الجزء الثالث / الفصل الأول

79.1K 2.5K 343
                                    

الفصل الأول
      من
للقلب سلطان آخر
الجزء الثالث
       من
أسيرة الشيطان
_________________
الإحتفال ضخم بليلة رأس السنة في ذلك الملهى الفاخر يجب أن يكن كما قال الكتاب ، الاضواء المتراقصة ، الزينة تملئ كل شبر في المكان؛ الصالة ، الأرض ، الطاولات ، الحوائط
وأمامها حفرة من حفر جهنم تشتعل بنيران العاهرات التي تتمايل هنا وهناك على أعمدة الرقص ،وصوت زجاجات النبيذ تنفجر والضحكات الماجنة تغطي على صوت الموسيقى ، والمشاهد تزاد بشاعة وفجورا لتبتسم ساخرة وهي تتمايل ، أتقزز منهم وهي جزء لا يتجزأ من تلك الحفرة الملعونة أليست هي راقصة المكان جميع من هنا جاء فقط ليرى طرب الجميلة وهي تتمايل تهتز القلوب لرؤية خصرها المنحوت ينحني ، التفت حول نفسها تسمع الأصوات حولها  تردد العد التنازلي لبداية السنة الجديدة مع كل لفة تدورها يقترب العام الجديد لحظة إلى أن علا التصفيق وصدى صوت الألعاب النارية لتنحي هي تحييهم ، نزلت من المسرح تلتقط مئزرها تستر به جسدها تتحرك سريعا صوب غرفة تبديل ثيابها دخلتها تصفع الباب عليها
وقفت خلف الباب المغلق تغلق عينيها تلتقط أنفاسها ، حين فتحت عينيها وقعت أنظارها على صورتها في المرآة الكبيرة أمامها ابتسمت ساخرة تنظر لحُلة الرقص التي لا تستر منها سوى أقل القليل ، أغمضت عينيها تتجرع مرارة شعورها بالاشمئزاز من نفسها ، ابتعدت عن الباب حين سمعت دقاته تلاها صوت مدير الملهي يغمغم مبتهجا :
_راقصة مصر الأولى ، أنتِ جوا
لم ترد عليه وهو لم ينتظر ردها فتح الباب يدخل ليراها تجلس أمام مرآة زينتها تمسح مستحضرات التجميل عن وجهها ابتسم يقترب منها يغمغم سعيدا :
_دا إيه الأداء العظيم دا ، كنتي مولعة الصالة النهاردة ، لو بس تطاوعيني وتنزلي لجمهورك ، النهاردة راس السنة علية القوم كلهم تحت يتمنوا بس إشارة من صباعك وهينزلوا تحت رجليكِ
تركت قطعة القطن من يدها لتلتف له تنظر إليه بتعالٍ تغمغم محتدة :
_أفتكر أننا اتكلمنا في النقطة دي لما شبعنا ، واتفضل بقى عشان عاوزة أغير هدومي
زفر مهاب أنفاسه محتدا تلك الفتاة تظن أنها لا تزال تسكن في برجها العاجي ، لم تدرك بعد أنها ليست سوى راقصة وُصمت في المجتمع أنها بائعة هوى ، ولكنه لم يكن ليستسلم خاصة وضيفه الليلة مميز للغاية ، ابتسم لها قبل أن يخرج من الغرفة يحادث الواقف خارجا :
_في انتظار جنابك يا يامن بيه ، بس خد بالك أصلها شرسة شويتين ، أنا هقفل الباب من برا احتياطي
ابتسم الأخير يخرج ورقة بمبلغ ضخم وضعها في يد مهاب ، ليمسك بمقبض الباب فتحه يدلف للغرفة
وقفت طرب ما أن رأته التفت تصيح فيه محتدة :
_أنت مين وازاي تدخل هنا ، أكيد مهاب الكلب هو اللي دخلك ، أطلع برة
لم يتحرك جسده بل تحركت عينيه تمسح جسد الواقفة أمامه ، حرك لسانه على دفة شفتيه السفلى يشتهي الجميلة الشرسة ، لاحظت طرب نظراته المقززة لتصرخ فيه :
_أطلع برة بقولك ، أنا ماليش في الشمال
هنا ضحك الواقف بعلو صوته يقترب منها خطوة تليها أخرى يغمغم من بين ضحكاته ساخرا :
_ حلوة الرقاصة ال new version اللي مالهاش في الشمال دي ، ايه يا روحي بترقصي بحجابك ، لو بتعملي الشويتين دول عشان تعلي سعرك فنقصر على بعض الطريق ، طبعا أنتِ عارفة أنا مين
وغد دنئ ترى مثله يوميا مئات النسخ حتى باتت تراهم جميعا بملامح واحدة لا فرق بينهم ، أما هو فدس يديه في جيبي سروال حلته الفاخرة يتفاخر بنفسه :
_ يامن المحمدي صاحب أكبر مصانع حديد وصلب في البلد ، يعني مهما كان سعرك هديهولك وزيادة فبلاش فرهدة بقى ، أصل الباب مقفول علينا من برة وأنا مش هخرج من هنا غير لما ادوق العسل !
شعرت بالخوف من النظرة المقززة المخيفة التي رأتها في عينيه ، رأت براءتها تُغتال داخل نظراته ، امتدت يدها إلى المزهرية تمسك بها تحاول تهديده :
-لو قربت مني هقتلك، قولتلك أنا مش شمال ، عندك الكبارية مليان أختار اللي تعجبك إنما أنا لاء
ابتسم يامن ساخرا يلعق شفتيه كم يعشق القطط الشرسة وتلك الصغيرة أن تظن أن لها مخالب لتخدشه بها ، امتدت يده ينزع سترة حلته يلقيها جانبا لتتسع حدقتيها ذعرا حاولت أن تبدو ثابتة وهي تصرخ فيه :
-قولتلك اطلع برة ، لو قربت مني هقتلك ، أخرج برة
لم يتراجع بل تقدم إليها، ارتعشت قدميها تعد تلقائيا للخلف تقبض على المزهرية لن تردد في تهشيم رأسه أن فكر في وضع إصبعا عليها ، شهقت حين ارتطم جسدها بالحائط البارد خلفها وبات مهاب أمامها يبتسم مشتيها الجميلة ، رفعت يدها وقبل أن تهبط على رأسه بالمزهرية قبض على رسغ يدها يضحك ، لتتسع حدقتيها ذعرا تنتفض خائفة ليثني ذراعها خلف ظهرها يديرها بعنف يلصق ظهرها بصدره يقبض على رقبتها بيده الأخرى لتسمع صوته المقزز يهمس لها:
-أنا بعشق القطط الشرسة وبعرف أروضهم كويس ، أبويا كان مدرب أسود في السريك وعلمني أدرب كويس أوي يا طرب
بكت خائفة حين شعرت أنها قاب قوسين أو أدنى من أن تغتصب براءتها تلوت بين يديه بعنف تصرخ فيه أن يتركها ولكنه لم يفعل بل قبض على جسدها يرفعها عن الأرض قليلا لتصرخ ترتد بين يديه تحاول ضربه ، خدش يديه ،دفعه بعيدا عنها بلا جدوى ... انتفض نابضها ذعرا حين سطحها على الأريكة في غرفتها يحتجز جسدها بجسده تجري يده الماجنة على جسدها بلمسات عنيفة مقززة ، بكت تحاول الحفاظ على آخر ذرة كرامة لها ... ظلت تتلوى بين يديه تصرخ وهو يمزق ثيابها كالوحش الجائع ، إلى أن استطاعت اخيرا أم تصدمه بقدمها لتبعده عنها هبت سريعا تقبض على مطفأة السجائر تصدمه بها على رأسه لينحنى أرضا على ركبتيه يصرخ من الألم .. فُتح الباب حين علا صراخه ليدخل مهاب يصرخ فيها :
-أنتِ عملتي ايه يا مجنونة ، أنتِ ما تعرفيش مين دا هتودينا في ستين داهية
نظرت إليه كارهة يا ليتها تملك الفرصة كانت أغرق دمه هو والآخر ولكن لأجل ملاك فقط ستصمت ، دفعت المطفأة أرضا لتتوجه صوب مهاب بصقت في وجه تصرخ تتوعده:
-صدقني هدفعك تمن اللي عملته دا غالي أوي
التقط ثوبها تضعه فوق حلة رقصها الممزقة ، توجهت للخارج لا يعرف حتى كيف تستطيع المشي كل ذرة ترتجف خوفا ، أوقفت سيارة أجرة ركبت على الأريكة الخلفية ولم تستطع سوى أن تنفجر في البكاء رفعت كفيها تختبئ بهما وجهها تبكي بحرقة على ما آل له الزمن فابنة الحسب والنسب راقصة وعليها أن تصير رغما عن أنفها بائعة هوى ، رفعت وجهها لتجد السائق ينظر إليها مشفقا لتعطيه ابتسامة باهتة تستند برأسها إلى النافذة تتذكر حياتها القديمة كان أقل ما يقال عنها رائعة الجمال حتى دخلت الحية بينهم ودمرت كل شيء ، كل شئ تبدل بين ليلة وضحاها
وصلت سيارة الأجرة لحي سكين متوسط الحال لا بالفقير المعدم ولا بالرغد الفاخر ، أعطت للسائق نقوده ،  وقفت أمام عمارتها السكينة لتأخذ طريقها تصعد لأعلى ، خطواتها ثقيلة محطمة تماما من الداخل قبل الخارج
وصلت لشقتها تفتح الباب لتبصر عينيها ما أن دخلت تلك الحية التي دمرت حياتها ، بسببها حدث لهم ما حدث كانت تجلس أمام التلفاز تشاهد فيلم غربي أمامها طبق من التسالي ، التفتت إليها ابتسمت تردف ساخرة:-
اهلا بطرب هانم ، مهاب لسه قاقل معايا بيقولي أنك فتحتي دماغ واحد من أهم الزباين عنده
خدي بالك لو اتحبستي ، هرمي أختك في الشارع لكلاب السكك يعملوا فيها ما بدالهم
فبضت كفها تغرز أظافرها في كف يدهت تحاول أو تهدأ ، لأجل شقيقتها فقط ... دخلت تبتلع لسانها إلى غرقتها بصحبة شقيقتها ، فتحت الباب ليعلو ثغرها ابتسامة كبيرة ، تنظر للملاك الجالس فوق سطح الفراش بين يديها كتاب مدرستها ، هرولت إليها تاخذها بين أحضانها تقبل رأسها تغمغم :
-وحشتيني يا ملاك عملتي ايه النهاردة
عبست الفتاة تضع الكتاب جانبا تكتف ذراعيها أمام صدرها تشير لقدميها تغمغم ساخرة:
-هكون عملت ايه يا طرب ، جريت التراك أربع مرات برجليا المشلولة دي ، اديني قاعدة طول النهار هنا بذاكر عشان امتحانات ثانوية
أحترق قلب طرب على حال شقيقتها الصغرى ، مدت يدها إليها تعبث في خصلات شعرها تردف :
-طب ما بتقعديش على كرسيكي وتتحركي ليه ، حابسة نفسك هنا ليه
لوت ملاك شفتيها تغمغم حانقة :
-ما بحبش اشوف البومة اللي برة دي
ضحكت طرب بخفة تعتدل في جلستها جوار شقيقتها تضجع إلى عارضة الفراش تغمزها بطرف عينيها تردف ضاحكة:
-عندك حق والله هي فعلا بومة ، شبه كلب البحر في نفسها كدة
ضحكت ملاك تومأ توافق ما تقول شقيقتها لتجذبها وتر إلى أحضانها تعانقها بقوة تنهدت بقوة تهمس داخل نفسها:
-عشان خاطرك أنتِ بس يا ملاك أنا مستعدة أعمل أي حاجة !
______________
في تمام الثامنة صباحا في منزله الكبير ، في غرفة نومه خرج من المرحاض ما أن اغتسل وبدل ثيابه ، أمام المرأة تمتد يده لرابطة عنقه يحاول ربطها بلا فائدة تتحرك مقلتيه على انعكاس صورته يرى ما فعل الزمن به بعد ستة عشر عاما بعد أن صار أبا لشابٍ في مثل طوله الآن تقريبا ورغم الشيب الذي أخذ طريقه لشعره ولحيته إلا أنه لا يزال يحب ملامح وجهه الحادة ، غريب الزمن حين يتحرك بتلك السرعة يلصق بك ما لا تريده ، قديما كان يتفاخر بلقب الشيطان ، وبعد أن تاب الشيطان وعاد لصوابه لم يستطيع أن ينزع عنه ذلك اللقب ، على نطاق واسع الجميع يعرفه باسم الشيطان ، فيضيف في نفسه أنه الشيطان التائب الخارج من نيران معاصيه
التقط سترة حلته يعقد زرها ، وساعة يدها يغلقها على معصمه ، ينظر لهيئته ليعلو شفتيه ما يشبه ابتسامة ، اتسعت تلقائيا حين رآها تدلف من باب الغرفة تبحث عنه بعينيها تبتسم ما إن رأته ، لتخطو إليه وهو ينظر إليها يتذكر أول مرة رآها بها من كان يصدق أن تلك الصفعة ستخلق كل ما حدث بينهما ، رؤى زوجته الجميلة صاحب أعين اللؤلؤ الاسود ، كم يعشق ملامحها كلما كبرت لم تزداد في عينيه إلا جمالا ، ضحك في نفسه حين تذكر أول لقاء جمعهما معا كم كان هزليا للغاية
« جاسر : انتي مين وبتعملي ايه هنا

أسيرة الشيطان الجزء الأول + الجزء الثاني+ الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن