الرسالة الخامسة|5

46 20 8
                                    


الليلة الباردة.


مشينا ، مشينا واكملنا الطريق عبر الحقول ، يصبح الليل أقوى واقوى في كل خطوة نخطيها ، مبللان وجائعان ، اترنح في كل ثانية واريد فقط أن أنام لدهرٍ كاملٍ ، أشعر أن عينيّ ستخرجان من رأسي بعد ثواني .. أحاول أن لا انظر لك وانت تمشي بثقل وتكافح لكي تلحق بي لأنني إذ نظرت سينتهي بي الحال وأنا احملك كما كنت أفعل ..

بعد ساعات من المشي ، وصلنا إلى بداية المنازل  الخشبية ، معضمهم يملكون المزارع حول منزلهم والبعض الآخر يمتلك حديقة صغيرة ، من منظر المنازل عرفت أن الساعة الآن تشير إلى منتصف الليل ، لا يوجد حتى حيوان واحد في الخارج من شدة البرد ..  بالتأكيد مَن الذي سيخرج مِن مضجعهِ في عتمة الليل ؟ .

كنت أشعر بالبرد ، الجوع ، الخوف ، الوحدة ، لكن لم أكن أعرف بماذا شعرت أنتَ ، هل شعرت بمثل شعوري ، أم لا ؟ .. اخذتك إلى خلف المنزل وكنت مبلل بالكامل وتتراجف كالارنب الصغير ، شعرت بقلبك كأنه سيخرج من مكانه ، فتحت الحقيبة واخرجت وشاح كنت قد سرقته من الفندق القذر ذاك ، لففتك به جيداً ووضعت عليك كل شيء املكه حتى تنعم بالدفئ ..

ركضت بخوف وطرقت باب أحد المنازل ، كنت ادعو أن يكون هناك شخص للمساعدة ، شخص طيب ليحمي أخي من البرد فقط هذه الليلة ، لكن ... مَن فتح الباب لم يكن ما توقعته وتخيلته ، لقد كان رجلاً تملئه الدهون ، ووجهه يبدو عليه أنه قد شرب عشر زجاجاتٍ من الخمر ، نظرت نظرة خافته على منزله وكان منزل يستحيل أن تعيش فيه امرأة ، لأن النساء انظف من أن يعشنَ في حظيرة كتلك ، بلعت لعابي ونظرت إلى عينيه بخوف وقلت بتلعثم ..

_اخي ... أنا و أخي ... الجو بارد في الخارج هل تدخلنا إلى منزلك يا عم ؟ ارجوك اخي متعب ومبلل من المطر .

قهقه الرجل عندها واردف بصوت مقزز :
_بالطبع بالطبع .. ادخل أنت أولاً وسأحضر لك اخيك بعدها .

لكن ... لماذا أتذكر تلك اللحظة قبل سنوات ؟ ، ذلك الشخص الذي اطلب منه المساعدة الآن ! هل هو نسخة من ذلك الرجل ؟ ... عندما ادخل هذا الباب سيكون قد قضيت على نفسي ، تلك الغلطة التي عشتها في السابق ، لا أريد أن تحدث لي ، ليس الآن وأنا لدي ويليام ، لدي هوَ لأقلق عليه لذلك .. لا يجب أن يحدث لي هذا ثانيةً ، لا أريد أن أعيش ذلك الألم مجدداً ..

ابتعدت بخطوات ثقيلة وأنا ارتجف وصوتي يرتجف معي :
_انتمْ مقرفين ... لا اصدق أنني من نفس جِنسكم انتم الرجال .. هذا إذ كنتم رجالاً حتى ، تغتصبونَ وتؤذونَ من تشاؤونْ فقط لتفريغ شهوتكم الحيوانية ، أنا اضعُ عهداً على نفسي من هذهِ الليلة .. إذ كبرتُ وكبرت واصبحت بالغاً بأنني لَن .. لن أصبح مثلكم أبداً ....

ركضت بأقصى سرعتي لأصل لك وأنا خائف وارتجف ويراودني ذلك الشعور الذي لا ينتزع من جسدي ، نعم .. لقد تعرضت لهذا الشيء الذي تفكر به الآن ، عندما كان لا يزال جرح موت أخي في قلبي ، وثقت برجل اخبرني بكلام لطيف ورضيت بأن ادخل منزله ... ربما لأنني كنت ولا ازال أريد الحب ، الحنان والعاطفة والكلام اللطيف الذي يدفئ قلبي ويهون على جرحي ، لكن ربما أنا على خطأ .. ربما كان علي أن اهون على نفسي بنفسي ...

وصلت عندك وكنت نائماً ولا تزال تتراجف فأحتضنتك وبدأت ابكي واعتذر لك ، ربما لم يقتلك الانفجار .. لكن من المؤكد أن من سيتسبب بموتك هو أنا وحدي ،. لأنني اعرضك للخطر دائماً .

_

نهضت في الصباح ولكنك لم تكن هناك ، انفجعت ولم يخطر في بالي شيء غير الذهاب إلى منزل ذلك الرجل مجدداً ، عندما كنت امشي مسرعاً ظهرت أنت في وجهي ..

_اين كنت بحق الجحيم !! قلت بصوت مرتفع وقلق

_لقد استيقظت وكان كل جسدي يرتجف واشعر أن عظامي متهالكة ، فقررت أن امشي قليلاً واتركك لتنام .

_لا تفعل هذا ثانيةً ! قلت بحرص 

اكملنا مشينا وأنا كنت في المقدمة وانت تتبعني بصمت ، كُنت اتخذ موقفاً منك لأنك جعلتني اقلق عليك ، ولهذا لم امسك بيدك أو اللتفت عليك بينما نعبر لنصل إلى وسط القرية التي وصلنا لها في الأمس .. ثم بعد دقائق ... اللتفتت بعدما سمعت صوت ارتطام شخص بالارض بشدة ، كان أنتَ ... لقد سقطت مغشياً عليك من التعب ... منظرك وأنت على الأرض هكذا كما لو كنت فراشة قد تم قص اجنحتها بلا رحمة ، ومن قام بقصهما هو أنا .. ربما لو كنت مع عائلتك المحبة الآن ، كنت ستجلس أمام المدفئة وتتذكر أفراد عائلتك واحداً تلو الآخر .. وليس ما أنت عليه الآن ، ساقطاً على الأرض وجسدك يشتعل ناراً وتصدق شخص مضطرب مثلي ..

_ يُتبع _

رحلة ديسمبر || 𝐃𝐞𝐜 𝐓𝐫𝐢𝐩 [مكتملة]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن