عبير العمر الضائع الجزء الثالث من سلسلة وللعمر بقية - الفصل السابع

220 15 0
                                    

قبل خمس سنوات
كانت تنظر للفستان الأحمر الرائع الذي لم تحلم بارتدائه بأشد أحلامها جموحاً.. فستان بطانته ملتصقة بها بينما طبقته الخارجية مزركشة بالورود تتسع من أسفل الخصر حتى لا تبرز نحولها وقد ساعدتها لورا بتصفيف شعرها وجمعته على أحد أكتافها وأكثرت من كحل عينيها مع أحمر شفاه أحمر اللون..
-:"إنه عارٍ جداً"
همست بها وهي تنظر لذراعيها والجزء العاري من صدرها وكانت على وشك تغيير رأيها والهرب من المكان سريعاً..
-:"إنه رائع للغاية.."
التفتت للورا والتي كانت ترتدي فستاناً قصيراً بنفس اللون يبرز مفاتنها بالتصاقه بجسدها بينما تحيط به طبقة من التل الملفوف بعناية حول قدها وقد كان بحمالة واحدة متدلية على كتفه.. وقد اعتمدت تبرجاً جريئاً بذات اللونين الأحمر والأسود.. ثم جعلت شعرها يبدو أكثف وزينته بقطعة من مقدمته بلون أسود لامع.. كانت تبدو رائعة وجميلة.. وجريئة وهي كذلك بالفعل.. لزرا كانت جريئة وشجاعة بشكلٍ لا يصدق.. وقد كانت تتمنى أن تحمل بعضاً من جرئتها تلك.. هزت رأسها ثم ابتسمت لها وردت: "إنه رائع بالفعل لكنه عارٍ أيضاً.."
اقتربت منها لورا ووضعت كفها على كتفها وهي تقول: "لا يهم.. المهم أنه أعجبك.."
التفتت تنظر لنفسها بالمرآة ثم تنهدت بينما تهمس: "أنا متوترة.."
عادت تنظر للورا وهي تكمل: "هل علي حضور تلك الحفلة حقاً؟"
-:"أجل.."
ردت بها وهي تسحبها وتكمل: "لا يمكنك التخلي عني وتركي أقابل كل تلك الوحوش وحدي.."
كان هذا لقب البشر عند لورا فبالفترة التي قضيتاها معاً فهمت أنها بسبب ما تعرضت له تفضل العزلة ولا تحب أن يقترب أحد منها.. لكنها وريثة بيير وعليها الظهور معه بالمناسبات الرسمية بل وتنظيم بعدها..
-:"هذه ضريبة أن يتبناكِ بيير.."
كان هذا ما تكرره لها وهي تعلمها الفرنسية وتصف بعدها الحفلات التي عليها أن تنظمها للطبقة المخملية باستمرار بالإضافة للمعارض المختلفة والحديث مع فنانين من مختلف الأماكن والأشكال..
كانت دوماً مستاءة أثناء حديثها وقد صارحتها بمرة أنها دوماً تفكر بالرحيل والعزلة بمكانٍ بعيد عن عيون الناس لكنها دوماً تتراجع بسبب بيير فهي ترفض التخلي عنه لأنه لم يتخلى عنها أبداً منذ التقى بها..
كانت حزينة بالفترة الأخيرة بسبب شجار شب بينهما لذا ساعدتها بتنظيم هذا الحفل..
تحركتا تهبطان الدرج المؤدي للصالة الرئيسية فشعرت بعيون الحضور تحرقها وتزيد توترها وكان دورها هي أن تفكر بالهرب هذه المرة..
-:"اهدئي إنهم مجرد حمقى!.."
التفتت تنظر للورا ما أن انتهى الدرج لتجدها تغمز لها ثم سحبتها ليقفا بجوار بيير الذي ما أن وقفت جواره قال: "أحسنتِ يا عبير.."
التفتت له فأكمل: "الحفل تنظيمه رائع.."
لم تكن تصدق أنه أعجبه حقاً ولكنها ابتسمت وأومأت له بأدب..
****
الحاضر
رن هاتفها فرفعت عيناها عن الأوراق وابتسمت وهي ترى اسم المتصل قبل أن يتملكها الغضب وتفتح الخط قائلة بحدة: "عندما تذكرت الاتصال بي يا عزيز الصفواني.."
ضحك قابلها من الجهة الأخرى فأكملت: "وتضحك أيضاً؟.. يا لوقاحتك.."
-:"كلانا وقح يا حلوتي.."
رد بها ثم سألها: "كان يوماً واحداً الذي غبته عنكٍ.. فلم الغضب الآن؟"
-:"لأنك لم تنبهني.. ولأنك تفضل مدللتك علي.. لا أحد يفضل أي شخص علي يا عزيز الصفواني.."
عاد للضحك وهي تتميز غيظاً ففي اليوم السابق لم يمر أو يتصل حتى رغم أنه منذ تلك الليلة التي تناولا بها العشاء معاً كانا يخرجان كل ليلة ولم تكن اتصالاته تتوقف طيلة اليوم الأمر الذي توقف فجأة البارحة واليوم أيضاً لم يمر عليها صباحاً وقد أزعجها هذا دون أن تفهم السبب.. هل هو غيابه عنها أم أنها منزعجة من غيابه عنها..
-:"الزفاف اليوم.."
قالها ثم تنهد بتعب وهو يكمل: "لقد انشغلت البارحة بالتحضيرات فالحمقاء والغبي كلاهما لا يكترث بتنظيم أي شيء.."
ارتاحت بمقعدها وهي تفكر ثم ردت: "هذا ليس عذراً.."
-:"أنتِ معتادة على الدلال يا حلوتي.."
قالها وقد تخيلته يبتسم بتلك الطريقة الرائعة البعيدة عن السخرية فابتسمت هي الأخرى وردت: "وأنت يعجبك هذا.."
-:"أنا يعجبني الكثير.."
قال بخبث ثم أكمل: "والآن ما رأيك أن نلتقي هذا المساء.."
مظرت للأوراق أمامها والتي وعدت سام بالاطلاع عليها وتسليمها له ليتم الصفقة: "لورا.."
-:"معك يا عزيز.."
ردت بها ثم تنهدت وهي تكمل: "لا يمكنني الليلة لدي الكثير من العمل كما أنك بالتأكيد متعب لذا لنؤجلها للغد.."
-:"لا مانع عندي.."
قالها بهدوء فتنهدت وهي ترد بتحذير: "لكن أقسم إن أخلفت موعدك ستلاقي مني ما لا تحب.."
-:"أنا لا أخلف وعداً أبداً يا حلوتي.."
ابتسمت بسعادة وبلاهة دون سبب مع جملته الأخيرة قبل أن ترد: "حسناً أراك في الغد.."
وما أن أغلقت الخط التفتت بالمقعد تنظر لصورة بيير وهي تتنهد وتهمس: "أجل أعلم أنك لو كنت هنا لوبختني لخلطي مشاعر غريبة بالعمل.."
مطت شفتيها قبل أن تنهض وتقترب من الصورة وهي تكمل: "لكنه وسيم ولبق ووقح ويهتم بي.. إنها تركيبة لا تقاوم بيير.."
نظرت للصورة قليلاً وتخيلتها تنظر نحوها بسخرية وخيبة أمل فعقدت ذراعيها وهي تهمس بغضب: "حسناً إن كنت معترضاً أخبرني حلاً بدلاً من صمتك ذاك.."
-:"لقد فقدتِ عقلك يا فتاة.."
التفتت لسام الذي كان يطالعها بذهول وهو يكمل: "أنتِ تتحدثين لصورة الآن.."
هزت كتفيها بينما ترد ببساطة: "ماذا؟.. أنا أطلب النصيحة من والدي.."
-:"الميت.."
قالها بصدمة فعادت ترد: "وما المشكلة؟.. ستزورني روحه وترشدني بم علي فعله.."
مط شفتيه وهو يوميء برأسه قبل أن يقول: "كما قلت سابقاً لقد فقدت عقلك يا فتاة.."
اقترب بعدها وأشار للتقارير بينما يسألها: "هل أنهيتِ الاطلاع على الصفقة فعلي الانطلاق الآن؟.."
نظرت للأوراق وهي تستحضر صورة عزيز محاولة الشعور بأي تردد أو ندم لكن كان بجواره مئات الصور التي تدفعها ألا تشعر بأيٍ منهما لذا سلمته الملف وقد عادت لشخصيتها الجادة وهي ترد: "لا بأس لكن تابعني على الهاتف.."
****
-:"لا أصدق أنك حقاً على علاقة بتلك الفتاة!.."
تنهد بملل ثم رفع عيناه عن هاتفه الذي كان يحدق به منذ أنهى المكالمة.. التفت لزينة الواقفة على باب الغرفة ويبدو عليها الغضب لكنه لم يكترث ورد: "هل تتجسسين علي الآن؟"
ضاقت عيناه بعدها ثم أكمل: "كما أنك تعرفين بالفعل منذ أيام ولهذا أنتِ تحدجيني بتلك النظرات اللائمة على أمل أن أفهم وأتراجع.."
-:"ولكنك لم تفعل.."
قالتها بغيظ فرد ببرود: "ولن أفعل.. إنه قرارٌ يخصني وأنا لم أمنحك مساحة النصح أو التعليق على تصرفاتي يا فتاة.."
ازداد غيظها وغضبها ولكنه لم يكترث ونهض عن المقعد يتجه للمرآة ليبدأ الاستعداد بارتداء بذلة الحفل..
-:"ماذا عن ياسر؟.."
تنهد بملل وهو يستمع لسؤالها قبل أن يرد: "نفس الأمر بالنسبة له.. لكنه أعقل منكِ ولم يحاول التدخل.."
تملكها اليأس عندها واقتربت ووضعت علبة على المنضدة خلفه بعصبية ثم التفتت لتغادر وهي تقول: "ارتدي ربطة العنق تلك لتليق على فستاني.."
مط شفتيه وهو يأخذ نفساً عميقاً قبل أن يغمض عيناه وهو يهمس: "سيتزوجا خلال ساعات وسأرتاح أخيراً وأتفرغ لفتاتي الوقحة.. لذا علي أن أهدأ.. علي أن أهدأ وحسب.."
*****
في المساء
كانت تتجه لبيتها بعد يوم عملٍ طويل وهي تشعر بالتعب كما أنها كانت لا تزال مغتاظة من ابتعاد عزيز عنها بسبب المدللة.. تقسم أنها ستنتقم منها قريباً لمنعها عن رؤيته ليومين متعاقبين..
تنهدت وهي تهبط من السيارة وتتحرك ناحية بوابة البيت وعندها تفاجئت بالجالس أمامها.. لم تصدق عينيها بالبداية.. لكنها تجاهلت الصدمة واقتربت منه لتسأله: "ياسر ماذا تفعل هنا؟"
لم يجبها بالبداية ففتحت فمها لتسأله مجدداً: "لا يمكنني"
انعقد حاجبيه بينما ينهض من مكانه وهو يكمل: "لا يمكنني اتمام ذلك الزواج لورا!"
كان من المفترض ألا تشعر بأي شي ناحيته.. في النهاية هو كان مجرد شخص تستغله لتصل لما تريده.. لكنها لم تستطع ألا تشعر بالأسف عليه فتنهدت وردت: "وماذا عن والدتك.. ماذا عن حقك أنت الذي ضاع دون سبب.. هل ستتخلى عنه؟"
نظر لها وهو لا يعلم ما الذي من المفترض أن يرد به.. فأكملت هي بقسوة: "اسمع ياسر.. أنت اخترت تلك الليلة.. فإن كنت قادما اليوم لتحاول استمالتي.. فعليك أن تعلم استحالة حدوث هذا.. لقد اكتشفت ليلتها أنك ضعيف وأنا أكره الضعفاء"
-:"أنا آسف"
-:"لا تعتذر"
رفع رأسه لها فأكملت بهدوء: "أنا أتفهم ياسر ولست غاضبة منك.. وأنت عليك التفكير بعملية.. التفكير بمستقبلك وحياة والدتك التي لا تقدر بثمن.. السيدة هديل امرأة طيبة وتحبك أكثر من نفسها.. وهي لا تستحق منك أي تصرف أناني"
-: "أنت تجيدين النصح"
رد بها بهدوء وشبح ابتسامة يظهر على ثغره فابتسمت وهي تقول بدلال: "نصائحي لا يحصل عليها الكثيرين فكن شاكراً"

عبير العمر الضائع - الجزء الثالث من سلسلة وللعمر بقية -مكتملةWhere stories live. Discover now