الجزء الرابع: ملاكي العربيّ

313 26 5
                                    

ترك يمان فراشه عند ساعات الفجر الأولى بعد صراع مع الكرى ذهب ضحيّته، نزل إلى المطبخ وحضّر لنفسه فنجانًا من القهوة ثمّ خرج إلى الحديقة علّها تريح أفكاره المتضاربة بطراوة جوّها وصفاء سكونها. هي فكرة واحدة أشعلت فتيل الخوف في أفكاره ومشاعره، فأضرمت النار في ثناياه. لقد فهم من سليم، في مجرى حديثهما ليلة أمس، أنّها ستعود إلى لبنان عند انتهاء العطلة. مجرّد التفكير بعودتها أفقده صوابه، لم يصدّق أنّ القدر جمعه بها مرّة أخرى، فكيف يسمح أن تغيب عنه بهذه السهولة؟ لا، لا يقوى على تحمّل غيابها؛ حتمًا، ستعدل عن الرجوع، ألم يعترف لها أمس القريب أنّها أحيت قلبه؟ أيمكن أن تُميته بعدما أحيته؟

فتح يمان عينيه على صوت عدالت تناديه بعدما رأته ممدّدًا على الأرجوحة الخشبيّة في الحديقة الخلفيّة، فرك وجهه بكلتا يديه كمن يحاول أن يتحرّر من قيود هواجسه ثمّ اعتدل جالسًا في مكانه وهو يقول مبرّرًا أمام الحيرة التي بانت على وجهها:

-إنّه الأرق، لا تهتمّي

-حمّام دافئ سيريحك، إتّصلت السيّدة سلطانة كي تبلّغنا عن زيارتها، ستصل إلى اسطنبول عصر الغد برفقة الآغا وابنة أخته الآنسة كيراز

-لم أتوقّع حضورها في هذه الفترة من السنة، كما تعلمين، هي لا تحتمل الجوّ الحارّ، يبدو أنّ الزيارة غير اعتياديّة، يعني وجود الآغا معها وابنة أخته

-صحيح، عساه خيرًا سيّدي، هي لم تقل شيئًا، تعرف طبعها

-على كلّ الأحوال، جهّزي ما يلزم لاستضافتهم كما يليق بهم

تسلّلت أشعة الشمس عبر الستائر الحريريّة البيضاء تلقي نورها على الغرفة، تململت سحر في فراشها متثائبة ثمّ تناولت هاتفها تُعاين الوقت، تصدّرت الشاشة رسالة خطّيّة من رقم مجهول، تُرى من يعرف رقمها التركيّ الذي قدّمه لها سليم عند وصولها؟ فتحت الرسالة لتقرأ: "صباح الخير، إشتقت إليك، عساك نمت نومًا هانئًا، أنا لم يغمض لي جفن، أخبرك عن السبب عندما أراك، سأكون ممتنًّا إن قبلت دعوتي عند الساعة الرابعة." إحتاست سحر بأمرها، يبدو أنّه سريع في كلّ شيء، يريد رؤيتها لكن هل بإمكانها الذهاب؟ ماذا ستقول لكوثر؟ وسليم، هل يمكن أن تخفي عنه هذا الأمر؟

رافقت كوثر زوجها إلى السيّارة تودّعه بعد انتهاء الفطور، صحيح أنّ الأحد هو يوم عطلة في الشركة لكنّه مرتبط بموعدٍ مع تاجر أردنيّ يزور تركيا للمرّة الأولى، وقد أحبّ سليم أن يقوم بواجب الضيافة تكريمًا للتعامل الذي نشأ حديثًا بين الطرفين. ما إن فتح باب السيّارة يستعدّ للركوب حتّى لفّ صوب كوثر يذكّرها:

-كما اتّفقنا، لا تقلقي، يمان كريملي إنسان موثوق به، ما كنت رضيت بخروج سحر معه لو عندي شكّ مقدار ذرّة بأخلاقه، أسمعت ما قال ليلة أمس قبل مغادرته الحفل؟ تمنّى أن ينال موافقتنا قبل أن يقابل سحر اليوم، وهذا في منتهى الاحترام واللياقة

هواكِ عربيٌّWhere stories live. Discover now