لا يدرك معنى الحياة إلا من أوشك على فقدانها

112 16 80
                                    

تأملتُ انعكاسي في المرآة التي تتوسط جدار غرفتي، زرقة الفستان الذي أرتديه تماثل زرقة سماء هذا اليوم، تفاصيله بسيطة و رقيقة، يضفي عليه ذلك البريق الخفيف المنتشر في حوافه رونقا مميزا...

-"فستانك جميل للغاية إنه يليق بك" أخبرتني أمي التي تقف على عتبة باب غرفتي منذ فترة...

ابتسمتُ لها و قلت:"بل أنا التي أليق به أمي"

استوعبتُ بعد لحظات أني كنتُ أقولُ جملة هازل المعتادة حين يبدي الناس إعجابهم بما ترتديه...

-"النظر إليك هكذا، بينما تجوبين أرجاء غرفتك في حماس بفستانك الأزرق هذا و بتلك الابتسامة المشرقة على وجهك، يجعلني أشعر بالحنين إلى عشرينياتي. الوقت يمر بسرعة!"
نظرتُ إليها و قلت:"هل أشبهكِ، حين كنتِ في العشرين؟"
ضحِكَتْ بخفة و أجابت:"تبدين أجمل مما كنت عليه في ذلك الوقت"
ضيقتُ عيني في شك:"حقا؟"
أومأتْ مبتسمة فشعرتُ بشعور لطيف لقولها ذلك...
-"لا تتأخري اليوم، حسنا؟ دعينا نحتفل بذكرى ميلادكِ العشرين معا"

همهمتُ لها موافقة و أخذتُ حقيبتي ثم غادرت، تنفستُ بعمق و سلكتُ طريقي نحو الجامعة، مزاجي لطيف للغاية، حتى أني لوحتُ بلطف لابن جارتنا الذي أبرحته ضربا في الأيام السابقة، و أخذتُ زهرة توليب جميلة من بائعة الزهور الموجودة في الزقاق المجاور لمنزلنا.

كل الأشياء تلامسُ قلبي بحب هذا الصباح؛ السماء الرحبة، و الزهور الصغيرة التي نمت على جنبات الرصيف، فيلق الفراشات التي حلقت حولي، و عبير القهوة الذي يفوح من المقهى القريب، سيمفونية البلابل المغردة، و ظلي المتراقص الذي عكسته أشعة الشمس على الأرض. كل تفاصيل العالم تحضُنُنِي بدفء، و تبعثُ على الراحة و الانشراح في صدري...

لقد التقيتُ و جايك ثلاث مرات حتى الآن، لكنه أسرَ قلبي منذ أن التقتْ أعيننا لأول مرة في قسم الأدب الفرنسي في مكتبة الجامعة، و ترك أثرًا أعمق في قلبي حين تلامستْ أيدينا أثناء تضميده لجرحي.

جايك؛ بطباعه الرقيقة، و رحابة صدره، بابتسامته المشرقة التي تجعل الضوء يخترق قلبي، و بشخصيته المتسمة بالوقار، و قلبه المفعم باللين، إنه يجعلني أرغبُ في أن أصبح فتاة أفضل...

انتهتْ محاضرة السيدة جابرييلا و التي كانتْ الأخيرة هذا الصباح، أخبرتني قبل مغادرتي بضرورة تقديم مشروعي لها في المحاضرة الموالية.

سلكتُ طريقي نحو المكتبة، كنتُ أخطط للدراسة لبعض الوقت إلى أن تحين الرابعة عصرًا، صادفتُ هازل في طريقي تحادث بعض الطلاب، التقتْ أعيننا لبعض الوقت، كانت ما تزال ترمقني بنظرتها الجليدية الخالية من كل دفء، في حين لم أستطع وضع التعابير الباردة على وجهي، التفتَتْ بعيدا، فتنهدتُ بخفة و تابعتُ السير.

قبل أن ينتهي الربيعWhere stories live. Discover now