1

15 2 0
                                    

تعالت صدى الطوارئ عبر جدران الأروقة، وكأنها لحن من القلق والتوتر يتراقص في الهواء. يتصاعد صوتها بشكل متسارع، كأنه يعكس ضغط اللحظة المأساوية التي تعيشها المستشفى. يتسلل إلى كل زاوية وركن في المكان، معززًا التوتر العام وزيادة القلق لدى الحاضرين.

تردد صوت طبيبة المستعجلات بوضوح عبر سماعات الاتصال اللاسلكي: "نطلب من الجميع الاستعداد لاستقبال حالة رجل في الأربعينيات من العمر، تعرض لحادث سير مميت."

عندما دخل الرجل قسم المستعجلات بعد الحادث المأساوي، اجتاحته موجة من الفزع والحزن، تغلغلت في كل خلية من خلايا جسده. تعالت أصوات الأجهزة الطبية وصرخات الأطباء والممرضات، تعلو وتتلاشى في الهواء المليء بالتوتر.

وثقت عينا الرجل المشهد الكئيب، ولاحظ الوجوه الجامدة المليئة بالقلق والقسوة، وشعر بلوعة الخسارة والعجز التي يعانون منها. تراقب ليلى، المشهد بعينيها المشتتتين، تشاهد الوجوه المتوترة والمشحونة بالضغط، وتشعر بالاشمئزاز والغضب يتلاشى في أعماقها.

ليلى لم تكن غريبة عن هذا الرجل، فقد كان زوجها السابق ياسر الذي لا ترغب في التفكير به أو التعامل معه. كانت ترغب في تركه يعاني ويتألم كما جعلها تعاني في السابق. إلا أن اخلاقها الطبية لم تسمح لها بذلك، فبدأت بإجراء الفحوصات اللازمة، وهي تتصارع مع الذكريات المؤلمة التي تتداخل مع تفكيرها الحالي.

بعد مرور فترة ليست بطويل من دخول ياسر القسم المستعجلات بداء جسمه يستجب للعلاج. وبداء يدرك ماحدث له تقدمت ليلى . قام بسحب يده اليه ببط ثم قال " وش هذا الجمل ؟ " في محاولة للمداعبة سحبت يده بسرعة ثم انفجرت عليه من الغضب " انت مجنون؟ ... ترى بتحترم نفسك أو .... "

كانت تدرك في اعماق انه لا تقوى على التهديد . فقد اخفت فتقرير الطبي على انه كان في حالة سُكر, فقد كانت تخاف عليه رغم انه لتقر بذالك في نفسه . كم قال - أحمد درويش - "الحبيب الأول هو الشخص الذي يحطم قلبك وفي نفس الوقت يعلمك كيف تعشق بكل جنون."

كان ياسر حينه يتأمل وجهها وكأنه يراها لأول مرة، ويركز نظره على خصلة شعرها البني التي تتدلى على وجهها أثناء محاولتها ثانية لوخزه بالإبرة. ثم أطلق بعض الكلمات التي كان متأكدًا أنها ستؤثر فيها قائلاً " مو مفروض الممرض هي التسوي الابرة ؟" ردت عليه و قد بدئ الاحمرار على وجهه من خجل فقد عرفت ان خطته قد كشفت . ردت عليه وهي تحاول ان تخفي مشاعر حبه له برده الصارم " مو شغلك ! " ثم تنهدت وقالت " ترى الي تسويه ... حرم " أجابه وهو يتألم بسبب الجروح التي تعرض له في كتفه " تعرفين بين الحلال و الحرام ... ماشاءالله عليك ... شعرك مكشوف قدام الرجال و تقولين الي السويه حرام " لم ترد عليه فقد ادركت انه كانت ترتدي الحجاب خوفا منه وليس خوفا من الله , وهذا ميعيشه المجمتمع اليوم اصبحنا نخاف من الناس اكثر منخاف من الله. فاصبح الرجل ليبرز رجولته يقوم بالمعاصي من اجل ارض الناس و الغرائز الحيواني التي فيه و المرأة من اجل أن تبرز كأمراة متحرر وش تسوي ؟ تنزع الحجاب و تنشر فيديوهات و صوره فالتيك توك و السناب شات .... فاصبحا مجتمع يسعى فيه كل من الجنسين لتحقيق رغباتهم و قد تكون على حساب صحتهم النفسية أو الجسدية .

انسحبت ليلى من قسم الطوارئ و توجهت نحو قاعة لاستراح القت بجسده المرهف على كرسي في زاوية وقد كانت الابتسامة المعتادة قد غادرت شفتيها، وأصبحت الحزن يرسم على محياها سيمفونيةً من الألم، ترنو إلى أن تجد مساحةً في العالم لتنفسها. تفقدت عيناها لمعانهما السابق، وأصبحتا مثل بحيرتين ضبابيتين تخفي في أعماقهما كل ما في داخلها من تعاستها.

* * * *

تعالت صيحةٌ هائلة في قسم الطوارئ، كأنها انفجارٌ هائلٌ يملأ المكان بالهلع والذعر. فتاة في العشرينات تصرخ بكل قوته " ماما .... ماما" وقفت الفتاة هناك، مترنحةً، كأنها كائنٌ هشٌ تحترق في ركامٍ من الألم. جسدها المتعثر يحمل آثار العنف، حيث يرقد الكدمات والجروح المؤلمة كلمحاتٍ من تاريخها المنكسر. كانت أطرافها ترتجف بشكلٍ لا إرادي، مشاعرها المضطربة تتلاطم كأمواجٍ هائجة في داخلها. تحاول التنفس بصعوبة، وجهها الملوّن بآثار البكاء والخوف ينعكس مثل مرآة مكسورة تعكس جراحها الداخلية. كانت عيونها المحاطة بالهموم تنبعث منها بريقٌ ضائع، فهي تحمل في عينيها قصةً محطمة من جراء العنف الذي تعرضت له.

خرجت ليلى بخطى هادئة من غرفة الراحة، متوجهة نحو صوت الصراخ الذي اندلع في قسم الطوارئ. ولكن حالما وقفت على عتبة الباب، تنصدم بالمشهد المروع الذي باغتها. وهرولت ليلى بلا تردد نحو ابنته لمى، كأنها تتحدى الجاذبية وتخوض معركةً من أجل إنقاذها. سارعت خطواتها وانبثقت العرق من جبينها المشدود، تتقدم وسط الفوضى المحيطة بها، حيث تتداخل الأفكار في عقلها بشكل متشابك ومثقل. كل خطوة تقوم بها تعبر عن امتزاج الحيرة والقلق، طرح سؤال وهي تخشى الإجابة " من سو فيك كذا؟ ..... أين اخوكي؟ " اجابت لمى وهي في حالة لتحسد عليه " انـ.... " لم تكمل كلمته حتى فقدت وعيه، وفهمت أن مكروهًا قد وقع لابنها.

أثر الظلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن