الجزء الخامس: "بْحِبِّك"

351 26 11
                                    

ألآغا أصلان جيهان من أغوات ماردين الأكثر نفوذًا وحكمة، تزوّج من سلطانة منذ أكثر من ثلاثين سنة لكنّ الله لم ينعم عليهما بالخلفة بسبب عقم الآغا. ترمّلت أخته فريدة في عزّ صباها فأخذ تربية ابنتها الوحيدة كيراز على عاتقه. وجد فيها العوض عن الضنى الذي حُرم منه. إنتقلت إلى العيش تحت كنفه بعد زواج أمّها، فعلّمها في أحسن المدارس ثمّ أرسلها إلى لندن لتلتحق بجامعة "كامبريدج" تتخصّص في الهندسة المعماريّة. رجعت كيراز إلى حضن خالها بعد سنوات من الدراسة توّجتها شهادةٌ بمرتبة الامتياز، وسرعان ما بدأت فرص العمل تنهال عليها من كلّ حدبٍ وصوب حتّى استقرّ رأيها على عرض مغرٍ في إحدى أهمّ شركات اسطنبول الهندسيّة. وهكذا اشترى الآغا شقّة فخمة في إحدى ضواحي المدينة ليؤمّن مسكنًا مريحًا هانئًا لابنته، حسب ما كان يعتبر مكانتها.

عاد يمان من الشركة ليجد ضيوفه قد وصلوا منذ وقت وجيز. إستقبلهم خير استقبال يليق بمحبّته الكبرى لعمّته. أعلمه الآغا، خلال العشاء، عن العرض الذي تلقّته كيراز وعن ضرورة تجهيز الشقّة قبل عودته إلى ماردين. سُرَّ يمان بأخبارها وهنّأها على هذه الخطوة المهمّة في حياتها. لم يكن يمان يتوانى عن الاستعلام عن أحوالها كلّما زار فرع شركته في لندن، وقد أوصى مساعده الانكليزي الخاصّ بالاهتمام بكلّ ما تحتاجه كونها تعيش في بلد غريب، وهي، في نهاية المطاف، تُعتبر كابنة لعمّته. كيراز في الخامسة والعشرين من عمرها، طويلة القامة، حنطيّة البشرة، تتمتّع بجاذبيّة مغرية، قويّة الملامح والشخصيّة، ربّما قوّتها هذه تعود إلى التربية التي تلقّتها على يد الآغا وإلى "ماردين" المنطقة القاسية بمناخها وتقاليدها.

تلك الليلة، وصل كمال متأخّرًا كالعادة رغم معرفته بزيارة العمّة وإصرار يمان على تواجده أثناء العشاء. وما إن دخل البهو حتّى أبصر كيراز تجلس على كنبة جانبيّة تطالع كتابًا انتقته من المكتبة بعدما جفاها النوم. على الرغم من حالة السكر التي أخذت منه مأخذها إلّا أنّه توقّف عند ملامح وجهها وقد انعكس عليها ضوء مصباح كهربائيّ في زاويةٍ خلفها فأضفى عليها لمسة سحريّة أخّاذة. ألقى تحيّةً أجفلتها إذ كانت منغمسة في المطالعة ولم تنتبه إلى دخوله. وبعدما ارتمى على مقعدٍ أوّلٍ صادفه تيقّنت كيراز من سوء حاله فدخلت المطبخ على الفور تحضّر له فنجانًا من القهوة كي يخفّف عنه مفعول الخمر. وبعد محاولات عدّة لإيقاظه فتح كمال عينيه ليجد مسعفته تُمسك بكوب كبير وهي تقول:

-تناول القهوة، ستفيدك

-أنتِ... أنتِ حضّرتها... لي، لي أنا؟؟ عدالت لا تهتمّ بي، أنتِ... لي... حضّرتِ

وضعت كيراز الفنجان على المنضدة ثمّ ساعدت كمال في جلوسه وبقيت بجانبه حتّى أنهى كلّ ما في الكوب. حين بدأ يستعيد شيئًا من تركيزه، إبتسم لها وقال بهدوء:

-شكرًا، بالمناسبة، أنا كمال

-العفو، وأنا كيراز

-لم أكن أحبّ... يعني، معرفتنا الأولى...

هواكِ عربيٌّWhere stories live. Discover now