6

68 10 14
                                    


-إنها فتاة مدللة، لكن ذلك سيوفر لك بعض المال وكل ما عليك فعله هو مساعدتها في دراسة صف "مقدمة في علم التكامل".


شعر خالد ببعض الأسف على نفسه وهو يسمع كلمات دكتور علاء التى ألقاها توًا على سمعه، الجميع يعلم أنه يساعد بعض زملاؤه في فهم صفوفهم الصعبة بمقابل مادي بسيط ولكنه لا يحب تذكيره، وكأنما تذكيره يزرع داخله شعورًا خفيًا بالدونية، ليس كأنه يمد يده للتسول مثلًا ولكنها تعقيدات مشاعره.


ولم يكن دكتور علاء يقصد أي إهانة حين عرض عليه الأمر، فهو يعلم مدى احتياج خالد للمال ويعلم أيضًا أن خالد يفعل ذلك مع زملاؤه ولم يبد على دكتور علاء أي اعتراض على ما يفعله خالد، بل يراه شخصًا مكافحًا يستحق الإعجاب، ورغم أن ما يفعله خالد ضد لوائح الجامعة إلا أن العديد من أساتذته -ليس فقط دكتور علاء- يساعدونه في ذلك ويتغاضون عن القواعد من أجله.


أما دكتور علاء فحين سألته تلك الطالبة عن طريقة لفهم علم التكامل وعلى الرغم أن هذا بعيد تمام البعد عن مجال تدريسه -ولكن دكتور علاء صديق الطلاب- اقترح على الفتاة أن تحصل على المساعدة من عبقري الجامعة وزميلها في السنة الأولى خالد.


-هيا لا تكن خجولًا، لقد وعدت الفتاة أنك ستساعدها وهي حتمًا تنتظرك في المكتبة الآن.


دفعه دكتور علاء دفعًا وهو يمازحه فهو يعرف نفس خالد العفوفة أنها لن تقبل المساعدة، وخصوصًا من زميله في لعبة التنس، فرغم فارق السن بينهما إلا أنهما أصبحا صديقين لا طالب وأستاذ.


مشى خالد وقدماه تترددان في السير تجاه المكتبة بينما ذاكرته تسترجع أول مرة تلقى فيها أجر على مساعدة زميل له...


كان خالد يقرأ بعض المراجع في المكتبة ممسكا بعويناته التي كسر أحد ساعديها حين جلس قبالته فتى يلبس نظارة سوداء ويضع رائحة مستفزة للأنوف وكأن رائحته تخبر الناس بقدومه -بشكل فاتن بالطبع- ويكمل مظهره الأرستقراطي تلك الساعة الباهظة حول رسغه الأيسر.


-أنا أعرفك، أنت ذلك الشاب من محاضرة اللغة الاسبانية، لا أصدق أنك تجديدها بتلك البراعة.


كانت نبرة الانبهار واضحة في صوت الفتى وهو يتحدث مع خالد ليرد عليه الأخير دون أن يرفع نظره عن الكتاب:


-شكرًا.


-هل تستطيع مساعدتي في تعلم الاسبانية؟


ومرة أخرى دون أن يرفع عينه نحو محدثه أجاب خالد في نبرة مقتضبة:


-ربما في وقت لاحق، أنا مشغول الآن.


نظر الفتى إلى خالد متفحصًا إياه من حذاءه المتهالك مرورًا ببنطاله الذي استحال لونه من الأسود إلى الرمادي وصولًا إلى قميصه التي تظهر آثار الخياطة على أطرافه قبل أن يتحدث إلى خالد مرة أخرى قائلًا:


-اسمع... تلك مائتان جنيه مقابل ساعة من وقتك ل...


قاطعه خالد وهو غير مصدق لما يحدث من الفتى الذي وضع يده في جيبه مخرجًا ورقة نقدية من فئة المئتين جنيه:


-إن لم تنصرف حالًا سأشكوك لعميد الجامعة.


شعر خالد بالإهانة رغم احتياجه الشديد للمال، ولكن ذلك الفتى استمر في الحديث:


-يا صاح لا تأخذ الأمور بحساسية، أنت في جامعة لا يرتادها إلا الأغنياء وعلية القوم ومظهرك يوحي أنك لست منهم، وعلى النقيض منهم فأنت تحمل الكم المناسب من الشغف والمثابرة إلى جانب كم لا بأس به من العبقرية، منا يعني أنك تطمح لأن تنال عملًا مرموقًا بشهادتك الجامعية في المستقبل، ولكنك لا تحمل الكم الكافي من الذكاء.


-وكيف هذا أيها الفيلسوف؟!


-الفرق بين الأغنياء والفقراء يا صديقي هو العقلية والظروف، أما الظروف فقد تطوعت لك بوجودك هنا في أكبر وأفضل جامعة في الشرق الأوسط، ولكنك ستفشل حتمًا لأنك لا تحمل العقلية المناسبة للنجاح، فما تفعله الآن لن يحملك نحو الثراء ربما تحصل على عمل مرموق وتقفز طبقة أو طبقتين اجتماعيتين، ولكنك لن ترتفع أكثر.


انتفخت عروق جبين خالد وهو ينظر نحو محدثه اللبق فحاول عبثًا إيقافه:


-اسمع أنا لن أحتمل إهانتك أكثر من...


-هذا بالضبط ما أقصده، أنت تشعر بالإهانة والدونية من أي شيء ومن كل شيء، لو كنت مكانك لقبلت المال وقبلت النصيحة، قد يبدو شيء تافهًا ولكنه محاكاة صغيرة لسوق العمل والتجارة، أنت تحمل مهارة معينة ستساعدني بها، يمكنك أن تكون ودودًا وتقدم لي المساعدة بالمجان، ويمكنك أن تكون عمليًا وتطلب مقابل، أما أنا لو كنت مكانك فيمكنني أن أكون ودودًا ولكنني سأفضل الحصول على مقابل برغم عدم احتياجي الواضح له، أما أنت فأنا واثق أنك لم تكن تنتوي أن تطلب أي مقابل.


الفتى يبدو محقًا فما الذي يمنع خالد من الاستفادة من عبقريته ماديًا؟!


بدأت ملامح خالد تلين تدريجيًا أثناء وضع الفتى للمال فوق مراجع خالد وهو يقول:


-اسمي يونس.


عاد خالد للحاضر مستحضرًا ما كان من صداقته مع يونس الفتى الذي وضع في رأسه أفكاره البراجماتية، وبدأ في السير بثقة نحو المكتبة حيث تنتظره فتاة التكامل هناك -كما أخبره الدكتور علاء- ليجد المكتبة فارغة إلا من المساعدة التي تعرفه تمامًا وتعرف إنه الطالب الوحيد الذي لا يحتاج إلى إرشاد في المكتبة التي يحفظها كظهر يده.


جلس على أحد المقاعد في ركن منذو من المكتبة وهو يفكر في مدى كرهه للبشر التي لا تحافظ على مواعيدها في اللحظة التي خطت فيها رهف إلى المكتبة.



الفتاة ذات نقش التريكوHikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin