16

53 3 0
                                    

~اليومُ الثّاني و العشرون~

صوتُ ضرباتٍ متتاليةٍ مرَّ إلى مسمعي مرّةً أُخرى ، لكنَّه و في هذه المرّةِ و من بعدِ ما استعدْتُ رشدي ، أخافَني ، و رمى في جوفي شكوكاً ذاتَ أشواكٍ واخزة.
خشيتُ أن أكونَ قَدْ أذنبتُ في حقِّ نفسي إذ عُدْتُ و دعوتُ أوليفيه إلى منزلي ، و تناسيتُ سوءَ وضعي الصّحيِّ و إجحافَ شروطِ آنفِ الذّكرِ و غطرسةَ أساليبِه ، خشيتُ أن يكونَ قَدْ تجاوزَ اتّفاقَنا غيرَ المُعلَنِ ، و جاءَ بي إلى المستشفى بحسبانِ أنّي قَدْ وافقتُ رغبتَه.
رفعْتُ رأسيَ بهونٍ و استرقْتُ النّظرَ إلى ما حولي ، و حمداً للّٰه ، وقعَتْ شكوكي أرضاً آنَ فعلت ، و استخلِصَتْ أشواكُها و أشواكُ الذّنبِ من باطِني حتّى قلَّ ألمُه ، فَقَدْ تعرَّفْتُ إلى غرفتي ، لا إلى غرفةِ عمليّاتٍ و لا غرفةِ مرضى.
نهضْتُ ببطءٍ شديدٍ على عادتي ، و أخذْتُ أبحثُ في أرجاءِ الغرفةِ عن غرضٍ مرشدٍ يدلُّني على شيءٍ ممّا يحدث ، لم أجد شيئاً مهمّاً حقّاً ، عدا طبيبي الحذقَ نفسَه نائماً على الأريكةِ المقابلة.
توجَّهْتُ نحوَه أخطو على رؤوسِ أصابعي ، لا أريدُ أن يشعرَ بي قبلَ أن أصلَ إليه ، فهو خفيفُ النّومِ على حدِّ زعمِه ، و أنا أريدُ إحداثَ صاعقةٍ ما في لبِّ هذا النّائمِ لا يتنبّأ بمحينِها.
مددْتُ يدي رغبةً في لمسِ وجهِه ، بَيْدَ أنَّني تراجَعْتُ على الفورِ أداريه و أداري تقلّباتِ نومه ، يبدو أنَّه مرتاحٌ و غارقٌ في النّومِ إلى حدٍّ يمنعُ عنه الشّعورَ بحركاتِ يديه ، و هذا سيجعلُ الأمرَ أكثرَ إمتاعاً إذا ما تمَّ على أحسنِ وجه.
تجمّدَ فكري لوهلةٍ إذ تسلّلَ إليه انتقادٌ لاذعٌ أنا مصدرُه ، أيعقَلُ أنَّ الطّبيبةَ دارسي ذاتَها ، تلعبُ و تشاغبُ كالأطفالِ الآن؟
تراجعْتُ فوراً ، و توجّهْتُ نحو صالةِ البيتِ رغبةً في البحثِ و التّقصّي أكثر ، حسبتُني سأجدُ أوليفيه نائماً هناك ، لكنَّ جلَّ ما وجدتُه كانَ مجلّةً فنيّةً سخيفةً مختصّةً بالأزياءِ إلى قربِها منفضةُ سجائرَ شبهُ ممتلئة.
حملْتُ المنفضةَ فالمجلّةَ أهمُّ بتنظيفِ الطّاولةِ منهما ، لا تشدُّني هذه المجلّاتُ و لا أكترثُ بنوعيّةِ المواضيعِ التّي تطرحُها ، فأيُّ فائدةٍ أرجو من معرفةِ زواجِ أحدِ المشاهيرِ أو طولِ أنفِه؟ و أيُّ فائدةٍ أحقّقُ لو رأيتُ آخرَ ما ارتدَتْ أشهرُ العارضاتِ أوِ اشتريتُ آخرَ إصداراتِ العطورِ الثّمينةِ و فقط لأنَّ إحدى المشهوراتِ تستخدمُه؟
ما كلُّ هذا الهراء؟

_"ماذا تفعلين دارسي؟"

استدرْتُ نحو بابِ الصّالةِ أجيبُ النّداء ، كانَ هذا سيهون ، طبيبي الحذقَ ذاتَه الذّي كانَ غارقاً في النّومِ منذُ قليل ، و لكن بملامحَ غريبةٍ عنه ، ملامحَ شبهِ خائفةٍ أو شبهِ جزعة ، و تكادُ تأكلُني لكثرةِ ما حدّقَ بي.
اقتربَ منّي ببطءٍ دونَ أن يزحزحَ نظرَه من عليّ ، ثمَّ و ما إن وصل ، التقطَ المجلّةَ من يدي و دسَّها في سترتِه.
أسلوبُه صدرَ مُربِكاً إلى حدٍّ مخيف ، و مثيراً للشّكوكِ إلى حدٍّ خلّفَ في رأسي شرارةَ فضولٍ متعلِّقٍ بالمجلّةِ السّاذجةِ و لأوّلِ مرّةٍ في حياتي ، خاصّةً و أنَّ الأسرارَ التّي فيها قَدْ كانَتْ أهمَّ بالنّسبةِ له من كلِّ الطّقوسِ الدّراميّةِ التّي يطبّقُ في العادة

أربعٌ وَ عِشرُونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن