الفصلُ الرابع | الأخِير.

299 58 83
                                    

| رؤية واضِحَة |
.
.
.

كانَ لُويس يَجلس بهدوء مُتشبِثًا بِجانبيّ ذلكَ المَقعد، مُستعدًا لِلَحظة المُنتظرة بعدَ أن قَضى ثَلاثة أيامٍ بِِليالِيها عاجِزًا عن رؤية أيّ شَيء بسبب حجبِ القُماشةِ البَيضاء لعينيهِ
نَجحتْ الجِراحة الّتي أجراهَا، و هاهوَ ذا الطبيبُ المشرف كانَ يجلسُ أمامه و يُحادثه بلُطف مخففًّا من قَلقهِ و توتّره، دقائق مَعدودة تَفصلهُم جميعًا عن مَعرفةِ النتائج المُترقّبة بشدّة فَلم يستطع التحكّمَ بضرباتِ قَلبهِ المُتسارِعَة خشيةَ أن يفتح جُفنيه و يكونَ الفراغ الحالِك هوَ ما يُقابله، مُجددًا.
إنها تَجربةٌ فَظِيعة و شَنيعة عَلقتْ في ذهنهِ و سببّت لهُ هواجِسَ سَوداء

-" لَا تَخف، هَل أنتَ مُستعد؟ "-

سَمِعَ صوت طبيبهِ، ثمّ أومئ لهُ بِبُطئ شَديد و ابتلعَ رَمقه شاعِراً بتلكَ اللّفافة البَيضاء تُزال عن وجههِ برفق .. كانَ يُغلق جفنيهِ بقوّة حينَ شعرَ برجفة سريعة سرتْ في أطرافهِ عندما تحسسَّ الضَوء المُحيط به لِوَهلة
ثمّ طلبَ منه الطبيب فتحَ عينيهِ بالتَدرِيج البَطِيء ..
سحبَ لُويس نَفسًا، ثمّ فَعلها

أفرجَ عن لونِ الأمواجِ الداكِنَة تحتهُمَا، و الفراغ الأسود الحالِك الّذي اِعتادَ على رؤيته تشوّشَ و اكتسحتهُ بعض الألوانِ و الأضواء الخافِتة و الضَبابيّة الّتي سرعانَ ما بَدأت تتّضح بِبُطء حتى شكّلت لهُ أخيرًا رؤية واضِحَة بشكل نِسبيّ رغمَ أنها ليستْ نقيّة تَمامًا

وجههُ كانَ جامِدًا لهولِ الصَدمة حينَ أبصرَ النورَ مُجددًا و شاهدَ الألوان المُختَلِفة، لَمِحَ رداء طبيبهِ الأبيَض ثمّ لاحظَ وجودَ أقرِبائه الّذي لَم يدققّ في النظر إليهم فَقد جذبَ انتباههُ حضور والِدته أمامه على اليَمِين، و بجوارِها استقرّ أباهُ و كِلا الاثنان ينظرانِ صوبهُ بملامحَ مَصدومة تترقّبُ ردة فَعلهِ على أحرّ من الجَمر

الصبيّ بقيَ صامِتًا، يستوعب عَقله أن ما يُشاهده أمامه لَيسَ حلمًا
و أن الكَابوس الّذي عبثَ بهِ لأكثر من عشرةِ أشهر قَد استيقظَ منهُ أخيرًا !

تعمّد والِده ألا يَنبِسا ببنت شفة كَي يَتأكدا من رؤيتهِ لَهُمَا، و سرعانَ ما انفجرَ باكِيًا و هوَ يمدّ ذِراعاه لِوالدته

-" أُمـاه !! "-

كررّها بِضعَ مرّات، فانهارتْ تلكَ المَقصودة من فرطِ سَعادتِها و غطّت وجهها بكفّي يَدها بَينما سارعَ أباه باحتضانهِ و ضمّه إليه بشدّة و هوَ يُتمتم بامتنانٍ شَديد كابِحًا دموعَ الفَرح العالِقة في مُقلتيهِ

-" حَمدًالِله ! أنتَ بخير .. أنتَ تُبصِر ! بُنَي. "-

ارتفعَ صوتُ بكاءِ لُويس و هوَ يتشبّث بقميصِ والِده عاجزًا عن تَصديقِ أنّ نهاية الطريقِ المُظلِم الّذي خاضه، قَد جاءتْ أخِيرًا.
و رُسِمتْ لَوحة عائلية دِراميّة تفيضُ سعادةً و اِحتفالًا وسطَ تلكَ الحجرةِ البَيضاء، مُعلنةً انتهاء المآسِي و عودة المِياه لِمَجارِيها بعدَ مُعاناة دامتْ لأشهر.

غَير مَرئِي.Where stories live. Discover now