حين تكون النفس جاثية على ركبتيها

102 14 63
                                    

سلكتُ طريقي نحو مكتب السيدة جابرييلا، و ذلك بعد انتهاء كل المحاضرات التي لم أستطع حضور أي منها، نمتُ طويلا اليوم بسبب تأثير الدواء.

طرقتُ الباب و دخلتُ بعد أن أذنت لي بذلك، و وقفتُ أمامها بجمود في حين ظلت تكتبُ شيئا ما على الأوراق أمامها دون أن ترفعً أنظارها نحوي.

إنها تبدو كسيدة من العصر الفيكتوري، بفساتينها ذات اللون الموحد و شعرها القصير الذي يعتريه الشيب.

قالتْ بنبرتها الجليدية المألوفة:"أحضرتِ المشروع؟"
نفيتُ برأسي و قلت:"لم أستطع إحضاره"
وضعتِ القلم الذي كانت تكتبُ به على سطح مكتبها و رفعتْ عيناها أخيرا نحوي.

-"لقد كنتُ كريمة بشكل لا يصدق حين أعطيتكِ فرصة أخرى"
همستُ لها متأسفة:"أعلم ذلك، يمكنكِ توبيخي، تستطيعين الصراخ في وجهي"

حدقتْ بي بجمود و قالتْ:" أتعتقدين أني منحتكِ هذه الفرصة لكوني أهتم لك؟ لقد فعلت ذلك لكي لا أضطر إلى رؤية وجهك في قاعة محاضراتي السنة القادمة"

ابتسمتُ بوهن و تحدثت:"لا تقلقي بشأن ذلك"

-"ما عذركِ هذه المرة؟"

أخبرتها بهدوء:"سأموت"

ناظرتني باستغراب قبل أن تبتسمَ ساخرة:"ستموتين؟ أنا أعلم ذلك جيدًا، أنا أيضا سأموت، جميعنا سنموت"

أضافتْ:"مستواكِ في تقديم الأعذار متقدم للغاية، لو أنكِ بذلت جهدكِ في الدراسة بدل اختلاق الأعذار لكان مستقبلكِ مشرقا"

تنهدتُ و نظرتُ إلى أعماق عينيها بينما أقول:"ليس لدي مستقبل، لذا لست أفكر فيما إذا كان مشرقا أم مظلما"

صمتتُ للحظة قبل أن أتابع:"لم يعد لدي متسع من الوقت، سأموت قريبا"

اتسعتْ عينيها في صدمة، و أردفتُ بنفس النبرة الهادئة:"لقد تساءلتُ من سيسمع بهذا الخبر أولا، لم أتوقع أبدا أن تكون أنتِ"

بدتْ غير قادرة على الكلام، كانت لا تزال تنظرُ إلي بنفس التعابير التي لا أفهمها.
قالتْ أخيرا:"أحقا ما تقولينه؟"

همهمتُ لها بالإيجاب و تلفظتُ:"أخبرني الطبيب أني سأموت بعد ثلاثة أشهر أو خمسة على الأرجح"

نهضتْ من مكانها و قد اختفتْ نظراتها الباردة و استُبدلت بأخرى، بدَى و كأنها تشفقُ علي، قهقهتُ بخفة و قلتُ:"من فضلكِ لا تنظري إلي بهذا الشكل، ليس و كأن الموت شيء ما"

ابتسمتُ أخيرا و غادرت، قبل أن تقول أي شيء، لا أريدُ منها أن تشفقَ علي، أريدُ منها أن تستمر بكرهي، كما اعتادت أن تفعل...

                                                    ~~

السماء غائمة اليوم، و السحب تحجبُ الشمس أحيانا و تطلق سراحها أحيانا أخرى، اتجهتُ نحو المشفى، كنتُ قد اتخذتُ قراري ما أن استيقظتُ هذا الصباح، سأخبرُ الطبيب أني لن أخضعَ لأي علاج، لا أعرفُ من أين أتيتُ بهذا الثبات الذي يغمرني، أشعرُ و كأنني لستُ نفسي، أشعرُ بالانطفاء الكامل...

قبل أن ينتهي الربيعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن