أسفل الباخرة

56 9 3
                                    

"اعتذر لفضاضتي سابقًا"
قالت ايفا بنبرةٍ صادقة لتلك الفتاة التي تسير أمامها وهي حذرةٌ في خطواتها وباعثةً كلّ تركيزها في الطريق خوفًا من مفاجأة غير متوقّعة

كان كين بالمقابل يسير في الخلف على عكسها وهو متأهب لسماع خبر مقتلِ أحدهم، لن يكذّب ذلك الشعور بالموت ولكنّه لا يكترثُ مطلقًا، فلعلّه أصبح يتوقُ لنقصانِ عددهم بلا شك ولكنّه يأبى الاعتراف لنفسه ظنًّا من أنّه مسالمٌ يبحثُ عن نجاته فحسب

توقفّت لبرهة لتلتفت لمن ورائها مع نظرةِ اشمئزاز ألقتها
"توقفي عن التظاهر بالطيبة"
كانت على قناعة بأن تلك التصرفات ليست حقيقيّة، فلم تؤمن بأنّ للإنسانِ صفاتٌ تتّسم بالملاك يومًا

ولم تكن غاضبةً من اسئلةِ ايفا السابقة الى حدّ الآن فهي لا تهتم أو على الأقلّ هذا ما اقنعت نفسها به
"لستِ بحاجةٍ الى مقدمات كهذه، اسأليني ما شئت فحسب"

ابدت ايفا علاماتِ الحزن التي كانت تضايق جولي بالمقابل، ولم ترفض طلبها بسبب فضولها
"كيف التقيتِ بأليكس؟"
سألت دون تردّد أو الحفاظ على كرامتها المتبقيّة

عاودت جولي السير ليسايرها من توقف خلفها وهي تجيبُ على سؤالها
"لم يكُن لقاءً محبّذًا، كانت عائلتي في حاجة ماسّة لمالِه... وكذلِك أنا"

أجابت ببرودٍ دون حزنٍ لمشاعر تناستها منذُ مدة
"كنتُ في العشرينات من عمري حينها، صغيرةٌ كفاية لأقتنع بأنّني محظوظة كسندريلا، بل اعتقدتُ بأنّ زوالَ الفقر سيمنحني نظرةً أفضل للحياة"

على الرغم من استماعِ كين لتلك الأحاديث إلا أنه واصل صمته ضجرًا وهو يقلّب عينيه خلسة حتى طلعَ على سطح الباخرةِ هو ومن معه

"كان سيكون من الأفضل لو كانت الشمسُ مشرقة"
ابدت ايفا رأيها اتجاه الظلام الدامس الذي يملأ المكان ثمّ لامست كتفيها العاريين لبرودة الطقس وهبوب الرياح يحرّك خصلاتِ شعرها الشقراء المبعثرة في وجهها

لاحظَ ذلك كين الذي كان يرتدي طبقاتٍ بمن الملابس ولكنّه لم يكُن رجلًا نبيلًا ليقدّم لها سترته أو بالأحرى لم يكُن في مزاجِ الشهامة

القت جولي بسترتها أسفلًا نحوها لتتسخ بالأرضية دون اكتراث، وبالرغم من فضاضةِ اسلوبها وطريقتها المتعجرفة في تقديم العونِ الا أن ايفا كانت ممتنة لانسانيتها

"أيّ فكرة عمّا سنبحث عنه بالضبط هنا؟"
سألت بعد أن كتّفت يديها وهيَ تشاهدُ المكانَ الواسع مع رغبتها في العودة لكسلها ثمّ زفرت بخفّة، كانت على انتظار اجابةٍ من كين ولكنّ من أجابتها كانت ايفا بالمقابل لتكسر توقّعاتها
"أيّ شيء يفي بالغرض، ربما؟"

لوفينياWhere stories live. Discover now