ذاهب نحو الجحيم

123 40 57
                                    

بعد تذكري لتلك الحادثة بعيدة الأمد ، أسمع العامل يقول : هل أصنع لك فنجان أخر ؟
يقطع شرودي فأقف و أحاسبه و أتمشى في الطريق .
و من ثم يرن هاتفي مجدداً ، فأجيب : ألو
المتحدث : ألو مرحباً ، هل أنت جاهز للقدوم اليوم ؟
أنا : نعم جاهز ، سأجهز أغراضي للذهاب إليكم .

أقفل المكالمة و أكمل سيراً على ذلك الرصيف الطويل ، ثم يرن هاتفي من جديد ، فأجيب : ألو ، لقد كان ذلك الصوت العذب الذي أعشقه .
هي : ألو
أنا : كيف أصبحتِ ؟
هي : أنا بخير ، قل لي ماذا فعلت ؟
لقد قالوا لي أنك تحدثت لي عبر الهاتف ، و من بعدها صحوت من الغيبوبة .
أنا : لم أفعل شيء يا أمي ، فقط قلت لك إني أحبك .
أمي : و أنا أحبك يا ولدي الغالي .
أنا : إنتبهي لنفسك جيداً ، فأنا مضطر أن أنهي مكالمتي .
أمي : حسناً كن بخير .

أكمل طريقي حتى أصل الحديقة العامة و أذهب نحو ذلك المقعد الخشبي الذي حفر عليه أسماء العشاق و حروفاً عدة و قلوب ، أسند ظهري و أبدأ بنقاش عميق مع ذاتي .

في هذا الوقت يدخل الطبيب إلى الغرفة التي تم نقل أمي إليها و معه الممرضة المشرفة .
الطبيب : أنتِ بخير سيدتي لذلك سوف تخرجين اليوم من المشفى ، و لكن علينا إجراء الفحوص اللازمة أولاً و صور الأشعة ، و سوف نجري تخطيطاً للقلب و للدماغ .
أمي : ماذا يحدث ؟
الطبيب : نحن لا نعلم لكن يجب أن نطمئن عليكِ ، لقد تم إسعافك و أنتِ في سبات تام ، ماذا حدث لكِ قبل ذلك ؟
أمي : لا أتذكر فلقد كنت أقوم بصنع حلويات العيد ، ثم راودني ذلك الحلم و لم أعد أشعر بشيء ، ثم أصبحت الدنيا كلها سوداء
ثم يراودني الحلم مرة أخرى ، و لكن هذه المرة كنت أسمع صوت أبني يتحدث لي .
و من بعدها صحوت فوجدت نفسي في غرفة مليئة بالأجهزة و المعدات ، و تضعون لي منفسة الأكسجين على وجهي .
أبي : بماذا حلمتِ ؟
أمي : أقول لك لاحقاً

الطبيب : لديكم إبناً مميز ، حقاً ما فعله يسمى معجزة .
أبي : قل لنا بماذا هددك ؟
الطبيب : لم يهددني أبداً ، كل الحكاية أنه قال لي : اسمعني أيها الطبيب ، أنا مغترب و أنت بيدك قرار فصل تلك الأجهزة ، لنفترض أن أمك عندي هنا و هي في ذات وضع أمي و بيدي القرار كما هو بيدك الأن ، هل ستفعل كما سأفعل أنا ؟ ، هل تتصل بي و تطلب مني أن أخذ فرصة واحدة لمحادثتها لأخر مرة قبل أن تفارق الحياة ؟

ثم تنهد الطبيب و أكمل : و بعدها أحسست بأنه يتكلم كلاماً منطقياً ، و خاصة عندما قال : أنا لا أطلب منك أن تبقي الأجهزة حتى أصل البلد و أرى أمي ، فقط دع أبي يدخل لأودعها على طريقتي ، ثم إني متأكد أنها ستعود للحياة بعد أن أكلمها ، أمي لن ترحل قبل أن تراني مجدداً هي وعدتني بذلك مِرراً ،
أيها الطبيب أترك القوانين و العلم جانباً ، الطبيب هو إنسان و عليه العمل بإنسانيته و ليس فقط بعلمه و طبه .

الطيب تتسع عينيه و لا يرف له جفن و هو يقول : لذلك شعرت أن معه حق ، فعلى كل حال سوف نفصل تلك الأجهزة إن كلمك أو الم يكلمك
و كان قراري أنه يجب أن أدعه يجري معك تلك المكالمة ، و لكن لم نسمع ماذا كان يقول لكِ ، و لكننا بدل ذلك رأينا معجزة ، لقد إرتفع النبض لديكِ كثيراً ، و من ثم استيقظتِ سيدتي .
يستغرب كل من أبي و أمي مما قاله الطبيب ، و الشك يملأ قلوبهم ، فماذا قلت لأمي حتى استفاقت!!!

في الحقيقة عندما تحدثت للطبيب لم أكن أحاول الاحتيال عليه ، و لا حتى كنت أقوم بتلين مشاعره ليسمح لأبي بالدخول ، و لنفترض أني كنت قاصداً ذلك ليسمحوا لي بالحديث مع أمي لكن ما قلته لأمي كان حقيقياً .

فلقد قلت لها : أمي الغالية أعلم أنك تسمعيني جيداً ، هل تتذكرين عندما ولدت ؟
لقد ولدت ميتاً ، و أنتِ قد توقف قلبكِ عن النبض و كانت ولادتك بي عسيرة ، و حدثت أشياء لا تصدق .
فطبيب القلبية أصيب جراء حادث ، و التيار إنقطع لدقائق ، و جهاز الرجفان الكهربائي لم يجعل قلبك ينبض رغم أنهم صعقوكي بالكهرباء ثلاث مرات .
أمي من جعلك تستيقظي هو أنا ، فعندما عدتُ للحياة أنتِ عدتِ لها أيضاً .
أنا و أنتِ مرتبطين روحياً و هذا يعني بأن موتكِ هو موتي ، فهل ترغبين بأن أموت ، و أنا مازلت شاباً ؟
ألا تحبيني يا أمي!!!!
و هنا أسمع شهقة غريبة و أسمع أنين أمي ، و يتلو ذلك إرتفاع بوتيرة نبضات القلب " تييت.. تييت.. تييت.. تيتي.. تيتي.. تيتي.. تيت.. تيت.. تيت.. تيت.."
ثم اسمع ضجيج قوي و يدخل الجميع و أخيراً اسمع صوت الطبيب بعدما أخذ الهاتف ، و قال : لقد عادت للحياة ، حدثت معجزة يا بني ، ماذا فعلت لها ؟
هنا لم أجب رغم أن أبي أخذ الهاتف من الطبيب ، و سأل ذات السؤال .
فقط قمت بإيقاف المكالمة لأن كوب القهوة قد وصل فأشعلت سيجارتي و بدأت أتذكر طفولتي .

اليوم الشمس قوية و كأننا في الصيف رغم أنه شهر شباط ( فبراير ) ، و فصل الشتاء مازال بأوج قوته ، ماذا سأفعل اليوم عندما يستدعوني ؟
أنا خائف قليلاً فهذا الرهان سيحدد مصيري ، الأفضل أن لا أفكر ، لأذهب للمتجر و أنهي علاقتي بذلك المقيت .
أنهض عن ذلك المقعد ، و أعود أدراجي نحو المتجر ، و عندما أصل أجد ذلك البغيض يرمقني بنظرات سامة جداً ، لا ألقي التحية ، فقط أقول له : أنا سأترك العمل ، هات أتعابي فأنا راحل .
باسم : لن أعطيك أي أتعاب ، هي خذ أغراضك و ارحل ، لا تلزمني أبداً و لو توسط لك بالعمل عندي الرب بذاته .

أهمل حديثه كلياً ، وأذهب إلى السقيفة أجهز أغراضي ، و من ثم أتوجه إلى منزله و أقرع الباب ، اسمع صوت خطوات ناعمة تمشي على الأرضية لتفتح لي الباب أخيراً تلك الحسناء .
لقد كانت رغدة أخته تلك الفتاة الشقراء ذات الشعر الأجعد المتناثر الملتف على ذاته ، و بقامتها الصغيرة فطولها لا يتعدى 160 سنتمتر 
كانت تبلغ من العمر 40 عاماً لكنها تبدو و كأنها أقل من 30 عام ، ترمقني بعيونها الملونة التي يغلب عليها اللون الأخضر و تبتسم لي ، ثم تقول : أدخل كلهم في الخارج .
أدخل ، و تقفل الباب ورائنا ، ثم تقول لي : ما بك شاحب ؟
أنا : أريد الرحيل فلقد طلبوا مني ذلك ، و أخوكِ باسم لم يعطني أتعابي .
رغدة : لا تقلق ، لكن لماذا سترحل عنا ، و من هؤلاء الذين طلبوا منك الرحيل ؟
أنا : أصحاب العمل الذين جئت لأجل العمل معهم .
يتغير لون وجهها ، و أشعر بأنها حزينة لذهابي ، ثم تتوجه إلى غرفتها و تتغيب قليلا لتعود و بيدها المال ، و تقول : كم هي أتعابك ؟
أنا : 200 دولار
رغدة : حسناً ، هاكَ 200 ، و هذه 200 أخرى مني لك .
أرفض المال الإضافي لكنها تصر كثيراً أن أخذه ، ثم تقول لي : سوف أشتاق لك ، لا تتأخر علي فأنا لا أستطيع أن أتخيل الأيام من دونك .
أنا : سأحاول ذلك ، ثم تودعني على طريقتها الخاصة لمدة ساعة كاملة ، و من ثم أرحل .

أذهب إلى موقف الانتظار الخاص بوسائل النقل العامة في الحي ، و بعد 10 دقائق تمر الحافلة ، فأترجل و أصعد .
كان كل ما يشغل بالي هو الإتصال الذي وردني..
فأنا ذاهب نحو الجحيم..

يُتبع..

ولدتُ شيطاناًOù les histoires vivent. Découvrez maintenant