LAWS OF JARTIN 2 ( دِقٌآت آلُِشُآموُ )

❺❶_سَبِيِلْ

ركبت العربة الخشبية التي جاءت إلى وادي النسالي برفقة الضباط أحمل بين ذراعي طفلي الذي يبلغ يوما واحدا، ثم لحق بي الطبيب بعد قليل من الوقت، وجلس على المقعد المقابل لي ينظر بعينين ملتمعتين بالدموع عبر نافذة العربة إلى السيدة غفران التي كانت تقف تنظر نحونا ، قبل أن تنطلق بنا العربة إلى جويدا.

كان الحزن البادي على وجه الطبيب عظيما، وبدا من صمته المطبق أنه يغوص في أعماق أفكاره .. كنت أعرف أنه لم يرد الرحيل قط وترك سيدتي بمفردها لكنه انصاع إلى رغبتها في النهاية تقليصا لمزيد من الآلام. كان برفقتنا جندي واحد داخل العربة يجلس بجواري، فقطع الطبيب صمته وسأله بعد تحركنا بفترة قصيرة:

- متى ترحل أولى السفن إلى الشمال؟

أجابه الجندي بأنه لا يعرف، فأكمل الطبيب شروده ونظراته عبر النافذة إلى ظلام الطريق المحيط بنا إلى أن ظهرت أنوار جويدا وقلت اهتزازات العربة بعدما صار الطريق معبدا من أسفلنا ، فسألني:

- ماذا ستسميه؟

قلت:

أخبرت سيدتي أنني سأسميه حيدر .. على اسم أبيه ...

ابتسم لي وقال:

- أتمنى لكما حياة سعيدة.

فشكرته على لطفه وتمنيت له حياة أكثر سعادة هو الآخر في البلاد التي سيذهب إليها، وبعد وقت قليل توقفت العربة، وطرق بابها من الخارج ضابط أمر الطبيب بأن ينزل لمرافقة فارسين آخرين سيصحبانه إلى القرية الجنوبية حيث مرفأ السفن، فأوماً برأسه إليه، ثم احتضنني وهمس إلى أذني ببعض الكلمات دون أن يسمعها الجندي المجاور، وابتسم لي بعدما حدقت به متعجبة مما قاله، بعدها غادر مع الضابط، وأكملت العربة طريقها بي بين شوارع جويدا، حتى توقفت أخيرًا أمام بيت صغير من طابق واحد، وقال

قائد الجنود بعدما نزلت من العربة

- ستعيشين هنا مع ابنك

لم أصدق أن يخصص الأشراف لي بيتا .. ودلفت بأسارير منفرجة وراء الضابط عبر الباب الذي فتحه أحد الجنود، لكني أجفلت حين وجدت الفارس كيوان يجلس في ردهة البيت في انتظاري

... بعدها انصرف بقية الضباط بإشارة منه، فيما وقفت يرتعش جسمي من الخوف وأنا أمسك بطفلي فوق ذراعي عندما اقترب مني وألقى نظرة خاطفة عليه، وقال:

- سيسجل صباح الغد بين مواليد هذا العام، وستحصلين على صك انتمائك للأشراف، وبعدها يمكنك تغطية كتفك.

هززت رأسي إيجابا خوفًا دون أن أنطق .. فتحرك بعيدا عني

خطوة واحدة، وتابع:

- ستقام احتفالية به في الباحة خلال يوم الغفران القادم بأمر من الحاكم .. ستصعدين إلى المنصة بعد انتهاء الإعدامات وسيعزف العازفون موسيقا الاحتفالات الوطنية ...