١٨

24 8 5
                                    

   

              إزدان الأفق بحمرة طفيفة تداخلت مع السحاب الأبيض، وسقطت الشمس في سباتها لتعلن رحيل اليوم.

تنهّدت ويرا لتبتعد عن النافذة مغلقة الستائر حين لسعتها برودة الجو، ونقلت نظراتها للجالس عند المكتب الصغير، يصبّ تركيزه بأوراق منثورة أمامه.

مرت ثلاثة أيام على تلك الحادثة التي كادت تودي بحياتها، ومنذ ذلك الوقت منعها من مغادرة الغرفة، وموقفها الضعيف أمامه سلبها الجرأة لتطلب منه ذلك.

عابس،
عابس و يستمر في صدّها عنه.
كان ذلك عقابه لها، ورغم ذلك لم يقسُ عليها في الحديث، بل لم يناقشها في فعلتها الغبية تلك. كأنما ابتلع كلّ ذلك الغضب وصمت.

لم تعد تتحمّل، لم تكن معتادة على هذه النسخة ثقيلة الظلّ من أرميوس. النسخة الباردة وغير المبالية، وتلك النظرة الخاوية. بحقّ كل شيء هي ليست أيّ شيء، ليست كغيرها ليعاملها بتلك الطريقة.

قررت أنها ستضع حدّاً لهذا الخصام الصامت، فليغضب ويصرخ، لكن هذا الصمت يُتعب قلبها.

اتخذت خطواتها إيقاعاً بطيئاً، وبعينين متربصتين راقبت النظرة الخاطفة التي رماها نحو حذائها ذي الكعب العالي مقطباً حاجبيه، وسريعاً ما عاد إلى عمله مقرراً تجاهلها.

ابتسمت بمكر حين أكّد لها بفعلته البسيطة أنه كاذب، فهو يلحظها خفيةً، ترعاها نظراته في كلّ حركة تقوم بها ولاسيما بجنينه الراقد بين أحشائها.

" آه" تأوّهت بصوتٍ عالٍ جاذبة انتباهه إليها ،ومالت بجذعها للأمام وعانقت بطنها بقوّة، وماهي إلاّ ثوانٍ وقد شعرت بيديه تحيطانها، وصوته الدافئ يعكس مدى قلقه ورعبه حين قال " ماذا حدث ويرا؟ هل أنت بخير؟".

أبعدت خصلاتها المجعدة عن وجهها لتظهر ابتسامتها الواسعة المرحة، ورفعت يديها لتسحب كفّه عن ظهرها وتنزله إلى خصرها، ومن ثم استندت على صدره بكفيها وأرخت رأسها عليه تستمع إلى نبضه المنتظم قائلة " الآن أصبحت بخير".

انكشفت خدعتها الصغيرة. ومنعها التصاقها بصدره من رؤية ملامحه الساخطة التي لم تصمد كثيراً أمام لطفها، وسرعان ما سقطت ليتنهد بخفة قبل أن يبعدها عنه برفق.

شابك أصابعها الناعمة بخاصته ليسحبها معه نحو الكرسيّ الوثير قرب النافذة، جلس وأجلسها على فخذه، وشرع يحدّق بكلّ إنشٍ من وجهها، يروي شوق عينيه لتلك الملامح الرقيقة التي أهملها لأيام.

إقتربت منه ببطء تقابلها تلك النظرات الخاوية، وابتسامة صغيرة لاحت على شفتيها قبل أن تبدأ بتوزيع قبلات عشوائية على تفاصيل وجهه التي تعشقها. عيناه اللوزيتان وحاجباه الكثيفان ،ذقنه ووجنتاه وأنفه الحاد الفاتن، ابعدت خصلات شعره الساقطة على جبينه لتوزّع بضع قبلات هناك، وقررت كتابة الختام بتقبيل شفتيه لولا صدّه عنها، وطريقة تحديقه المرهقة بها.

القرن المظلم : عواصف الشتاء.( مستمرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن