2

419 71 14
                                    

يوم جديد يمر ونفس الكابوس لا يفارق وسادة تلك الفتاة، كيف يفارق عقلها وقد خطت آثاره نقش "تريكوه" على جانب وجهها الأيمن، كلما نظرت إلى المرآة تتسائل:
- هل سأظل قبيحة ما حييت؟
ساذجة لا تعلم أن ذلك الندب على وجهها هو أقل درجات التشوه، وأهون درجات القبح، ربما ستدرك لو لم تكن في كنف تلك الملاك الآدمي التي انتشلتها من يتمها وجرَّعتها الأمومة دواء وأطعمتها الحب طوال أعوامها الأربعة عشر الماضية، قد لا تتذكر الكثير فقد كانت في الرابعة من عمرها خائفة، متألمة وممزقة عندما تخطت سيدة في الثلاثين من عمرها ولكنها تبدو كالمراهقات في رقة وجهها ونظراتها المتألقة، غطت قسماتها تلك الابتسامة غير المبررة لمن حولها ولكنها منطقية داخلها.
حلمت "أمنية" ذات الخمسة وثلاثين عامًا بهذه اللحظة منذ سنوات، أخيرًا ستذوق طعم الأمومة وهي التي علمت منذ كانت مراهقة بالجامعة لا يشغل بالها سوى الحب والزواج أنها لن تصبح أمًا أبدًا، وقع الخبر على رأسها حينئذٍ وقع الصاعقة التي لا ترحم من تتلمسه وتحيله رمادًا، إلا أنها لم تكن عادية فإلى جانب جمالها الأخاذ إلا أنها المثال الحقيقي لكلمة الشابة القوية الرزينة التي مهما عصفت بها العواصف ستقف على أقدامها مجددًا فمن مثل "أمنية" لا تسقطها التسونامي!
مرت الأيام ولم تدر رأسها لغير بلوغ أهدافها، وجعلت من عملها زوجًا وأبناءًا حتى جاء اليوم الذي شعرت فيه أنها اكتفت نجاحًا وبدأ يراودها الحلم القديم، حلم الشابة أمنية ذات العشرون ربيعًا، لا يمكنها أن تتزوج ولكن يمكنها أن تتبنى فإلم يجود عليها رحمها بطفل فلعل دور الأيتام أن تمنحها ما تريد، ولكن طال البحث وكل الدور ترفض أن تمنح التبني لشابة غير متزوجة مهما كانت غنية، لم تيأس فلعل مخيمات اللاجئين التي تمتلئ بها بلادها تحمل طفلها المنكوب في بلاده ولكن لحسن حظه سيجد أمًا مثلها.
لم يطل البحث كثيرًا وها هي تنظر إلى بعض الأطفال التي توحي أشكالهم بعز قديم وتبوح ملابسهم بتشرد الحاضر، سيكون الإختيار عسيرًا، ودت لو أخذت الجميع ولكن ما باليد حيلة، جالت عيناها البنيتان بين الوجوه حتى استقرت على طفلة متكورة على جسدها وكأنها تحتضن نفسها، تجلس على الأرض ووجهها بين ركبتيها، اقتربت أمنية من الفتاة ووضعت يدها على رأسها تداعب شعرها الناعم المسترسل وسألتها:
-ما اسمك يا جميلة؟
أجابت البنت دون أن ترفع وجهها:
-جيداء.
غاصت يد أمنية نحو ذقنها لترفع رأسها حتى تراها فظهر جانب وجهها الأيسر يحمل جمالًا يخطف الألباب كأنها لوحة لرسام إيطالي، بينما جانب وجهها الأيمن مغطى بشلال من شعرها الأسود الفاحم، أزاحت أمنية خصلات الشعر بإصبعها لترى باقي اللوحة التي لم تكتمل بعد، فرأت الحقيقة خلف الخصلات فما كان منها إلا أن جذبتها إلى صدرها لتشعر بإحساس الأمومة التي افتقدته لما يزيد عن عقدٍ من الزمن.

الفتاة ذات نقش التريكوМесто, где живут истории. Откройте их для себя