالص وإلا كنت منعتك تاخدي منه ، أنا آسف يا مليكة ، أنا بجد آسف ، بس الموضوع بسيط وهيتحل إن شاء الله أنا هفضل جنبك في كل لحظة أن شاء الله أسيب الشغل خالص
اقتربت منه تنظر إلى وجهه لا تصدق ما تسمع ، لا تشعر في تلك اللحظة سوى بالخذلان والألم المصاحب له ، تحركت عينيها الدامعة على صفحة وجهه لعدة لحظات ابتعدت عنه تحرك رأسها للجانبين تهمس بأحرف تنزف ألمًا :
- أنا كنت فكراك عوض ليا يا جاسر عن كل الوجع اللي شوفته في حياتي ، تعرف الدكتورة اللي حكتلك عنها قبل كدة كان عندها حق ، أنا ما استحقش أي حاجة حلوة في الدنيا ، أنا مش هعرف أثق فيك تاني يا جاسر ، مش هعرف ، طلقني يا جاسر أرجوك
جحظت مقلتيه فزعا ، يحرك رأسه للجانبين بعنف يقطب جبينه تتسارع أنفاسه أما هي فتحركت إلى دولاب الثياب أخذ بعض الملابس وتحركت إلى المرحاض ، ما أن دخلت أغلقت الباب عليها وجلست أرضا تجهش في البكاء بحرقة ، الخواء والألم والخذلان تجمعوا عليها جميعا ينهشون قلبها ، أما هو فظل متجمدا مكانه ويشعر وكأن الأرض تلتف به ، ظل واقفا مكانه إلى أن رآها خرجت من المرحاض بعد أن بدلت ثيابها تأخذ هاتفها وحقيبة يدها تتحرك صوب باب الغرفة ، انتفض سريعا يتحرك خلفها وقف أمامها يمنعها من المغادرة يصيح قلقا :
- أنتِ رايحة فين يا مليكة ، لاء مش هتمشي ، أنا عارف أني غلطت ، صدقيني كنت موهوم وغبي ، عشان خاطري يا مليكة افتكري أي حاجة حلوة بينا ، أرجوكِ ما تسبينش

عادت خطوة للخلف تمنعه من الاقتراب منها تحرك رأسها للجانبين ترفض ما يقول ، رفعت عينيها إليه فتحت شفتيها تحادثه بحرقة وهي تبكي :
- سيبني أمشي يا جاسر ، صدقني أنا خايفة منك ، حاسة إني قدام واحد تاني غير اللي عرفته وحبيته ، أنا اللي برجوك أنك تسيبني أمشي ، أنا ما كنش لازم أحب ما كنش لازم أحلم ، ما كنش لازم أبعد عن أهلي ، أنا عند بابا يا جاسر وأرجوك ورقة طلاقي توصلني هناك في أسرن وقت
تجاوزته تاركة إياه يتخبط من الألم ، حين نزلت لأسفل رأت رقية أمامها اقتربت مليكة منها لتتعجب رقية من منظرها المزري ، أما مليكة فوقفت أمامها ابتسمت لتنزل دموعها رغما عنها تحادثها ساخرة:
- الدكتور اللي عينيكِ بتلمع وبتتحول قلوب لما تشوفيه ، خلى مراته اللي هي أنا يعني مدمنة مخدرات
شهقت رقية بعنف أما فمليكة فتركتها وغادرت تخرج من الفندق سريعا ، رأت رقية جاسر يهرول لأسفل يبحث هنا وهناك عنها ، اقترب منها يسألها سريعا:
- رقية ما شوفتيش مليكة ؟
نظرت له من أعلى لأسفل بإزدراء مظهر الفتاة المزري الباكي لا يمكن أبدا أن تكن تكذب ، يبدو أنها لا تزال غبية وقعت في حب مريض آخر كزوجها الراحل ، أشارت إلى باب الفندق دون كلام ومن ثم تركته وغادرت
___________
في منزل جاسر مهران ، في غرفته
يضجع جاسر إلى الوسائد خلفه ينظر للفراغ شاردًا عينيه حزينة كدرة غائمة ، تنهد يغمض عينيه ، عليه أن ينام يجب أن يستعد جيدا لما سيحدث في الأيام القادمة ، شعر بيد رؤى تمسح على رأسه برفق فتح عينيه وابتسم لها متعبًا ، يقرب رأسه من أحضانه يهمس مرهقا ساخرا :
- والله يا بنتي أنا كل اللي كنت عاوزه كيكة بالشوكولاتة ما أعرفش ايه اللي دخلني في الحوارات دي كلها ، عيالك ولاد الكلب هيقصفوا عمري ، ابقى ما ألحق أجيب تؤام كمان
ضحكت رؤى رغم الألم الذي تشعر به ، ظلت تمسح على رأسه دون أن تقول شيئا كاد أن يغط في النوم العميق حين سمعوا صوت سيارة تقف بعنف في حديقة البيت ، انتفضت رؤى من مكانها تهرع إلى الشرفة ليصفر وجهها خوفا حين رأت رعد ينزل من سيارته يحمل في يده مسدس!! وجهه لا يبشر بالخير أبدا
شهقت بعنف حين بدأ يدق على الباب بقوة يصرخ بعلو صوته :
- افتح يا جاسر يا مهران ، افتح وتعالى اقتلني مش أنت عاوز تقتلني بردوا
نظرت خلفها سريعا لترى جاسر يقوم من فراشه فتح الدرج المجاور للفراش يخرج المسدس منه ، شهقت رؤى مذعورة هرولت إليه تصرخ فيه :
- أنت هتعمل ايه يا جاسر ، اخزي الشيطان وسيب المسدس أبوس إيدك
أحمر وجه جاسر غضبا يتحدث يتوعد رعد :
-  أنا هوريه أنا ليه كانوا مسميني الشيطان
أبعد رؤى عنه يخرج من الغرفة هرعت رؤى تركض خلفه ، رأت چوري تخرج من غرفتها لتصرخ فيها مذعورة :
- الحقي رعد وجاسر هيخلصوا على بعض
انتفضت چوري مذعورة تركض خلف أبيها الذي نزل لأسفل سريعا ، وليس كأنه كان مريضا قبل عدة ساعات فقط ، فتح الباب ودخل رعد كالاعصار ، أشهر مسدسه أمام رأس أبيه !! ليفعل جاسر المثل ، رفع مسدسه يشهره أمام رأس رعد الذي صرخ فيه:
- بقى عايز تخلص عليا يا جاسر يا مهران ، إنت فاكر أن أنا هسيبك تعمل كدة
ضحك جاسر عاليا يشد أجزاء سلاحه يسخر منه :
- أنا سايبك تلعب يلا ، إنت فاكر أن أنا لو عوزت أدفنك تحت رجلي دلوقتي مش هعرف أعمل كدة ، باللي أنت بتعمله دا أثبت للكل أن أنا كنت على حق وأنك شيطان وتستاهل المعاملة اللي كنت بعملهالك وأكتر ولما فكرت أعاملك زي البني آدمين اتفرعنت ، إنت كان لازم تفضل تتعامل زي الحيوانات !!
صرخ رعد غاضبا يشد أجزاء مسدسه هو الآخر ، يلصق فوهته بجبين جاسر ، هنا قفز يوسف من أعلى السلم يهرول إليهم يصرخ في رعد :
- أنت اتجننت نزل مسدسك ، بابا أرجوك نزل المسدس ، ايه اللي انتوا بتعملوه دا ، رعد نزل المسدس
التفت رعد برأسه إليه يغمغم ساخرا :
- عايزني انزل المسدس عشان هو يقتلني
هرعت چوري إلى شقيقها تُمسك بذراعه تحرك رأسها للجانبين تنهمر الدموع من عينيها تصرخ فيه بحرقة :
- أبوس إيدك نزل المسدس ، إيه اللي بتعمله دا يا رعد ، أنت خلاص بعدت عننا كلنا وعيشت حياتك بعيد ، جاي تعمل ايه هنا ، امشي يا رعد
اطلع برة امشي
أما رؤى فتخاذلت قدميها تنظر للمشهد الفظيع أمامها برعب شديد ، لا تصدق ما ترى زوجها وولدها كل منهما يود قتل الآخر ، شعرت وكأن الحياة تُسحب منها ، تنظر حولها تبحث عن من ينقذهم مما يحدث ولكنها لا أحد ، أحرقت الدموع عينيها ووجهها ، كل ذرة بها تنتفض ألما
جسدها شُل عن الحركة من الألم ، أما جاسر فبدأ يتحدث من جديد يتهكم من رعد :
- سيبوه سيبوه ، دا جاي يعمل راجل هنا ، بعد ما طرب سابته وشافت الأرجل منه ، اسمه ظافر مش كدة ، بقى يا راجل تصرع ابنك الصغير وتخطفه ، ما هو ليه حق يحب عمو ظافر بردوا
هنا صرخ رعد بجنون :
- هقتلك يا جاسر يا مهران ، هموتك
اندفع يوسف يقف حائلا بينهما ينظر صوب رعد يصرخ فيه :
- هتقتل أبوك يا حيوان يا مجنون ، إنت ايه اللي جرالك ، نزل المسدس يا جاسر ، إنت فاكر أن أنا هسمحلك تمس شعرة واحدة منه

هنا ابتسم جاسر مد يده يربت على كتف يوسف يتحدث يتفاخر به :
- يارتني خلفتك أنت بس يا يوسف وما جبتش المسخ اللي واقف قدامك دا

هنا أحمرت عيني رعد حد الجنون ، ومرت أمامه سريعا كل المشاهد التى رأى فيها أبيه يدلل يوسف ويعامله كصديق في حين يفعل العكس معه ، في تلك اللحظة سولت له نفسا أمرًا سيحرق قلب جاسر للأبد ،أنزل مسدسه ينظر لشقيقه يبتسم في هدوء رفع يده يربت على كتف شقيقه تنهد يحادثه :
- تعرف هو عنده حق ، أنا فعلا مسخ أنا ماشي
تحرك عدة خطوات صوب الباب فتحه ؛ لينزل جاسر مسدسه هو الآخر متعجبا مما حدث تحرك رعد خطوة للخارج ليعود من جديد ، ابتسم يلتفت إلى شقيقه ينادي باسمه :
- يوسف
وجه يوسف تركيزه إليه؛ ليرفع رعد مسدسه في أقل من لحظة انطلقت الرصاصة تخترق صدر يوسف ، جحظت عيني يوسف ألما تنفجر الدماء من صدره يستمع إلى صرخات كثيرة تأتي من حوله تصاحبها ضحكات رعد وهو يسخر من جاسر :
- دولي ما فضلش عايش غير المسخ اللي خلفته !!
____________
اااه يا أنا كان أسبوع ملئ بجملة يلا يا جماعة عايزين ننجز قبل الامتحانات ، الحمد لله أنه خلص
خلص الفصل ما تنسوش الدعم بلايك وكومنت برأيكوا بالتوفيق ومن نجاح لنجاح بإذن الله
الفصل القادم في الأغلب الأحد بإذن الله

أسيرة الشيطان الجزء الأول + الجزء الثاني+ الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن