7

61 10 11
                                    

لم يكن يونس ينتمي قلبًا إلى أي طبقة إجتماعية، وإن كان قالبًا فهو ينتمي إلى ذروة الطبقة الإقطاعية -لمن يعرفه جيدًا- أما من لا يعرفه فسيراه داخل سيارته البينتلي الأنيقة الصغيرة والمتوسطة الثمن، وسيرى ملابسه البسيطة وهاتفه المتوسط سيظن أنه أعلى من الطبقة المتوسطة ببضع درجات، ولكن حقيقة الأمر أن جميع مقتنياته هي من أمواله الخاصة لا من أموال عائلته الإقطاعية مما جعله يبدو على تلك الحال، ورغم أنه الوريث الوحيد لعائلته الفاحشة الثراء إلا إنه يرفض أخذ المال منهم.

دائمًا ما يعتقد أن المال هو سلاح الحروب الباردة بين الدول، والعامل الأساسي في سياسات "لوي الزراع" التي تتبعها الدول الغنية للسيطرة على الدول الفقيرة.

تذكر مرة خلافًا بينه وبين والدته منذ فترة كبيرة تطلب منه شيئًا ما عندما رفضه سحبت منه سيارته وهاتفه الثمين فقرر الإعتماد على نفسه، وفيما يقل عن شهر واحد كان قد وجد لنفسه عملًا يدر له المال بطريقة مستمرة فبدأ في شراء سيارة وهاتف متوسطان وبدأ في دفع الأقساط وسط اعتراضات من والدته التي أثبت لها ولنفسه أنه لن يخضع لسياسات أحد بينما يستطيع الزود عن نفسه ماليًا، ولكن سرعان ما عادت الأمور لمجاريها بعد أن ترجته والدته مئات المرات لترك العمل واسترداد بطاقاته الاستئمانية، فكل ذلك المال وكل ذلك العمل من والده ووالدته هو فقط لأجل راحته واستقراره المالي، ورغم كرهه لطريقة والديه في نسب تعبهم المستمر في العمل إلى الحجة الوحيدة في حياتهم وهي استقراره المادي، والله يعلم أن كليهما لو تركا العمل لما استطاعوا إنفاق نصف ثروتهم ولو عاشوا لمدة ألف عام، ولكنه مؤمن بعلم النفس وليس لديه أي مانع في التنازل عن ذلك الإعزاء الصغير لوالديه في التبرير عن انشغالهم المستمر عنه.

لم يكن يونس الفائق الوسامة والشبيه إلى حد كبير للممثل الهوليودي كيانو ريفز يدير بالًا إلى نظرات الجميع بلا استثناء نحوه، يتفحصون شعره الناعم الساقط على زجاج نظارته السوداء، أو أنفه المنتصب كأنه سيف صغير أو جسده المتناسق جراء ممارسته المستمرة لأنواع الرياضات المختلفة، أو ملابسه المتناسقة كأنه عارض أزياء، ويزين كل ما يملك من مظهر هو تلك الشخصية التي يرسمها حوله تمنع الجميع من الإقتراب أو التصوير، بينما ذكاؤه الحاد يجعل منه أذكى  طلاب الجامعة وأكثرهم تفوقًا وجدية لا يسبقه في ذلك سوى خالد، الذي يساعده في تعلم الاسبانية بمقابل، ذلك الشاب الذكي الذي لم يفهم يونس كيفية عمل عقله بعد فهو يملك ذلك الكم من الذكاء والمهارة بينما يعيش في فقر مدقع، تذكر حينما لم يكن يملك شيء عندما وقع الشجار مع والدته وكيف أنه في غضون شهر واحد كان بإمكانه الاستقلال تمامًا بحياته ولكنه لم يفعل خوفًا على والدته مريضة القلب.

تذكر موعده مع صديقه خالد في الكافيتيريا فذهب إليه ليجده يلعن الأشخاص الذين يتأخرون عن مواعيدهم فتبسم قائلًا:

-ربما خمس دقائق لن تضيرك.

-التأخير يسمى تأخيرًا ولو كان لخمس ثوانٍ.

-دعني أعوضك عن تأخيري وأطلب لك مشروبًا مهدئًا.

-لا عليك أنت تعرف طبعي، لن أقبل بشيء لا أدفع مقابله ولا أظن ميزانيتي تتحمل أي شيء غير الشاي.

-ألسنا أصدقاء؟!

-بالطبع يا يونس أنت صديقي الوحيد، ولكن المبادئ لا تتجزأ.

-إذن دعني أدفع الحساب هذه المرة وفي المرة القادمة تدفعه أنت.

قهقه خالد بصوت مرتفع حتى أن أنظار الجميع اتجهت نحوهما ثم أمسك بيد صديقه وقال له:

-دعنا من كل هذا أريد أن أقص عليك شيء يحيرني.

وبدأ خالد يقص على مسامع يونس ما حدث له اليوم في المكتبة من بعد أن دخلت رهف.

الفتاة ذات نقش التريكوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن