٤- الخزامى المقيتة

4 1 0
                                    

الوقت يمر... ببطء، لـكـنـه يـمـر.

عيناه احرقتاه بشدة ومع ذلك استمر بملاحقة عقرب الساعات بعينيه منذ أن كان على الرقم عشرة إلى أن وصل إلى الرقم ستة. ارتجف جفناه بعض الشيء عندما سمع زقزقة الطيور الخافتة ولاحظ أن خيوط الضحى قد كسرت غيهب الليل.

أما عن سبب افتتانه بمرور الوقت، فهو ببساطة لأنه لا يذكر المرة الأخيرة التي رأى فيها عقاربا متحركة، كان ذلك قبل... بعض- لا، أيام طويلة.

عندما وُضع في تلك الغرفة في المستشفى، لم يكن هنالك سبيل لمعرفة الوقت. كلما سأل عن الوقت قيل له بأن الوقت متوقف، الوقت لا يمر، لا تفاوت بين الليل والنهار...

وعندما لمح أخيرا ساعة بيد الطبيب، وجدها متوقفة. خاب أمله بينما الأخير ابتسم بلين ليخبره بصوت رؤوم أيقن بكل وجوده تشبعه بمكر لطيف، "أرأيت؟ الوقت لم يعد يمضي."

بالطبع طفل في الحادية عشرة من عمره قادر على معرفة بأن الوقت لن يتوقف أبدا وأن طبيبه يكذب عليه. لكن عندما تُعزَل في مكان مجهول خارج إرادك مع تكرير نفس الأسطوانة في أذنيك ويمر وقت طـويـل تُمنع من معرفة قواطعه، فعقلك سيغير الحقائق ليتأقلم مع الواقع الجديد كي تستمر في العيش.

مهلا... كم مضى وقت وهو في الحادية عشرة؟

"سيدي..." أغمض عينيه بقوة إثر سماع صوت الخادمة مما جعله يفقد تركيزه أخيرا، ولكن عينيه لم تبرحا ساعة الحائط المعلقة عندما فتحهما مجددا بينما هي أكملت، "ألا تريدني أن أدلك على غرفتك؟"

احتدت عيناه وقد نقل بصره إليها، لا يريد أن يحبسه أحد في غرفة مجددا.

"إيف،" استدار برأسه نحو صاحب الصوت، ينظر إلى من اقترب وبيده ملف رديء الشكل، "أحضري طبقا ساخنا."

"حاضر."

إيمانويل نظر إليه من رأسه إلى أخمص قدميه، يلاحظ كيف التصق بزاوية الحائط وجفناه يرتجفان مع كل تكة من عقارب الساعة، بصره ينتقل إليه لجزء من الثانية قبل أن يعيده إلى الآلة التي بدا مفتونا بها.

"تعلَم،" ابتدأ إيمانويل بهدوء، يلاحظ الطريقة التي تصلب بها جسده إثر صوته، "الوقت سيمضي حتى لو لم تلاحق العقارب بعينيك."

الشاب طرف بعينيه بسرعة، بياض عينيه مصبوغ بالأحمر بسبب الإجهاد،"كم... كم مضى على سنة ٢٠١٧؟" فكر قليلا وسأل بقلق، "أهي أيام كثيرة؟"

تشكلت عقدة صغيرة بين حاجبي إيمانويل وأخذ هنيهة قبل أن يجيب، "نحن في سنة ٢٠٢٤ يا فتى."

كأن صاعقة ضربت جسد الشاب لينظر إلى إيمانويل بعينين جاحظتين كان التعب طار منهما، غشاوة طفيفة غطت عينيه عندما مسح وجهه بحركة سريعة وقد أطلق زفيرا مرتجفا، "هل أنا في مستشفى آخر؟"

المجنونة العاقلةWhere stories live. Discover now