II . ملكة الموضَة

221 24 47
                                    

آلِيسياناَ كويرُوز ... كانت تحمِل تفاصِيل الحرب والسِلم ، كانت الأُنثى الأكثر تناقُضا ، هِي الحُب و الحرب هي الأبيض والأسوَد ، هِي الثلج والنار ، تتشكّل على هيئة الأحرف في أبجدِية الكلمات وتكون النوتات في أشهر المعزوفات ... والألحان في أكثر الأغنيات ..

وُلدت لتكون ملكة الموضة ، كانت أميرة التصامِيم .. حين ترفع قلمها يشهَدُ العالم إبداعاً خلقتهُ هِي بأنامِلها الرقيقة والتِي أصبحت الآن وحشِية ومُدمِية كما يراها الناس .. بعد تلك الليلة البائسة ...

أُمسية 27 أغسطس وتحدِيدا قبل منتصفِ الليل توّجهت إلى منزِل عائلتها ، ثملة للغاية ، تحمِل سلاح مرخص بكاتِم صوت .. ووسط الظلام رفعت يديها العارية وأطلقت عليهم جميعا حتى تدفّقت الدماء مِن ملاءات الأسرّة .. و بين الأغطية ..أصبح المنزل ملطخا بشظايا العظام المكسورة للجماجم والأضلاع والمخ والدم ... كان الدم في كل مكان ، متناثِرا على الحائط يُشكّل ألوانا قرمزية قاتِمة ، السائل الأحمر يجري في جداول دموية على الأرض تحت قدميها ...

نفس المشهد يُعاد بين شرايين عقلها كمسرحِية مشهورة ، بائِسة للغاية هي على سرير الموت بعد أن أُصيبَت بخدش رصاصة ، كانت مُستلقية على سرير المشفى ، مُقيّدة المعصمين في غرفة خاصة يتم إستجوابها مرارا وتكرارا بعد كل ساعتين حتى تُغيّر أقوالها .

إستجوبها الرجل الأصلع مرة أُخرى ، يلوِي أطراف شاربه بأصابعه ، وكل مافعلته هي أن أدارت وجهها نحوه ، تُعطِيه نظرة ثاقبة وهي تُجيب من بين أسنانها ، تجاهد نفسها ألا تقضِم رقبته .

-" تأخرتّم في القبض علي ، بعد كل هذه الجرائِم ... "

تم إعتقالها مُباشرة بعد ذلك وإرسال فرقة بحث لإيجاد الجثث المخفِية والتي إعترفت أنها كانت تصمم من أجلهم فساتِين رائعة ، تُلبسهم أفخم القِطع ويتم دفنهم بأناقة .. كانت أميرة التصامِيم وملكة الموضة لن تسمح بتضييع أناقة جثثها ..

قَضت آليس شهور عَدِيدة وهي مُعتقلة ، لُقّبت بالقاتِلة بدم بارد فقط لأنها واصَلت هوايتها بين جدران المُعتقلات ، رسمت العدِيد من الفساتِين وهي تُقرفِص في زنزانَة ، جدائل شعرها الناعِم الأسود كانت مبعثرة بالكامِل ومتشابكة تسقط على كتفيها النحيلتين ، وعروق جسدها البارزة تظهر زرقاء متجمدة من تحت جلدها الشفاف ... ندوب كثيرة تملئ معصميها ، رأسها مُنحنِ وهي تحدق في الفراغ بإبتسامة شاحِبة .

طلبوا منها أن ترسُم ضحاياها فرسمت فساتينَ وأثواباً أنِيقة وعندما أخذوا منها القلم غرسته بعُنقها قبل أن تمتد الأيادِي وينتشلونه منها حتى يتمزّق جلدها الشاحِب ، كانت مُتمرّدة ولم يستطيعوا ردعها .

كانت القاتِلة التي أرعبت لُندن ! لكنّهُ الوحيد الذي أراد مواجهتها .

سالفادُور .

يقِف في فوضى عارِمة من الصرخات والشتائِم ، لطخات الألوان تملئ الأرضِية ، أكبر معرض في لندن وَضع صورها في كل زاوية ، آليسيانا كويروز ملكة الموضة التي أصبحت ملكة الجريمة ، كان هو بين كل تلك الفوضى يقِف في إحدى الزوايا يبتسِم لتلك اللوحة الوحيدة التي نجت من تدمير الكارهين لآليس ، لوحة تحمِل صورة الأميرة الصغيرة، إستطاع هو أن يدقق فيها رغم خصلاته المتساقطة على جبينه بسبب قلنسوة سترته السوداء التي يحجُب بها ملامحه ، يَحفظ تفاصِيل تلك الصورة ، يحدّق في اللوحة محاولا أن يفهم النظرة التي كانت في عينيها .. لكنه لم يستطع أن يحكُم لا ببراءتها ولا بذنبها ، تلك الأعين عبارة عن شيطان ملائِكي ..

كان الوحِيد الذي لم يستطِع أن يعرف حقيقتها ، متأكدا أن العالم حوله يعتبرها وحشا .. يسمع إمرأة عجوز خلفه تهمِس

-" عاهِرة شريرة "

أطلَق ضحكة ساخِرة وهو يعود لتحدِيقه المُستمر بتلك اللوحة ، كان يوجد شيء بعينيها .. وكأنها تُحدّق به لوحده ويفعل هو ذلك أيضا ، تصله كلمات متقاطعة من الملامِح ولايستطيع ترجمتها ..

كان الكل يُناديها بالوحش ، غيرهُ هُو ... ولا يعلم السبب حقا فالكل أصبح متأكدا من تهمتها بعد أن وجدوا بصماتها على المُسدس وخصلات شعرها على مسرح الجريمة .. إلا أن سبب القتل بقِي لغزا غامضا .. نِقاشات الجريمة في الإعلام لقبّتها بالوحش أيضا إلا أنهم كانوا مُستمرين في بيع تصاميمها بأغلى الأسعار .

خُبراء علم النفس الشرعي أكّدوا أن آليسيانا ضحِية عنف أُسري طويل مما أدى إلى إنفجار البركان وبالتالي جريمة شنيعة ..

الصدمة الكُبرى كانت أثناء مُحاكمة المُجرمة ..

أغلال فولاذِية ، قُضبان حديدية صَدئة وملف أبشع قضية قتل ، ميزان العدالة أمام عينيها يرتجِف لحُكم إعدامها .. لم تبدِ أي إشارة ظاهرة على الندم .. لم تبكِ ولو مرة واحدة ولم تبتسِم أيضا ، بقِي وجهها متجمد دون حركة .. هادئ وغير مُبالِي .

جدّها طلب بإعدامها رميا بالرصاص أو بيديهِ العارية ، الإعلام طالب بفيديو توثيقي للحظاتِ أنفاسها الأخِيرة لكن حُكم القدر كان له رأي آخر تماما ..

تم الحُكم على أن آليسيانا مُظطربة عقليا حد الجُنون وفقدان العقل الكلي ، الكُل تساءَل كيف لها أن تكون مجنونَة وهِي أشهر مصممة أزياء في لندن ؟

إبتسمت هِي في وجه جدّها العجوز عندما نُطِق بحكمها وتأكد القاضِي أنها تحتاج إلى تدخل فورِي فهي تفقد عقلها .

مرّت شُهور عديدة أخرى ونسي الناس والإعلام قصتها ، قصة الوحش التي أصبحت تُحكى لأطفالِ لندن قبل النوم .. مرت أسابيع أخرى وأصبح إسمها ضمن قائمة أكثر القتلة الخطرين في العالم .

لكن بالنسبة له فقد إستمر بالبحث عن صورها ، إشترى تلك اللوحة فِي المعرض بأغلىَ ثمن وأصبحت تحدّق به كل ليلة قبل النوم .. كشيطان ، كانت عينيها الزمردِية تُراقِب أنفاسه وحركاته .

عَشق الرعب الذي دَبّته في العاصمة وكان مُعجبا كبيرا بالتفاصِيل التي نُشِرت عنها .. سالفادور كان يعشق الأُحجيات الصعبة وآليسيانا كانت لُغز يُغرِيه .. جدا .

لذلك لم يمنَع نفسه من البحث عنها أكثر ..

____________________________

إنتهى
.
.

-'♡´-

قراءة مُمتعة يارفاق وأتمنى لكم عيد أضحى
مُبارك 🤍

THE GIRL IN RED حيث تعيش القصص. اكتشف الآن