الفصل الحادي عشر

306 58 108
                                    

إنّه حفلُ تخرج نوح.. من المفترض أن أكون سعيدة.. لكنني لم أعد أعرف طريقاً للسعادة.. هناك الكثير من الفوضى في عالمي.. الكثير من الأسئلة التي لا إجابات لها.. كنتُ أقف مع عائلتي وعائلة نوح ننتظرُه لينتهي من التصوير مع زملائه.. لننفرد به ونحتفل بنجاحه وببدء مرحلةٍ جديدةٍ في حياته.. كان أول من ترك المجموعة حين انتهوا من التصوير وسارع إلينا.. يقبّلُ يدَي والديه.. ثم يقبّلُ جبيني ويبتسم لي بعذوبة أذابت قلبي.. همس في أذني بين ضجيج الحضور من حولنا:

ـ لستُ فرحاً بتخرجي كفرحتي بقرب زواجنا.

أطرقتُ برأسي وقد أذاب وجنتَيّ خجلاً بعد أن أذاب قلبي.. كان الاحتفال عبارة عن وجبة غداء في مطعم ومن بعدها اجتماع العائلتين في بيت أهل نوح حيث انضمَّ إلينا عددٌ من أقربائه وصار المنزل يعجّ بالناس.. كنتُ جالسةً بين والدتي وندى وعيناي لا تفارقان وسيمي.. فرحتُهُ تنتقل إليَّ رغماً عني.. فأجد نفسي أبتسم كلما ابتسم لأحد.. إلى أن همست ندى في أذني أني أبدو كالبلهاء.. فأبعدتُ عينَيَّ عنه ولم ألتفت إليه إلا أثناء مخاطبته لي بين فترة وأخرى.. انتهى الجميع من شرب الشاي فنهضتُ مع شقيقة نوح سجى لأعاونها في غسل الأكواب.. كانت تحادثني أثناء وقوفنا أمام الحوض لكني لم ألتقط شيئاً من حديثها.. إلى أن سمعتُ صوت نوح فعدتُ إلى الواقع وتحمّست خفقاتُ قلبي لظهوره.. طلب من سجى أن تتركنا بمفردنا ففرحت الأخرى لخلاصها من الجلي وغادرت المطبخ بعجلة.. شمّر نوح عن ساعديه ووقف بجانبي يشاركني غسل الصحون بصمت.. قلتُ بخفوت أنني أستطيع القيام بالأمر بمفردي.. فقال إننا قريباً سوف نتشارك كلَّ شيء ولا بُدَّ من الاعتياد على الأمر.. ثم قال بعد لحظة صمت قصيرة:

ـ هل ثمة ما يضايقك؟

ازدردتُ ريقي وناولتُهُ الكوب ليشطفه:

ـ أفضّلُ عدم التحدث في الأمر.

ـ سأحزن إن لم تشاركيني همومك.

ـ الأمر معقد..

ـ نحلّه معاً إذاً.

ـ قد تظنني مجنونة لو أخبرتُكَ به.

ـ إنكِ أعقل فتاة عرفتها، لا تخافي في هذا الشأن.

عضضتُ على شفتي وأنا أتصارع مع ترددي، ثم قلتُ بخفوت:

ـ فكرة فراق أهلي تؤرقني..

ـ تستطيعين زيارتهم كلما اشتقتِ إليهم.

ـ لا يكفي..

ابتسم ليقول:

ـ هل تقترحين أن نسكنَ في بيتكم؟

ابتسمتُ لأجيب:

ـ سيكون حلاً مناسباً.

غطَّ إصبعَهُ في رغوة الصابون ومسحَهُ على أرنبةِ أنفي ليقول ضاحكاً:

ـ أتراجع عن قولي بأنّكِ أعقلُ فتاة، أنتِ مجنونة.

مسحتُ أنفي بكمّ قميصي ثم غططتُ سبابتي في الرغوة لكنه تراجع بسرعة فانزلق الكوب من يده وانكسرَ في الحوض.. نظرتُ إليه بصدمةٍ فضحك وقال:

لا تعبث بعالميWhere stories live. Discover now