الثامن والعشرون الجزء الثاني

ابدأ من البداية
                                    

جاسر ! ... جاسر أيضا انقذها منه عدة مرات أول مرة حين جاء لشقتها ليلا واخذها منه حين جلب ذلك المخنث زوجته الثانية إلى شقتها ، والمرة الثانية حين أجبره على أن يطلقها ويتنازل عن حضانة الأطفال والشقة لها ، والمرة الثالثة انقذها في الفندق حين كاد يأخذها ليرميها في غياب قضية زنا ، جاسر دوما ما ينقذها وهي دوما ما تسبه !!! ، كم كانت حمقاء تسير خلف سراب الحب ... لا يزال صدى كلماته يدق في أذنيها وهو يخبرها أنه يقوم بخيانتها منذ بداية زواجهم وهي كانت عمياء لا ترى ، ومن ثم أوهم شقيقتها الصغيرة بأنه يحبها وحاول ابتزازها والاعتداء عليها ، وتزوج عليها ، وسجل فيديوهات لها وهي معه مع زوجها ، وآخرهم أراد أن يلفق لها قضية زنا وينشر تلك المقاطع ، كيف يكون ذلك الرجل هو مصطفى الذي أحبت وتزوجت وأنجبت منه ؟! كانت تعيش كل تلك الأعوام في سراب وهم غير موجود من الأساس ؟!
فتحت عينيها تشعر بالألم الشديد يحرق روحها ارجعت رأسها للخلف ترتسم ابتسامة ألم كبيرة على شفتيها ، ابتسامة تقطعها دموعها وهي تصيح من الألم :
- يا الله ، قد ايه كنت مغفلة وعامية ... دا قالي أنه كان بيخوني من اول سنة جواز ، واتجوز عليا وعرفت أنه كان بيتحرش بيكي وما صدقتش ورجعلته ، رجعتله عادي كدة ببساطة ولا كأنه عمل حاجة أنا إزاي عملت في نفسي كدة ، إزاي صدقت الشيطان وحبيته ووثقت فيه أكتر من أهلي ، دا أنا كذبت جاسر واتهمته أن هو اللي بيتحرش بالبنات اللي بتجيله العيادة عشان ما اصدقش اللي قاله عنه وكان حقيقة ، جاسر كان عنده حق ... جاسر هو اللي انقذني من قرفه وأنا اللي رجعتله برجليا ، ولولا وجوده امبارح كان زماني مرمية دلوقتي في الحبس متهمة بقضية زنا ، كان عاوز يلبسني قضية زنا يا أريچ ، إزاي دا مصطفى إللي أنا حبيته أكيد مش هو ، أكيد في حاجة غلط
انهمرت الدموع من عيني أريچ حزنا على حال شقيقتها لتهرع إليه وقفت أمامها تجذبها إلى أحضانها تمسكت سما به وانفجرت في البكاء وكأن دموعها تأبى أن تجف ، مسحت أريچ على رأسها تواسيها :
- عشان هو حيوان ، وربنا هيحاسبه مش ذنبك أنك حبيته يا سما ، الذنب عليه هو ومن زمان ، صدقيني ربنا خلصك منه ، أنا عارفة أنها صعبة عليكِ وصعبة أوي كمان بس أنا هبقى جنبك مش هسيبك وجاسر مش هيسيبك وبابا وماما إحنا كلنا هنبقى جنبك ... بس عشان خاطري ما تنهاريش هو ما يستاهلش يا سما ، بصي لبكرة ولمستقبل كيان وتميم
تمسكت سما بأحضان شقيقتها تبكي وشريط طويل يعاد مرارا وتكرارا أمام عينيها ، تتمنى فقط أن يكن ما يحدث ليس إلا كابوسا مزعجا
وستصحو منه لتجد أن كل ذلك لم يحدث أبدا
تمنت أريچ في تلك اللحظة أن يكن جاسر هنا معهم ، ويبدو أن أمنيتها تحققت سريعا حين فُتح الباب ودخل جاسر إلى الغرفة ابتسم حين رأى أريچ تعانق سما ... كان قلقا للغاية من أن تنهار العلاقة بينهم سيجد شكرا أن ذلك لم يحدث وقف في منتصف الغرفة ، وضع يده السليمة على خاصرته يغمغم متضايقا :
- والله ابغي اتحضن أنا كمان
رفعت سما رأسها تنظر لشقيقها نظراتها مشتتة تصرخ ألما ، اقترب يضع كفه على كتف أريچ اقترب برأسه منها يهمس لها بشيء ما ؛ لتحرك رأسها بالإيجاب سريعا تنسحب من الغرفة ، ليجذب جاسر المقعد أقرب إلى شقيقته جلس أمامها لتتمسك بكف يده تتوسله باكية :
- قولي أنه كابوس يا جاسر قولي أن اللي حصل دا ما حصلش ، أنا مش قادرة أصدق ولا استوعب مخي هينفجر ، أنا كل ثانية بغمض عيني وأقول أكيد كابوس ، أكيد دا ما حصلش
بس لما بفتح عينيا ما بيطلعش كابوس ، إزاي يا جاسر هو مش كابوس ، إزاي يعمل فيا كدة.
هو شاف مني ايه وحش عشان يعمل كدة ، أنا عمري ما أذيته ... أنا عملت إيه وحش طيب عشان يحصل فيا كدة أنا هتجنن يا جاسر ، والله هتجنن
على الرغم من أنه رأى الأسوء من حالتها بكثير ألا أنها شقيقته ، عينيها المضطربة التي تتحرك بلا توقف شفتيها التي ترتجف بقوة ، دموعها المراقة ، يديها التي تقبض على كفه وكأنها تتمسك بطوق النجاة الأخير ، العقل رافض ما يحدث على الرغم من أنه يصدق حدوثه ... ظل ينظر لوجهها لمدة بسيطة قبل أن يرفع يده دون سابق إنذار وقرص ذراعها بعنف كبير لدرجة جعلها تصرخ من الألم نظرت للعلامة الحمراء التي خلفها على ذراعها مذهولة لا تفهم لما فعل ذلك جاسر ولما يفعله الآن وهي في أشد حالاتها ألما ، هل جُن هو الآخر ؟! لتسمعه يغمغم ببساطة :
- ما توقعيش إني أعمل كدة ، عشان أنا شخص قريب منك أوي أنا أخوكِ إزاي آذيكِ ... لو واحدة صاحبتك هي اللي قرصتك مش هيبقى نفس الوجع ، مش عشان أنا ايدي ناشفة عشان العقل ما توقعش مني دا ، ما توقعش الأذى من القريب العزيز الغالي ، اللى عمرك ما اذتيه ودي قرصة صغيرة ما بالك بقى بالغدر والخيانة
دكتور قاسم ربنا يمسيه بالخير كان دايما يقولي على قد الغلاوة يكون الوجع ، وهو كانت غلاوته في قلبك كبيرة عشان كدة كنتي رافضة تشوفي الحقيقة وركزي أوي في كلمة كانت ، وجعك آه ، اتأذيتِ جدااا ، عقلك مش مصدق لاء هو مصدق بس بيحاول ينكر اللي حصل لسه محتفظ بصورة قديمة بيحاول يحميها على قد ما يقدر ، فبيهز صورة الواقع كلها
أنا مش جاي أمارس مهاراتي في الطب عليكِ ، أنتِ قوية يا سما مش ضعيفة مجروحة والجرح بينزف ، مع الوقت هيلم ... وهتفضل علامة ليه وهتفضل توجع كل ما تفتكريها ، أنا مش ساحر جاي أقولك اعملي كذا وكذا وهتنسي اللي فات ، خلي عقلك يكسر الصورة اللي مخبيها دي واتوجعي واصرخي وابكي ، ادي وجعك وقته ، بس وأنتِ بتديله وقته ما تشليش صورة كيان وتميم من قدام عينيكِ ، وافتكري كويس أن دول الحاضر والمستقبل اللي لازم تعيشي عشانه
وضع يده في جيب سرواله واخرج شريط اقراص وبيده السليمة فتح واحدة داخل كف يدها تحرك يجلب لها كوب من الماء ، عاد إليها ليراها شاردة لا تزال تبكي وهو لم يتوقع توقفها عن البكاء الآن على أي حال ، لا يزال الطريق طويلا ... أعطاها كوب الماء لتأخذ الكبسولة ترتشف القليل من الماء في تلك الأثناء دقت أريچ الباب ومن ثم فتحته دخلت تجذب يد والدها معها ، تنظر لجاسر تغمزه بطرف عينيها خفية ، اشاح ياسر برأسه يوجه حديثه لجاسر :
- أختك قالتلي أن في مشكلة في اي ؟
تحرك جاسر صوب أبيه وقف أمامه أخفض صوته يهمس بنبرة راجية :
- بابا عشان خاطري ، هي غلطت ... بس أنت شايف حالتها عاملة إزاي
حرك ياسر رأسه للجانبين يرفض ما يقول ولده ، تحركت عينيه ينظر لوجهها الباكي ليغمض عينيه فجاءة حين مر أمامه لقطة من أحد المقاطع التي ظهرت فيها ، ترك يد أريچ يوجه حديثه :
- أنت المسؤول عن الحالة دي يا جاسر ، تكتبلها خروج أو لاء دي مش بتاعتي ، أنا بخلي مسؤوليتي منها تماما ... عن اذنكوا
وتحرك يغادر الغرفة مسرعا لينظر جاسر إلى أريچ يحرك رأسه يائسا ، والده حزين لدرجة كبيرة
_____________
محمود بالأسفل ، جملة قالتها حلم لها قبل أن تهرع إلى المطبخ لتعد لهم المشروبات ... تحركت هي لخارج غرفتها تنزل درجات السلم رأت محمود يجلس بالأسفل أمامه عاصم يتحدثان ... شعرت حين رأته أنها حقا اشتاقت إليه ؟! ابتلعت لعابها مرتبكة تقترب منهم تلقي التحية ليقف عاصم من مكانه يوجه حديثه لمحمود :
