الفصل التاسع

295 51 86
                                    

كنتُ أبكي في الحمام.. لم أشأ أن يراني أحدٌ فيسألني عن سبب بكائي.. حتى لو رغبتُ بالإجابة فلن أستطيع.. لأنني لا أعرف السبب الرئيسي لبكائي.. هل هو حزنٌ على زائري في الأحلام.. أم هو خوفٌ من المشاعر التي أيقظها في داخلي.. هل هو شعوري بأنني أخونُ نوح.. أم لأنني بدأتُ أؤمن بوجود عالمٍ آخر حيث ينتظرني أحدهم بشوق كبير؟.. الاحتمالات كثيرة وربما أبكي بسببها كلها.. غسلتُ وجهي بالماء البارد لوقت طويل حتى خفّت آثار البكاء ثم ذهبتُ لأتناول الفطور مع عائلتي.. كان الجميعُ يجلس حول المائدة ويتناول طعامه.. يحادثون بعضهم بأصواتٍ منخفضة والتلفاز منطفئ على غير العادة.. استغربتُ الأمر فسألتُ ندى عن السبب بصوتٍ هامس.. لكن يبدو أنها لم تسمعني لأنها لم تجبني بل تابعت حديثها مع مصطفى.. فسألتُ والدتي لكنها الأخرى كانت مشغولة في تناول طعامها ولم تجبني.. انتابني شعور غير مريح.. حاولتُ تجاهله ونهضت لأستعد للجامعة دون أن أتناول شيء من الفطور.. لم يستوقفني أحدهم ويجبرني على تناول فطوري.. فازددتُ انزعاجاً.. لمَ لا يهتمُّ أحدهم لأمري؟.. كان نوح المستمع الوحيد الذي تلقّى شكواي باهتمامٍ حين وصلتُ إلى الجامعة وفي التحديد الطابق الثالث حيث كان ينتظرني..

ـ ما الذي يزعج جميلتي؟

عضضتُ على شفتي لأمنع نوبةً جديدةً من البكاء:

ـ لا أعرف، لكني لستُ بخير.

مسح بإبهامه على وجنتي وقال بلطف:

ـ هل ضايقكِ أحدهم؟

هززتُ رأسي بالنفي.. فسقطت أول دمعة.. مسحها وهو يقول بجدية:

ـ لا تخفي عني، يمكنكِ إخباري بكل شيء، لن أكون إلا سنداً لك.

نطقتُ بنبرة مرتجفة وسالت معها الدموع:

ـ الكثيرُ يحصل معي، ولا أفهم منه شيئا. هناك أمورٌ لو أخبرتك عنها قد.. أخشى أن تتركَني يا نوح.

استمرَّ بمسح كل دمعة جديدة تنزل ليقول برفق:

ـ لا وجود لاحتمال كهذا، لن أترككِ مهما حدث.

ـ أتعدُني بذلك؟

ـ أعدُك.

اقتربتُ منه لأخفيَ وجهي في كتفه:

ـ إذاً لا تتخلَّ عني، إني بأمسِّ الحاجة إليك.

قبّل رأسي قائلاً:

ـ أتخلى عن الجميع ولا أتخلى عنك.

*****

كنتُ أحاول أن أدرس.. لكنَّ حديث أختي مع صديقتها عبر الهاتف لم يترك مجالاً للتركيز.. تركتُ كتبي وذهبتُ إلى غرفة الجلوس حيث كان مصطفى يلعب "البوبجي" مع أصدقائه وأمي تقشر الفول الأخضر أثناء متابعتها للمسلسل الخليجي للمرة الرابعة.. إنها لا تملّ المسلسلات الكئيبة وتتفاعل معها في كل مرة وكأنها تراها للمرة الأولى.. رغم أنها تختم كلَّ واحدةٍ منهنَّ عدة مرات.. جلستُ بجانبها على الأريكة القصيرة إذ أنّ مصطفى احتلّ الطويلة باستلقائه عليها.. لحظة.. أشعر أن ما يحصل الآن قد حصل مسبقاً.. وكأن مشهداً من مشاهد مسلسل والدتي يتكرر.. لكنني كنتُ البطلة فيه والمسلسل الذي يتكرر هو حياتي.. يبدو أنّ الفوضى الأخيرة أثرت على عقلي.. مددتُ يدي في الوعاء لأساعد أمي بتقشير الفول وسألتُها:

ـ متى نذهب لأخذ قياسات بدلة زفافي؟

قالت دون أن تبعد عينيها عن التلفاز:

ـ يوم السبت.

ـ هل يمكننا التسوق أيضاً؟ تنقصُني بعض الأمور الأساسية ولم يتبقَّ الكثير على الزفاف.

ـ لا مشكلة، سجّلي كل ما تحتاجينه في قائمة لتتذكريه.

ـ براءة!

التفتُ إلى ندى التي نادت بإسمي من غرفتنا:

ـ ماذا؟

ـ لقد نزلت حلقة جديدة من المسلسل!

هتفتُ بحماس:

ـ إياكِ أن تفسدي الأحداث عليّ، سأشاهدها بعد قليل.

قالت والدتي وهي تنظر إليّ:

ـ عزيزتي، كل ما يحصل في الأحلام طبيعي، لا تفرطي التفكير وتتعبي نفسكِ في هذا الأمر.

عقدتُ جبيني بعدم فهم.. ما الذي تقوله؟.. متى تحدثنا عن الأحلام؟..

ـ ما مناسبة هذا الكلام أمي؟

لكنها لم تجب.. بل عادت لمشاهدة المسلسل وكأنّني لم أطرح سؤالاً عليها.. وكأنّها لا تراني.. 



شدا يصير؟ وهل لصاحب الظل دورٌ في ذلك؟🙄


لا تعبث بعالميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن