الرسالة التاسعة|9

52 18 4
                                    


POV : William
رسالة من منظور ويليام.


عام ١٨٤٣ م.

توقف ذلك الرجل عن قراءة رسالة طويلة ، كان يجلس في مكتبهِ على كرسيهُ المفضل بجانب المِدخنة ، رجل في مطلع الاربعين ، اصهب الشعر واللحية ويرتدي النظرات التي تجعله يركز في القراءة جيداً وبتمعن الحروف ، ازاح بنظره ليجد أن هناك رسالة واحدة متبقية ..

نظر إلى نيران المدخنة حتى احمرت عيناه ، كانت تلك العينين الصغيرتين المخبئتين خلف النظارات تحمل ندماً يمتد لسنوات طويلة ..

_

كل ما قرأته الآن هو .. ما شعرت به .. ما مررت به .. أشياء لم أكن لاعرفها وكانت كاللغز بالنسبة لي .. منذ ذلك الانفجار إلى شجارنا العنيف أمام محطة القطار .. في جميع الرسائل كنت تعتذر ، تعتذر لي بكل اسف وندم ، لقد مر تقريباً خمسة و عشرون سنة على الأمر ، ومع ذلك لقد كتبت لي وصارحتني ، بعدما امتلئ رأسينا بالشعر الابيض .. لا اعلم ماذا أقول أو ماذا أفعل أشعر أنني أنا الظالم هنا لأنني الآن عرفت كل شيء منك ..

لنعد في ذلك الزمن عندما رأيتك لأول مرة بعدما ساعدت ابي ، لم أكن خائفاً منك ! لقد كنت مصاباً بالرهاب الاجتماعي ، كان يصعب أن اقف أو انظر إلى الناس بسهولة ، وكنت أخاف من أي شيء اراه ، لذلك في ذلك اليوم كان ابي سيأخذني إلى لندن ليجد لي علاج أو أي شيء ، لهذا كنت اختبئ خلف ابي لم أكن أراك في تلك الطريقة التي وصفتها ، بل كنت احسدك على القوة التي كنت تحملها وانت تضع الاغراض .

واعتقد عندما فقدت ذاكرتي فقدت ذلك الشعور أيضاً شعور أن الناس أو العالم مكان خطر علي ، أو لأن رأسي حفظ جميع اكاذيبك وصنع عقلي شخصية جديدة لي من خلال كذبك ، ربما تكون ابعدتني عن عائلتي ولكنك أيضاً السبب في تطور ذاتي وتخلصي من ذلك الرهاب ..

كانت الأيام التي قضيتها معك في المدينة جميلة ، حتى لو كنا ننام في الزقاق حتى لو كان رأسي ينفجر من الألم ، لكنني كنت سعيد معك لسبب مجهول ، شعرت فعلا أنك عائلتي ومُعيلي ، وفي اليوم الذي خرجنا فيه من الفندق اخبرتني أنني اكره تلك الاجواء .. اجواء الصخب ، وعندما كنت تمسك بيدي وتمشي بي إلى محطة القطار راودتني اوهام عني وعن خوفي من المجتمع والناس وكانت كلها بلا معنى وفيها أصوات مزعجة تمزق اذني .. لكنني تحملت الأمر واخبرت نفسي أنها مجرد اوهام أو ذكريات غير حقيقية .

_

لا اصدق أنك تذكرت ما حدث في حقول القمح بالتفاصيل ! أنت فعلا تذكرت أنني أنا المتسبب بمغادرة القطار ، وعندما بدأت السماء تمطر ، عندما لم يكن لدي أي ذكريات للمطر في ذاكرتي ، بقيت هذه الذكرى الأولى بالنسبة لي ، ذكرة المطر الذي بللنا لأصمخ قدمنا ومرضت بسببه واصبحت عبئ عليك .. كيف لي أن انسى ذلك أنا أيضاً .

إن الأمر السعيد في كل القصة التي رويتها لي ، كانت ليليث ، هي فعلا قد اشرقتك ، لقد اخرجتك من ظلامك ، و إن وصفك لها يشعرني بالقشعريرة ، كيف استطعت أن تحفظ بعقلك جميع تلك التفاصيل الجميلة منها والسيئة أيضاً ، كانت ليليث فعلا فتاة جميلة وعرفت أن هناك شيء يحدث معكما . لكن الشيء الذي وصفته آن ذاك كان مجرد كلمة 'شعور أو اعجاب' ، كتبت ما شعرت به ، لكن دعني اصححها لك بقول أن ما حدث معكما كان 'حباً'  لم أرى في حياتي رجلاً يعتز بمن يحب مثلك إلى تلك الدرجة واتمنى أن لا أرى لأنك فريد من نوعك عندما تحب خصوصاً عندما قلت أنك متيمٌ بها ، وياريت حبك لي كأخ لم يتزعزع عبر تلك السنين .

_

عندما سقطت من الارجوحة في ذلك العصر ، اخبرتك أنني بخير ، لكن في الحقيقة ، لم أكن .. كان رأسي يؤلمني بشدة كل يوم ، بدأت أتذكر مقتطفات مختلفة عن الماضي ، الماضي الذي يختلف عن الذي اخبرتني به ، عندما كنت اجلس لوحدي واتأمل السياج الخشبي والطبيعة كنت أتذكر شيء يتلو شيء ، كلام ابي قبل أن تنفجر السفن والمباني وعندما كان يخبرني بأنه سيجد لي ولرهابي حل .. فتاة تدعى لوليتا تجسدت في تلك الذكريات وتذكرت أول قبلة قد حظيت بها تحت شجرة الصنوبر وعرفت أن لوليتا هي قدري ومستقبلي ، ذكريات كثيرة لم تكن أنت فيها ، كُنت هادئاً وتصرفت بهدوء ايضا ، لم أكن أريد أن احدث لك مشكلة أو أن اكشف الأمر أمام الفتاة التي تحبها .

_

وفي تلك الليلة التي في الرسالة الثامنة ، كانت ليلتك الغرامية وأنا كانت ليلتي الموعودة ، فتحت باب غرفتي وخرجت على وقت الفجر ، كنت سأخرج لكنني فتحت باب غرفتها فوجدتكما نائمين سويتاً ، كان منظركما لطيف ومريح للعين بشكل حنون ، كانت هذه آخر مره أرى فيها ليليث .. كنت امشي وابكي ، أنا اشتاق لامي لاخي ، للعائلة ، لكل شيء يخطر في ذكرياتي ، منذ تلك اللحظة كرهتك يا جاسبر ، لقد كرهتك لأنك كاذب ، مخادع ، لقد سرقتني من عائلتي ، كان عقلي عقل مراهق طائش لا يعلم ماذا يفعل ، لازالت الذكريات غير مرتبة ، لكن شوقي لعائلتي وحنيني لمنزلي جعلاني اغادر إلى محطة القطار ، أنا مفلس لكن كنت قد تعلمت منك أسلوب ركوب القطار جيداً .

بقيت انتظر ساعات ، جائع ومتعب ورأسي تملئه الافكار والذكريات ، حتى ... صاح علي صوتك المتعب جراء الركض ، صوت فيه حسرة ، فيه خوف وفزع ، وجدت على محياك نظرة ادراك ، أنت ادركت أنني أتذكر كل شيء ..

_ يُتبع _

رحلة ديسمبر || 𝐃𝐞𝐜 𝐓𝐫𝐢𝐩 [مكتملة]Where stories live. Discover now