الثامن والثلاثون الجزء الثاني

44.5K 1.9K 452
                                    

للقلب سلطان آخر
الجزء الثالث
       من
أسيرة الشيطان
الفصل الثامن و الثلاثون 
الجزء الثاني
¤¤¤¤¤¤¤
في المستشفى .. في مكتب سما الخاص ، دُق باب مكتبها لترتسم على شفتيها ابتسامة سعيدة ، هي تعرف من الطارق وللمفارقة المضحكة طارق هو الطارق ، حمحمت تسمح له بالدخول ليدلف إلى مكتبها تعلو شفتيه ابتسامة كبيرة سعيدة ، حين يراها يشعر بسعادة كبيرة تملأ كيانه ، مشاعره القديمة نحوها بُعثت من جديد بعد أن كان يخفيها تحت رماد الحياة الزوجية حتى لا تشعر زوجته بأي إهانة وهو لم يكن ليسمح لنفسه بأن يهينها بأي شكل من الأشكال ، بعد كل تلك السنوات أعطته الحياة فرصة جديدة ليجتمع بالفتاة التي يحب من صميم قلبه ولكن المشكلة هو خوف سما وتهربها من فكرة ارتباطهم ، انتبه على صوتها وهي تحمحم قبل أن تسأله :
- مالك يا طارق إنت كويس ؟
نظر لها وابتسم يومأ برأسه تنهد بعمق قبل أن يقول حائرا :
- والله يا سما ما بقتش عارف أنا كويس ولا بحبك
توسعت عيناها ذهولا قبل أن ترمش عدة مرات سريعا تتمتم مدهوشة :
- ايه الجملة الغريبة دي
ضحك بخفة قبل أن يحرك رأسه يائسا منها يتحدث متضايقا :
- أعمل ايه يا سما ما أنتِ اللي مش عايزة تريحي قلبي بجد ، سما إحنا اتفرقنا مدة طويلة أوي خلال المدة أنتِ اتجوزتي وانا حاولت أنساكِ فاتجوزت ودفنت مشاعري ناحيتك في بير عميق عشان ما اجرحش مشاعر مراتي ، رغم كدة كانت بتقولي دايما أنها عارفة إني ما بحبهاش بس كفاية معاملتي الطيبة ليها ، لما ربنا توفاها حزنت عليها جداا شهور ، وفي وسط دا كله لقيتك ظهرتي في حياتي تاني ، من أول لحظة وافقتي فيها أننا نرجع أصدقاء والبير اتفتح وخرجت المشاعر تملا كياني تاني ، بقالنا أكتر من سنة بنتعامل زي المخطوبين ، نص يومي بقضيه هنا معاكي في المستشفى والنص التاني بكمله معاكي على الموبايل ، وبردوا كل ما أحاول افتح معاكي موضوع إني أجي اتقدملك تتهربي ، ممكن أفهم في ايه ، لو ما بتحبنيش عادي قوليلي وأنا هبعد ، لكن أنا حاسس إن أنا واقف على حبل لا عارف أقف على أرض صلبة ، وخايف افتله لأقع وما يبقاش لعلاقتنا قومة تاني ، سما من غير كلام كتير أنا عاوز اتقدملك عاوز اتجوزك ، لو كنتي وافقتي من أول مرة قولتلك فيها ما اتهربيتش كان زمانا دلوقتي معانا طفل
توترت تضغط على القلم في يدها بقوة ، ابتلعت لعابها ، تحاول أن تبرر له أو تشرح له أسبابها ولكن النتيجة كانت تأتأة دون جملة مفيدة مما جعله يتضايق :
- سما أنتِ مش لاقية حاجة تقوليها ، أو رفضاني بس مكسوفة تقولي ، أنا آسف عن إذنك
وقام من مكانه ليغادر ، تحرك خطوتين صوب باب الغرفة ليسمعها تنادي باسمه سريعا :
- استنى يا طارق ، اسمعني
التفت لها وعاد أدراجه جلس أمامها ينظر إليها عن كثب يطلب منها أن بعينيه أن تشرح له ، ابتلعت لعابها تحرك يديها متوترة تحاول أن تشرح له سبب توترها وحيرتها ، حمحمت تقول متلعثمة :
- بص يا طارق أنت فاهم غلط ، أنا مش رفضاك ، أنا بس بعد اللي حصلي من من من
لم ترد نطق اسمه ، وكأن اسمه فقط يحرقها يذكرها بما فعله الوغد بها ، ابتلعت لعابها بحرقة تفرك يديها بعنف تردف :
- مش عايزة حتى أقول اسمه ، اللي حصلي منه أذاني أوي يا طارق ، بقيت خايفة ، أنت مالكش ذنب صدقني ، أنا اللي خايفة افتح قلبي تاني ، خايفة اتجرح ، أنت ما تعرفش هو أذاني قد إيه ، أذانا كلنا مش أنا لوحدي ، ولتاني مرة يا طارق أنت مالكش ذنب ، ودا مش معناه إني مش واثقة فيك ، لاء بالعكس المشكلة عندي أنا يا طارق ، أنا آسفة 

تفهم أن ما فعله بها ذلك الوغد أسوء من أن تتجاوزه ، لا يستبعد أن مصطفى قد فعل بها الكثير فهو خير من يعرف خسته وغدره ، ألم يكن هو من فرقهم قديما ، تنهد حزينا على حالها مما حدث لها بسبب الوغد ، وحاله فبعد أن ظن أنهما سيجتمعان أخيرا أعاق مصطفى الطريق إليها من جديد ، ولكن هل يستسلم كما فعل قبلا ويتركها ، ويعش الباقي من حياته يبكي الأطلال ، تنهد بعمق يمسح وجهه بكف يده قبل أن يوجه أنظاره إليها يحادثها مترفقا :
- أنا فاهمك يا سما ، وفاهم أن الموضوع مس قلة ثقة فيا ولكنه ندبة سابها الحيوان دا في نفسك ، بس وبعدين هتفضلي طول عمرك عايشة خايفة بسبب الندبة دي ، سما أنا بحبك وواثق أنك بتبادليني المشاعر ، ليه ما تحاوليش تقفلي صفحة الماضي
صمت ومن ثم ضحك بخفة حين قال :
- فاكرة في فيلم كارتون بتاع الأسد الملك ، قاله الماضي دايما صعب بس يا أما تهرب منه ، يا أما تتعلم منه ، لما خبطه بعصاية على دماغه
وأنا شايف بردوا كدة يا سما ، تجربة مصطفى كانت قاسية جداا على حد قولك بس يا أما تفضلي طول العمر هربانة وخليفة تعيشي حيتك لمجرد هاجس أن التجربة تتكرر ، يا أما تتعلمي من الماضي وتكملي حياتك لو كل واحد فضل واقف عند ماضيه يا سما ، كنا كلنا موتنا من الحزن ، أنا مش طالب منك رد دلوقتي فكري براحتك ، أسيبك أنا تكملي شغلك ، بس قبل ما امشي افتكري أننا من البداية كنا لبعض ، لولا غدر وخسة مصطفى ومين عارف مش يمكن القدر بيحاول يرجعنا تاني
وتركها وخرج من المكتب ، وجلست هي مكانها شاردة ، ربما هو محق وربما هو يخدعها ولكن لما يخدعها طارق ، طارق لم يؤذها يوما ... تنهد بحرقة تخفي وجهها خلف كفيها لا تعرف ما العمل !
_________
توقفت سيارة شريف أمام محل كبير معروف لبيع الأثاث ، نزل من السيارة ليلتف حولها سريعا يفتح الباب المجاور لزينب يبتسم لها ، لتبادله ابتسامته بأخرى خجولة متوترة ، يتسأل قلبها خجلا ما باله الحبيب هل بات مُحبًا لها ، نزلت من السيارة تسير جواره إلى داخل المحل ، أمسك بكف يدها ليشعر بكفها ينتفض داخل كفه فابتسم ولم يعقب ، بل أكمل طريقه يشير لها إلى أريكة كبيرة حديثة الطراز زرقاء داكنة :
- ايه رأيك في الكنبة دي ، حاسسها هتبقى حلوة في الصالة ، هي والكرسيين اللي لونهم أبيض ، لاء بقولك ايه فكي ومش عايز كسوف
دا العفش اللي هيبقى في بيتنا ، اتحركي كدة واختاري ونتناقش ونقارن أنهي أحسن ، أديكِ شايفة ما حدش فاضي للتاني في العيلة العرة دي
ضحكت زينب بخفة تحرك رأسها موافقة ، أزالت يدها من يده تتحرك أمامه تنظر عن كثب
