الفصل الثاني

390 60 93
                                    

كان من المستحيل التركيز في المادة أثناء حديث شقيقتي ندى مع رفيقتها عبر الهاتف.. لأسباب عدة.. منها أنَّ صوتها عالٍ.. أنّ حديثهما يعدّ غيبةً ونميمة على زميلاتهما مما يثيرُ اشمئزازي.. وأن اتصالهما لن ينتهي إلا بعد ساعةٍ ونصف على الأقل..

 ندى، أو قطر الندى التي يتكاسل الجميع عن قول اسمها كاملاً، تصغرني بعامين وتطمح للقبول في قسم الصيدلة في العام المقبل.. إنها ذكية ومتفوقة.. يفخر والداي دوماً بدرجاتها العالية، لكنَّ مشكلتَها أنّها كلما ازدادت علماً ازدادت غروراً وتكبُّراً.. من المفترض أن يزداد الإنسان تواضعاً بالعلم.. لكن البعض يستغلُّ علمه للانتقاصِ ممن هم أقلُّ تفوقاً منه..

ـ لا أصدق أنها لم تستطع الإجابة على سؤالٍ تافه كهذا، حتى الصغار يعرفون جوابه. ثم تتجرأ وتطمحُ لدراسة الصيدلة!

زفرتُ بصوتٍ مسموع ونهضتُ لأغادر الغرفة.. فلا النصيحةُ تنفع معها ولا بقائي فيه فائدة.. ذهبتُ إلى غرفة الجلوس حيث كان صوتُ مصطفى يصدحُ في المكان مغطياً على صوت المسلسل الخليجي الذي تتابعُهُ والدتي للمرة الرابعة.. جلستُ بجانبها على الأريكة القصيرة -إذ أنّ مصطفى احتل الطويلة بجسده الفارع- ومددتُ يدي في إناء الفولِ الأخضر لأساعدها بتقشيره.. كانت تقوم بعملية التقشير دون أن تبعدَ عينيها عن شاشة التلفاز ثانيةً واحدة، وكأنّها لا تعرف الأحداث بالتفصيل الممل. عندما تأكدتُ من انشغال مصطفى بلعبة "البوبجي" مع رفاقه قلتُ ببعض التردد:

ـ أمي، هل سبقَ أن رأيتِ مناماً شعرتِ وكأنّه حقيقة؟ وبقيَ تأثيره عليكِ حتى بعد استيقاظك؟

أجابت دون أن تبعدَ عينيها عن التلفاز:

ـ بالتأكيد.

ـ حقاً؟ حدثيني عنه.

ألقت نظرةً سريعةً عليَّ لتقول:

ـ لا أذكر شيئاً الآن، لكن أعلم أنّهُ سبق وحدث.

ـ حاولي التذكر، أرجوك.

وجهّت كاملَ تركيزها إليَّ لتقول باستفسار:

ـ ما الأمر؟ هل رأيتِ مناماً أقلقك؟

هززتُ بكتفَيّ وأنا أقشر إحدى حبات الفول، فتابعت والدتي قائلة:

ـ حسناً، أذكر أنني رأيتُ حلماً حيث قام أحدهم بطعني في بطني، حين استيقظت كانت بطني تؤلمني، لبضع ثوانٍ فقط. على العموم، الأمر طبيعي في شعوركِ وكأنَّ ما ترينَهُ في المنام حقيقة، لكن حين تستيقظين تعرفين أنها أحلام لا أكثر.

هنا تكمن المشكلة، حتى بعد استيقاظي لا أعرف إن كان ما رأيتُه مجرد حلم أم أنّه أكثر من ذلك.. سألتُها قبل أن توجه تركيزها إلى المسلسل:

ـ وهل من الطبيعي رؤيةُ الحلم ذاته عدة مرات، مع تغيير بسيط في كل مرة؟

ـ عزيزتي، كل ما يحصل في الأحلام طبيعي، لا تفرطي في التفكير وتتعبي نفسكِ في هذا الأمر.

لا تعبث بعالميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن