الفصل الأوّل: بداخلِ القبّة

11 3 0
                                    

إنها الرابعة صباحًا، وقد أصبحت عادة أينار أن تبدأ يومها في هذا الوقت في الأسابيع الماضية تهربًا من دروسُ أمها، السيّدة روميلّا، التي ازدادَت عددًا ومدةً. وعلى عكسِ أمها، فأبوها السيّد بولت يرحب بهذا التغيير، فلا أحد يستيقظ في هذه الساعةِ غيره؛ أصبحَ جدول أينار الجديد يؤنس أبيها في بداية كلّ صباح.

      سألها بولت والخبزُ في فمه "عسل مع الجبنةِ أم مربّى؟" كانتْ أينار قد نزلت من غرفتها للتو إلى الصالةِ المعتمة، لم ينبهها نورُ الثلاجة أن بولت قد استيقظ "تبًا! فاجأتني يا أبي!" ضحكَ بولت ثمّ تمتمت أينار "مربّى.. شكرًا."

      كانَ بولت في حيرةٍ من أمره في الآونة الأخيرة بشأنِ أينار وروميلّا، فمَع اقتراب عيد ميلاد أينار سيأتي يومُ التوظيفِ مصاحبًا إيّاه. وقَد لاحظَ هو وروميلّا استياء أينار بشأنِ هذا. فهي تتوقُ إلى أن تشغَل عملًا خارجَ القبّة، ولكنّ باعتبار تقييم مدرسيها في الأكاديمية، يبدو بأنّها ستعملُ داخل القبّة كمؤرخةٍ لأن أمّها كذلك؛ فالمسؤولون عن توظيفِ المواطنين يأخذون مهنة الأبوين بالاعتبار.  ولم تساعِد محاولات روميلّا في تدريس أينار في تحسين الوضع بينهما.

      سألَ بولت رغمَ تردده "أمستعدّة ليومِ التوظيف؟ بقي شهرٌ على مجيئه." سألها في هذه اللحظة التي لا يمكن أن تغادر فيها أينار متهربةً من النقاش.. لأنّها في انتظار شطيرة الجبنة والمربّى. ردّت ابنته على مضض "نعم... لا. ليس حقًا." ثمّ أكملت بعد صمتٍ "لا أفهم لماذا يختارون لنا حياتنا حتّى النهاية؛ ما نعمله، ما نقوله وما نؤمن به!" رفَع بولت حاجبه، فهذه كلمات يرددها من يرتاد 'النّادي'، الوحيدُ الذي يرددها من دائرتهم هو جاره -وزميله في العمَل- تاكَّر.. هل يتحدّث تاكّر عن هذا مع ابنه؟ ارتأى أنه من الأفضلِ أن يسألها "من أينَ لكِ بهذه العبارات؟ هل يرددها سموكي؟" انتشلتْ أينار شطيرتها ووضّبت حقيبتها وقالت وهي مسرعة "أنتَ تعرف أنّي محقّة يا أبي.. ولا، لا أكلّم سموكي بهذا الشأن!" تنهّد بولت وأكل بعضًا من الخبز، لم يكن مستاءًا بقدر ما كان قلقًا على ابنته..

"كلّ هذا بسبب تاكّر والذين تتسكع معهم.. بدأت أصواتهم تتعالى وها قد وصلت إلى مسامع سموكي وأينار!" التفتَ بولت إلى جهةِ السلالم، يبدو بأن أصواتهم أيقظتْ روميلّا. ردّ عليها "أعرِف.." تنهّد بولت، وأكمَلَ "لا تقلقِ يا حبيبتي، لن يؤثّر كلامُ تاكّر علينا." أخذَ أغراضه ووقف من على الكرسيّ، استوقفتهُ روميلّا قائلةً "دائمًا أقولُ لَك 'أبعِد نفسك عن هؤلاء، سيُشتَبهُ بنَا ولن يأخذ المسؤولون وقتهم حتّى يعتقلوهم ونحن معهم'، يجب أن نتأكد من ألّا يسمع أحد ما قالته أينار للتو.." وضَعَت يدها على كتف بولت وأكملت "ليس وكأنّي لا أفهم ما يقولون.. لكن لا حياةَ خارج القبّة، لا نستطيع أن نفرّط بما نملك.. لم نعد لوحدنا، لدينا–" أكمَل بولت عنها "لدينا أينار" قبّل بولت جبينها "لا صلة لكِ بالـ'نادي' بعدَ الآن. لا خوفَ علينا يا رومي". خرَج بولت واتجه لعمله بعدما قبّلها مجددًا، هذه المرّة على شفتيها.

نحو اللّامكان Donde viven las historias. Descúbrelo ahora