الموت ليس شيئا، الرهيب هو أن لا نعيش

73 11 67
                                    

-"ماذا قررت؟"
سألني الطبيب بنبرته الوقورة بينما يشابكُ أصابع يديه معا...

أخبرته بهدوء:"لا أعتقدُ أني أرغبُ في تلقي العلاج"

كنت أجلسُ على الكرسي المقابل لمكتبه، و أضعُ حقيبتي في حجري، تماما حيث جلستُ في اليوم الذي أخبرني فيه بمرضي...

-"لا أعتقدُ أنكِ تدركين خطورة الوضع"

طرقَ أحدهم باب المكتب، و دخلَ بعد أن أذن له الطبيب بذلك، و لم أكلِّف نفسي عناء الالتفات...

أجبتُ الطبيب بثبات:"أنا أدركُ ذلك جيدًا، لكنني لا أريدُ تلقي العلاج الكيماوي"
-"أيمكنكِ أن تخبريني بالسبب؟"

امتدتْ يد ذاك الشخص نحو المكتب حيثُ وضع مجموعة من الأوراق، و سمعتُ خطواته بينما يغادر...

قلتُ مبتسمة:-"لا أريد لشعري أن يتساقط"

-"آنسة نيلوزي..."
توقفتْ خطواتُ ذلك الشخص قبل أن يفتحَ الباب...

قاطعتُ الطبيب:"أعلم أن سرطان الدم مرض خطير و يتوجب علي أن أتلقى العلاج، لكن أخبرني، هل سأستطيع العيش بعد أن أتلقاه؟"

أطرقَ الطبيب في صمت، فسألتُ بيأس:"أجبني من فضلك، هل سأتمكن من العيش؟"
استمرَّ في التحديق في سطح المكتب، قبلَ أن يتنهدَ بثقل و يقول:"ذلك ليس مؤكد لكن..."
هززتُ رأسي في تفهم و قلت:"أجل، ليس مؤكد... أنا لا أريدُ أن أتشبثَ ببقايا أمل كاذب، لذا رجاءً لا تقدم لي أي أمل"

-"لكن..."

أوقفتُه قائلة بينما ما زلتُ أبتسم:"لستُ أريد أن أقضي ما تبقى من حياتي في المشفى، في حين أن إمكانية عيشي ضئيلة..."

هزَّ رأسه في تفهم، فهمستُ له شاكرةً و أخذتُ حقيبي ثم استدرتُ لأغادر، لكن جسدي تجمدَ فجأة حين لمحتُ جايك يقفُ أمام الباب و يضعُ يده على المقبض دون أن يفتحه...

كان ينظرُ إلى نقطةٍ ما على الأرض في ضياع، و شعرتُ بالاضطراب في أعماقي لكونه يعرفُ كل شيء الآن...

شددتُ على حقيبتي، و تقدمتُ بخطوات ثابتة نحو الباب حيث يقف، فرفعَ أنظاره إلي أخيرًا، تلك النظرة المنكسرة في عينيه تجعلني أشعرُ بالتيه أنا الأخرى، لذا أبعدتُ عيناي عنه و أبعدتُ يده المتمسكة بمقبض الباب ثم تجاوزتُه مغادرة دون أن أقول شيئا، لم يكن هناك شيء أقوله من الأساس، فموتي ليس شيئا اخترته، هذا المصير الذي ينتظرني ليس شيئا صنعته، ما يحدثُ الآن ليس خطئي لكي أستطيعَ تبريره...

تنفستُ بعمق لأستطيع التخلص من الغصة التي تقف في حلقي، في الوقت الذي لمحتُ فيه تلك المرأة من البارحة تلوِّح لي من حديقة المشفى، توقفتُ للحظات أنظرُ إليها بينما ترسمُ ابتسامة واسعة على شفتيها، قبل أن أتقدمَ نحوها.

قبل أن ينتهي الربيعWhere stories live. Discover now