- خمس دقايق وراجعلكوا عندي مكالمة شغل سريعة ، اقعدي يا طمطم
ابتسمت لشقيقها تومأ برأسها جلست مكانه بات محمود أمامها ، هو وهي والصمت ثالثهم ، ظل صامتا لعدة لحظات يشبك كفيه يقبضهم بعنف
ينظر لهما قبل أن يرفع رأسه إليها زفرة قوية خرجت من بين شفتيه قبل أن يحادثها حزينا :
- أنا بجد آسف ، أنا اترددت كتير إني أجي ... شعوري بالذنب وإني قصرت عشان كدة الكلب دا خطفك ويا عالم لو ما كنتيش هربتي منه كان عمل ايه تاني مموتني ، حاسس إني مش راجل ما عرفتش احميكي .. فاطمة أنا بجد كنت عاوز ابدأ معاكِ حياة جديدة ..بس أنا ما عرفتش احميكي ، مين عارف ما يمكن بعد الجواز يخطفك تاني
قاطعته قبل أن يكمل لوم نفسه أكثر من ذلك :
- أنت مالكش ذنب يا محمود ، أنت مش حارس شخصي ليا هتفضل ملازمني الاربعة عشرين ساعة ، هو اللي بني آدم مريض ومهووس من أيام ما كنت مرات أخوه ، أنا ما بقولش كدة عشان تقولي أنت عاوز نكمل أو لاء
سكتت والتقطتت أنفاسها بقوة تهمس بنبرة ثقيلة :
- الأيام اللي فاتت كنت بفكر في حياتي ، في آخر كام سنة ، لقيت نفسي عايشة على هامش الصورة بتفرج على اللي بيحصل .. ماليش دور في حياة اي حد من أخواتي ما بساعدهمش بالعكس دا عبىء زايد عليهم ، حتى في حياتي
أنا بعمل ايه ، بسبب مشاكل للي حواليا وبس
ما تشيلش الذنب بسببي يا محمود ، أنا عايزة أعمل حاجة في حياتي بس مش عارفة أعمل ايه ؟
- اتجوزيني !
همس بها بنبرة شغوف ، توسعت حدقتيها قليلا
ارتكبت حين قالها ، جزء يوافق والآخر يرفض وبشدة ... جزء يريد خوض الحياة من جديد والآخر لا يزال متعلقا بمن تحت الثرى ، في تلك اللحظة تذكرت شيئا هاما ، أن محمود ذلك الرجل الجالس أمامها يحبها للغاية لدرجة جعلت يزهد الزواج كل تلك الأعوام وأنها كأنثى اشتاقت للحب ، للشعور بالأمان هي تشعر بالأمان في بيت عاصم ولكن أمانه هو مختلف ، وهي كفاطمة سئمت من تشتتها الذي بجلب المصائب سئمت من حياة تعيش على حافتها
جميع أطراف المعادلة في صالح محمود ، تنهدت بقوة قبل أن تومأ برأسها تشعر بالارتباك وهي تهمس تحادثه :
- أنا موافقة ، بس ممكن لما نتجوز ما نقعدش في البيت اللي في الحارة مش بستعر والله ولا حاجة ، أنا بس...
قاطعها قبل أن تكمل ظهرت الفرحة جلية على قسمات وجهه يحادثها :
- مش محتاجة تبرري يا فاطمة ، أنا كدة كدة شاري شقة تانية في منطقة كويسة يعني مش راقية أوي بس كويسة ، بس زي ما أنتي عارفة والدتي مالهاش غيري وهي ست كبيرة ، فمعلش هتقعد معانا بعد الجواز ، مع أني واثق أنها هترفض بس هحاول اقنعها
لم تكن لترفض هي تحب السيدة صفاء كوالدتها اومأت برأسها موافقة ، لتسمعه يردف من جديد :
- أنا عرفت من عاصم أن يوسف ابن أختك عامل حادثة وكان في المستشفى ، فأنا من رأيي نستنى اسبوعين ولا حاجة عشان اختك ما متزعلش اننا هنعمل الفرح وابنها تعبان
فرح !!! هل يود محمود عمل زفاف لهما ، زفاف ثاني وترتدي الأبيض لرجل آخر غير محمود ، رفعت وجهها إليه تهمس متوترة :
- فرح !! ، لاء بلاش فرح ، أنا مش عاوزة فرح
بدا متضايقا مما قالت كثيرا ليحرك رأسه للجانبين يرفض ما تقول :
- بس أنا عاوز يا فاطمة ، وأنتِ من حقك فرح وبعدين إحنا ما بنعملش حاجة غلط عشان ما نفرحش
- ايوة بس أنا أرملة !!
همست بها بنبرة خفيضة متوترة ليتضايق أكثر يحادثها ببعض الحدة :
- أرملة ، مطلقة ، آنسة .. من حقك فرح وأنا هعمل فرح يا فاطمة ... ودا بند غير قابل للرفض أنا آسف
جاء عاصم في تلك الأثناء ؛ ليقف محمود اقترب منه يصافحه يردف بابتسامة بسيطة :
- طب أنا هستأذن وهكلم حضرتك عشان باقي التفاصيل وعشان تيجوا أنت وفاطمة ومدام رؤى تشوفوا الشقة ، عن إذنك
صافح محمود عاصم وتحرك وغادر ليقطب عاصم جبينه ينظر صوب فاطمة يسألها :
- في اي ، انتوا شديتوا مع بعض ولا ايه ؟!
زفرت أنفاسها مرتبكة تحرك رأسها للجانبين تهمس متوترة :
- محمود عايز يعمل فرح يا عاصم ، أنا عارفة من حقه يعمل فرح ، بس أنا مش متخيلة إني هلبس الفستان الأبيض تاني لحد غير نور !!
اقترب عاصم من شقيقته أمسك بذراعيها يحرك رأسه رافضا ما تقول :
- لا يا فاطمة اللي بتقوليه دا ما ينفعش ، طالما هتتجوزي محمود يبقى لازم نور يخرج برا حياتك نهائيا ، ما تفكريش فيه حتى ، يا أما نفضها سيرة مع محمود ... إنما ما تكونيش متجوزة واحد وعقلك وتفكيرك مع واحد تاني ، حتى لو التاني دا كان جوزك ، أنا هسيبك كام يوم تفكري ، يا تكملي مع محمود من أول وجديد ، يا هكلمه واقوله أن كل شيء قسمة ونصيب !!
______________
اما في منزل جاسر مهران تحديدا في الغرفة الخاصة بكاملا والدة ملاك وطرب ، تراها تقف هناك تتطلع لصورتها في سطح المرآة تنظر لانعكاس صورتها شاردة تسكب عينيها الدموع ، اخطأت واخطي في حقها ، وباعها الزوج وخانها الخبيث ... لا تزال تتذكر تلك اللحظة جيدا ، اللحظة التي دخلت فيها تهاني حياتهم ، كسيدة شابة جميلة مسكينة تمسك في كف يدها طفل صغير في عمر الخمس سنوات ، تتوسلهم لأجل العمل حتى تستطيع أن تنفق على صغيرها اليتيم وهي شعرت بالشفقة على حالها ووافقت وجعلتها تعمل في بيتها كانت وقتها لا تزال تحمل في طرب في شهورها الأخيرة ، وتهاني لم تكن تفارقها كانت كظلها كانت خادمة مخلصة بحق ، من يرى معاملتها يظنها ملاك ومن يقترب يعلم أنها الشيطان المتنكر ، انهمرت الدموع من حدقتيها تضع يدها على فمها كي لا تصرخ ... دق هاتفها برقم عُدي لتكفف دموعها ، أخذت الهاتف تتحرك إلى المرحاض الملحق بغرفتها ، اغلقت بابه من الداخل و فتحت الخط تضع الهاتف على اذنها تهمس :
- ايوة يا عُدي عامل ايه يا حبيبي واحشني
سمعت صوت ضحكات عُدي العالية ليغمغم بنبرة شغوفة بعد لحظات :
- وأنتِ كمان يا كاملا جميلة الجميلات ، أخبار طرب وملاك ايه ... جاسر مهران ما فيش حاجة غريبة بتحصل في بيته
شدت يدها على الهاتف بعنف تهمس :
- كويسين ، كويسين أوي يا عُدي ، لاء جاسر ابنه تعبان وكان بين الحيا والموت ... ما اعتقدش أنه بيفكر في أي صفقات الفترة دي ، يعني الصفقة هتبقى من نصيبك
بدا سعيدا للغاية وهو يشكرها يوصيها أن تهتم بنفسها ، أغلقت معه الخط تخرج من المرحاض تتنفس بعمق ، ما تفعله لا يجب أن يعلم به أي من كان إلى أن يحين لحظة الحساب

أسيرة الشيطان الجزء الأول + الجزء الثاني+ الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن