|23|. إصلاحُ الكُسور.

454 22 0
                                    

عادت حبيبة مع ريّان منزله، أعلمت والدتها مُسبقًا أنها سترحل معه، هي أشد واحدة درايةً به وتعلم أنه لن يتركها ترحل وإن أصرت قد يأتي معها.

كانت تجلس بجانبه في سيارته، يحتوي كفها الضئيل الناعم بين كفه الرجولي الخشن، تتخلل أصابعها فراغات أصابعه، ويقبض عليها كأن روحه سترحل ما إن يتركها، وبين كل ثانية وأخرى يرفع كفها يقبله قبلةً هادئة، بطيئة ودافئة تصل لروحها وليس لجلد يدها فقط.

وأما هي فكانت تنظر له ولوسامته وهو يقود بيدٍ واحدة، هي حقًا حقًا تشتاقه وِسع الكون وما عليه، كانت شهورًا ثقيلة على قلبها وروحها وهي الآن فقط تُدرك مِقداره في روحها ووجدها، هي هائمةٌ به حد التُخمة، يملأ روحها من رأسها حتى أخمص قدميها وهي لا تستطيع الإفلات وللحق هي لا تريد.

"كأنه واحشك بزيادة أنا؟"

قال بخُبث بغرض أن يُخجلها وهو يرفع يدها يقبلها للمرة التي لا تدري عددها منذ بدأ يقود، لتبتسم ابتسامةً عذبة وحُلوة سحرت لُبَّه وهي تتحدث بشجن:

"ليالي وانت بتشغل بالي وراحة بالي وقلبي معاك. متتخيلش الشهور اللي فاتت دي كُنت متخبطة ومُشتتة  وضايعة إزاي مش عارفة أرسى، وكل اللي كنت عايزاه أسيب كل حاجة وأرمي بكل اعتبارات وقيود في الأرض وأرجع حُضنك وبين دراعاتك بس، وأنام ع صدرك زي ما كنت بنام وأنا ناسية كل حاجة يا ريّان. أنا بجد بحبك حُب مهول مقدرش أوصفه بس أنا فعلًا بحبك بكل ذرة من كِياني."

"ده أنا ربنا يصبرني ع الطريق اللي مبيخلصش ده!"
تنهَّد ريّان بفُقدان صبر وهو يضغط بنزين السيارة بدون أن ينظر لها، هو إن نظر سيُقبلها وسيقضي ليلته بجانبها هُنا في السيارة لن يعود للمنزل أبدًا غير مساء الغد، هي لا تتحدث كلامًا عاديًا، إن فمها يقطر عسلًا وهو يريد أن يستقبله بأشد الترحاب!

"حبيبي، تسمحي تقعدي ساكتة طول الطريق؟ أنا مش حِملِك دلوقتي كفاية شوقي ليكِ قاعد يضرب قلبي!"

قال بتنهيدة شجيَّة وهو يمسح على شعرها ووجنتها بحنوّ، لتبتسم هي إذ أدركت مدى تأثيرها عليه، واقتربت تطبع قُبلة عفوية على خده المُقابل لها.

فابتسم هو الآخر كأنما عدوى ابتسامتها انتقلت له، ونظر لها بعيونٍ تلمع قرأت فيهما مقدار حُبه اللامنطوق لها.

وبعد حوالي ساعتين كانا قد وصلا أمام منزله الكبير، لينظر لها ويجدها قد اتخذت من كتفه وسادةً وغطت في نومٍ عميق. أدرك هو بالنظر لملامحها مقدار الإرهاق الذي عانته في فِراقه، واتضح إرهاق أسفل عينيها وملامحها كُلها. ليمسح ببُطء وحنان على وجنتها ومن ثمَّ حملَها بخِفة كأنها لا تزن شيئًا؛ وهُنا أدرك أن آلام فراقه نالت من صحتها أيضًا ما نالت، حتى إنه شعر بها أخف من ذي قبل. لكنه طوّقها بإحكام يدفن وجهها في صدره ودخل منزله بخُطى ثابتة، حتى وصل ليضعها على سريره، مكانها أضحى بين ذراعيه وفي كل مكان يكون هي ستكون أيضًا، هو لن يُفرط فيها قيد أُنمُلةٍ بعد الآن.

«مـلاذي.» ✔️Where stories live. Discover now