لكل قطعة تحاول تخيل شكلها في شقتهم وهل ستكن جيدة أم لا ، وقفت أمام مرآة زينة تنظر للإطار الخارجي لها حين رأت في انعكاس الزجاج فتاتين يشيران إليها ويتهامسان ، ابتلعت لعابها متوترة تبتعد سريعا عن المكان ، تشعر بأنها ضائعة حين لم ترى شريف قريبا منها ، لفت برأسها هنا وهناك وهي تتحرك سريعا تبحث عنها بدأت الدموع تتجمع في عينيها ، ارتطمت دون أن تقصد في شخص ما أمامها شهقت تعود أدراجها تعتذر منه ليبتسم الرجل يسخر منها :
- ايوة ايوة أنا عارفك أنتِ البت اللي ابن عمها قفشها مع الظابط ، وطبعا طبختوها وقولتوا جوزك ، منك لله الراجل هيروح في داهية عشان كان بيدافع عن شرفه ، ستات عايزة الحرق بصحيح
شهقت زينب مذعورة مما يقول ، عادت أدراجها للخلف تجمعت الدموع بعينيها تحرك رأسها للجانبين ، تود الصراخ في وجهه أن ما يقوله غير صحيح أنها الضحية هنا ولكنها كالعادة لم تقدر ، انتحبت بعنف تبحث عن شريف إلى أن رأته يُسرع خطاه إليها ، ما أن رأته ارتمت بين أحضانه تتمسك به تبكي بحرقة ، ليُبعدها شريف عنه ينظر إليها غاضبا ، ألم يخبرها آلاف المرات ألا تبكي ، ألم يخبرها آلاف المران ألا تعد أي من كان يُهينها حتى إن كان هو ، أبعدها عنه وتوجه صوب الوغد الواقف أمامه يرميه بنظرة ساخرة يتهكم منه ، قبض شريف على تلابيب ثيابه يقربه منه يتحدث ضاحكا :
- أنت عملت النمرة دي عشان أنا اضربك والكاميرات في كل مكان ويلا اتفرج وشوف الظابط المتحوش اللي بيهجم على الناس ويضربهم من غير وجه حق ، فين الترند انتوا فين يا بتوع حقوق الإنسان مش كدة ، أنا بردوا هستخدم نفس طريقتك ، وهاخد الفيديو اللي متسجل فيه اللي حصل صوت وصورة وأقدم فيك محضر
واقترب برأسه منه حتى أصبحت شفتي شريف جوار أذنه يحادثه وهو يبتسم :
- ولما يجيبوك ليا زي الكلب ، ساعتها هعمل فيك كل اللي أنت كنت عاوزني اعمله وأكتر
ومن ثم ابتعد شريف عنه يربت على كتفه بخفة ، توجه إلى زينب يمسك بكف يدها يأخذها ويخرج من المحل توجها إلى السيارة
جلس جوارها يكاد ينفجر غيظا منها ، لا فائدة منها ، قبض على المقود يحاول ألا ينظر إليها إن فعل سيصرخ فيها بأعلى صوته ، وستخشاه وتبكي وكأنها لا تفعل الآن شد على المقود حتى كاد يخعله ولم يحتمل والمشهد يُعاد أمام عينيه والكلمات تنفجر في رأسه ، لف رأسه إليها وصرخ فيها :
- ليه ما بتاخديش حقك ، أنا بجد بكره عياطك يا زينب ، من يومين بردوا اتخانقنا بسبب الموضوع دا ، أبوس إيدك خدي حقك ، يا ابني هتبقي ملطشة الدنيا كلها ، ولا أنا بكلم مين خليكِ عيطي يا زينب ، واقعدي قولي إنت ما عيشتش اللي أنا عيشته ، أنت ما شوفتش اللي أنا شوفته ، أنا ضحية ومظلومة وخوافة وجبانة ، أنتي حقيقي تشلي
أما هي فالتزمت الصمت لم تبدي أي تعبير على كلماته القاسية الساخرة ، ظلت صامتة طويلا إلى أن وصلوا إلى بيتها ، نزلت من السيارة تشعر بجسدها ينتفض ليس خوفا وإنما قهرا وغضبا ، كل خلية بها تصرخ بعنف ، رأت عصا كبيرة ملقاة على جانب الطريق ، حملتها وتوجهت بها إلى سيارة شريف قبل أن يتحرك رآها تهبط بالعصا بعنف على مقدمة السيارة وهي تصرخ فقط صرخات تعبر عن غضبها ، انتفض شريف يخرج من السيارة يصرخ فيها :
-زينب ايه اللي أنتي بتعمليه دا ؟!
أمسك بيدها سريعا يمنعها من أن تكمل تحطيم سيارته ، حاولت جذب يدها من يده تصرخ فيه بعلو صوتها :
- ابعد عني ، ابعد عني مالكش دعوة بيا ، يا حضرة الظابط يا جسور يا شجاع ، أبعد عن الجبانة المجنونة اللي عايشة في دور الضحية
نزعت يدها من يده بعنف تلقي العصا من يدها بعيدا ، قبل أن تعطيه نظرة حادة تصرخ فيه :
- عارف لو ما طلقتنيش هوريك الجنون على أصوله
وتركته تركض إلى منزلها ، بينما وقف هو مكانه مذهولا ينظر لمقدمة سيارته التي تهشمت يتخيل زينب وهي تنزل بالعصا على رأسه بدلا من السيارة ، ابتلع لعابه يغمغم متوترا :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، دا مستحيل يحصل زينب مستحيل تعمل كدا ، بس معقول أنا ضغطت عليها للدرجة دي !!
________
في شقة محمود وفاطمة
أعدت فاطمة عشاءً لذيذًا للغاية وارتدت ثوب جديد لم تفتحه قبلا وتعطرت و وضعت القليل من الزينة على وجهها تنظر إلى نفسها في المرآة ، تبتسم سعيدة اتصلت بمحمود وأخبرته أنها متعبة للغاية وعليه العودة سريعا ، وها هو على وشك الوصول سمعت صوت مفتاحه والباب يُفتح ومن ثم صوته وهو ينادي باسمها قلقا :
- فاطمة أنتِ فين يا حبيبتي ، فاطمة أنتِ فين
ومن ثم سمعت خطواته تقترب من الغرفة ورأته يدخل ، توقف مكانه حين رآها بثوبها الخلاب ، توسعت عيناه قبل أن يبتسم مدركا أنها قد خدعته ولكنها خدعة أكثر من رائعة
تبسم ثغره وتحرك إليها ينظر إليها تتحرك عيناه على كل تفصيلة بها بتروٍ ، وقف أمامها يبتسم قبل أن يقول متغزلا بها :
- ايه الجمال دا ، يا أجمل ما رأت عيني ، فاطمة أنا بحبك ، بحبك أوي ، يشهد ربنا إني بحبك من زمان ، من وإحنا عيال صغيرين ، رغم كل اللي حصل إلا أن ربنا عوضني واتجمعنا أنا وأنتِ تاني يا طمطم
ابتسمت سعيدة أرادت أن تعانقه ولكنها خجلت ففعل هو لف ذراعيه حولها يضمها إليه بقوة يتنفس عبيرها الأخاذ تنهدت برقة تبتعد عنه بخفة تنظر لعينيه بنظرات ناعسة حالمة ، مدت يدها إلى مرآة الزينة خلفها تلتقط اختبار الحمل ، أرادت أن تعد مفاجأة حول ذاك الاختبار ولكنها لم تعرف ماذا تفعل تحديدا ، مدت يدها إليه بالاختبار ؛ لترى عينيه تشخص بعنف ، مد يده يلتقط الإختبار من يدها ينظر إليها مدهوشا قبل أن يسألها مصعوقا :
- فاطمة ، الإختبار دا بجد ، أنتِ حامل بجد
اومأت برأسها وجهها يكاد ينفجر من الخجل ، رأت عينيه تدمع قبل أن يعانقها من جديد يكاد يعتصرها داخل أحضانه يبكي بقوة يتحدث سعيدا :
- أنا مش مصدق نفسي أنا قلبي هيقف من الفرحة أنا مش مصدق قد ايه عوض ربنا جميل ، أنا بحبك أوي يا فاطمة
بعد لحظات طويلة سعيدة بينهما ، ستفسدها حالا دون أن تعرف ، كانت تجلس أمام على مقاعد قصيرة أمامهم طاولة قصيرة الأقدام عليها أصناف مختلفة من الطعام ، حمحمت تهمس متوترة :
- محمود في حاجة حصلت من فترة طويلة ، بس أنا حاسة بالذنب عشان مخبياها عنك
قطب جبينه قلقا يوجه أنظاره إليها همهم يحثها أن تتكلم ، فركت يديها بعنف متوترة تهمس :
- فاكر لما اتخطفت من المريض اللي اسمه منير
ظهر الغضب واضحا على وجه محمود يحرك رأسه ، لتحمحم هي تهمس متوترة :
- لما فوقت لقيت نفسي نايمة على سرير غريب ولابسة قميص نوم ، والمريض دا قالي أنه استغل إني غريبة عن الوعي ، واعتدى عليا بس أنا مش عارفة دا حصل بجد ولا لاء ، وبعدين وراني حاجات كتير كان بيسرقها من شقتي لما كنت متجوزة نور ، و....
وصمتت حين هب محمود واقفا جسده ينتفض من الغضب ، يصرخ فيها :
- وأنتِ إزاي ما تقوليليش حاجة زي دي من ساعتها ، جاية تقوليل بعد الهنا بسنة ،ازاي تخبي عني حاجة زي دي كل الوقت دا
وقفت فاطمة أمامه تشعر بالغباء الشديد لأنها قالت ما قالت ، مد محمود يده يقبض على عضدها بقوة يصرخ فيها :
- كان لازم تقوليلي يا فاطمة ، كان لازم أعرف ، ما كانش ينفع تخبي عليا كل الفترة دي
دفعها بعيدا عنه وخرج من الغرفة غاضبا لحظات وسمعت صوت باب الشقة وهو يُفتح ويُغلق بعنف شديد ، لتنهار أرضا باكية تندم كثيرا أنها أخبرته
_______________
وقفت چوري في منتصف الموقع تتحدث مع أحد العمال ، حين شعرت بيد أحدهم يجذبها من عضدها بعنف بعيدا نحو بقعة فارغة حين نظرت للفاعل رأت عمر يفعل ذلك ، جذبت ذراعها من يده بعنف تصرخ فيه :
- أنت اتجننت يا عمر ايه اللي أنت بتعمله دا ، أنت إزاي تمسكني كدة اصلا ، ابعد عنها بدل ما أنادي على حسين
- حسييين هنا بقى مربط الفرس
صرخ بها عمر غاضبا ، كور قبضته يطحن أسنانه اقترب خطوة وأخرى منها يهسهس حاقدا :
- أنا تضحكي عليا وتطلعي متجوزاه ، كنتي وخداني سلمة عشان يغير عليكِ مش كدة ، أنا تضحكي عليا ، تديني على قفايا يا چوري هانم
حاولت چوري أن تقول شيئا لتبرر ما حدث أو تعتذر له ولكن عمر أقدم على فعل لم تتوقعه أبدا ، في لحظة بسط كفه على رأسها من الخلف يجذبها إليه بعنف يقبلها !! صدمة ما حدث جمدتها للحظات وقبل أن تبعده وتصفعه على وجهه بعنف رأت حسين هنا أمامها ، جذبها بعنف يكيل على عمر باللكمات العنيفة القوية
حتى طرحه أرضا غارقا في دمائه ، رفع وجهه إليها يرميها بنظرات حادة للغاية وجهه يكاد يشتعل غضبا ، نظراته حادة كنصل السيف ، قبض على كف يدها يجذبها خلفه إلى سيارته بعنف ، هنا ظهرت رانيا وهي تقف تبتسم في خبث توجهت صوب عمر تساعده ليقوم تغمغم ساخرة :
- هايل يا روميو في الوقت المظبوط اللي روحت جبت فيه حسين عشان يشوف حبيبة القلب وهي بتبوس الباشمهندس عمر

ضحك عمر ساخرا رغم الألم الذي يفتت وجهه ولكنه لن يسمح لأحد بخداعه أبدا
أما حسين فتوجه إلى سيارته فتح بابها يلقي چوري داخلها بعنف شديد ، يكاد ينفجر غضبا زوجته الذي حرم نفسه من قربها عامًا ويزيد تقبل غيره ، تلك اللحظة التي رآها فيها تقف بين يدي غيره هشمت قلبه إلى فتات ، التف حول السيارة يجلس خلف المقود خلفه چوري تتحدث سريعا :
- يا حسين افهم والله العظيم أنت فاهم غلط ، اسمعني
لم يلتفت لها ولكن صوته زلزل كيانها حين صاح فيها يتوعدها :
- صوتك ما يطلعش لحد ما نوصل
جلست صامتة تتنهد حانقة بين حين وآخر ، ظنت أنه سيعيدها لمنزل ابيها ولكن الطريق الذي أخذه كان غريبا لم تذهب إليه قبلا ، لا تعرف إلى أين يأخذها توترت في تلك اللحظة ، تشعر بالقلق ، أو بمعنى أصح الخوف
وقفت سيارة حسين بعد رحلة ليست بالقصيرة إلى منزل منفرد ليس بالضخم كمنزل أبيها ولكن حجمه مناسب ، ابتلعت لعابها حين توقفت السيارة ونزل حسين منها التف حول السيارة يجذبها منها بعنف ؛ لتحاول ضربه بيدها الأخرى تصرخ فيه غاضبة :
- حسين ما تعاملنيش بالأسلوب دا أنت اتجننت ، أنا غلطانة إني وافقت ادي حيوان زيك فرصة تانية
زاد غصبه ولكنه لم يرد بل استمر يجذبها بعنف وهي تصرخ تحاول جذب نفسها منه تشتمه ، وصل بها إلى الطابق الثاني حيث غرفة نومها دفعها للداخل يغلق عليهم الباب بالمفتاح ، توترت وخافت ولكنها حاولت أن تظهر العكس اشهرت سبابتها أمامه تصرخ فيه :
- حسين افتح الباب دا وخرجني ، ولو فاكر أنك كدة بتخوفني تبقى عبيط ، مشيني من هنا يا حسين احسنلك ، أنت أكيد عارف بابا هيعمل فيك ايه لو فكرت تمس شعرة مني غصب عني

ضحك ساخرا ولم يرد ، ما به هل بات أبكم ، ولما تشعر في تلك اللحظة أنها داخل مشهد في فيلم عربي قديم والبطلة على وشك اغتصابها من الشرير ، ويبدو أن المشهد صحيح لأن حسين بدأ يتخلص من ثيابه وهو ينظر إليها يتوعدها بالكثير !!
_____________
في أسوان
على كورنيش النيل وقف عمار ومعه رقية ينظران إلى سطح المياه كل منهما شارد ، منذ ساعات توقفت عن عدها وهي بصحبته ، تركها تبكي وتخرج ما يعتمر في قلبها المثقل التعب ومن ثم قال في هدوء :
- أنا بردوا كنت بحبها أوي ، أوي كنت نسمة الهوا الوحيدة اللي بتهون عليا الجحيم اللي شوفته سنين ، بس بردوا ما بقتش ليا ، أنا ما استاهلهاش ، لكن أنتِ تستاهلي يا زينب ، تستاهلي جاسر وتستاهلي الأحسن منه كمان ، وبعدين فكري فيها من شكل تاني ، هتتجوزي واحد ما بيحبكيش ، الحب مش بإيد حد يا زينب ، والله أنتِ اللي كسبانة ، تخيلي تعيشي حياتك مع واحد مش بيحبك اتجوزك بس عشان أنتِ بتحبيه ، بجد دي مأساة
كلماته مقنعة صحيحة ولكن قلبها جريح يحبه رغم ذلك ، ومن ثم ساد الصمت بينهما كلاهما ينظر لسطح المياه ، حين اختفت نظرة سريعة له رأته يرفع يده يمسح دموعه ، لما يبكي ؟!
ذلك العمار غريب غامض بشكل مستفز ، دوما ما كانت تتجنبه ولكنها بدأت تشعر بالشفقة عليه خاصة حين علمت الآن أنه صاحب قلب جريح مثلها ! ، بعد عدة لحظات توقفت سيارة رأت ابتسامة عمار تتسع حين نزل من في السيارة كان شاب تقريبا في مثل عمره ، يبتسم سعيدا ، هرول صوب عمار بخطى واسعة ليعانق كل منهما الآخر بقوة ، ابتسم عمار يربت على رأس شقيقه يحادثه سعيدا:
- وحشتني أوي يا زين ، بجد وحشتني ، اومال فين العروسة اللي قولتلي عليها
ضحك زين بخفة يعانق شقيقه قبل أن يبتعد عنه :
- يا ابني ما هي فكراك ميت ، استنى بس امهد لها الحوار وأقولها عفريت اخويا بيظهرلي وعاوز يشوفك وهجبها واجيلك
ضحك عمار يصدم زين على رأسه بخفة ، يتشاكسان كالاطفال ، ورقية تقف تنظر إليهما تبتسم دون أن تدري على ما يفعلان
في تلك الأثناء كان جاسر يقود سيارته جواره مليكة يتوجهان إلى أحد المطاعم لتناول الطعام ينظر إليها بين حين وآخر يبتسم وهو يراها تتحرك في مقعدها متناغمة مع أصوات الأغاني العالية المزعجة ، في طريقه وقعت عينيه على مشهد جعلته يوقف السيارة فجاءة ، عاد ينظر للمشهد من جديد لتتسع عينيه حين رأى عمار أمامه ، عمار الذي من المفترض أنه ميت !! ، يقف جواره زين يتشاكسان ، عمار حي وهو ثأره مضاعف ، ثأر شقيقته وثأر زوجته ، تلك المرة لن يقتله بالمسدس بل بيديه ، نزل من السيارة سريعا يصيح بعلو صوته :
- عماااار
التفت عمار إليه لم يبدو خائفا عكس زين الذي انتفض خائفا يقف أمام شقيقه ليحميه ، وضع عمار يده على كتف زين بخفة يبعده عنه ، اقترب جاسر يهرول في خطاه إليهم ، قبض على تلابيب ثيابه يقرب وجهه منه يهمس يتوعده :
- صدقني هخليك تتمنى لو كنت ميت فعلا ، من اللي هعمله فيك ، هاخد حق أختي وحق مراتي وحق كل بنت مارست عليها قذارتك يا قذر
حين لكمه بعنف ، صرخ زين فيه يدفعه بعنف بعيدا عن شقيقه يقبض على تلابيب ثيابه يمنعه من إيذاء شقيقه يصرخ فيه :
-إياك تأذي أخويا فاهم يا جاسر
لم يتفاجئ من رد فعل زين فهو شقيقه أولا وآخرا ولكنه تفاجئ من رد فعل رقية ، حين وقف أمام عمار تحميه منه تصرخ فيه:
- ابعد عنه ، أوعى تأذيه ، أنت عاوز منه ايه
نقل جاسر أنظاره بين وجه عمار المقطب الحزين ووجه رقية المرتعب خوفا عليه ، هنا ابتسم جاسر ساخرا وكاد أن يقول إن عمار يا رقية هو نسخة أخرى من زوجك المريض السادي ولكنه لسبب ما توقف في اللحظة الأخيرة ، لن يخبرها ولكنه لن يترك ثأره ، ذلك العمار سيقتله الآن وفي الحال ولن يوقفه أحد ، دفع زين بعيدا عنه بعنف ليسقط أرضا تعثر في حجر ولسوء حظه ارتطم رأسه بحجر ضخم على الرصيف ، توسعت حدقتاه ألما والدماء تنفجر من رأسه في حين صرخ عمار باسم شقيقه مذعورًا !
___________
في شقة رعد
في الصالة جلس رعد وعلى قدميه يونس يشاهدان فيلم كرتون ، يتابعه الصغير بانتباه شديد ، وهو ينظر إلى الصغير يبتسم بين حين وآخر ، يقبل وجنته بين لحظة وأخرى ، تلك القطعة الصغيرة منه ومنها يود أكلها من شدة ظرافتها ، أما طرب فكانت تعد زجاجة الحليب للصغير حين خرجت من المطبخ سحرها المشهد السعيد أمامها ، وقفت تراقبهم وهي تبتسم ، ربما رعد حقا يستحق فرصة ثانية وما فعله معها باليومين الماضيين يثبت ذلك ، انتفضت مذعورة في اللحظة التالية على صوت دقات عنيفة على باب منزلهم ، توجهت سريعا تأخذ الصغير منه ، أما هو فقام يفتح الباب وحين فعل رأى أمامه والدته وأبيه ونصار ويوسف جميعهم هنا أمامه ، ابتسم ساخرا يشير لهم بالدخول :
- أهلا أهلا ، نورتوا بيتي المتواضع اتفضلوا واقفين ليه
دخلت رؤى أولا ترفع ورقة المحضر أمام وجه رعد تصرخ فيه غاضبة:
- أنت رفعت قضية حجر على أبوك يا رعد أنت اتجننت ، أنت أكيد لسعت
شهقت طرب مستنكرة ما تفعل ، نظرت لرعد تتمنى أن يقل أن ذلك ليس بصحيح هو لم يفعل ذلك ولكنه ابتسم ، اقترب منها يلف ذراعه حول كتفيها يتمتم متهكما :
- كفاية عليه بقى ، جاسر باشا مهران الشيطان ، خدت زمنك وزمن غيرك ، جه دوري شوية أمسك الساحة ، وأنت تريح يا حج ، أنت كبرت وعجزت بردوا
اقترب يوسف من شقيقه يصرخ فيه مصعوقا :
- أنا مش مصدق أن اللي بيقول الكلام دا رعد ، ايه يا رعد أنت اتجننت بجد
ابتعد رعد عن طرب يضع كفه على كتفه شقيقه يحاثه بهدوء :
- يا ابني افهم ، لما نزيحوا من الساحة هبقى أنا الكل في الكل وهخليك دراعي اليمين ، اشهد معايا يا يوسف أن أبوك خرف
قاطعه يوسف يقبض على تلابيب ثيابه يصرخ فيه :
- دا أنت اللي خرفت ، ما عملتش حساب الزمن ، أنت عندك ابن بكرة هيعمل فيك اللي أنت بتعمله دا
ضحك رعد ساخرا يتهكم منه :
- وأنت فاكر أن أنا هعمل في ابني اللي أبوك عمله فيا ، ولا ايه يا جاسر باشا
تقابلت عيني رعد مع عيني جاسر ، رأى في عينيه جبروت جاسر مهران وهو يتداعى ويتهشم ، ينظر إلى ولده مصعوقا بما يسمع ، ابتلع لعابه كاد أن يقول شيئا حين اقتربت رؤى منه رفعت يده وصفعته بقوة صعفة تليها الأخرى تصرخ فيه :
- جاسر كان عنده حق ، كان عنده حق لما كان خايف منك وقالي أنك هتقلب وهتبقى أسوء من الشيطان ، أنا اللي كنت عامية عن حقيقتك ، كنت عامية عن قد ايه أنت غلاوي وقلبك أسود وبتكره الكل ، من النهاردة لا أنت ابني ولا أعرفك وقلبي غضبان عليك ، ولو كسبت القضية دي يبقى أنت خسرتنا كلنا ، لأنك هتكون بالنسبة لنا ميت يا رعد أنت فاهم ، وبكرة الزمن هيدور وابنك هيدوقك من نفس الكاس ، تعرف أنا ندمانة إني خلفتك !!
بصقت كلماتها في وجهه بمنتهى القسوة ، وقف هو مكانه يبتسم ساخرا يبدو أن كلمات والدته لم تؤثر به كثيرا ، وبما أن المشهد لم ينتهي بعد فجاء دور نصار للحديث :
- يا ابني استهدى بالله ، دا شيطان ودخل ما بينكوا ، ما تخسرش أبوك اللي بيحبك ووقف جنبك عمرك كله يا رعد ، ما تبعش الدهب بشوية رماد يا ابني
ضحك رعد ساخرا ينقل أنظاره بينهم قبل أن يرفع يديه يصفق ببطء يتهكم منهم :
- هايل ، مسرحية تحفة ، أدواركوا ممتازة ، حد عنده جملة تانية قبل ما نقفل الستار ، بطل المسرحية مش عاوز يقول حاجة قبل ما يبقى الكومبارس ، وكومبارس صامت كمان
ابتسم جاسر في هدوء ينظر للواقف أمامه لم يخطئ حين قال أن رعد سيكن أسوء منه نفسه في شبابه ، حرك رأسه للجانبين يتحدث بهدوء :
- لا يا رعد ، بطل المسرحية ما عندوش جُمل يقولها ، ما عندوش حاجة خالص ، اشوفك في المحكمة ، آه صحيح أنا عارف أنك بدأت تجمع تقارير كتير من الدكاترة إني بقيت مجنون من غير ما نقولها مصطلحات طبية ، ما تقلقش أنا مش هوقفك ، كمل مشوارك ، يلا يا يوسف هات والدتك وتعالا ، اسندني يا نصار عشان رجلي شادة عليا
لم تكن قدمه بل كل ذرة به تؤلمه حد الموت ، التفت برأسه ينظر صوب رعد للمرة الأخيرة يمر أمام عينيه شريط طويل منذ ولادته إلى هذه اللحظة ، في تلك اللحظة شعر بأن الأرض تميد من تحته ألم بشع اخترق صدره ، خرجت من بين شفتيه شهقة عنيفة وكأنها شهقة الموت ، قبل أن يسقط أمامهم أرضا حدق ذلك في لحظات ، صرخت رؤى ويوسف ونصار باسمه فزعا ، أما هو فابتسم ساخرا يكتف ذراعيه أمامه يتحدث بلامبلاة قاتلة :
- شيلوه ،طلعوه برة بيتي !!!
_______________
رمضان كريم وكل سنة وانتوا طيبين

أسيرة الشيطان الجزء الأول + الجزء الثاني+ الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن